صالح كامل:واجهنا حـر «مكة» بالشراشف المبـلولة

يعتبر الشيخ صالح عبدالله كامل رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة جدة، رمضان بالنسبة له شهر عبادة وعمل، وأن ساعات عمله في هذا الشهر الفضيل أكثر بكثير من ساعات العمل في أيام الفطر، كما تقل ساعات نومه إلى سويعات قليلة، وقال إنه لايزال يحافظ على نفس مكونات سفرة الإفطار والسحور التي تعود عليها منذ سن مبكرة عندما كان في الحارة في مكة المكرمة، أما أيام وليالي الشهر فهو يوزعها بين عدة مدن، بدءا من جدة ثم القاهرة ثم المدينة المنورة ثم مكة المكرمة في العشر الأواخر، وهو التوزيع الذي تعود عليه منذ سنوات طويلة.

أما بالنسبة للقاءات والاجتماعات العائلية فيبرز ملمحا جميلا جدا يتمثل في اجتماع جميع أفراد العائلة من إخوة وأخوات وأبناء وأحفاد على سفرة الإفطار بشكل يومي، فإلى اللقاء الذي أجريناه مع الشيخ صالح كامل.

• بداية يسعدني تهنئتكم بشهر رمضان المبارك أعاده الله عليكم وعلى الجميع بالخير والبركات، وأود أن تحدثنا ماذا يعني لكم شهر رمضان وكيف ترون الأجواء العامة فيه؟

- لا شك أن شهر رمضان شهر كله خير ورحمة وتقرب إلى الله عزو جل وهو أجمل شهور السنة، ولكن للأسف في السنوات الأخيرة أصبح يأخذ طابع التسلية والترفيه عند كثير من الناس، وهذا شيء جديد وليس من ديننا أو عاداتنا ولا يتلاءم مع قدسية هذا الشهر العظيم، لكن الحمد لله المملكة العربية السعودية وكثير من البلدان الإسلامية لا زالت تحافظ على هوية هذا الشهر الفضيل وتشعر الناس أنه شهر عبادة وتقرب إلى الله، وانا أستغرب ممن يتضجر وتسوء أخلاقه في هذا الشهر بحجة أنه صائم، مع أن حسن الخلق من العبادات، وأنت في شهر عبادة وكسر لشهوة النفس وامتناع عن الطعام والشراب ومن الأولى أن تمتنع عن الغضب.

وأتوجه أولا إلى بعض الناس الذين يظنون أن شهر رمضان يعطيهم العذر أن يكونوا ضيقي الخلق في التعامل بحجة الصيام في رمضان، مع أن ذلك يدعوك إلى أن تكون متسامحا أكثر من الأيام الأخرى لا أن تقطب جبينك في وجه أخيك، فالله عز وجل غني عن صيامك إذا كنت تأخذ الصيام ذريعة لسوء الخلق، وهذا ما أتوجه به أولا لنفسي ولإخواني وأبنائي القراء.

ثانيا من الملاحظ في معظم البلاد العربية زيادة الاستهلاك من الطعام في رمضان والاستعداد له بالمواد الغذائية والتموينية وخلافه، وفي بعض البلدان التي تعاني أزمات نقدية واقتصادية تجد الحكومة في حيرة فيما يتعلق بتلبية متطلبات شهر رمضان للناس، ولو اتبعنا الحكمة الإلهية من شهر رمضان فيفترض أن يكون هذا الشهر أقل الأشهر استهلاكا في الطعام والشراب ولكنه للأسف أصبح أكثرها استهلاكا، وأعرف بعض البلدان يتضاعف الاستهلاك فيها في رمضان إلى ما يعادل استهلاك أربعة أشهر، أي ثلث السنة، وهذا بدوره يضغط على موارد البلد ويضاعف الأسعار نتيجة تضاعف الطلب.

