الندوة استكتبت علماء الحرم والعالم الإسلامي وخرّجت قيادات مسيرة نهضتنا الصحافية

 

حين يتحدث في أي أمر يأسرك بحديثة الشيق وأسلوبه المتميز وتوثيقه لكل الأحداث وتخصصه في السرد التاريخي عن مكة المكرمة بصفة خاصة والحجاز بصفة عامة ,فهو بلاشك إعلامي متمرس ومؤرخ متخصص وشاعر صاحب حس مرهف وباحث فذ يمتلك ثروة فكرية وتاريخية لم تستغلها المؤسسات الفكرية كما ينبغي.


فضيفنا اليوم نموذج فريد جمع بين الكتابة الصحافية والحس الإعلامي والتوثيق التاريخي ونظم القصائد العاطفية والأغنية والمنلوج بالإضافة إلى قصائده الزجلية فهو حقاً الرجل الموسوعي المعرفة عميق الاطلاع ابن الندوة البار الأستاذ هاني بن ماجد فيروزي الذي استضفناه في هذه المساحة بهذه المناسبة التي نحتفل بها بصدور العدد رقم 15 ألف من الندوة فإلى تفاصيل الحوار الذي بدأه بالحديث عن رحلته في عالم الصحافة.


كيف كانت مسيرة رحلتكم في عالم الصحافة؟
رحلتي مع الصحافة (العشق والهوى) بدأتها مبكراً منذ المرحلة الابتدائية.. وكانت البداية مع (قريش) ومطابعها وهي لشيخ المؤرخين الشيخ احمد السباعي.. وتدربت على يد كبير فنيي مطابع قريش الشيخ محمد احمد الصحاف صاحب مطابع (الصفا) حالياً.. ويوم كان الاستاذ محمد الشنواح سكرتيراً لتحريرها ثم بدأت بمراسلة البلاد من خلال مكتبها بمكة المكرمة الذي كان يرأسه يوم ذاك معالي الاستاذ محمد عمر توفيق كان به الاساتذة الاعلام عبدالله عمر خياط، وعبدالغني قستى، وعبدالله الداري، وعبدالله عبدالرحمن جفري، واحمد الكثيري رحمه الله وقبل أن تنتقل هذه الكوكبة إلى عكاظ مع بداية عهد المؤسسات.. فمكتب جريدة البلاد كان في المدعا.. بجوار إدارة مصلحة عين زبيدة الذي كان موقعها فوق بازان المروة (المدعا) ودكان الشيخ هاشم نقلي وقبل أن تزال تلك المنطقة ضمن مشروع توسعة المسجد الحرام.. خاصة بعد حريق الشامية الكبير الذي سرع بهدم المنطقة لفتح شارع يوصل مابين الشامية والقشاشية وسوق الليل.


أما التحاقي بجريدة الندوة فجاء على فترتين الفترة الأولى كانت متزامنة مع جريدة البلاد.. فكنت اراسل الندوة بأخبار المدرسة الخالدية الابتدائية التي كانت في مقدمة المدارس من حيث الأنشطة اللامنهجية.. وكانت الندوة في تلك الفترة قد انتقلت ملكيتها بالكامل من الشيخ احمد السباعي إلى الشيخ صالح محمد جمال وكان مدير تحريرها الاستاذ محمد صلاح الدين وكان الاستاذ محمد احمد مكاوي أحد أبرز المحررين فيها ولعله كان يقوم بعمل سكرتير التحرير.. وعن طريقه كنت أوصل أخبار الخالدية.. والنشاط الرياضي الذي كان يقام على ملعب الرصيفة خارج العمران وموقعه الآن موقع المدارس الجاهزة في شارع عبدالله عريف رحمه الله.


أما المرحلة الثانية فكانت في عهد المؤسسات وعندما أصبح الاستاذ حامد مطاوع رئيساً لتحريرها والاستاذ نعمان طاشكندي مديراً للتحرير والاستاذ محمد محمود حافظ سكرتيراً للتحرير وكان الأخوان الدكتور صالح بدوي والدكتور فايز حسين في التحرير فجئت ثالثهما أما الاستاذ عيسى خليل فهو مترجم الجريدة والأخ علي العنهمي مصورها رحمهما الله.


