الشاعر عبدالرحمن حجازي ( عمدة المسفلة 1404-1420هـ )
صانعو التاريخ الفني في المملكة أسماء ليس لهم حد، تاريخنا مليء بأصحاب المواهب والجذور الضاربة بالعمق في الكثير من الأنشطة والعطاءات، والشاعر الراحل عبدالرحمن حجازي أحد الأسماء التي ساهمت في صناعة الأغنية في مراحل التأسيس منذ نحو 60 عاما. شاعرنا كان اسما فاعلا أيضا في العمل الاجتماعي وهو العمدة بل مثال العمدة ابن البلد الفعلي الذي ما يضع نصب عينيه إراحة الشرطة وإنهاء ما يمكن من مشكلات الناس وأهل الحارة بسلطة ومكانة وهيبة عموديته، فهو عمدة أحد أشهر أحياء مكة وأقربها إلى الحرم المكي الشريف «المسفلة». ويعتقد كثير من النقاد وزملاء الحرث في دنيا الأغنية أن دور الحجازي كعمدة وملامسته مشاكل الناس جعله يصور بعين ووجدان الشاعر عنده هذه المشكلات أغنيات رائعة، كما عمل الحجازي مديرا لمدرسة تعليم القيادة (دلة) في الرياض لمدة 19 شهرا بين عام 1396ـ1397 وكان له نشاط كتابي في جريدتي «المدينة» و«الندوة» في زاوية بمسمى «لماذا» كان يوقعها باسم «مسمار». والحجازي كتب أغنيات خاصة بتكريم زميله الشاعر إبراهيم خفاجي وفنان العرب محمد عبده، كما كان نشيد «ربع الخليج» الذي كتبه وقدمه هدية لاجتماع مجلس التعاون الخليجي الأول هو أول نشيد يكتب عن هذا المجلس وهو من ألحان وأداء جميل محمود.
والحجازي شاعر غنائي يجيء تميزه لما قدمه من تحايا جميلة لكثير من كبار فنانينا في بداية مشوار كل منهم.. إلى أن أصبحت هذه الأعمال علامات في بداية مشاويرهم مع الفن وتحديدا في عالم الغناء.. الحجازي ابن مكة المكرمة ظل طوال أكثر من نصف قرن يقاسم كبار فناني مكة المكرمة وشعرائها «كعكة» النجاح مثل إبراهيم خفاجي وياسين سمكري وجميل محمود وفؤار بنتن والراحل علي صائغ وفرقة المريعانية وغيرهم من أعضاء «ورشة الفن» في مكة المكرمة.
ومن الفنانين الذي أسهم الحجازي في تقديمهم خير تقديم للمستمع العربي منذ البدء كان الفنان عباد الجوهر الذي شدا بأول أغنيات له بعد تجربته مع طلال مداح ولطفي زيني من كلمات الحجازي وألحان جميل محمود والتي نالت شهرة كبيرة كان ذلك عام 1387 (1967).
ثم واصل عبدالرحمن حجازي عمله في الوسط الفني بشكل مكثف لإبراز مواهب العديد من فناني المنطقة الشباب الذين كان لهم شأن فيما بعد في عالم الأغنية.
وعبدالرحمن حجازي اسمه الأصلي عبدالرحمن عبدالله أحمد الغامدي من مواليد مكة المكرمة عام 1357 (1937) درس في مدرسة (الخطاط) وهي مدرسة شهيرة في مكة المكرمة تخرج أكثر رجال المال والأعمال، وهو عبارة عن مدرسة ومعهد تعمل طوال العام تحت إدارة مؤسسها والمدرس فيها المعلم (إبراهيم) الذي كانت تعرفه كل مكة يومها، حيث كان يعلم في مدرسته الخط والحساب والإملاء فقط.. ومنها تخرج معظم مديري البنوك في مكة وعلى وجه الخصوص الإخوة (الحضارمة) الذين كانوا يدخلون هذه المدرسة فور وصولهم إلى مكة المكرمة ليتخرجوا محاسبين ومديرين وهكذا.. كان والد عبدالرحمن يعمل في التجارة وشاء ولده أن يتخرج من مدرسة إبراهيم التي كان يدرس فيها إلى جانبه كثيرون منهم الشيخ محمد القيري والشيخ خليل يماني.. ويتذكر عبدالرحمن حجازي ــ رحمه الله ــ أن المدرس وصاحب مدرسة (الخطاط) إبراهيم له طريقته الخاصة في التدريس حتى أنه أصدر كتابا متخصصا في التجارة اختار له عنوانا كلاسيكيا (تحفة الناظر للصيرفي والتاجر).