النقطة الأخرى التي تتعلق بالملاحظات السلبية على تصرفاتنا في رمضان كثرة الأكل والشرب، ولو تأملنا العبادات وبالذات الأركان الخمسة لكل منها مقصد وغاية وحكمة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال ربنا عز وجل في كتابه العزيز: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فإذا كانت صلاتك لم تنهك عن الفحشاء والمنكر فعليك مراجعة نفسك والبحث عن الأخطاء التي عندك، والصوم يكسر شهوة النفس لقوله تعالى: (ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى) فأنت تهوى الأكل والشرب بالإضافة إلى أنها حاجة طبيعية ولذلك أعفى الله عز وجل المرضى وأصحاب الأعذار الشرعية وسمح لهم بالإفطار والتعويض بإطعام المساكين والفقراء، فحكمة الصيام كسر شهوات النفس والإحساس بالفقير الجائع والمحتاج، وهناك مصحات عالمية في أوروبا وأمريكا الآن تستخدم الصيام كعلاج للجسم ينظفه من السموم، لأن الأكل والشرب الذي نتناوله يترك فضلات في الجسم، فعندما تقلل منها فهذا نوع من العلاج، والحج حكمته تتثمل في الآية الكريمة (ليشهدوا منافع لهم) نحن الآن يأتي إلينا المسلمون للحج ولا نشهد هذه المنافع لنا، فلا نرى مؤتمرا للمحامين أو المهندسين أو المفكرين المسلمين مثلا، والمفروض أن تكون مكة المكرمة في شهر الحج مدينة مؤتمرات وتواصل وتبادل حتى لا نضيع المقاصد من الحج.

أما الزكاة فكلها مقاصد وأيضا هذه لم نفهمها كما ينبغي، فالزكاة ليست تفضلا على الفقير ممن يخرجها، بل هي واجب عليه في ماله وهي ليست للفقير فقط، وإنما لها ثمانية أسهم أو مصارف ذكرت في سورة التوبة في القرآن الكريم، فالفقير يختلف عن المسكين، والمسكين يختلف عن العاملين عليها، وغير المؤلفة قلوبهم، وغير الرقاب، وغير ابن السبيل، وغير في سبيل الله، الزكاة تشجع حتى على السياحة، فكلمة ابن السبيل تعني المسافر، والله جعل في السياحة عبادة وذكرها الله عز وجل في سورة التوبة (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون) فإذا سافرت في سياحة بقصد التفكر والتدبر في خلق الله سبحانه وتعالى فأنت في عبادة ومأجور عليها. والترفيه ليس بحرام ولكن اجعل سياحتك للتفكر في خلق الله، تسبحه في كل حين عندما تشاهد منظرا جميلا أو مخلوقات أو أماكن تعجبك وتشدك وتشاهد طبائع وثقافات المجتمعات والخلائق، فكلما رأيت شيئا وسبحت الله وذكرته سبحانه وتعالى فأنت في عبادة، ولكن للأسف كثير منا ضيع هذه الفرصة ولم يتنبه لها. وأرجو أن يلهمنا الله سبحانه وتعالى أن نفهم مقاصد الإسلام، لا أن نؤدي حركات وتصرفات لا نفهم أو نفقه الحكمة منها، فأحببت أولا أن أخرج وأبدأ حديثي من العموميات إلى الخاص وأخرج أيضا من الجوانب التقليدية في اللقاءات.

أما بالنسبة لي فأنا فيما يتعلق بالصيام وبدايته، فرحم الله والدي فقد علماني الصيام منذ كنت في السابعة من عمري، وكانا يقولان لنا أحيانا «صوموا بس من وراء الزير» يعني اشرب دون أن يراك أحد من أجل أن يشجعونا على الصيام ومحاولة تقليد الكبار في هذا الشيء، ولكني انتظمت في الصيام منذ سن التاسعة وعندها بطلت وتوقفت عن الزير، وأذكر أنه في مكة المكرمة لم يكن هناك مكيفات والجو حار ولا توجد حتى مراوح آنذاك وكنا في النهار إذا أردنا أن ننام نبلل الشرشف بالماء قليلا ونتغطى بها من أجل أن نرطب الجو قليلا، ولكن الآن نحن في نعم كثيرة نحمد الله سبحانه وتعالى عليها فلقد مرت علينا فترات لا نعرف فيها مكيفات ولا مراوح ولا نعرف السفر إلى الخارج حتى من كان ميسور الحال يذهب إلى الطائف من أجل الجو اللطيف هناك، فلم يكن شائعا آنذاك السفر إلى الخارج كل عام سواء إلى بيروت أو القاهرة أو لندن أو غيرها، ولم تكن الأسر تعرف هذه العادة أبدا.

