الشاعر المكي الذي فضح حضارة الأسمنت والنت .. مصطفى زقزوق

«من فيض».. من دواخل الأسمـــاء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونهــا الثقــــافي والمعـــرفي، واستكـــناه بواطنـهــا لتمطر، ثم تقـــديمـهـــا إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكـريــاتـهــم، ورؤاهـــم فــي الحـياة ومن حولــهــم، وذلك على شـــــاكــــــلــة أسـئـلـــة قـصيــــرة وخفـيـفــة في آن معا.

يعيش على أصداء الماضي والطفولة والذكريات الجميلة التي لا صد ولا هجران فيها ويمطرنا بأجمل ما سطرت أنامله من أشعار تلامس وجدانه وهمومه ويتذكر جيلا جميلا من المبدعين الراحلين. ذاق طعم اليتم والمرارة مبكرا ولكن تلك الظروف لم تثنه ولم تحبط من عزيمته فجاهد ووضع له بصمة في مسيرة حياته.

الشاعر المكاوي مصطفى زقزوق يبوح لنا ما بداخله من أسرار ورؤى لكي نستفيد وتستفيد عزيزي القارئ من محطاته في الحياة، فإلى تفاصيل الحوار:

• سوق الليل هل مازلت تنير أيامه بمصباح ذاكرتك؟
ـــــ وكما قال أستاذنا الزيدان ــ يرحمه الله ــ بأننا نعيش على أصداء الماضي فأنتقل بروحي إلى مرابع الطفولة والصبا لأتجدد مع الذكريات الجميلة أياما
لا صد ولا هجر كمن يغني هنا وقفنا.. هنا لعبنا.. هنا سهرنا.. حين فرحنا ولا امتحان بملام أو خصام، فكنا كلنا لكلنا وبعضنا لبعضنا بالرضا بالمقسوم من الرزق والتعامل بوقار واحترام مع الكبار وكل اهتمامي مع إخوتي هو طاعة والدتي بعد فقد أبي وأنا في سن الثالثة من العمر ولما بلغت السادسة من العمر سجلتني ــ رحمها الله ــ في مدرسة العلوم الدينية في قمة جبل بشعب علي وكانت الدراسة فيها على فترتين من الصباح للظهر وأعود لتناول وجبة الغذاء ثم أعود للفترة الثانية وإلى ما قبل المغرب.. وعلى أيامنا لم تكن هانك كهرباء وإنما نستضيء (بلمبات) من صفيح صناعة محلية وفوانيس تضيء بالغاز وليس هناك أي مظهر من مظاهر الحاضر سوى خوفي على ثوبي (الدوت) كثياب أبناء البادية وهو الوحيد الذي أملكه، وكم تحملت شدة حرارة الرمال والأحجار التي أمشي عليها فأتدارى بظل البيوت، وكان طلاب الفصل لو بالغت في عددهم فلا يزيدون على عشرة تلاميذ إلا أن المدرسين كانت لهم رأفة بنا بلا ممارسات التهديد والوعيد وإخلاصهم في شرح ما لا نفهمه كان بأريحية وكرم نفس.. وتأتي العطلة فأتجه للمسجد الحرام لحفظ القرآن عند مدرسين متخصصين في علوم النحو والصرف وقواعد الإملاء بمقابل ربع ريال كل أسبوع ونادرا لا أملكه فأجد الصمت معذرة منهم بلا سؤال أو جواب فأجده سيد المواقف والتسامح بلا إحراج أو إهانة، تغمدهم الله بكريم عفوه ورحمته.

• تجرعت المرارة من كأس المعاناة ولكن كان آخرها حلو القصيد والنجاح ما قولك في ذلك؟
ـــــ لا تسألي عن مدى شوقي وتحناني
أو عن عذابي وآهاتي وحرماني
أسقاني الدهر من غصاته حقبا
صرفا من المر أعياني وأبلاني
تأتي على غرة مني نوائبه
فيـا لكثـرة أشجـاني وأحـزاني
هذه خلاصة لتلك المعاناة الأليمة.. فكان يمر يومنا كعام.. وما أقسى الصبر وعذاب التمني.. وكنا نعالجها بالمرح والأنس حيث لا يتمايز أحد على أحد فالأحوال متشابهة وظروف الأمس مازلت أبحث عنها ولكنها أيام لا أدري كيف مرت كطيف عابر ومحاولة لملمة صورها قد يستغرق أقل من دقيقة.