ظل عبدالرحمن يتابع دراسته حتى عام 1371 عندما ترك المدرسة ليتسلم (دكاكين) محال والده ويديرها إلى أن تزوج عام 1379 ليختلف مع الوالد ــ رحمه الله ــ لشأن أسري ويتجه للعمل الحكومي، حيث عمل موظفا في أمانة العاصمة البلدية كمراقب براتب عشر ريالات في اليوم، ثم أخذه طموحه إلى جدة، حيث أحب أن يعمل ويستقر فيها، فكتب خطابا برغبته هذه إلى مدير عام الإذاعة آنذاك عباس فائق غزاوي الذي أحاله إلى قسم التسجيلات ليبدأ العمل في اليوم التالي.. لولا أن والده جاء من مكة المكرمة في ذلك اليوم ليصر عليه أن يعود إلى مكة المكرمة معه والعمل في التجارة وهذا ما تم إلى أن تم اختياره عمدة لمحلة (المسفلة) أحد أهم وأشهر أحياء مكة المكرمة القريبة من الحرم المكي عام 1404 (1984) وظل يعمل عمدة للحي حتى تقاعد عن العمل الحكومي عام 1420.
وللحجازي ثلاثة أبناء ذكور حازم وجميل وعبدالله، وأربع بنات، وله من الأحفاد 14 حفيدا، ظل الحجازي يواصل كتابة الأغنية بشكل مطرد حتى وهو يحمل لقب (عمدة) مهمته حل مشكلات سكان الحي. والشارع والعمدة عرف بوضوحه وصراحة رأيه المطروح في وسائل الإعلام.. وأحب أن أورد لكم بعض نماذج ذلك الطرح، ففي حوار له مع الزميل توفيق نصر الله في مجلة اليمامة كانت له بعض الأفكار المهمة منها قوله: عبادي قدم لي الشيء الكثير وليس معنى هذا أنني لا ارتاح إلا له. وهناك أناس قدموا أغاني ولكن لم يحالفهم الحظ لأنهم لم يخدموها. فعبادي الجوهر غنى لي من عام 1387 وغنى لي من بداية حياته أغنية «خايف منك ومن حبك»، وغنى «اللي مو عالبال حاله صعيب»، وغنى لي نشيد «والله وفيت» في الملك فيصل ــ يرحمه الله ــ وكلها من ألحان جميل محمود، وغنى لي بعدها من ألحانه فلكلور من إعداد الأستاذ سراج عمر وأنا فخور بتعاوني مع سراج عمر واعتبره أخي. وتعاونت مع عبدالله مرشدي ومع عبدالله محمد ومحمد السراج وعبدالمجيد عبدالله وعبدالله رشاد وحسين فقيه وغيرهم وكل فنان يخدم عمله أحبه.
كما قال أيضا: ارتاح لجميل محمود أن يؤدي كلماتي فهو يلحن الكلمة ويعطيها حقها، وللأسف بعض المؤدين لبعض الأصوات الحلوة لا تهتم بالألحان فتجدها تقدمها على أساس موسمي في «الألبوم» وهذا سبب إخفاق أكثر الأعمال. والدليل نجاح أغنية أو أغنيتين في العام كله. لأن كل هم معظم المطربين أن يكمل الشريط فقط ولا أريد أن أقول من أجل المادة فقط والتي تنجح أغنية من خمس أغنيات هي محتوى الشريط، مع أنه بإمكانه أن يوفق بشروطه التي اتفق بها مع الشركة إذا أنتجه هو. لكنك تجده يغفو وينام شهرين أو ثلاثة ثم يصحو لمدة ثلاثة أيام أو ليلتين ويقول (كبب وليس يطلع كويس) هذه مشكلتنا.
• هل أنت راض عن جميع أعمالك؟
ــ لا يمكن، 80 في المائة من أعمالي لست راضيا عنها.
• هل هذا تواضع منك؟
ــ ليس تواضعا بل هو الصحيح، فالشاعر الذي يقول بأنه راض عن أعماله بنسبة 50 في المائة أعطيه درجة شرف، فربما كتبت الفكرة وكنت مرتاحا لها وبعدما لحنت وسجلت لم ارتح لها، أو أنها قضت فترة طويلة عند الملحن أو المؤدي ومسخت الصورة وأصبح الكل قد قالها وسمعها البعض كعمل مكرر رغم أنني قلتها إلا أن تأخيرها عند البعض جعلها مستهلكة بعد أن تناولها الكل طرقها وقالها.
