معالم إسلامية (مسجد البيعة بين القديم والجديد) (3 - 4)

حافظت الأمة على هذا المكان المبارك قرونا طويلة بعد شهد البيعات الثلاث، ووثقت موقعهما منذ وقت مبكر جدا في القرن الثاني الهجري الفاضل، عصر التابعين، حسب التدوين المتواتر، وربما في وقت متقدم على هذا بمشهد من بعض حضور البيعة من الصحابة أنفسهم رضوان الله عليهم، فبني في مكانها مسجد يعبد الله فيه لإخلاص العبادة له، وتتويج جهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالنصر، والمؤازة؛ فمن ثم اعتنى به الخلفاء عمارة وتشييدا؛ تحقيقا لقول الله عز وجل (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) الآية.

تم توثيق مشهد هذا الحدث التاريخي ببناء مسجد البيعة في المكان الذي تمت فيه مبايعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تابع المؤرخون، والفقهاء الأعمال الإنشائية لهذا الموقع؛ حيث أصبح رمزا خالدا من رموز التاريخ الإسلامي، وأحد مساجد الإسلام القديمة المأثورة المتواترة، تناوله المحدثون، والفقهاء، والمؤرخون بالسرد التاريخي لبدايته، والتحليل العلمي لنتائج البيعة بين رسول الله صلى عليه وسلم والأنصار رضي الله عنهم.

يتذكر المسلمون عنده نعمة الله على الأمة المحمدية، ومعاناة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه على القبائل، وصبره، وجلده صلى الله عليه وسلم في سبيل تبليغ رسالة ربه، وإنقاذ الأمة من الشرك والضلال، ثم تضحية الأنصار رضي الله عنهم واستعدادهم لما يحمله لهم المستقبل من قطيعة مع قبائل العرب، كانت المعاهدة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار النواة الأولى للدولة الإسلامية في التاريخ، تم تشيد مسجد البيعة تخليدا لهذه الذكرى العطرة حسب السرد التالي:

يسمى أيضا بمسجد العقبة، يقول الحافظ أبو العباس أحمد بن عبدالله ابن محمد ابن أبي بكر محب الدين الطبري ثم المكي:
«مسجد العقبة حيث بايع صلى الله عليه وسلم الأنصار».

الحديث عن موقع مسجد البيعة ينبغي أن يتناول وصف موقعه قبل تطوير منطقة الجمرات أولا، ثم وصف موقعه بعد التغيير الشامل لها. 
 
الموقع الجغرافي لمسجد البيعة
يذكر الأستاذان المؤرخان: الدكتور ناصر عبدالله البركاتي والدكتور محمد نيسان سليمان مناع في دراسة مستقلة لمسجد البيعة:
«إن الذين اهتموا بتاريخ مكة وما حولها لم يختلفوا في تحديد الموقع الجغرافي لمسجد البيعة في القديم والحديث، ومن هؤلاء: الأزرقي، الفاكهي، الفاسي، الزواوي، القطبي رحمهم الله على ما قدموه لخدمة الإسلام والمسلمين، ومن جاء بعدهم اعتمد على رواياتهم، وترى في الكتب الحديثة التي اهتم مؤلفوها بتاريخ مكة وما حولها.

ويقع بناء مسجد العقبة على يسار الذاهب إلى منى وراء جمرة العقبة الكبرى بيسير باتجاه مكة المكرمة، وفي شعب من شعاب جبل ثبير على يسار الداخل إلى منى...».

هذا مما لا خلاف فيه بين المتقدمين والمتأخرين بين علماء المناسك والتاريخ المكيين.

يبعد مسجد البيعة عن جمرة العقبة في الاتجاه إلى مكة المكرمة نحو حي الششة بما يزيد على خمسمائة متر تقريبا، في شعب خلف جبل العقبة الضخم، توارى المسجد من خلفه بحيث لا يبدو للمار في طريق منى سواء اتجه إليها شمالا، إلى مكة، أو جنوبا إلى منى، يوجد مدخل وحيد للدخول إلى المسجد من الطريق العام لمنى من الجهة الغربية، وعلى جانب المدخل من جهته اليمنى بعض مرافق أمانة العاصمة، وأشجار سامقة تحجب رؤياه عن المارة.