رمضان في الحارة
• كيف كانت حياتكم في الحارة في مكة المكرمة وكيف كانت الأجواء الرمضانية فيها؟

- كانت هناك طقوس لرمضان في الماضي منذ 50 أو 70 سنة مضت تختلف عن الآن، في الماضي كانت تركيبة المدن مختلفة، فكانت البيوت متجاورة وأتذكر في مكة المكرمة كنا نسكن في وقف لجدي رحمه الله مساحة الوقف كأرض كانت 600 متر مربع مبني عليها مبانٍ عبارة عن طابقين وثلاثة طوابق، وكانوا يسمونها «حوش كامل» وكان يسكن في هذه المساحة خمس عشرة عائلة، والحوش عبارة عن رحبة في الوسط والمنازل محيطة به، وكان السكان في هذه المباني داخل الحوش كأنهم عائلة واحدة، رغم أنه لا قرابة نسب بينهم، وفي رمضان كان الإفطار كل يوم في بيت من هذه البيوت المتجاورة داخل الحوش، وكذلك السحور، وتشعر أن الجميع أسرة واحدة بحق، وبعد الحوش يأتي «الزقاق» وهو شارع ضيق في الحارة، والزقاق يمثل المجموعة الثانية من السكان الذين تختلط بهم، بعد ذلك تأتي المحلة مثل «محلة الهجلة» في مكة المكرمة، وهي عبارة عن عدد من الأزقة ولكن لا تصل إلى مستوى الحارة، فهي أقل من الحارة وأكبر من الزقاق، وكانت هناك عادات طيبة مثل أواصر الترابط الاجتماعي والعلاقات بين الجوار، ولكن كانت هناك أيضا عادات سيئة مثل المضاربات بين الحارات، وكانت تقوم هذه المضاربات والمعارك بين أبناء الحارات المختلفة وكأنهم في عداوة، فأبناء الشبيكة يتضاربون مع أبناء حارة الباب، وأبناء حارة الباب يتضاربون مع أبناء حارة المسفلة، فكانت هناك عادات جميلة ورائعة وكانت هناك عادات سيئة كما ذكرت.


الحرم محور حياتنا
• كيف كانت ليالي رمضان في مكة المكرمة؟

- ليالي رمضان في مكة المكرمة كانت لها بهجة أولا لوجود الحرم المكي الشريف الذي يعتبر لأبناء مكة ممن تربوا في جيلي محور حياتهم، فقد كان الحرم المكي ملتقانا ونادينا ومحور حياتنا، نذاكر دروسنا ونتسامر ونحضر حلقات الدروس ونقضي معظم وقتنا فيه، فكان أحدنا لا بد أن يذهب للحرم مرتين أو ثلاث مرات على الأقل سواء بغرض الصلاة أو لأي غرض آخر، فمن عاش في جيلي كان الحرم محورا مهما في حياته في مكة المكرمة، ولا أعرف هل هذه العادات لا زالت باقية أم لا؟ ولكني أعتقد أنها تغيرت الآن لتوسع المدن وتباعد البيوت والمسافات، واختلاف المساحات، فالمساحة التي كانت تستوعب 15 عائلة الآن لا تستوعب إلا عائلة واحدة، والحمد لله على النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها.

