توسعة المسجد الحرام عبر التاريخ
على مر العصور الإسلامية احتفظت الأماكن المقدسة بحرمتها وقدسيتها، وكانت محط اهتمام ورعاية القائمين على خدمتها.
ولذلك فقد أجرى الحكام التوسعات المختلفة على مر العصور، حيث بدأت التوسعة الأولى في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان آخرها التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 هجرية:
كانت التوسعة الأولى للمسجد الحرام في العام السابع عشر من الهجرة النبوية إبان حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أفسد سيل (أم نهشل) مباني المسجد الحرام، وقد انحدر من جانب المسعى وأحدث تلفًا عظيمًا في المباني.
ولضيق المسجد بالمصلين رغب عمر رضي الله عنه في التوسعة، فاشترى الدور الملاصقة للمسجد الحرام وضمها له، وأقام جدارًا حوله، كان ارتفاعه دون ارتفاع قامة الإنسان، وجعل له أبوابًا، ووضع عليه مصابيح كي تضيء بعد سدول الظلام، وعمل سدًا لحجز ماء السيول عن الكعبة وتحويلها إلى وادي إبراهيم المجاور. وهكذا كان عمر رضي الله عنه، أول من عمل توسعة للمسجد الحرام في العصر الإسلامي.
توسعة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 26 هجرية:
وكانت التوسعة الثانية للمسجد الحرام إبان حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت بعد التوسعة الأولى بعشر سنوات، وذلك عندما رأى الخليفة ازدياد السكان بمكة، وازدياد ضيوف الرحمن لانتشار الإسلام السريع، فقرر توسعة المسجد الحرام.
وتمت التوسعة في سنة ست وعشرين هجرية، بشراء الدور الملاصقة للمسجد، وضم أرضها، ومع هذه التوسعة جدد المسجد تجديدًا شاملًا، وأدخل الأروقة المسقوفة، وجعل في المسجد أعمدة من الرخام.
توسعة عبدالله بن الزبير رضي الله عنه سنة 65 هجرية:
أما التوسعة الثالثة فكانت إبان حكم عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وقد أعاد بناء الكعبة بعدما أصابها من الحريق الذي شب في الكعبة أثناء حصار يزيد لمكة في نزاعه مع عبدالله بن الزبير، وانتهي الحصار بموت يزيد.
وقد تمت هذه التوسعة في السنة الخامسة والستين هجرية، وضاعفت من مساحة المسجد فبلغ عشرة آلاف متر مربع.
توسعة الوليد بن عبدالملك سنة 91 هجرية:
وفي عهد الوليد بن عبدالملك كانت عمارة التوسعة الرابعة للمسجد في سنة إحدى وتسعين هجرية، بعد سيل جارف أصابها، وقد زاد من مساحة المسجد، وأجمع كثير من المؤرخين على أن الوليد بن عبدالملك كان أول من استعمل الأعمدة التي جلبت من مصر وسوريا في بناء المسجد، وشيد الشرفات، ليستظل بها المصلون من حرارة الشمس.
توسعة أبي جعفر المنصور سنة 137 هجرية:
وفي عهد الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور زاد في توسعة المسجد الحرام سنة 137 هجرية، فأضاف إلى مساحته من الشمال والغرب، وكانت زيادته ضعف الزيادة السابقة.
وقد شيد منارة بالركن الشمالي والغربي، كما أمر بتبليط حجر إسماعيل بالرخام وأمر بتغطية فوهة بئر زمزم بشباك لمنع السقوط بالبئر.
توسعة المهدي سنة 160 - 164 هجرية:
وعندما حج الخليفة العباسي الثالث محمد المهدي حجته الأولى سنة 160 هجرية، أمر بزيادة مساحة المسجد الحرام إلى ضعف مساحته التي كان عليها، وكانت التوسعة من الجانبين الشمالي والشرقي، ولكن بهذه الزيادة لم تبق الكعبة في الوسط، وحينما لاحظ ذلك أثناء حجته سنة 164هـ أصدر أمره بتوسعة الجانب الجنوبي وقد صعد على جبل أبي قبيس ليتأكد من أن الكعبة في وسط الفناء، ولما كان وجود مجرى السيل في هذه الجهة عائقًا فنيًا في سبيل التوسعة من الناحية الجنوبية، أمر المهدي بتحويل مجرى السيل، وإكمال مشروع التوسعة من الجنوب، إلا أنه لم يعش ليرى إتمام عمله، فأكمله ابنه موسى الهادي في عام 167هجرية. وبهذه الزيادة تضاعفت مساحة المسجد الحرام تقريبًا.