مكان المسجد الطبيعي، بما يحيط به من جبال، وتواريه عن ناظر المارين ينطق بصحة المكان حسب وصف المحدثين، والفقهاء، والمؤرخين؛ حيث اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته، وفي مكانه بايعه الأنصار رضوان الله عليهم، دون علم قريش، وهو الاختيار المناسب للتواري عن الأنظار، يتمثل موقع المكان ومنظره من خلال سرد قصة بيعة العقبة الثالثة.

جبل العقبة جبل ضخم هو الحد الطبيعي لمنى في الناحية الشرقية الشمالية من المسجد يمثل حاجزا ضخما لمنع رؤية ذلك الشعيب، لم يكن هذا المسجد معروفا قبل إزالة جبل العقبة إلا لمن قرأ عنه وقصده.

كان مكان إقامة أيام الحج لبعض الجنود المكلفين بحراسة الحجاج، وكان يقصده للصلاة فيه بعض الحجاج العارفين له، المطلعين على تاريخه.

موقع هذا المسجد واستتاره من وراء ذلك الجبل الضخم في ذلك الشعيب الذي يسمى بـ (شعيب البيعة) أو (شعب الأنصار) متحقق الوصف تماما حسب وصف العلامة الأزرقي وغيره من المؤرخين في توقيع مكان بيعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وصف موقع مسجد البيعة وواقعه تماما قبل تطوير مشعر الجمرات، وقبل إزالة جبل العقبة الضخم؛ حيث تمت إزالته عام 1428هـ بعد عمل شاق متواصل ليل نهار لإزالته، لمدة عامين بآليات حديثة متقدمة، واستعمال الديناميت المفجر للصخر ضمن مشروع تطوير، الجمرات وتحسينها الأخير، مشروع ضخم، وإنجاز كبير سخت عليه الحكومة السعودية بالمال الوافر؛ بقصد تجنيب الحجاج الكوارث والإصابات، والمحافظة على أرواحهم.

اهتمام الخلفاء المسلمين
شعر الخلفاء المسلمون منذ وقت مبكر في عصر التابعين بأهمية مكان البيعة للمشهد الإسلامي حاضرا ومستقبلا، فمن ثم خلد التاريخ أسماء الخلفاء المسلمين الذين عمروه وشيدوا بنيانه، وحافظوا عليه حتى وصل إلينا في القرن الخامس عشر الهجري. يذكر هذا في سرد تاريخي قاضي مكة، وفقيهها الإمام المحدث الحافظ أبو الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي المالكي (775- 832هـ) أسماء الخلفاء الذين اهتموا بتشييد هذا المسجد المبارك إلى زمنه، واصفا لموقعه:
«وهذا المسجد بقرب العقبة التي هي حد منى من جهة مكة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكة، في شعب على يسار الداخل إلى منى، وفيه حجران مكتوب في أحدهما:
(أمر عبدالله أمير المؤمنين أكرمه الله ببنيان هذا المسجد، مسجد البيعة التي كانت أول بيعة بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بعقد عقده له العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه). وفي الآخر: (تعريفه بمسجد البيعة، وأنه بني في سنة أربع وأربعين ومائة).

وأمير المؤمنين المشار إليه هو أبو جعفر المنصور العباسي.
وعمره أيضا المستنصر العباسي على ما وجدته مكتوبا في حجر ملقى حول هذا المسجد لتخربه، وفيه: (أن ذلك سنة تسع وعشرين وستمائة) وقد ذكره الأزرقي...