هل استمر تعاونكم مع الندوة محصوراً على أخبار المدارس أم كانت لكم مشاركات أخرى؟ وماهي أبرز تلك المشاركات؟
أخبار المدارس كانت في المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية ومع الاستاذ حامد مطاوع فقد بدأت أتدرب مهنياً من على مكاتب التحرير.. وكانت البداية من أخبار الوكالات فقد كانت الندوة في مقدمة الصحف التي اشتركت في هذه الخدمة.. وكلفت باستلام أخبارها وإعادة صياغتها واختيار العنوان المناسب وحذف الاخبار التي لاتتناسب مع الجريدة.. وكان الاستاذ دقيقاً في كل شيء كما هي عادته وكان عليَّ أن أحافظ على عناصر الخبر الاساسية لكي لايفقد مصداقيته في الوقت الذي علينا استبدال قميصه وربطة عنقه ونلبسه الثوب والعقال.


وعملي في هذا القسم أفادني كثيراً ونمى عندي الوعي السياسي والقدرة المهنية ومعرفة التوازنات السياسية والادارية لقد كان ذلك القسم كلية للإعلام وكان الاستاذ حامد عميدها.. وبقية من ذكرتهم اساتذة فيها.. وسمح لي الاستاذ حامد مطاوع أمد الله في عمره بالمشاركة بالكتابة في (رقيب اليوم) فكنت اكتب في رقيب الأربعاء.. ومما كتبته في هذه الزاوية مقالاً سياسياً بعنوان:(ماذا يعني تغير الوزارة.. ياسيادة الريس) وذلك في أوج الخلاف الذي كان بين المملكة والرئيس جمال عبدالناصر.. وكان قد تولى رئاسة الوزارة علي صبري رجل (الاتحاد السوفيتي) يوم ذاك في المنطقة.. وكنت قد شكلت رؤية عن علي صبري من خلال قراءاتي للصحف والمجلات وسماعي للإذاعات ومتابعتي لها.. وكنت يومها مغرماً بأسلوب الإذاعي المصري (احمد سعيد) ومنهج كتابة الإذاعي المصري (محمد عروق).. فجاءت كتابتي مقطعة.. ومركزة لكي اتجنب تشطيبات الاستاذ حامد مطاوع ولأول مرة نجا المقال الذي كتبته من سطوة قلم الاستاذ. هذا المقال فوجئت أن الإذاعة قد اختارته ذلك اليوم ليكون تعليقاً على الأنباء الذي يقرأه الاذاعي الكبير الاستاذ عبدالله حمزة راجح.. الصوت الاذاعي القوي المقابل لطريقة احمد سعيد وفي قسم الوكالات كان ميلادي السياسي.. ورقيب الأربعاء كان بطاقتي وهويتي أما الحدث الثاني الأبرز والذي أعاد تشكيل شخصيتي الصحفية.. فهو سيل الأربعاء (سيل الربوع) الذي داهم مكة المكرمة في عامي 1384-1386هـ وكنت أول صحفي وكانت الندوة أول صحيفة تغطي كوارث السيول بالصورة والكلمة من كل مواقع الأحداث.


وكان ذلك العمل أو الاستطلاع صحفي بمفهومه ومعناه قمت به ومن العناوين التي كتبها الاستاذ محمد محمود حافظ (من ينقذ فرقة الانقاذ؟) بناء على صورة للأهالي وهم يحاولون انتشال سيارة المطافي من الغرق.. على طريقة ( جيتك ياعبدالمعين تعينني لقيتك ياعبدالمعين تنعان) ومن الطريف أن الاستطلاع وعناوينه قد أغضب سمو الأمير مشعل بن عبدالعزيز ـ أمد الله في عمره ـ يوم كان أميراً لمكة المكرمة، ففاجأ والدي بزيارته منفعلاً.. وكان في صحبة سموه الاستاذ عبدالله عريف أمين العاصمة المقدسة والعقيد حامد أبو نواس رئيس قلم مرور العاصمة.. وكان سموه قد تخيلني شاباً طويل القامة ممتلئ الجسم مفتول العضلات وكثيف الشارب.. بمثل ما كان عليه غالبية الشباب يومها.. فلما رآني زهد في معاقبتي وترفع حتى عن توبيخي خاصة بعد أن قال له أبي رحمه الله (أنا علي الخلفة وعلى الحكومة التربية) فكان عفو سموه هو عفو الكبار وهذه من شيم قيادتنا.