توسعة المعتضد العباسي سنة 281 هجرية:
وفي العصر العباسي -أيضًا- قام المعتضد ببعض الترميمات والتوسعة سنة 281هـ، فأمر بهدم دار الندوة وجعلت رواقًا من أروقة المسجد، وأدخل فيها من أبواب المسجد الكبير ستة أبواب، وأقيمت فيه الأعمدة، وسقف بخشب الساج، كما عمل لها اثني عشر بابًا من الداخل، وثلاثة أبواب من الخارج، وتمت الزيادة في ثلاث سنوات.
توسعة المقتدر بالله العباسي سنة 306 هجرية:
وقد أضاف المقتدر بالله العباسي مساحة دارين للسيدة زبيدة، أضيفت إلى مساحة المسجد سنة 306هـ، وجعل لها بابًا كبيرًا وهو المعروف باسم باب إبراهيم، وكانت هذه آخر زيادة في مساحة المسجد الحرام، وبقي المسجد بلا تغيير مساحته إلى العهد السعودي المبارك، فلم يشهد المسجد الحرام توسعة طيلة حكم الفاطميين، والأيوبيين، والمماليك، والعثمانيين، وإنما اقتصر العمل في المسجد خلال هذه الحقبة على الترميم والإصلاح.
التوسعة السعودية المباركة للمسجد الحرام:
لقد مرت فترة غير قصيرة على آخر توسعة للمسجد الحرام في عام 306هـ الموافق 918م، ومع تنامي أعداد المسلمين، حيث اتسعت خلال هذه الفترة رقعة العالم الإسلامي، لتشمل بلادًا وشعوبًا جديدة في إفريقيا وآسيا، فضلًا عن التطور الهائل الذي شهده العصر الحديث في وسائل المواصلات التي اختصرت المسافات، وقاربت ما بين البلدان، كل ذلك أدى إلى مضاعفة أعداد حجاج بيت الله الحرام، مما أظهر مدى الحاجة إلى توسعة المسجد الحرام لاستيعاب المصلين، وقد تمت التوسعة السعودية على عدة مراحل:
المرحلة الأولى:
وقد بدأ العمل بها بأمر من الملك سعود -رحمه الله- في عام 1375هـ الموافق 1955م، وتم خلال هذه المرحلة بناء المسعى من طابقين، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المصلين، ويبلغ طول المسعى من الداخل 5. 394 متر، وعرضه 25 مترًا، ويبلغ ارتفاع الطابق الأرضي للمسعى 12 مترًا، والطابق العلوي 9 أمتار.
وأقيم في وسط المسعى حاجز يقسمه إلى قسمين طويلين، خصص أحدهما للسعي من الصفا إلى المروة، والآخر من المروة إلى الصفا، لتيسير السعي، ومنع التصادم بين الساعين ذهابًا وإيابًا.
وأنشئ للمسعى 16 بابًا في الواجهة الشرقية، كما خصص للطابق العلوي مدخلان، أحدهما عند الصفا، والآخر عند المروة، وبني لهذا الطابق سلمان من داخل المسجد، أحدهما عند باب الصفا، والآخر عند باب السلام.
المرحلة الثانية:
بدأت العمارة في هذه المرحلة عام 1379هـ - الموافق 1959م، وتم الجزء الخارجي للمبنى الجديد، وعند عمل الحفريات، وجد أن الأرض الصالحة للتحميل الطبيعي تقع على عمق أربعة أمتار من مستوى الأرض الحالية وقد امتلأت بالردم المتخلف عن البناء القديم، وفي هذا الفراغ بني البدروم الحالي الذي لم يكن موجودًا في التصميم المعماري أصلًا.
وخلال هذه المرحلة وسعت منطقة المطاف، وأصبحت في شكلها الحالي، كما أقيمت السلالم الحالية لبئر زمزم.