والآن فقد وجدت الناس يستهلكون كل شيء ويتعالون على بعضهم وكأنهم قادمون من كواكب أخرى.. فلم يتعايشوا.. مع تلك الألفة والتواضع والتضحية والشهامة والوفاء.. وهذه مصيبة نسيان ما كنا عليه وما أصبحنا نبكي من ملامحه المشوهة في حاضر مضطرب.

• إرث عظيم ونادر ورثته عن والدك يتمنى الجميع أن يرثوا مثله.. أخبرنا عنه؟
ــ هو إرث لا تعادله كنوز الكون بأكمله.. فلقد نبهتني أمي وأنا في سن الخامسة عشرة من العمر أن لوالدي وظيفة بالتوارث في خدمة المسجد الحرام ونصحتني بأن أكتب للأمير فيصل بن عبد العزيز الذي كان نائبا للملك عبد العزيز في الحجاز.. فاشتريت ربع فرخ ورق مسطر وكتبت لسموه طلبي الذي أعطيته له مناولة بحكم سكناه في قصر الإسمنت بالغزة ويعرفنا كجيران حين لم تكن عليه حراسة في ذلك الزمان فيرى سائقه المرحوم عمر باجابر. أو المرحوم عبد القادر إدريس وفي صحبته دائما أرى العم مرزوق بن ريحان فقبلت يد الأمير فيصل وأعطيته خطابي الذي وقف ليقرأه وفوجئت بوضع يده على رأسي يمسحه بحنان وعاطفه كأب حنون.. وكان رده لي (يا وليدي يوم السبت عليك مراجعة عبد الحميد الحديدي مدير أوقاف مكة المكرمة لاستلام وظيفة والدك)، وفاجأني العم مرزوق بعشرة ريالات فضة عطاء من سمو الأمير فيصل ففرحت بها وعدت إلى أمي في سعادة غامرة قائلا: أبشري يا أمي فإن الحظ أصبح يقترب من بابنا فتزول الآهات من حياتنا. وقبل الموعد المحدد أخبرني ابن عم والدي بمراجعة مدير إدارة الحرم المكي لاستلام الوظيفة.. وتهيأت.. ودخلت على الرجل وقبلت يديه وأخبرته عن أمر الأمير فيصل بتعييني على وظيفة والدي: ولم أشعر إلا والرجل قام من مكتبه قائلا لي: بره.. أخرج.. ولد صغير يعمل في خدمة الحرم مع هامات وقامات من أعيان مكة المكرمة.. فشعرت ساعتها بالانكسار ونزف دموع كأنها تمثل دموع مواجع سكان الكرة الأرضية.. وإذا بي برجل عاجز في مكتبه كان يؤدي صلاة الضحى ووجه متجه للكعبة الغراء وارتفع صوته معاتبا وبقسوة مدير تلك الإدارة وتوبيخه له: أهل نسيت عبد الواحد زقزوق الذي كنا نجلس على مائدته في ساحات الحرم في شهر رمضان.. وسمعته يقول: تعال يا ولدي ويستشير ذلك الرجل الطيب.. وفي ماذا نجعله يعمل؟ فرد عليه: خليه يشتغل مع خليل يجمع ريش الحمام في «زنبيل» من حصوات الحرم وفي اليوم الثاني باشرت عملي على فترتين بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر وتناولت أول راتب ومقداره 98 ريالا فضة وأخذتها بحذر وسلمتها لأم مصطفى التي زغردت وأن لله تدبيرا في خلقه وقد بدأ الحال يتحسن بفضل الله ثم بإنسانية فيصل بن عبد العزيز.

