أول ظهور للخرسانة المسلحة بمكة المكرمة ( 3/1 )

موضوع قيم حول بداية ظهور الخرسانة بمكة المكرمة من اعداد المهندس عبدالستار غازي خص به مشكوراً موقع و منتديات قبلة الدنيا فجزاه الله عنا كل خير ... سيتم نشره ان شاء الله تعالى على 3 اجزاء نامل ان ينال على اعجابكم

لم يكن استخدام الخرسانة المسلحة في المباني بمكة المكرمة طفرة غير مسبوقة بإرهاصات و بشائر , فقد قدر الله لمكة المكرمة أن تكون بلداً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً منه سبحانه وتعالى .. التطور العمراني أحد تلك الثمرات .

في البداية لا بد أن نذكر أن الخرسانة المسلحة كانت مادة البناء التي ابتكرها الإنسان ؛ لينفّذ بواسطتها الأشكال والأنظمة الإنشائية التي أفرزها الفكر المعماري في عصور النهضة الأوربية , وأهم الإشكاليات التي حلت باستخدام الخرسانة المسلحة هو الحصول على أسقف ذات مسافات طويلة و ممتدة , فلقد ظل من الصعب الحصول على فراغات عرضها أكثر من 4 أمتار في السابق ؛ وذلك لأن طول أعواد الخشب المستخدمة في بناء الأسقف كان 4 أمتار ، و عند الرغبة في إنشاء أسقف كبيرة كان يتم استخدام "القِباب" و"العقود" الممتدة المعروفة في المصطلح المعماري المكي "بالأغماس" جمع مفردة "غمس" .

وبالمناسبة فإن الرواق التركي الموجود بالحرم المكي الشريف حالياً مكوّن من قِباب , و يوجد فوق ثلاث "بوايك" ، تعلو مدخل "باب النبي" "غمس" طويل أُزيل قبل سنوات قلائل عند توسعة الرواق الجديد للدور العلوي ، وعُمل مشارب زمزم .

بدأ التوسع في مساحات التغطية السقفية باستخدام "الكَمَرات الحديدية" بدلاً من أعواد الخشب ، وبالتالي الحصول على عرض يمكن أن يمتدّ لثمانية أمتار , كانت تُرصّ "الكمرات الحديدية" بجانب بعضها في مسافات لا تزيد عن 50 سم , ثم يُعقد "الطوب الطيني" فوق هذه "الكمرات" ، ونلاحظ هذا النظام الإنشائي في بناء "قشلة جرول" ، و"قصر السقاف" ، و"مبنى وزارة المالية بأجياد" , و لم أدرك مبنى الحكومة المعروف "باسم الحميدية" , و لا أعلم ما إذا كان مبنياً بنفس الطريقة أم لا !

وصل الإسمنت إلى مكة المكرمة في وقت مبكر , وكانت النّورة البلدي هي المادة التي يستخدمها البناؤون لربط الأحجار عند البناء , ولهذا سمي الإسمنت عند وصوله للبلاد "بالنورة الإفرنجي" .

لم تعرف مكة المكرمة دخول مواد البناء ، وظهور أنظمة البناء الحديث قبل العصر السعودي الزاهر , وذلك لأن "الشريف الحسين بن علي" - أمير مكة المكرمة قبل العصر السعودي - كان يرى أن أمراً كهذا سيحرم طوائف البنّائين ، والمعلمين ، وصانعي النورة ، والطوائف المشابهة من مورد رزقهم , كما أنها ستسمح بدخول عدد من الأجانب إلى البلاد مما سيضايق المواطنين في معيشتهم , ولعله تناسى  أن "ميّة دُكّان على كَفّ رحمن ) .

اعتقد كثيرٌ من الناس أنّ البناء بالحديد ، و الأسمنت أضعف من البناء القديم بالحجر , كما يذكر الكردي في تاريخه القويم ( ج5 : ص 298 ) .

إن الباحث في تاريخ العمارة يكون متأكداً أن عدداً من المعلّمين المكيين أرباب الصنعة - وأبرزهم المعلم "حسن وزيرة" والذي أسمّيه : "فنّان العمارة المكية" وآخر روّادها - كانوا على قدرٍ من البراعة والمهارة في التعامل مع كل ما يستجدّ في فنّ العمارة والبناء , كانوا على يقين بأن المتغيرات - ومنها استخدام الخرسانة المسلحة - كان سيأتي يومٌ وتعمّ فيه البلد , ونجد أن هناك بنايات كثيرة استخدمتْ فيها الخرسانة المسلحة ، وفي الأسقف بالذات منها : مبنى "مدرسة الفلاح" بالشبيكة ، ومباني "آل البوقري" في زقاق السقيفة .

كنتُ – في قرارة نفسي – أستغربُ استخدام الأسقف المسلحة محمولةً على أكتاف من المباني الحجرية , وعدم انتشار استخدام الهيكل الخرساني المسلح المكون من : أعمدة ، و"كَمَرات" ، وأسقف ، حتى قرأتُ مقالا للكاتب "أبو زيد" في "ملحق الأربعاء لجريدة المدينة" بتاريخ 15/2/1432هـ ذكرَ فيه أن مبنى بجدة من الخرسانة المسلحة تعرّض جزءٌ منه للهدْم أثناء توسعة الشارع ؛ فاحتار أهلُ الصنعة المحليين حينها في بقاء باقي البيت سليما ً! حينها أدركتُ أنه لربما اقتنع البنّاؤون أن من الأسلم عدم ربط كامل المبنى هيكلياً ببعضه ، واستخدام الجدران الحجرية الحاملة السميكة ؛ لتعمل كفواصل إنشائية تجعل باقي أجزاء المبنى في أمان تام .

كانت قصور أمراء مكة إبّان "العهد الهاشمي" تقع في منطقة "الغزة" - وإن عُرف هذا الاسم في مرحلة لاحقة -  فقد كان قصر "الشريف عون الرفيق" - والذي تولى إمارةَ مكة المكرمة عام 1299هـ - مكان "عمارتي الجفالي" اللتين أُزيلتا عام 1431هـ , و يقابله قصر "الشريف حسين" الذي تولى إمارة مكة المكرمة عام 1326هـ ، وعلى جزء من هذا القصر أنشأ معالي الشيخ "عبد الله السليمان" - أول وزير مالية في العهد السعودي - بنايةً من الخرسانة المسلحة ( محمد عمر رفيع : مكة في القرن الرابع عشر الهجري ) تمّ هدمُها فيما بعد ، وظلّ مكانها فارغاً لسنوات عديدة حتى أُقيم مكانها بنايةٌ فندقية حديثة اشتُهرتْ باسم "دار نجد" ، وهي في قبلة المسجد الذي يتم هدمه حالياً ( صفر 1432هـ ) ، يسمّيه البعض "مسجد الملك فهد" نسبة لمن تكفل ببناء آخر تجديد له , و يسمّيه الكثير "بمسجد الراية" على قول مرجوح : إنه مكان ركز النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لواءه فيه يوم الفتح , غير أن الأصحّ أن الراية غُرزتْ في مكان المسجد الذي أزيل لتوسعة الشارع ، بجوار المسجد المعروف حالياً بهذا الاسم ، والواقع أمام العمارة التي يشغلها "مبنى البريد المركزي"

أقيمتْ هذه الدار بواسطة طاقم مصري جُلب خصيصاً لهذا الغرض و لم يشارك معلمو البناء المحليّون في إنشائه .

 

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا..مكة المكرمة من اعداد المهندس عبدالستار غازي .