يضيف العلامة التقي الفاسي رحمه الله تعالى قائلا:
«وصفة هذا المسجد: رواقان كل منهما مسقوف بثلاث قبب على أربعة عقود، وخلفهما رحبة، وله بابان في الجهة الشامية، وبابان في الجهة اليمانية، وطول الرواق المتقدم من الجهة الشامية إلى الجهة اليمانية ثلاثة وعشرون ذراعا، وعرضه أربعة عشر ذراعا، والرواق الثاني نحو ذلك، وطول الرحبة من جدارها الشامي إلى اليماني: أربعة وعشرون ذراعا ونصف ذراع، وعرضها: ثلاثون ذراعا وسدس، الجميع بذراع الحديد ، وأبواب كل رواق التي يدخل منها إلى الآخر ثلاثة، وأكثر هذا المسجد إلى الآن متخرب، وكان تحرير ما ذكرنا بحضوري" .

وفي زيارة بحثية لمسجد البيعة عام 1421هـ، لكل من الدكتور معراج نواب مرزا، وعبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان،عثرا على الحجر الثالث الذي ذكره تقي الدين الفاسي المكي بقوله:
«وعمره أيضا المستنصر العباسي على ما وجدته مكتوبا في حجر ملقى حول هذا المسجد لتخربه، وفيه: أن ذلك سنة تسع وعشرين وستمائة».

وجد الباحثان الحجر الثالث في خارج الحائط الغربي للمسجد، مغطى بطبقة من الدهان الأبيض أزالا هذه الطبقة، وكشفا الحجر الذي نحتت عليه الكتابة، وأبرزاه للعيان، فأصبح اللوح الحجري الثالث واضحا ظاهرا مشاهدا مدونا عليه العبارة التالية:
(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد.
أمر بعمارته سيدنا ومولانا المفترض الطاعة على كافة الأنام أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين أعز الله أنصاره وضاعف أقداره.
وذلك في سنة خمس وعشرين وستمائة).

وبهذا تسد الثغرة التاريخية التي تتابع على التنويه بها المؤرخون من عهد التقي الفاسي رحمه الله تعالى حتى العصر الحديث، وتكتمل الحلقات التاريخية لمسجد عظيم، وبيت من بيوت الله له تاريخه المجيد.

استكمالا لتاريخ عمارة هذا المسجد المبارك ذكر العلامة الفقيه علي ابن عبدالقادر الطبري (ت 1070هـ) أن «الباشا حسن المعمار التفت إليه [مسجد البيعة] بالتعمير في دولة السلطان أحمد بن محمد خان، ثم عم ره الوزير أحمد ابن يونس في حدود أربعة وعشرين بعد الألف».

مسجد البيعة في وصف المؤرخين المحدثين قبل تطوير مشعر الجمرات:
وصف الدكتور ناصر عبدالله البركاتي رحمه الله، وزميله الدكتور محمد نيسان سليمان مناع (مسجد البيعة) كالآتي:
«يقع مبنى مسجد البيعة في سفح جبل ثبير، وأطلق عليه الأزرقي: شعب العقبة، أو شعب الأنصار، على يمين النازل من منى إلى مكة المكرمة، وعلى يسار الصاعد إلى منى، ويبعد عن الجمرة الكبرى حاليا بمقدار كيلو متر تقريبا، ويفصل بينهما شارع مرصوف عرضه 100 متر تقريبا، ويحيط بالمسجد من ثلاث جهات جبل ثبير، من جهة الشمال، ومن جهة الشرق، ومن جهة الشمال الشرقي، أما من جهة الجنوب فقد بني حديثا خزان للمياه، يفصل بينه وبين المسجد شارع عرضه 7,20 مترا تقريبا، ويؤدي خزان المياه خدمات جليلة لضيوف الرحمن في فترة أيام التشريق بمنى؛ حيث يكثر عدد الوافدين لأداء مناسك الحج، ويوجد رحبة أمام جهة محراب الصلاة طولها 45 مترا، وعرضها يمتد إلى الجهة الشمالية من المسجد بمقدار 45 مترا تقريبا... ويلاحظ أنه يمكن الوصول إلى مبنى المسجد عن طريق ممهد غير مرصوف من جهة الشارع المرصوف الواقع في الجهة الغربية، ويحاط بموقع المسجد سور حديدي لحفظ بناء المسجد.