وتجدد التذكر عند والدتي وعند شقيقة والدي وقولهما: يا مصطفى.. ولا بد لك من كتابة خطاب للشيخ محمد سرور الصبان ليعينك في إحدى الوظائف لديه بحكم صداقته مع والدي.. وكتبت خطابي وذهبت به إلى بيته في جدة لأسلم عليه وتسليمي خطابي له.. ولكن حارس بيته رفض دخولي ورجوته بأن يسلم خطابي إليه.. وفي ثاني يوم فوجئت بسكرتيره ورجل آخر معه يطلب مني مباشرة عملي في مكتبه في مبنى المجمع الذي فيه شركة الكهرباء في جدة الآن ونزلت إلى جدة وقابلت السكرتير الذي طلب مني انتظار الشيخ وأنه سيأتي بعد قليل.. وجاء وطلب مني الدخول عليه للسلام فاستقبلني بكل رأفة وسألني عن عماتي وأكد لي علاقته بوالدي ورحب بي وأمر سكرتيره بوضعي في مكتب مناسب وأن يختار لي سكنا في دار الضيافة خلف مؤسسة النقد آنذاك في بيت حسن بكر وهو مكون من عدة أدوار ونموذجي وسكنت فيه بعد أن خصص لي مائتي ريال للأكل وغسيل الملابس.. ومائتي ريال لوالدتي وإخوتي.. ومائتي ريال لعمتي يسلمها لهم جوهر الصبان.. ومضى على عملي شهر وقالوا لي قم استلم الراتب من أمين الصندوق وراجعته فقدم لي جدولا وثانيا وثالثا لأقوم بالتوقيع عليها.. فسألته.. هذه 3 جداول.. وأنا لم اشتغل سوى شهر واحد فانفعل أمين الصندوق وصرخ ياولدي الشيخ اعتبر تعيينك من 1/1/1373هـ وليس كما تقول من 1/3/1373هـ.. وخفت ألا أسجل على نفسي موقفا أعاقب عليه حتى اطمأننت لسلامة الموقف ووضع المرتبات الثلاثة في كيس ونصحني بالذهاب إلى مكة وتسليمها للوالدة.

وطرقت الباب فإذا بأمي تستقبلني بفرحة وسألتني وما هذا الذي معاك فناولتها الكيس وقالت خلاص سأبحث لك عن عروسة وأفرح بزواجك.. وبابتسامة تسكن مع حيائي قلت لها: يا أمي إن هذا الأمر يعد مبكرا البحث فيه، وسبحان مغير الأحوال كيف كنا وكيف أمسينا.. والله يمن بفضله على من يشاء.

• الأم ودورها في حياة شاعرنا أوصفها لنا؟
ــ عندما نرتفع بأحزاننا عن كل رثاء.. تتدفق كلمات الحب جياشة في أنات شاعرة.. خصوصا عمن كانت تخفف عن نفسي مواجع الحزن والألم أسكنك الله الفردوس الأعلى من الجنة يـا «أمي».
أين (أمي) وصادق من دعاء
أي إحسانها به نتغنى؟!
واستجابت للموت بين يقين
فرأت في الثبات بشرا وأمنا
وابتسام الوداع كان رقيقا
فهي أحلى في العالمين وأسنى
فعليك السلام في كل حين
وحباك الكريم فضلا وأمنا
وهذه بعض أبيات قصيدة صورت فيها دور ومثالية أمي، فهل يكفي هذا الوصف؟
• «الأنا، ونحن، وكلاهما» في قاموسك على ماذا تدل؟
ــ كنت على أيامي وقسوتها أسمع مبالغات من بعض الأسر بأن لأجدادهم تاريخا مجيدا في الثراء والجاه.. ومن يقول:
أنا كنت ألعب بالجنيهات الذهب لعب.. وآخرون يقولون نحن.. كمن يقول: ونحن أناس لا توسط بيننا.. ومن يقول كلانا غني عن أخيه حياته.. ونحن إذا متنا أشد تغانيا
فكرهت كل تلك المصطلحات لتفاهتها وخوفي من نظرة احتقار تلاحقني وأنا الذي أردد دائما بحكم عشقي لقراءة كتب الأدب:
إذا كان أصلي من تراب فكلها
بلادي وكل العالمين أقاربي!

• في السفر «تفريج هم واكتساب معيشة.. وعلم وآداب وصحبة ماجد» حدثنا عن جميل أسفارك؟
ـــــــ في السفر مفاجآت توقظ الذاكرة لاكتساب تجارب للغير على غير ما أعهد بحكم البيئة الصغيرة في مكة المكرمة التي تربيت فيها على قيم عالية وأهمها محاسن الأخلاق ووزن الكلام قبل النطق به كما قالت لي عمتي ذات يوم «يا مصطفى» زن كل كلمة قبل أن تبوح بها لأنها إذا استغلها غيرك تصبح ملكا له ويزيد ويحرفها على مزاجه ولسانك حصانك.. واللسان ليس له عظمة ترده.