المرحلة الثالثة:
بدأت هذه المرحلة بالقرار التاريخي الحكيم الذي أصدره الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتعديل التصميم الأصلي للتوسعة، وذلك للاحتفاظ بمباني المسجد العثماني.
وقد اتخذ هذا القرار بعد أن عقد مؤتمر كبير من المهندسين المعماريين المسلمين في مكة عام 1387هـ، ليطلعوا على البدائل الممكنة لتطوير التصميم، وقد أوصى المؤتمر بإزالة جزء كبير من المبنى العثماني، ولكن الملك فيصل -رحمه الله- رأى أن اندماج القديم بالجديد سيحقق شعورًا عميقًا بالاستمرار. وهكذا وضع المهندس المعماري المرحوم طاهر الجويني اقتراحًا جديدًا للدمج.
ونرى المسقط الأفقي العام للحرم المكي الشريف بعد هذه التوسعة، وفي الوقت نفسه بنيت المكبرية، وشقت الطرق المحيطة بالحرم المكي الشريف، وأنشئت الميادين المتسعة لتنظيم المرور حول الحرم، والدكاكين وغيرها من المرافق، والخدمات المختلفة التي تحتاج إليها المنطقة، لتسهل لضيوف الرحمن والزوار والمواطنين الحصول على كل ما يحتاجون إليه في موسم الحج من كل سنة، وفي مواسم العمرة، وزيارة الحرم الشريف بـ (مكة المكرمة).
وقد أصبحت عمارة المسجد الحرام بعد هذه التوسعة 193.000 متر مربع (مائة وثلاثة وتسعين ألف متر مسطح) بعد أن كانت 29.127 متر مسطح، أي بزيادة قدرها 131،041 متر مسطح، مما جعل الحرم يتسع لحوالي أربعمائة ألف مصل.
توسعة الملك فهد للمسجد الحرام
في الثاني من شهر صفر عام 1409هـ، قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بوضع حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام، وتضمنت التوسعة إضافة جزء جديد على مبنى المسجد الحالي من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغير، بين باب العمرة وباب الملك.
وتبلغ مساحة أدوار مبنى التوسعة (76.000) م2 موزعة على الدور الأرضي، والدور الأول، والقبو، والسطح، وتتسع لحوالي (152.000) مصل.
ويشمل المشروع تجهيز الساحات الخارجية، ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغير، والساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ (85.800) م2 تكفي لاستيعاب (195.000) مصل. وتصبح بذلك مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد توسعته، والسطح، وكامل الساحات (356.000) م2 تتسع لحوالي (773.000) مصل في الأيام العادية، أما في أوقات الحج، والعمرة، ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مصل. كما يضم مبنى التوسعة مدخلًا رئيسًا جديدًا، و18 مدخلًا عاديًا، بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام الحالية، والبالغ عددها 3 مداخل رئيسة، و27 مدخلًا عاديًا، وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للبدروم، إضافة إلى المداخل الأربعة الحالية. ويتضمن مبنى التوسعة أيضًا مئذنتين جديدتين بارتفاع (89) مترًا، تتشابهان في تصميمهما المعماري مع المآذن البالغ عددها سبع مآذن. ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم تم إضافة مبنيين للسلالم المتحركة:
أحدهما في شمالي مبنى التوسعة.
والآخر في جنوبيه.
ومساحة كل منهما 375 مترًا مربعًا.
ويحتوي على مجموعتين من السلالم المتحركة، طاقة كل مجموعة (15.000) شخص في الساعة. إضافة إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تستطيع بالإضافة إلى وحدات الدرج الثابت الثماني خدمة حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة، لا سيما كبار السن منهم دون عناء.
وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة 7، تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح.
ويبلغ عدد الأعمدة لكل طابق بالتوسعة 492 عمودًا مكسوة جميعها بالرخام. وإليكم توسعة المسجد المكي الشريف (بالأرقام) وقد بلغت تكاليف مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرم الشريف، بما في ذلك نزع الملكيات (30.178.181.775) ريالًا سعوديًا، أي (11.316.818.165) دولارًا.
المصدر : المدينة 1432/9/19هـ
0 تعليقات