أما إدارة الجريدة فرفضت أن تصرف لي قيمة الصور رغم أن الجريدة طبعت خمسة آلاف نسخة زيادة ونفدت الجريدة بالكامل.. لأني كما جاء في شرح الاستاذ حسين عرب نائب المدير العام الدكتور حامد هرساني المتمتع بإجازته وكان مكتب الادارة يومها في الغزة وبذلك خسرت تكاليف التصوير ولم استفد من إغراء الفريق فايز العوفي رحمه الله. الذي كان يومها مديراً لادارة المطافي كما كانت تسمى قبل تسميتها الدفاع المدني الذي دفع لي خمسة آلاف ريال مقابل الصورتين اللتين نشرتا وقد حمل إليَّ العرض يومها العميد فؤاد علي بن صادق يوم كان ملازماً ثانياً في المطافي.


لكني كسبت الكثير فقد كان هذا الاستطلاع بطاقة تعريفي الصحفي للمجتمع المكي والمجتمع الصحفي والاعلامي.
ما الذي كان يميز الندوة في تلك الفترة عن بقية الصحف؟
كانت الندوة من أقوى الصحف وفي مقدمتها وتخرج من مدرسة الندوة الكثير من أعلام صحافتنا، لقد توفرت للندوة كل المعايير الصحفية والمهنية ومصادر الأخبار المحلية والخارجية إلى جانب كتابها الأعلام بل وكانت من أقوى الصحف في المقال السياسي والديني والاجتماعي.


كانت الندوة تمثل أفضل المعايير والقيم والأخلاقيات الصحفية وكان فريق الندوة يعمل بروح الفريق المتعاون المتضامن المنتمي للصحيفة ويعمل بمهنية احترافية في صياغة الخبر والتحقيقات والاستطلاعات والرأي الحر وعلى سبيل المثال ماكان يكتبه الكاتب السياسي الاستاذ سليمان قاضي وفي مجال المقالات الدينية ماكان يكتبه الشيخ محمد احمد باشميل سكرتير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز.


لقد استقطبت الندوة في تلك الفترة نخبة من كتابنا الأعلام منهم على سبيل التذكر الشيخان صالح واحمد محمد جمال وشيخ المؤرخين احمد السباعي والأعلام كثيرون في الندوة.


إذن كيف تجدون الفرق بين صحافة الأفراد وصحافة المؤسسات؟ وماهو تقييمكم للمرحلتين؟
من الصعب تحديد الفروقات وتقييم المرحلتين في هذا الحيز ولا اعطي نفسي الحق بتحديد الفروقات والتقييم من خلال تجربتي الذاتية فقط ولكن يمكن تحديد بعض ملامحها بناءً على الدراسات والأبحاث التي اجريت واطلعت عليها ورجعت إليها.. وأعود لجريدة الندوة فقد كانت تمثل منبراً حراً للرأي فمقالات الندوة كانت فيها جرأة الطرح ومصداقية التناول وعقلانية الحوار ومنها مقالات الشيخ صالح جمال رحمه الله التي أوصلته إلى تبوك.. والخبر للخبر وليس للمجاملة أو النفاق الاجتماعي ولم يسلم مسؤول أيا كان موقعه من التساؤل.. ولكن بأدب جم وأخلاق كريمة بعيدين عن التجريح الشخصي أو النقد الذاتي.. فالهدف مصلحة البلاد.