وزرت كثيرا من بلاد العالم وأهمها مصر حيث اشتريت فيها شقة قبل ما يزيد على أربعين سنة مساحتها كبيرة وتعرفت فيها على كثير من الأدباء الكبار أمثال الأديب توفيق الحكيم وأتذكر حكمة خاصة به يرددها دائما كمصالحة مع الذات بقوله (ربنا عادل ما يعطيك عبقرية ويعطيك مال) وفيها عظة.. ولا أدري كيف اقترحت أمي علي بأن أفتح صالونا أدبيا يجتمع فيه كبار العلماء والأدباء والإعلاميين والدبلوماسيين والفنانين منهم وبلا مبالغة عادل إمام وأسرته وكان ابنه رامي طفلا صغيرا وفريد شوقي وأسرته وصلاح السعدني وأسرته والشيخ سيد مكاوي والفنان هاني شاكر والفنان اليمني أحمد فتحي والكثير من الفنانين.. ومن الفنانات أمثال الفنانة أمينة رزق والفنانة زيزي مصطفى.. ومن الشعراء الأستاذ إبراهيم عيسى وغيره.

• ألا ترى أنك مقل في كتابة الشعر الغنائي؟
ــ كنت أكتب محاولات للفنان حسين فقيه وللفنان الصديق المرحوم عبد الله محمد وللأستاذ سراج عمر الذي لحن لي كلمات غناها الفنان عبد المجيد عبد الله واسمها «قصة» ولم أوفق بعد ذلك. لكني يعجبني الغناء من الفنان طلال مداح وفنان العرب والفنان يحيى لبان ويعجبني الغناء وهو كما تعودت عليه في طفولتي بالاستماع إلى اسطوانات الغناء من الموسيقار طارق عبد الحكيم وأم كلثوم. وهلت ليالي القمر. أغنية لازالت تقيم في أعماقي.

• كانت الأغنية قديما لها معنى هل لازالت على بريقها؟
ــ في الحاضر ليس لها بريق.. لا في مصر ولا في العالم ولا في الخليج ولا عندنا إلا بنسبة منخفضة.. والعودة للاستماع لأغاني زمان خيار لمن يعشق وعايش تلك الأغنيات بالإبداع في الكلمات واللحن والأداء.
• متى يتقاسم الشاعر والمطرب الشهرة في القصيدة المغناة؟
ــ عندما يدفع الشاعر المقابل المتفق عليه بين الشاعر والمطرب نستمع للأغنية لمرة واحدة إن ساعدت الصدف.

• مواقف وحكايات نقش جمالها في ذاكرتك؟
ــــــ قبل ما يقارب من ستين سنة أرادت أمي أن تشتري قماشا لتفصيله بدلات عسكرية لي ولأخي إبراهيم لنلبسها في العيد وكان قبله بعدة أشهر تقريبا واختارت الخياط الذي يقوم بهذه المهمة وأخذ مقاسي ومقاس أخي واتفقت معه على الأجرة. وجئته في اليوم الثاني فسألته هل قصصت القماش.. فرد علي بعيون الاستغراب. يا ولدي العيد بعيد بعد 5 أشهر ولا داعي للاستعجال.. ولكن الاستعجال عندي هي الفرحة بالعيد لا بالبدلة وكأنني أستعجل الساعات والأيام والشهور وكل يوم أمر على الخياط فأسأله.. بشرني.. فصلت البدل.. وفجأة ما أشعر إلا والخياط رمى القماش في وجهي وطردني ووقفت استرحمه بالعفو حتى أعاد القماش على الرف وأنذرني بعدم السؤال مرة أخرى.. واخترت المرور أمام دكانه فأجد القماش على ما هو عليه ويأخذني التوتر والانفعال، ومضى قطار العمر واحتفظ برداء جميل هو قطعة قماش غسيل الكعبة الشريفة بثبات وإيمان ويقين إن شاء الله لأقول:
كل عيش وإن تطاول دهرا
منتهى أمره إلى أن يزولا!
• تنظر إلى السماء لتخاطب النجوم بأبيات شعرية ماذا تقول لها؟
ــ مقطع من قصيدة وجدانية:
ورجعت في ليل كأن نجومه
نور على كل الخليقة يشرق
• ظاهرة التعري في الكليبات ألا تفقد الكلمة جمالها؟
ـــــ في هذا اضطراب في السمع والبصر!
• هل تلاحمت القصيدة مع المرأة؟
ـــــ بكل تأكيد ولها يكون الخطاب كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى في قصيدته البردة التي قالها أمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكساه ببردته..
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيـم إثرها لم يفـد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكي قصـر منـها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
كأنه منهل بالراح معلول
• ديوان شعري استمتعت بقراءته .. ما هو؟
ــــــ اشتريت ديوان امرىء القيس من المدينة المنورة في زيارتنا لها في عام 1364هـ وتأثرت بذلك الشعر الرقيق كاستمتاعي بديوان عمر بن أبي ربيعة، وقرأت لشعراء العصر الجاهلي وما بعده .. وكونت مكتبة من أمهات الكتب ولاأزال مـــحـــتـفظــــا بـــــــهـــــــــا وبصيانتها.

