المطوف السيد محمد بن صالح المحضار رحمه الله

 السيد المحضار.. الأثير عند العلماء

السيد محمد بن صالح المحضار رحمه الله تعالى، علم من أعلام المدينتين المقدستين مكة المكرمة، والمدينة المنورة، لطيف المعشر، كريم النفس، متواضع، أحبه المكيون، ونافسهم عليه المدنيون، يجل العلماء، يوقر الكبار، يشفق في تواضع على الصغار. كان رحمه الله تعالى قدوة صالحة لجميع فئات المجتمع في أخلاقه، وسلوكه، وحسن تعامله مع الجميع، انتقل إلى الدار الآخرة يوم الجمعة العشرين من شهر ذي القعدة، عام 1428هـ، وقد أحب المدينتين المقدستين، وأمضى سحابة حياته بهما يقيم بمكة تارة، وبالمدينة المنورة أخرى، يبر أهلهما، كانت وفاته رحمه الله تعالى بجدة ، صلي عليه صلاة العشاء، ونقل جثمانه الطاهر إلى المدينة المنورة فصلي عليه صلاة الفجر، شاءت إرادة المولى جل وعلا أن تكون له مجاورة أبدية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد عاش سيرته صلى الله عليه وسلم مدى حياته، لم ينقطع عن مدارستها، والمرء يحشر مع من أحب، ووري جثمانه الطاهر ببقيع الغرقد بالمدينة المنورة مظهراً يجسد حبه الذي تنازعته المدينتان في حياته، غادرنا رحمه الله تعالى برصيد كبير من الحب، والدعاء، وقلوب مفعمة بذكراه الطيبة ترددها الألسن إعجاباً وإكباراً.

عرفت السيد محمد صالح المحضار المكي وأنا طالب علم في حلقات المسجد الحرام من خلال تردده على مجالس العلماء، وتبسطه معهم، وفرط حبهم وتقديرهم له.

كان رحمه الله سيداً وقوراً، تزينه الأخلاق الرفيعة، والسماحة، والبشاشة، يتواضع للكبير، ويتبسط مع الصغير، عين من أعيان مكة المكرمة، له المكانة الكبيرة بين أهلها لما عرفوا فيه من حب للخير، و نفع المجتمع وصلاحه. قريب إلى قلوب العلماء، يغشى دروسهم في المسجد الحرام، يفسحون له مكاناً رحباً إلى جانبهم، لايحظى به إلا من رقى إلى مستواهم في الفضل. مجالس العلم روحاته، وجيئاته، متابع لزيارة العلماء في منازلهم، أو دعوتهم إلى منزله تكريماً لهم، ومذاكرة معهم، يهتم بهم شخصياً في مجالسه، يحتفي بهم، ويحسن استقبالهم، يحلهم المكانة التي تليق بهم. كنت واحداً من طلاب الدروس بالمسجد الحرام الذين نعموا منه رحمه الله تعالى بمعاملة أبوية حانية وهي عادته مع طلاب العلم، لايضن بنصحهم يؤنسهم بما يدخل عليهم الفرح والسرور، وبخاصة من يعرف إقباله منهم على العلم، وثناء مشايخه عليه.

كان من المواظبين على دروس شيخي الشيخ حسن محمد المشاط، إذا أقبل عليه قام له إكراماً وإجلالاً، وكذلك كانت مشاعر علماء مكة المكرمة قاطبة وسلوكهم نحوه.

السيد محمد بن صالح المحضار، وهو سليل الشجرة النبوية المطهرة يخص السيرة النبوية باهتمام خاص في سفره وحضره، وأينما أقام رحمه الله تعالى، إدراكاً منه بأهميتها الروحية، والتربوية لبناء الأجيال المؤمنة، لاجرم أن يعد بين المتمكنين من السيرة النبوية الشريفة، العارفين لدقائقها ، كان احتفاؤه بها عظيماً ، يجمع لها العلماء وطلاب العلم في منهج وسط، وسلامة في المعتقد، ونقاء في السلوك، لايفترق الجمع عنده إلا عن مذاكرات علمية بين العلماء ، أو موعظة حسنة، ونصائح يتعهدون بها العامة، حضور مجالسه من جميع طبقات المجتمع عالمهم، ومثقفهم، وعامتهم.

كبار علماء مكة المكرمة مثل فضيلة الشيخ حسن بن محمد المشاط، والسيد علوي المالكي، والشيخ يحيى أمان والشيخ محمد نور سيف، والشيخ محمد العربي التباني، والشيخ محمد المصطفى الشنقيطي، وغيرهم من العلماء والوجهاء، يتصدرون مجالس السيرة النبوية التي يقيمها، وفي صحبة هؤلاء طلابهم، فكانت لقاءات علمية مفيدة تلتقي فيها القلوب، يستفيد منها الحضور.
انتقلت إقامة السيد محمد صالح المحضار رحمه الله تعالى إلى المدينة المنورة بعد أن أصبح له بها نسب، فكان يتنقل بين مكة المكرمة مسقط رأسه، ومهوى فؤاده والمدينة المنورة، وقد أكرمه المولى جل وعلا بالمصاهرة النقية لشيخ قراء المدينة المنورة العلامة الجليل الشيخ حسن الشاعر رحمهما الله تعالى، وكان السيد المحضار قريباً إلى قلبه، مقرباً لديه، فجمع رحمه الله تعالى فضلاً إلى فضائله، فحقق بهذا بعض النصائح النبوية إذ جعل له نسباً بالمدينة المنورة وأعظم به من نسب، جمع الله له بين الفضيلتين، وحقق له النسب للحرمين الشريفين، كان باراً بمكة وأهلها، متردداً عليها، ومواصلاً زيارة علمائها، وأحبابه فيها.

فضيلة السيد محمد صالح المحضار رحمه الله تعالى من جيل رجال وأعيان المدينتين المقدستين الذين تركوا آثاراً كريمة، ومآثر حسنة في المجتمعين المكي والمدني، يمثلون رموزاً من الصلاح والتقى ولا أزكي على الله أحدا يظلون أمثلة رفيعة جمعوا بين العلم والعمل، والخلق الرفيع، والسيرة العطرة رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته، وعوض أمته، وأهله ومحبيه خيراً، والعزاء لأهله وذوي قرابته، وللعلماء، وطلاب العلم في المدينتين المقدستين، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).

بقلم أ.د عبدالوهاب ابوسليمان , المصدر :
جريدة عكاظ : السبت 06/12/1428هـ الموافق 15/ ديسمبر/2007 م