سفرة الإفطار والسحور
• ما هي محتويات سفرة إفطاركم وسحوركم؟

- المعروف أن الفول وجبة مهمة جدا لأهل مكة المكرمة بل وأساسية في سفرة الإفطار ولا تكاد تخلو سفرة إفطار في الحجاز من الفول وشوربة الحب والسمبوسة، وهذه أساسيات سفرة الفطور في رمضان، أما السحور عندنا في مكة المكرمة كانوا دائما يصنعون لنا على السحور أرز الكشري واللبن، والكشري مثل العدس الأخضر يطبخ مع الأرز ولا زلت حتى الآن أتناول هذه الوجبة في سحوري لأنه يثبت في المعدة طوال اليوم «يقعد زي اللوكامية» فإلى الآن سحوري كشري وفطوري شوربة حب وفول وسمبوسة.


أجواء أسرية
• مما يميز شهر رمضان أيضا التواصل والتقارب واللقاءات الأسرية، كيف هي أجواؤكم الأسرية في هذا الشهر؟

- بالنسبة للتواصل العائلي والحمد لله فنحن إلى الآن في رمضان نجتمع كل يوم على سفرة الإفطار في بيت الوالد رحمه الله، جميع الإخوة والأخوات والأبناء، ونحن ما شاء الله أبناء وأحفاد وأحفاد الوالد يصل عددنا إلى أكثر من 140 شخصا، ففي رمضان غالبا نفطر جميعنا سويا حسب الظروف، وبعد الفطور نجلس سويا إلى وقت صلاة العشاء والبعض يصلي العشاء والتراويح جماعة في بيت الوالد والبعض يذهب إلى المسجد، أما السحور فكل يتسحر في بيته إلى أن يتم اللقاء في اليوم التالي في نفس البرنامج الرمضاني.

ومنذ 34 سنة أقضي العشرة الأيام الأولى من رمضان في جدة لارتباطات العمل وانعقاد ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي التي نقيمها منذ 33 سنة في شهر رمضان، بالإضافة إلى اجتماعات مجالس إدارات عديدة نعقدها في رمضان ويحضرها شركاؤنا في الخارج الذين يأتون وينتهزون هذه الفرصة في هذا الشهر الفضيل، ففي العشرة الأولى برنامج مليء بالاجتماعات والارتباطات العملية، وأنا شخصيا أعمل في رمضان أكثر من أي شهر آخر وأنام فيه أقل بكثير من أيام الفطر من منطلق أن شهر رمضان شهر عبادة وعمل فهو شهر عمل بالنسبة لي أكثر من غيره، الأيام الخمسة التالية أقضيها عادة في القاهرة ثم الأيام الخمسة التي تليها في المدينة المنورة بجوار قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فأزور وأستمتع بهذه الأيام المباركة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعشرة الأخيرة أقضيها في مكة المكرمة، ولكن أيضا في مكة المكرمة والمدينة المنورة يظل العمل قائما وأحيانا أذهب إلى جدة ثم أعود إلى مكة وأحيانا يأتون إلينا في مكة ونعقد اجتماعاتنا ومجالس الإدارات وأعمالنا في مكة، وبالنسبة لي العمل والتعبد كلاهما عبادة، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وفي موضع آخر يقول عز وجل (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) أي أمركم بإعمارها، فطالما ما خلقني إلا لعبادته وأمرني بأن أعمر الأرض، إذا كلاهما عبادة.

لا سفر في رمضان
• بحكم أعمالكم وارتباطاتكم العملية، هل صمتم في خارج المملكة، وكيف كانت تجربة صيامكم هناك؟

• لا أعتقد أنني صمت خارج المملكة باستثناء صيامي في مصر خمسة أيام كل سنة تقريبا، أما ما عدا ذلك فأنا أحرص على الصيام وقضاء شهر رمضان المبارك في المملكة وأحرص على أن أقلل من سفري إلى الخارج بقدر الإمكان، ونادرا جدا ما أسافر في شهر رمضان وفي حالات أو أمر لا يمكن تأجيله بأي حال، والحياة في مصر في رمضان شبيهة بما لدينا إلى حد ما، وقد تكون من بين البلدان التي لا زال فيها شعور بروحانية رمضان وخصوصيته ومظاهره، أما في أوروبا فلا أذكر أنني صمت فيها إلا نادرا جدا وربما يوما أو يومين وليس أكثر.