• أم القرى هل أخذت حقها من الأشعار؟
ــــــ ولا بحرف واحد استطاع أن يوفي الشعر جلالها وجمالها لما تمثله من قوى إسلامية كبرى ففيها بيت الله.. وبعث منها رسول الله. وأنزل فيها كتابه في ليلة القدر وجعل أفئدة من الناس تهوي إليها.


• «الشاعر المكي» ما الأحاسيس التي تقترن بهذا اللقب عند سماعه؟
ــ اعتزازي بهذا اللقب كشاهد على اهتمامي بحفظ كتاب الله والطواف حول البيت العتيق ودخول الكعبة كل ما جادت إرادة الله بها ومحبتي لمعرفة قواعد الخط والإملاء والنحو والصرف وكان المرحوم الأديب عبد الله الجفري يهتم بالإشارة إلى ذلك.
• أصدقاء الماضي هل طويت صفحاتهم أم مازالت يمناك تصافحهم؟
ـــــ هناك البعض من أصدقائي وقد باعدت بيننا المسافات والاغتراب ولازلت ألتقي ببعضهم ومنهم من لاقى وجه الله فيشملهم الله بكريم رحمته ومغفرته.
• تراث الشاعر حمزة شحاتة ومصطفى زقزوق ما القصة؟
ــ عرفت الشاعر حمزة شحاتة من مكتب معالي الشيخ محمد سرور الصبان الذي عينه رئيسا عاما لنقابة السيارات في مكة في «عمارة الأزهر بالشبيكة» ولا يعمل بها إلا في موسم الحج فقط وكان يعطيني بعض قصائده لتسليمها للمرحوم الأديب الأستاذ عبد الغني قستي عندما كانت جريدة البلاد ومقرها في مكة أمام بازان الشامية، وكانت القصة أن الأمير عبد الله الفيصل كان مهتما بالبحث عن شعر حمزة شحاتة وسأل ابنته شيرين وأكدت له بأنه قام بحرق كل قصائده، وأكد لي الشاعر حسين سرحان.. وبحكم تواجدي في مصر وترددي على كثير من المكتبات القديمة التي يسمح لي أصحابها بالبحث عما أحتاجه وكانت المفاجأة عثوري على ظرف به قصائد حمزة شحاتة مع ديوان صغير طبعه الأديب عبد الحميد مشخص وعدت إلى الوطن وقدمت للأمير عبد الله الفيصل ثلث قصائد الشاعر حمزة شحاتة، وطلب من الشيخ محمد علي مغربي والأستاذ عبد المجيد شبكشي بمراجعة القصائد وكلف الأستاذ محمد حسين أصفهاني صاحب مطبعة الأصفهاني بطباعة خمسة آلاف نسخة، وفي وقتها رجوت من الأمير عبد الله الفيصل بالإشارة إلى اسمي كصاحب المبادرة ونبه بذلك وظهر الديوان ولم أجد إشارة إلى اسمي وبرر لي بملاحظة ذلك في طبعة أخرى.. وساعتها قلت للأمير عبد الله الفيصل أنا لم أعط سوى ثلث القصائد وما تبقى منها محتفظ بها.. والتقيت بالأستاذ الأديب عزيز ضياء وسألني عن قصيدة فأكدت له بأنها عندي ولكنني أوعدته بإحضارها في لقائي به في الاثنينية، وأجرت جريدة الشرق الأوسط حوارا معي عن ذلك بنفس المضمون.
• الشخصيات الأدبية الحجازية السابقة هل بقي ذكراهم؟
ــ قال الشاعر المصري أحمد فتحي هذه الأبيات:
ماذا أفدت بأشعاري وروعتها
سوى علالة تخليد لآثاري
وما الخلود بمأثور لعارية
غير الخسيسين من ترب وأحجار