أما في عهد المؤسسات فقد فرضت قيود على الصحف وماينشر فيها حتى وصلنا في وقت من الأوقات أو كدنا إلى رقابة الصحف في بعض البلاد وعندما أصبح رئيس التحرير يعين من قبل وزارة الإعلام بعد موافقة الجهات المعنية الأخرى.. فأصبح رئيس التحرير موظفاً ولهذا يختار في الأقسام من ينتمون بالولاء إليه خوفاً على كراسيهم.. فيضمن هو البقاء.. وبذلك الولاءات المختلفة فرضت على الصحف رقابات عطلت إلى فترة طويلة دور الصحافة في بناء المجتمعات.. وفرضوا رقابات متنوعة من قبل أنفسهم لم تفرضها الدولة.. وسخرت في بعض الأحيان لمصالحهم. وهذا ما أفقد الصحف في بعض الفترات كثيراً من مصداقيتها للأسف وانتشرت مقولة.. (كلام جرايد) لكن هذه الفترة انتهت وتغيرت كثير من المفاهيم أمام هجمات الإعلام المفتوح الذي كنا نطالب بتهيئة المجتمع له.. وصحافتنا اليوم تعيش أزهى عصورها واستردت بعض عافيتها واستعادت مكانتها بما تطرحه من أفكار مسؤولة.. وهذا مايحتاج إليه المسؤول لمعرفة نبض المجتمع.. ومايحتاج إليه القارئ ليرى نفسه ومايطالب به ويتطلع إليه مرفوعاً لأصحاب القرار.. وهنا تحدث المعادلة بين اهمية الصحافة ودورها وتأثيرها في المجتمع.


من تتذكرون من زملاء الحرف الذين زاملتهم في تلك الفترة؟ وهل كان لأحد دور في تشجيعكم؟
الزملاء والاساتذة الذين تشرفت بهم في الندوة كثر.. وذكرت لكم في الإجابة السابقة بعضهم ومنهم الدكتور صالح جمال بدوي والدكتور فايز حسين الذي كان مشرفاً على الصفحات الرياضية وكان الشريف محمد بن شاهين من أبرز الكتاب الرياضيين.. وقد أشرفت على بعض اعداد الصفحات الرياضية أثناء إجازات الأخ فايز حسين.. وأعتقد أن الاستاذ عدنان باديب قد تسلم الملحق وقفز به قفزات جعلته في مقدمة الملاحق الرياضية.. ومن الزملاء أيضاً الاساتذة عواض حلواني ومحمد احمد الحساني ورفقي الطيب وسراج حياة وصالح السهيلي ومجموعة كبيرة لكني انقطعت عن الندوة عندما التحقت بمدارس الثغر النموذجية وفي سكنها الداخلي وتفرغي للدراسة..فالتحق عدد من الزملاء في هذه الفترة ومنهم الزميل الاستاذ فوزي عبدالوهاب خياط.. الذي كان زميلي في الرحمانية المتوسطة.. ثم عمل في البريد مع الاستاذ محمد عبدالله مليباري.. وعمل صحفيا في مجلة إعلانية كان يملك امتيازها الاستاذ فؤاد اجهوري ومحمد احمد الصحاف وعدنان باشا. وكانت أول مجلة متخصصة بترخيص رسمي.. وفي عهد المؤسسات.


بصراحه هل كان لاسم والدكم ومنصبه دور في شهرتكم الإعلامية؟
دعني احدثك بالصراحة التي طلبتها.. هناك فرق وعليَّ أن اقف عند بعض النقاط.. فلم يكن لمنصب والدي سبب أو دور في شهرتي الإعلامية على الإطلاق.. لكن اسم أبي أعتز وأفتخر به كثيراً فهو معلمي ومؤدبي وملهمي الأول. أدبني بشدة وعلمني بحلم حتى عرفت كيف أتعامل مع الآخرين وأعرف مكانة الناس وأعرف مقدار الرجال.. أبي لعب دوراً في تكوين شخصيتي المعرفية وعشقي للأدب والتاريخ والموروث وحتى الآن مازال صوت أبي يرن في أذني رغم مضي أكثر من اثنتين وثلاثين سنة على وفاته.. لكن علاقات أبي الاجتماعية ومنصبه الإداري سهلا لي الاتصال بالاساتذة الكبار دون خوف أو وجل وفي مقدمتهم المشايخ الأعلام احمد السباعي ومحمد عمر توفيق والشيخ صالح جمال والاساتذة الرواد عبدالله خياط وعبدالغني قستي وعبدالله الداري وعبدالله الجفري وحامد مطاوع ولهذا حظيت برعايتهم وتشجيعهم فتعلمت منهم الكثير أما الشهرة فجاءت نتيجة السهر والمثابرة والمتابعة وتحمل الاخطاء ولم يقتصر نشاطي على الصحف بل لي اسهامات واضحة في المسرح والإذاعة والتلفزيون ومهرجان الجنادرية الأول والثاني وفي فعاليات جائزة الدولة التقديرية وإعدادي لكثير من الفقرات في المهرجانات السعودية الدولية خارج البلاد إلى جانب اعدادي لمعظم برامج الاسابيع الثقافية في مكة المكرمة واصداراتي الاعلامية والثقافية والسياحية.. وما قدمته في أدب الطفل وبرامجه جعلني من الرواد بموجب الدراسات الجامعية لنيل الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه. اضافة إلى رياداتي الأخرى التي احصاها الدارسون لأعمالي وابحاثي ومؤلفاتي..إلى جانب عضويتي في العديد من الهيئات العلمية والثقافية الدولية والعربية والإقليمية والمحلية.. كلها بتوفيق الله عز وجل شكلت موقعي الثقافي والإعلامي.. ورسمت حروف اسمي بين أصحاب الاهتمامات ومن لهم دور في شهرتي.