المساحة
تبلغ مساحة مسجد البيعة حاليا بمقدار 500 متر تقريبا؛ حيث يبلغ طول الجهة الشمالية للمسجد بمقدار 27,90 مترا، وعرض الجهة الشرقية بمقدار 17 مترا، وهو على شكل مستطيل، ويلاحظ ارتفاع دار رواق القبلة عن باقي جدر المسجد 7 أمتار تقريبا، وطوله 6,85 مترا، وارتفاع جدار الجهة الشرقية 4 أمتار تقريبا، بينما يبلغ ارتفاع جدار الرواق الثاني، وهو باقي المسجد من جهة الشمال، وجهة الجنوب بمقدار 3,20 متر تقريبا.
ومما يلاحظ على مسجد البيعة بمنى أنه عبارة عن بناء قديم مكشوف، لا سقف له، ومواد البناء خليط من الحجارة والآجر، وطلي من الخارج والداخل، وأعلى جدرانه الحائط الغربي، ويميل قليلا نحو الجنوب الغربي، حيث يوجد محرابه، ويخلو مبنى مسجد البيعة من مآذن، وشبابيك، وسقف، وإنارة، ودورات مياه؛ لأنه لا يستخدم حاليا في الصلاة، وهو مغلق...

الواجهة الغربية
يبلغ ارتفاع جدار الواجهة الغربية بمقدار سبعة أمتار تقريبا، وباقي الجدران أقل ارتفاعا، وعرضه 17 مترا، ويتوسط جدار القبلة محراب عميق، مكون من ثلاث حنيات، والحنايا الثلاث تبرز كثيرا عن جدار القبلة، وتكتنف هذا المحراب ذا الثلاث الحنايا حنيتان عميقتان تعلوهما عقود مدببة، وقد فتحت في هاتين الحنيتين نوافذ معقودة سدت معظمها، ولم يبق منها غير فتحات ضيقة غير منتظمة، مما يدل على أنها فتحت حديثا، ومنها ما كان على يمين المحراب في الجدار الخارجي، ارتفاعها 75 سنتيمترا، وعرضها 70 سنتيمترا، وأخرى على يمين المحراب ارتفاعها 2,40 متر، وعرضها 1,55 متر، وثالثة على يسار المحراب ارتفاعها 2,40 متر، وعرضها 1,45 متر، ويوجد على جانبي هذه الواجهة من جهة الغربي الجنوبي، ومن جهة الغربي الشمالي دعائم مستديرة الشكل، قوي جدار القبلة من الخارج بهما حتى لا يتساقط الجدار في مفهوم من قام بالبناء وقت تأسيس المسجد، أو ربما أن تكون هذه الدعائم حديثة، ويعلو جدار هذه الواجهة أشكال هندسية، بلغ عددها خمسة عشر عقدة... ويوجد بهذه الواجهة لوحة من الرخام، يقع في جدارها من الخارج على يسار المحراب...

الجهة الجنوبية
وهي الجهة التي تطل على خزان المياه، المقام بجوار مبنى مسجد البيعة، وطولها 27,90 متر تقريبا، وقد اختلف منسوب ارتفاع جدار هذه الواجهة فترى من جهة المحراب حيث يقع رواق القبلة ارتفاع جدارها سبعة أمتار تقريبا، ويصل هذا الارتفاع حتى يصل إلى 3,20 مترا تقريبا، ثم يزيد فيصل إلى أربعة أمتار تقريبا وتخلو الواجهة من النوافذ، والأبواب وأي فتحات أخرى، إلا أنه يوجد بها ناحية الرواق الثاني على الجدار من الخارج اللوح الثاني... وترجح الدكتورة سعاد ماهر أن تكون الفتحتان المعقودتان اللتان في الضلع الشمالي، والجنوبي الغربي: المدخل الحالي أحدهما هما المدخلان الرئيسان للمسجد فيما مضى، والباب الحالي لمدخل مبنى المسجد مصنوع من الحديد، مطلي باللون الأخضر، ومغلق.