حديث الذكريات
• يرتبط شهر رمضان لدى كل منا بذكريات تظل راسخة في الذاكرة، ما هي ذكرياتكم التي لا تزال عالقة عن رمضان؟

- الذكريات كثيرة، ولكن ما يرتبط برمضان عندما كنا في الطائف كان هناك شيء يسمونه «منفوش» وهو مثل الأكلة الجاوية «الكربو» ولكن أكبر حجما، فكانوا دائما يعملونه في رمضان ومعروف ويباع في الطائف وفي مكة المكرمة، ورمضان في الطائف كان له بهجة وطعم خاص وكنا دائما عندما يأتي الصيف تنتقل الحكومة إلى الطائف في عهد الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك فيصل رحمهم الله جميعا، فكنا نذهب مع الوالد رحمه الله إلى الطائف وكان هو المصيف الأمثل للناس الذين يريدون الاصطياف ويبحثون عن الجو الجميل في المملكة، وكان الطائف فيه بساتين ووديان وحدائق غير الطائف الآن، الذي أصبح كله غابات أسمنت ومسلح، فلم يعد الطائف كما كان في الماضي.

ومن الذكريات أيضا كنت أحرص حتى إلى سنوات قريبة أن نذهب مع الدكتور محمد عبده يماني يرحمه الله إلى وسط البلد «جدة القديمة» في المساء بعد صلاة العشاء والتراويح، ونتمشى هناك ونستمتع بالأجواء الرمضانية والحياة التي تعج بها منطقة البلد ونقف في السوق ونأكل البليلة والبطاطس والكبدة، وكنا حريصين على هذا البرنامج في رمضان إلى سنوات قريبة ما قبل وفاة الدكتور يماني، وعندما توفي يرحمه الله فقدت إنسانا عزيزا وشقيقا للروح.

خطر العائلية
• تحرصون طوال العام على أعمال الخير وربما كان لكم تواصل يتزايد في شهر رمضان لتلمس حالات تتطلب المساعدة والوقوف بجانبها أو بالصلح وإصلاح ذات البين، كيف تنظرون إلى ذلك وكيف تتعاطون مع هذا الجانب؟

- هذا الجانب كان الدكتور محمد عبده يماني يمنحه جل وقته وتقريبا 90 في المائة من وقته وجهده واهتمامه موجه له بل كان شغله الشاغل، وبعد وفاته يرحمه الله وجدت أنه من واجبي أن أسد ثغرة في هذا الجانب الذي كان يقوم به وأحاول جهدي ولكن لا أستطيع أن أصل إلى ما كان يقوم به يرحمه الله.

وعندما أتيت إلى الغرفة التجارية بجدة أنشأنا مركزا للتوفيق في خلافات الشركات العائلية التي تعتبر خطرا كبيرا، والكثيرون لا يتنبهون لها، خاصة وأن معظم اقتصادنا يقوم على الشركات العائلية فإذا لم نحسن تنظيمها بحيث لا يرتبط وجودها بوجود المؤسس وإذا مات انهار كيان هذه الشركة أو تلك، فهذا يضر بالوطن وبالاقتصاد الوطني ويضر بالعوائل، وللأسف الشيطان يدخل بين الإخوان، بل يدخل حتى بين الآباء وأبنائهم، فهناك أبناء حجروا على آبائهم بسبب المال، وينسى مثل هؤلاء أن الذي صنع هذا المال هو الأب ولن يوفق في حياته أبدا، للأسف المادة أعمت بصائر البعض وأصبحوا ينسون علاقة الأبوة والأخوة، وتطاوعهم أنفسهم على ظلم أخواتهم أو إخوانهم القصر الذين هم مسؤولون عنهم شرعا، فكيف يزين الشيطان لهؤلاء أكل أموال أخواتهم أو إخوانهم. ولدينا الآن في الغرفة التجارية مركز للتوفيق في الخلافات التي تنشأ في الشركات العائلية، ونحاول أنا ومجموعة من رجال الأعمال المتبرعين بوقتهم وجهدهم أن نبادر إلى الإصلاح كلما سمعنا بخلاف هنا أو هناك قبل أن تتفاقم الأمور ونعمل على إطفاء الحرائق في بدايتها، ونحاول من خلال هذا المركز أيضا أن نضع ميثاقا للشركات العائلية تسترشد به يتضمن بعض النصائح والإرشادات والخطوات العملية، وإن شاء الله يلعب المركز دورا كبيرا في الإصلاح وحل الخلافات في الشركات العائلية وقد بدأ العمل في هذا المركز منذ سنة تقريبا وإن شاء الله سيشهد مرحلة تطويرية بعد رمضان.