بدأتم مشواركم بكتابة المقال السياسي ما الذي غير اتجاهكم إلى المجال الفني واصبحت من رواد الصحافة الفنية.. والمجالات الفنية في المملكة؟ حتى رشحت من قبل الكثيرين بأنك أحد أهم الثلاثة القادرين على تدوين تاريخنا الفني؟
بصراحة.. خشيت من (السجن) خاصة وأن بعض الكتاب سجنوا في بعض تلك المراحل.. وبرغم ميولي الأدبي لم تكن لدي الجرأة على اقتحام هذا الميدان رغم صلتي بكل الرواد الكبار وعلى سبيل المثال لاالحصر شيخي احمد السباعي والرائع الشاعر الاستاذ حسين سرحان والمؤرخ الراوية الفحل محمد حسين زيدان والشاعر الكبير محمود عارف والعملاق الاستاذ احمد قنديل والمتميز الاستاذ عبدالله عريف والموسوعة أبو تراب الظاهري والباحث الاستاذ احمد جمال. وغيرهم كثير.. لهذا اتجهت إلى المجال الذي يحبه الناس ويحذرون من الكتابة فيه.. وهي الكتابة في هذا المجال الفني.. ولأني أنظر واتعامل مع الفن بمفهومه الحضاري والعلمي بدأت هذا المشوار في الكتابة رغم مساهماتي المسرحية من مسرح المدرسة ثم مسرح السباعي ثم مسرح بن صادق.. فكان سعيي مع الأخوين الكريمين عبدالله بامفلح وعبدالله حسنين.. إلى أن عاد الاستاذ زيني عبدالغفار من القاهرة كأول عازف قانون دارس. وأصبح مشرفاً على الزاوية.. وأصبحت من المهتمين بالموروث الثقافي بمفهومه العلمي والعام.. والشامل لكل الفنون.. وارتباطها بمصدر انتاجها وهو المجتمع النابعة عنه.. وقدمت لإذاعة البرنامج الثاني 1403هـ برنامجاً بعنوان (كلمة ولحن) اعتبرته (منظمة اليونسكو) البرنامج الوثائقي الوحيد عن الفنون في المملكة العربية السعودية.. ونسخت منه لمكتبتها وأوصت بالاحتفاظ به مرجعاً لهذا الإرث ولكن من المؤسف لدينا أفكار خاطئة وتعميمات ظالمة.. وكل أمر ترده إلى الفن الهابط والسيء.. رغم أن الفنون هي الواجهة الحضارية لأي أمة لها تاريخ وحضارة.


أيهما أقرب إلى نفسكم الكتابة السياسية أم الدراسات الفنية؟
السياسة والتاريخ وجهان لعملة واحدة وبحكم تخصصي وابحاثي فهما قريبان من فكري.. أما الدراسات الفنية وإبداع المجتمعات أو الحياة الاجتماعية.. فهما أيضاً وجهان لعملة واحدة.. وبهذا يمكننا توحيد هذه العملة في عملة واحدة ولكنها تكون في إطار نظام السندات المالية الورقية عملة ذات فئات شرائية.. ولكن على العموم فالدراسات الفنية للموروث الثقافي والأدبي والاجتماعي هي من الدراسات التي تشكل استراحة نفسية ونزهة عقلية.. فأنا استظل بفيئها مما أعانيه في ابحاثي التاريخية وما أجده من تزوير لحقائق التاريخ العربي والاسلامي بكل أسف. واسمح لي يا أخي الكريم أن أشير إلى أني غير ميَّال لما يحدث في الساحة الفنية.. من (المجون) وليس الفنون.. وكثير مما يقدم لاينسجم مع ديننا وشيمنا وأخلاقنا ولكن الله المستعان.