• هل لطش أحد ما كلماتك؟
ــ ما أظن إلا في بعض الأحيان وهذه غلطة يرتكبها أكثر فنانينا فتجد أن لديه أغنية عمرها 20 أو 25 سنة ويأتي ويقدمها اليوم وكان المفروض منه قبل أن يقدمها يتصل بكاتب الكلمة، فكاتب الكلمة أو الملحن أو المؤدي تزداد خلفيته سنة بعد أخرى وحتى المدرس تتوسع مداركه أكثر مع مرور الوقت، وكما يقولون «يموت المعلم وهو يتعلم». وبهذه المناسبة فإنني ادعو الجميع وكل من لديه كلمات سواء كانت لي أو لأحذ زملائي ومضى عليها عشر سنوات أو أكثر أن يتصل بكاتبها إذا أراد أن يقدمها فلقد يعدل في بعض الجمل لأنه يرى أنها استهلكت.
وعن إمكانية اكتشافه سرقات في أفكار النصوص الغنائية، قال: نعم كشفت الكثير من هذه الحالات، فهناك أناس كانوا قد أخذوا هذه الدانات وبعض الأغاني وقدموها للناس على أساس أنها لهم أو من ألحانهم، وهنا أحب أن أؤكد مرة ثانية بأنه يجب على الفنان السعوي أو أي فنان يريد أن يقدم فلكلورا بعد أن ينسقه ويثقفه يقول هذا من إعداد فلان الفلاني ولا يقول لحن فلان الفلاني، فلو قال لحن فلان الفلاني نقول له.. قف أنت غلطان وحرام عليك، فلربما يكون صاحب اللحن موجودا لكنه رجل كبير أو مات، فكلمة فلكلور تطلق على الأغنية إذا مضى عليها 50 عاما حينها تعتبر فلكلورا. ولكن عندما يكون صاحبها موجودا كيف أقول فلكلورا؟، وعندنا الآن ألحان لبعض الفنانين تعتبر الآن هي من الفلكلوور مثل ألحان طارق عبد الحكيم في الستينيات والسبعينيات الهجرية تعتبر الآن فلكلورا، وأعمال عبدالله محمد وفوزي محسون وجميل محمود.
• ماذا تحدث عن الفلكلور الغنائي السعودي؟
ــ المفروض في الفلكلور أن يكون الأداء جماعيا إذا توفقت المجموعة مع بعض ولم يكن هناك نشاز في الأداء. وكانوا في السابق يضعون حاديا في الوسط كما هو عليه الحال في فرقة أبو سراج وغيره عندما يقول هو شيئا وهم يردون وراءه.
• وعلى ذكر فرقة أبو سراج، نود أن نسألكم عن رأيكم في فرق الفنون الشعبية عامة وفرقة أبو سراج خاصة؟
ــ الفنون الشعبية الآن اختلط الحابل بالنابل وأصبحت لا تعرف ما هو الفلكلور المحلي وما هو الفلكلور الآخر. أما بالنسبة لأبو سراج فقد قدم مجهودا يشكر عليه، لكنه لم يقدم كل ما عنده واتمنى من الله أن يوفقه وكل الفرق في أن يقدموا لنا تراثنا ولا نريد تراث الغير.
من أبرز أعمال الحجازي
تعامل كثير من كبار الملحنين والمطربين مع أشعار عبدالرحمن حجازي منهم جميل محمود في أعمال عديدة قدمها جميل بصوته مثل «ترفق ياهوى، اللي عشمني، واندفاعي في هواك»، وطلال مداح ــ رحمه الله ــ له أغنية وحيدة «أماني العمر»، ومحمود حلواني أغنيتان «الله يسامح حبيبي، ويافرحة العزال» وغنى له الفنان حسين فقيه أغنيتين «الله لنا، وعيد الهنا»، وإبراهيم بشير أيضا شدا له بأغنيتين من ألحان حمدان بريجي «حبيب العمر، وباهي الطلعة»، والنجم عبدالمجيد عبدالله قدم من أشعار الحجازي منذ أول ألبوماته أغنيات «وفر عتابك، لو درى قلبي، وياغصن يامياس»، وجميعها من ألحان جميل محمود. كما شدا له الراحل عبدالله مرشدي بأعمال عديدة منها «عزولي في هواك، واشرقي ياشمس حبي»، أما الفنان الراحل الكبير عبدالله محمد بـ «غريبة، وسامحتك».
الحجازي في عيونهم
يقول فنان العرب محمد عبده إن الاستاذ الراحل حجازي واحد من أهم الأسماء التي صنعت شخصية الأغنية الحجازية في مكة المكرمة، إلى جانب أب الأغنية الحجازية إبراهيم خفاجي كنت اتلمس حجازيته الموغلة في المحلية في أغنياته للزملاء مثل جميل محمود وفي أغنيته لإبتسام لطفي «غض طرفك يامعنى» ومع عبادي الجوهر في «سمار ياسمار» عبدالرحمن حجازي ــ رحمه الله ــ شاعر ناعم غنيت له «قالوا القمر»، كما غنيت له أغنيات أفراح خاصة.
