«التنعيم» .. عبق التاريخ وملتقى الثقافات

يعتبر حي التنعيم شمال غربي مكة المكرمة من أقرب المواقع للحرم المكي الشريف، إذ لا يبعد عن المسجد الحرام سوى ستة كيلومترات وهو المكان الذي يعتمر منه أهل مكة المكرمة، لذلك يطلقون عليه اسم العمرة.وجرى تسمية الحي بالتنعيم حسب ما تناقلته الروايات لأن الجبل المشرف من الجنوب الغربي على الحي يدعي نعيم والجبل المقابل له من الشمال الشرقي يسمى ناعم ولم يعد هذان الاسمان معروفين في الوقت الراهن، ويعد حي التنعيم ملتقى الثقافات في مكة المكرمة، حيث يحرم منه من يريد العمرة سواء من مكة المكرمة أم من الحجاج والمعتمرين الذين يرغبون في الاعتمار عن ذويهم بعد أن يؤدوا العمرة عن أنفسهم فهو يضم مسجد التنعيم الذي يعتبر أحد مواقيت الإحرام، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نزل النبي صلى الله عليه وسلم المحصب، وهو مكان بمكة، فدعا عبدالرحمن بن أبي بكر فقال: اخرج بأختك من الحرم إلى التنعيم فلتهلل بالعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا، قالت: فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله وهو في منزله في جوف الليل، فقال: «هل فرغت» فقلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى المدينة.

يشار إلى أن مسجد التنعيم شهد مراحل عديدة لبنائه قبل أن يستقر على عمارته المميزة الحالية في العهد السعودي، فقد بناه عبدالله بن محمد بن داود أبو العباس أمير مكة زمن الخليفة المتوكل بعد العام 240هـ، ثم انهدم، حتى أصبح المعتمرون يصلون ويهلون بالعمرة من أرض جرداء ليس بها أي بناء بل يخرجون فقط خارج الاعلام ويحرمون منها.

وبأمتار قليلة خلف هذا المسجد نحو الجبل الواقع في الحل يوجد موضع صلب الصحابي الجليل خبيب بن عدي الأوسي الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي من السابقين إلى الإسلام، أسره المشركون وأرادوا قتله اقتصاصا لمقتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر فخرجوا به إلى خارج الحرم وكان التنعيم أقرب نقطة إلى خارج حدود الحرم، فلما أرادوا قتله طلب منهم أن يصلي ركعتين فتركوه يصلي، ثم قال والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت لزدت، ثم دعا: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا. ثم قال شعرا: فلست أبالي حين أقتل مسلما ..

على أي جنب كان في الله مصرعي. فقتل رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وقد أصبح المكان اليوم حيا من أحياء مكة السكنية والصناعية ويعرف بحي العمرة.

ويتميز الحي بالعديد من المعالم أبرزها مقر نادي الوحدة الرياضي والشركة السعودية للكهرباء ومطابع صحيفة أم القرى الجريدة الرسمية، والكلية التقنية والمعهد المهني وعدد من المستشفيات الأهلية والحكومية، كما يشيد حاليا الطريق الدائري الثالث، الذي يمر بجوار المسجد ويجري العمل فيه حاليا، إذ أنجزت نسبة كبيرة منه.مركز تجارييوجد في الحي مقبرة أم المؤمنين ميمونة، التي تقع بجوار طريق المدينة، الذي يقسم الحي الى جزءين بوادي سرف، كما يضم الحي المدينة الصناعية التي تأسست عام 1400هـ لوجود الحي خارج حدود الحرم، وتمتاز المدينة الصناعية بقربها من مدينة مكة المكرمة، التي بدورها تعتبر مركزا تجاريا ضخما لقربها من الحرم المكي الشريف فهي تضم 60 مصنعا ونحو 4 آلاف عامل.