وأكد الشاعر حسين سرحان قوله لي: نحن في أمة لا ينفع فيها أدب ولا أديب. وكما قال الأديب الأستاذ محمد حسين زيدان إن مجتمعنا مجتمع دفان.
أما شعراء الحجاز فمن أهمهم: حمزة شحاتة. الأمير عبد الله الفيصل، حسين سرحان، حسين عرب، محمد حسن فقي، اللواء علي زين العابدين، الفريق يحيى المعلمي، الشيخ إبراهيم فطاني، الشاعر حسين فطاني، الشاعر عبد الوهاب آشي، محمد حسن عواد، طاهر زمخشري، حسين سراج، سراج خراز، محمد عمر عرب، والأديب الكبير عبد الله عبد الجبار.. والذاكرة اليوم في سبات عميق بسبب مستجدات الحاضر ومعطياته.
وأنا أؤكد أن أية أمة بلا ثقافة لا تنتمي إلى الحضارة حتى وإن اعتبرت الحضارة هي الأبراج الاسمنتية والطرق السريعة والنت وما سوف يستجد.
• الشيخ محمد سرور الصبان ودعمه لأدباء الحجاز.. كيف كان؟
ــ لقد أمر الشيخ محمد سرور الصبان بطباعة دواوين فؤاد الخطيب وحسين فطاني وغيرهما على حسابه الخاص، كما طبع لشعراء وأدباء مصريين وسوريين كخير الدين الزركلي.
• ديوان لك يمثل مكة وأهلها، ما هو؟
ــ هو «حبيبتي مكة» قمت بطباعته في بيروت وطبعة ثانية بمصر.
• الشاعر في الماضي كان مضيئا وفي الحاضر بدأ ينطفئ ما أسباب ذلك؟
ــ القارئ العربي كان في الماضي يتمتع بمساحة من الوقت فيقرأ.. أما الآن فالشاعر لا يقرأ إلا ما يكتبه حتى ولو كتب في صفحة ملونة.. وكذلك لا يجامله في استهلاك وقته أي صديق أو قريب منه.
• أسود الكلمة في الحاضر ما مواصفاتهم؟
ــ ألفت كتابا بعنوان الفكر والأدب والفن التجاري في الوطن العربي.. ووجدت من يكتب يوميا في عدة صحف بحثا عن المقابل كما قال لي كاتب مصري كبير.. وهذا هو واقع الأدب والصحافة العربية.. ومازلت أبحث لقراءة ما يكتبه الأسود.
• ذكريات مع الأمير عبد الله الفيصل لا تنسى حدثنا عنها؟
ـــــ بعد عملي في مكتب الشيخ محمد سرور الصبان انتقلت للعمل موظفا في وزارة الداخلية عندما كان الأمير عبد الله الفيصل الوزير ذا الوزارتين للداخلية والصحة.
وجئت في يوم إلى مجلس الأمير بمفردي وسألني بقوله: وايش اللي محببك في مجلسي؟. فأجبته: لأستفيد من عطائك وكذلك محبتي لك واعتزازي بك حينما كنت أعمل موظفا في وزارة الداخلية.. وفوجئت به ينادي يا عمر جيب للزقزوق كرسي جنبي، وأخبرني: ترى ليس هنا مجلسنا كل يوم، فيوم هنا ويوم في شارع التحلية، ولا أحمل لذلك الأمير غير أسمى تقديري وإجلالي، رحمه الله.
• الأغنية السريعة والكلمة كيف تراها؟
ـــــ لقد أصبحت الأغنية السريعة كالوجبة السريعة.. واستمعت إلى أغنية هيا.. يا حبيبي عشت.. تراني طفشت.. روح قول موال.. في الانترنت.
وهذه صورة لمهازل الغناء  .

المصدر : عكاظ 1432/4/20هـ  - حوار : بدر الاحمدي .