مصر والاستثمارات
• معروف شيخ صالح أن لكم استثماراتكم في مصر وكذلك كثير من المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين، كيف تنظرون إلى الأوضاع الحالية في مصر وتأثيرها على استثماراتكم؟ وكيف تنظرون إلى مستقبل مصر الشقيقة؟

- أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بالعالم العربي كله وأسأله أن يعيد الأمن والأمان والنماء إلى مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن وكل بلاد المسلمين وكل البشرية.

وهناك أشياء تحدث تعرفنا معنى وأهمية الأمان في الأوطان فنعمة الأمن والأمان في الأوطان لا تقدر بثمن، وأرجو الله أن يكفينا شر كل من يريدنا بشر وأن يعقل مستخدمي وسائل الاتصالات الحديثة التي أسقطت هيبة الكبير والجميع، ما يحدث أمر محزن وكل من أجاد استخدام هذه الوسائل ظن نفسه أنه إذا أتحفنا بآرائه سواء كانت ذات قيمة أو لا قيمة لها أنه أصبح بطلا أو شخصا مهما، المطلوب أن نحسن استخدام هذه الوسائل فمن اخترعوها لم يستخدموها بالسوء الذي نستخدمه به.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤمننا في أوطاننا ويعيد الهدوء والاستقرار إلى مصر وجميع الدول الشقيقة، وما حدث في مصر يوم 30 يونيو أعتقد أنه لطف كبير من الله سبحانه وتعالى ليس بمصر فقط وإنما بالإسلام والأمة العربية، لأن المتاجرة بالدين وبالإسلام وإدخال الدين في شؤون سياسية واستخدامه طوائف من أكبر الجرائم التي ارتكبت عند الله سبحانه وتعالى، وعندما قال الشيطان (أنا خير منه) والآن كل حزب وكل فصيل وكل جماعة إسلامية ترى في قرارة نفسها أنها خير من الآخرين، إذن ذهبوا في نفس المعصية التي وقع فيها الشيطان، ولا يرون أو يقرون باختلاف الرأي وأن «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، إن كل هذه الدعوات والتنابز وما نسمعه من فرق وطوائف لا أساس لها في ديننا، فلقد جاءنا نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالدين الإسلامي صافيا خالصا ولم يكن هناك أي مذاهب أو أحزاب فلا تدخلوا في الدين ما ليس منه، ولا يغتر البعض بعدد المتابعين والمريدين ولا يغتر بالدنيا أو الشهرة ومن كان يدعو لوجه الله تعالى لا يهتم بعدد المتابعين ومن يهتم بعدد المتابعين فهو على خطأ وغير مخلص في دعوته، وما حدث في 30 يونيو أعتبره لطفا من الله عز وجل بالمسلمين وبمصر وليس هزيمة للإسلام، ولم يكن الفصيل الذي يحكم مصر هو الذي عرف الناس بالإسلام، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق بين المصريين وأن يحقن دماءهم، ومصر فيها خيرات كثيرة ومصر هي نصف العالم العربي وليست دولة صغيرة أو هامشية وإنما تأثيرها في العالم العربي أكبر تأثير، فالله لطفه بمصر كان لطفا بالإسلام وبالعرب وبالمسلمين.

المصدر : عكاظ 1434/9/8هـ
 حوار: خالد مقبول