معالم إسلامية (مسجد البيعة بين القديم والجديد) (2 - 4)

أحداث البيعة الثالثة بذرة النواة الأولى للدولة الإسلامية

 
 

إن الأمم في العصر الحاضر تعتز بتاريخها الماضي، وتجدد مسيرتها حسب مقتضيات الزمن الذي تعيشه، أملا أن تلحق بركب الحضارة، ولتنال نصيبها من التقدم.

إن تاريخ السلف المشرق عامل نهوض للأجيال اللاحقة، يستفيدون منه دروسا عملية، إذا وجدت الإرادة الصادقة، ونحن أجدر بالحرص والمحافظة على كل ما يصل بالأمة إلى ميدان الرقي، والتقدم، ونحمد المولى عز وجل أن ترك لنا السلف من التراث والأعمال ما يحفز همم الشباب، وما نستطيع أن نواصل به المسيرة الحضارية لنسترد أمجادنا وعزنا.

يقدم هذا البحث أنموذجا قائما وشاهدا ناطقا بهذه الحقائق لعل الأجيال الحاضرة تستوعبه وتستفيد منه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصدق الله عز وجل القائل (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا)، وهو القائل جل وعلا (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)، هذا وعد صادق متى أخذ المسلمون بالأسباب المشروعة للنهوض، وشقوا طريقهم على سنن وهدي المصطفى صلى الله وسلم والسلف الصالح لاسترداد مكانهم بين العالم.

يتم العرض لعنصرين أساسيين: العرض التاريخي أولا متمثلا في حلقتين رئيستين، ثم العرض الحضاري ثانيا في حلقتين رئيستين أيضا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

البيعة الثالثة
يحكي الإمام أبو الوليد الأزرقي رحمه الله تعالى أحداث بيعة العقبة الثالثة وما مهد لها من مبتداها إلى نهايتها بسنده إلى جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قائلا:
«واجتمعنا سبعين رجلا منا، فقلنا: حتى متى ندع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف!؟.
فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فتواعدنا شعب العقبة، واجتمعنا فيه من رجل، ورجلين حتى توافينا عنده، وقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأبناءكم، وأزواجكم، ولكم الجنة.

فقمنا إليه نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا، فقال: رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون على أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يدك يا أسعد بن زرارة، فو الله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه، ويعطينا على ذلك الجنة».

ذكر الحافظ محمد بن سعد بن منيع الزهري وصفا كاملا لما تم من مفاوضة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد الأوس والخزرج منذ بداية تجمعهم بشعب العقبة جمعها من عدة قال:
«لما حضر الحج مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج وموافاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسلام يومئذ فاش بالمدينة، فخرجوا وهم سبعون يزيدون رجلا، أو رجلين في خمر الأوس والخزرج وهم خمسمائة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وعدهم منى وسط أيام التشريق ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل أن يوافوه في الشعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة حيث المسجد اليوم، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غائبا، قال: فخرج القوم بعد هدأة يتسللون: الرجل والرجلان، وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الموضع معه العباس ابن عبدالمطلب ليس معه أحد غيره، فكان أول من طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن مالك الزرقي، ثم توافى السبعون، ومعهم امرأتان.

قال أسعد بن زرارة: فكان أول من تكلم العباس بن عبدالمطلب فقال: يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه، ومحمد من أعز الناس في عشيرته، يمنعه والله منا من كان على قوله، ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف، وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة، وجلد وبصر بالحرب، واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتأوا رأيكم، وأتمروا بينكم، ولا تتفرقوا إلا عن ملاء منكم واجتماع، فإن أحسن الحديث أصدقه.

فقال البراء بن معرور:
قد سمعنا ما قلت، وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه، ولكنا نريد الوفاء والصدق، وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن، ثم دعاهم إلى الله، ورغبهم في الإسلام، وذكر الذي اجتمعوا له، فأجابه البراء بالإيمان والتصديق، ثم قال:
يا رسول الله: بايعنا فنحن أهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر، ويقال إن أبا الهيثم بن التيهان كان أول من تكلم، وأجاب ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه، وقالوا: نقبله على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، ولغطوا، فقال العباس بن عبدالمطلب وهو آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخفوا جرسكم فإن علينا عيونا، وقدموا ذوي أسنانكم فيكونون هم الذين يلون كلامنا منكم؛ فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم، فتكلم البراء بن معرور، فأجاب العباس بن عبدالمطلب، ثم قال: ابسط يدك يا رسول الله، فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ويقال: أول من ضرب على يده أبو الهيثم بن التيهان، ويقال: أسعد بن زرارة، ثم ضرب السبعون كلهم على يده، وبايعوه... فلما بايع القوم وكملوا صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت سمع: يا أهل الأخاشب: هل لكم في محمد والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انفضوا إلى رحالكم.

فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لئن أحببت لنميلن على أهل منى بأسيافنا، وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره ؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نؤمر بذلك، فانفضوا إلى رحالكم.
فتفرقوا إلى رحالهم، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش، وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار، فقالوا:
يا معشر الخزرج إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة، وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا، وأيم الله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنسب بيننا وبينه الحرب منكم.
قال: فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا، وما علمنا، وجعل ابن أبي يقول:
«هذا باطل، وما كان هذا، وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هذا، لو كنت بيثرب ما صنع هذا قومي حتى يؤامروني، فلما رجعت قريش من عندهم رحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج، وتلاحق أصحابه من المسلمين، وجعلت قريش تطلبهم في كل وجه، ولا تعد واطرق المدينة، وحزبوا عليهم، فأدركوا سعد بن عبادة فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة، وجعلوا يضربونه، ويجرون شعره، وكان ذا جمة حتى أدخلوه مكة، فجاءه مطعم بن عدي، والحارث بن أمية بن عبد شمس فخلصاه من بين أيديهم، وأتمرت الأنصار حين فقدوا سعد بن عبادة أن يكروا إليه فإذا سعد بن عبادة قد طلع عليهم، فرحل القوم جميعا إلى المدينة».