يقول شاعرنا الكبير إبراهيم خفاجي إن الحجازي زميل درب طويل من العطاء الفني قدم لساحة الأغنية تحايا كبيرة وجميلة ومن أعماله التي اعشق رقتها وبساطتها وحجازيتها ماكتبه للفنان يحيى لبان «زي الهوى والما والبدر في الظلما»، كذلك أغنية حجازية أكثر روعة «ياساري» للفنانة التونسية عايدة بوخريص، انظر البساطة والجمال في النص وهو الذي لحنه الجميل جميل محمود.
والتي يقول مطلعها:
يساري بالشوق ساري بتدور على دنياك
في مركب من غير ساري
حاسب على نفسك
لا يغلبك يأسك
مابين غمضة عين
ربك يعدلها.
النجم عبادي الجوهر يقول: كان ــ رحمه الله ــ ممن دعموني في مرحلة دخولي الحياة الفنية، حيث كتب لي الكثير من الأغنيات التي لحنها الأستاذ جميل محمود وكانت سببا في نجاح بداياتي مثل «خايف منك ومن حبك، اللي مو ع البال حاله صعيب حاله، لاجل عين تكرم مدينة، قالوها كثير صدقيني، وأغنية والله وفيت»، وغيرها الكثير إلى أن وصلنا في مرحلة لاحقة إلى «سمار يا سمار».
الفنان جميل محمود الذي زامل الراحل نحو نصف قرن، ولحن له الكثير من النصوص الغنائية يقول:
فقد مجلسي الأسبوعي «الأحدية» حضور وطلة الراحل الجميل عبدالرحمن حجازي ــ رحمه الله ــ منذ سنوات، لقد كان الحجازي واحدا من الشعراء الذين طرز جمال عطائهم مجلسنا الفني الاجتماعي الأسبوعي، كنت أحب فيه كتاباته المتفائلة، ولحنت له «عندي أمل» لصوت حسن يوسف و«لا تكلمني» لهيام يونس والكثير من الأعمال بيننا.
ويقول الشاعر ياسين سمكري زميل مشوار الحجازي:
من أعجب قصصنا أننا أبناء مكة، وبدأت موهبة الشعر تغزونا إلا أنني لم أره إلا في جدة وتعرفت عليه لأول مرة في إذاعة جدة عندما نتسلم مكافأة أغانينا، حيث عرفني عليه عمر كدرس ــ رحمه الله ــ في مكتب عباس فائق غزاوي ــ رحمه الله ــ قائلا: شوف هذا شاعر ترى كويس ومن مكة برضه.. يستطرد السمكري: ومنذ ذلك اليوم وضعت يدي بيد ذلك الرجل الفنان والشاعر الكبير والإنسان العطوف وكانت صداقة 44 عاما لم تنته حتى برحيله ــ رحمه الله.
ويقول الفنان سعيد مقبل ارتباطي معه برحم، كوني زوج ابنته، جعلني قريبا منه في الحياة الفنية كثيرا، فلقد سعدت بإهدائه لي الكثير من نصوصه الإبداعية التي لحنتها وشدوت بها مثل «ابتسم، لاتنكر انك تحب، وش تبي، كلمة حنان، نامت عيون البشر، وترفق ياهوى»، وغيرها الكثير من الأعمال.
والفنان الممثل عبدالله نيازي أحد علامات جمعية الثقافة والفنون في الطائف، يقول الحجازي شخصية خصبة العطاء في عالم الأغنية الحجازية وله من الأغنيات الحجازية التي قمنا باستخدامها في أعمالنا المسرحية. أما الشاعر يوسف رجب شاعر الأغنية المرتبطة بالجمال والنغم والهنك الحجازي، يقول الجميل في شعر عبدالرحمن حجازي أن نصوصه بنت الأرض والبيئة ولاتعدو كونها الكلام الذي تقوله أنت ورفيقك وأهلك وغير ذلك، كما أن في نصوصه يطغى المثل الشعبي مثل «اهل المثل قالوا، واللي موع البال»، وغيرها. أنا شخصيا معجب جدا بتجربة الحجازي وأسلوبه في كتابة الأغنية.
عبدالرحمن حجازي توفي في مكة المكرمة في 3/6/1424هـ
المصدر : جريدة عكاظ 13/10/1431هـ - علي فقندش .
0 تعليقات