وماذا عن مشاركتكم وعملكم في ملحق (ندوة الفنون) الصادر عن الندوة؟
مشاركتي في ملحق ندوة الفنون جاءت على مرحلتين، الأولىكانت مرحلة التأسيس بإشراف الأخ الدكتور أنمار حامد مطاوع الذي تعرفت عليه في كازينو الليل بصحبة الاساتذة محمد احمد الحساني وتوفيق عمر حلواني ومنصور منسي المالكي، والذين طلبوا مني الوقوف مع أخي أنمار وقد كان وبدأ الملحق بصفحتين إلى أن أصبح أربع صفحات، واصبح من أهم الملاحق التي أثرت الساحة الفنية لولا دخول بعض المتطفلين الذين شكلوا نقطة ضعف في بعض مراحلة.


أما المرحلة الثانية.. عندما تولى الاستاذ يوسف دمنهوري رئاسة التحرير وانبعث الأخ أنمار للدراسات العليا كلفت بالإشراف عليه.. إلى أن توقفت بسبب المضايقات والوشايات التي كانت تحدث في غياب رئيس التحرير حتى وهو مسافر خارج البلاد.


لماذا لم يكن الإشراف على الملحق من بدايته لهاني فيروزي، بدلاً من أنمار مطاوع، أم أن ذلك لكونه ابن رئيس التحرير فقط؟
للإنصاف.. الدكتور أنمار مطاوع كان في تلك الفترة طالباً في قسم الإعلام بجامعة أم القرى.. وهذا يعني أنه أصبح في عداد المتخصصين.. وكان أيضاً مسؤولاً عن أخبار الوكالات في الجريدة.. فهو إذن جمع بين الخبرة والتخصص والجريدة لم يكن لديها القدرة على أي التزامات مالية جديدة. والدكتور أنمار من الكفاءات النشطة والذكية.. وأي محرر في كفاءة وذكاء وأخلاق وعلاقة أنمار.. كان بإمكانه أن يحقق ماحققه في الملحق الفني.. أما قرابته من رئيس التحرير فقد ذللت الكثير مما قد يواجهها أي مشرف آخر.. لكن وضعه ذاك جعله سلماً للانتهازيين الذين حاولوا فرض الوصاية على ندوة الفنون سواء كان ذلك من بعض المحررين أو مخرجي الملحق الطحاوي والسلموني.


وهل استمر الحال في فترة الدكتور عبدالرحمن العرابي..بنفس الروح؟
طبعاً لا.. لأن الفيروسات التي سببت الخلاف بين الاستاذ حامد مطاوع وبين إدارة الجريدة ومجلس ادارتها هي نفسها التي ساهمت في استغناء الاستاذ يوسف دمنهوري عن عدد من اعلام الندوة وفي مقدمتهم الاستاذ محمد الحساني.. ولذلك فإن اليرقات الصغيرة التي عاشت تلك الفترة أصبحت خلايا سرطانية في عهد الدكتور العرابي وأججت صراعات الكراسي والنفوذ ولكن لايحيط المكر السيء إلا بأهله.. أما الدكتور العرابي فقد خانه ذكاؤه وخدعه حسن ظنه.. ولقد حاولت ايضاح كثير من الأمور له عندما كانت الجريدة تطبع في مطابع الرابطة.. وأمام المهندس محمد كعكي وكنت احذره من مغبة مايحدث لكن حوارنا كان يبدأ من عنده وينتهي عنده ولايعطي لأحد الفرصة في مايود أن يوصله إليه وخطاباتي في ارشيف الندوة فيها الكثير.