وفي بعض الروايات أن المجتمعين من الأنصار عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان هما: أم عمارة بنت كعب إحدى نساء بني مازن، وأسماء بنت عمر بن عدي إحدى نساء بني سلمة.
وفي تعداد من حضر من الأوس والخزرج بيعتي العقبة الأولى والثانية تقريرا لما حدث به ابن اسحق يقول الحافظ ابن عبدالبر:
«ولم يختلفوا أنهم اثنا عشر رجلا وهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأولى [العقبة الثانية]، وكان بينها وبين العقبة الثانية [العقبة الثالثة] عام، أو نحوه، وكانوا في بيعة العقبة الثانية [الثالثة] ثلاثا وسبعين رجلا فيما ذكر ابن إسحاق، وامرأتين، وكانت العقبة الثانية [الثالثة] قبل الهجرة بأشهر يسيرة».
الأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة الثالثة
ما سبق من أحداث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأنصار كانت سببا في نشر الإسلام، ومرحلة حاسمة في تاريخ الرسالة المحمدية، والأمة الإسلامية، ففيها بذرت النواة الأولى للدولة الإسلامية، سجل التاريخ بمداد من نور أسماء الكوكبة المؤمنة من الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت في سبيل نصرة دعوة الإسلام؛ تخليدا لذكراهم رضي الله عنهم، وهم:
قائمة حضور من شهد بيعة العقبة الثانية [الثالثة] عند ابن هشام
01 أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك، وهو نقيب.
02 أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة، وهو أبو أمامة، وهو نقيب.
03 أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك، وهو نقيب.
04 البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان، وهو نقيب.
05 رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، وهو نقيب.
06 سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس، وهو نقيب.
07 سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك، وهو نقيب.
08 سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، وهو نقيب.
09 عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر، وهو نقيب.
10 عبدالله بن رواحة بن امرئ القيس بن عمرو، وهو نقيب.
11 عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدربه.
12 المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة، وهو نقيب.
أضاف ابن هشام إلى قائمة النقباء الصحابي الجليل المدون اسمه في الرقم 13 في حين أنه ذكر أن عدد النقباء اثنى عشر نقيبا، المتفق عليه بين كافة علماء السيرة النبوية.
13 رفاعة بن عبدالمنذر بن زنير بن زيد، وهو نقيب.
14 أبو بردة بن دينار واسمه هانئ بن دينار بن عمر بن عبيد.
15 أبو عبدالرحمن بن يزيد بن ثعلبة بن خزمة.
16 أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام.
17 أوس بن عباد بن عدي بن كعب.
18 بشر بن البراء بن معرور بن صخر.
19 بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس.
20 ثابت بن الجذع. واسم الجذع: ثعلبة بن زيد بن الحارث.
21 ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي.
22 جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام.
23 جبار بن صخرة بن أمية بن خنساء.
24 الحارث بن قيس بن خالد بن مخلدة، وهو أبو خالد.
25 خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك.
26 خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة.
27 خالد بن عمرو بن عدي بن نابي.
28 خالد بن قيس بن مالك بن العجلان.
29 خديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن فرافر.
30 خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو.
31 ذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد (مهاجري أنصاري).
32 رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو، وهو أبو الوليد.
33 زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان.
34 زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، وهو أبو طلحة.
35 سلمة بن سلامة بن وقش بن زعبة.
36 سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو.
37 سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء.
38 سهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو.
39 صيفي بن سواد بن عباس بن عمرو.
40 الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة.
41 الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان.
42 الطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان.
43 ظهير بن رافع بن عدي بن زيد.
44 عباد بن قيس بن عامر بن خالد.
45 العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك (مهاجري أنصاري).
46 عبدالله بن أنيس.
47 عبدالله بن جبير بن النعمان بن أمية.
48 عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدربه.
49 عبس بن عامر بن عدي بن نابي.
50 عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن يسيرة، وهو أبو مسعود.
51 عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد (مهاجري أنصاري).
52 عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان.
53 عمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة.
54 عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة.
55 عمرو بن غنمة بن عدي بن نابي.
56 عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة.
57 عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد.
58 عويم بن ساعدة.
59 فروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد.
60 قطبة بن عامر بن حديدة بن غنم.
61 قيس بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة: عمرو بن زيد بن عوف.
62 كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو، وهو أبو اليسر.
63 كعب بن مالك بن أبي كعب.
64 مسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء.
65 معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد.
66 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس.
67 معاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد.
68 معقل بن المنذر بن سرح بن خناس.
69 معن بن عدي بن الجدي بن العجلان.
70 نهير بن الهيثم.
71 يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس.
72 يزيد بن خذام بن سبيع بن خنساء
73 يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو، وهو أبو المنذر.
74 أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، وهي أم منيع.
75 نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف، وهي أم عمارة.

المصدر : جريدة عكاظ 27/9/1431هـ - لـ د.عبدالوهاب ابوسليمان ( عضو هيئة كبار العلماء )