رواق القبلة
ويشتمل مسجد البيعة على رواقين .. أحدهما:
رواق القبلة الموازي لجدار المحراب، وتبلغ مساحته من الداخل 4,6 متر تقريبا، ويتكون الرواق من أربع دعائم مربعة الشكل، مساحة كل منها 86 x 76 سنتيمترا تعلوها خمسة عقود مدببة، فيما عدا العقد الأخير من الجهة الجنوبية، فعقده ذو زاوية على شكل مثلث منفرج الزاوية، ومن الواضح أن هذا العقد قد رمم فيما بعد، وترتفع هذه العقود عن منسوب أرض فناء المسجد بمقدار أربعة أمتار...، ويوجد في مبنى هذا الرواق الباب الرئيسي حاليا للمسجد.

الرواق الثاني:
يقع الرواق الثاني في نهاية مبنى مسجد البيعة، موازيا لجداره الشمالي الشرقي، ولم يبق منه سوى شكل مصطبة ترتفع عن أرض المسجد، وقد امتلأ هذا الرواق حاليا بأحجار صغيرة، وبعض النفايات؛ وذلك لأن المسجد غير مسقوف، يضاف إلى ذلك أنه مهجور لا تؤدى فيه الصلاة.

مبنى المحراب من الخارج
...محراب الصلاة يقع في وسط جدار الجهة الغربية، ويظهر بوضوح بروز خارج من جدار هذه الواجهة بمثل تجويف المحراب من الداخل وبروز مبنى المحراب من الخارج له ثلاثة أضلاع، عرض الضلع الأيسر 1,22 مترا، والضلع الأوسط 1,60 مترا، والضلع الأيمن 1,22 مترا، وارتفاعه من الخارج حوالي 6,40 مترا.

مواد البناء التي بني منها المسجد
ومبنى مسجد البيعة يلاحظ عليه أنه قد بني من مواد خليط من الحجارة، والآجر، وطلي من الخارج والداخل، وحتى الآن لم تمتد إليه يد العمارة الحديثة.

مبنى خزان المياه
يوجد بالقرب من مبنى مسجد البيعة خزان للمياه يستخدم في فترة أيام التشريق تعزيزا لمصادر المياه في منى، ويقع هذا الخزان في الجهة الجنوبية الغربية لمبنى مسجد البيعة، وهو مطلي باللون الأزرق. ومما يلاحظ على مبنى مسجد البيعة أنه مغلق حتى إعداد هذه الدراسة ، ولم تمتد إليه يد عمران...».

هذا الوصف الدقيق لمسجد البيعة، وما يحيط به لم تمسه يد التغيير حتى عام 1428هـ، أما الذي تغير فهو ما يحيط بالمسجد بعد تطوير منطقة الجمرات، مثلا جبل العقبة قد نسف تماما حتى لم يبق له أثر، ونقض خزان المياه الضخم الذي كان واقعا على رأس الجبل، أ خ ر الخزان إلى موقع آخر على يمين العطفة المؤدية إلى شارع الحج، كل هذا التغيير لهذه المعالم المحيطة بمسجد البيعة حدثت عندما شمل التطوير العمراني في العصر الحديث مشعر منى، فنالت منه نصيب الأسد، لاعتبارات دينية، وجغرافية.

أما الاعتبارات الدينية: فإن إقامة الحجيج بمنى مدة أطول من أي مشعر آخر، ليلتان للمتعجل، وثلاث ليال لغير المتعجل، وبها تؤدى شعائر الرجم، والذبح، كل هذا يؤدى في هذا الظرف الزماني، وفي إقامة مستمرة للحجاج بمنى طوال أيام التشريق.

أما الاعتبارات الجغرافية المكانية: فإن مساحة منى المحدودة، وعدم اتساعها لأعداد الحجاج المتزايد عاما بعد عام؛ ورغبة في تفادي نتائج هذا الزحام عمدت الدولة السعودية حفظها الله لعمل الممكن لاحتواء منى بما فيها مشعر الجمرات وأدائها من جموع الحجاج الكثيفة دون إصابات، وكان ضمن هذه المشاريع العملاقة تطوير منطقة الجمرات.

المصدر : جريدة عكاظ 28/9/1431هـ - لـ د.عبدالوهاب ابوسليمان ( عضو هيئة كبار العلماء )