هناك من يرى أن اسم الندوة سبب نكستها فماذا تقول في ذلك؟
لو علموا.. لما قالوا.. ولكن الإنسان دائماً عدو ماجهل ويجهل.. فإذا كان الرابط بدار الندوة.. وأنها من دور الجاهلية.. لو أخذنا بهذا الرأي لهدمنا كل تراثنا ووجهتنا.. ودار الندوة حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد فيها حلف الفضول الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم:(لو دعيت إلى مثله لأجبت) أو كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام. وهي أول دار للحكومة والشورى عرفته العرب ومن تلك الدار انطلقت قوافل تجارة قريش التي عادت عليها بالخير الوفير ومن تلك الدار انطلق المصطفى قبل النبوة بقافلة خديجة.. وفي صدر الاسلام كانت دار الإمارة وملتقى الصحابة ومن بعدهم التابعين ثم أصبحت دار ضيافة الملوك.


وهل الذين يتفلسفون بهذا القول هم أعلم وأعرف من الشيخين احمد السباعي وصالح جمال ـ رحمهما الله ـ وكتب فيها علماء الحرم والعالم الإسلامي وتخرج منها اعلام من الصحافيين الذين قادوا مسيرة النهضة الصحفية.


ألم تكن الندوة هي من الأوائل إلى عام1400هـ .. ثم تراجعت بسبب مثل هذه الأفكار الساعية إلى هدم كل شيء في مكة المكرمة.. يريدون إزالة التاريخ وأمة بلا تاريخ لاتستحق الحياة وعلى الصغار أن يفهموا فقد حان وقت الإدراك.


إذن ماذا تحتاج الندوة لتستعيد عافيتها؟
أرجو أن تنشر الإجابة كما هي.. إن أردتم الإصلاح.. فالداء المستشري يحتاج إلى علاج بكل وسائل التقنية الطبية حتى العلاج النووي. وهذه مسوؤلية معالي وزير الثقافة والاعلام ودعم ورعاية سمو أمير المنطقة.


الندوة تحتاج إلى إعادة تشكيل مجلس الإدارة وتجديد دمائه بدماء اقتصادية قادرة على الدفع والمشاركة في تحمل المسؤلية وفتح باب المساهمة.. وضبط الإيرادات وعلى رئيس مجلس الإدارة القادم أن لايكون كثير الانشغال والمشاغل وأن يكون صاحب قرار فاعل.


وعلى الأعضاء المتجمدين المهيمنين المتسلطين أن يبتعدوا قليلاً ويفسحوا المجال للكفاءات القادرة على العطاء فالقيادة لاتحتكر ولاتورث.


الندوة تحتاج إلى دعم مالي وفكر اداري.. وإدارة تسويق تدرك مسؤولية المرحلة تعطى الصلاحيات وتحاسب على النتائج.. دعم التحرير بكوادر متمكنة تعي الرسالة الإعلامية وتترفع عن الخلافات والمصالح الشخصية إذا تحقق للندوة ذلك سوف يجدونها في غضون شهور تنافس على القمم إلى أن تصل إليها.


لدى الكاتب والباحث والمؤرخ هاني فيروزي الكثير مما لم يكشف عنه بعد.. متى يكتب هاني فيروزي مالديه وماعنده؟
السؤال سيدي كبير.. وقماشه فضفاض.. ماعندي هو تراكم القراءات ونتائج الابحاث وتجارب السنين.. وتحملت تكاليف مانشرت فليس لدينا أندية أدبية تدعم ولاناشرين يدركون اهمية الكتاب.. والجهات الأخرى تحتاج إلى تسكعات وتلطفات.. وأنا لا أستطيع ذلك.. ولعلنا نجد شيئاً من الأمل عند وزارة الثقافة والإعلام.. إذا اختصرت الطرقات ووحدت الاتجاهات.. لكن هذا لن يوقفني عن النشر كلما توفرت الظروف المالية.. وخاصة كتابي (أبحاث مكية) والآخر عن المعالم والآثار في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.. وكتب أخرى.. بما فيها (نبش الذاكرة) الذي نشرت منه حلقات في جريدة البلاد و(استراليا بعيون مكية).

نشر هذا الحوار الذي اعده الاستاذ علاء عبدالرحيم مع الاستاذ هاني فيروزي رحمه الله في العدد التذكاري لجريدة الندوة رقم 15000.