مكة وعصر الإنجازات في عهد خادم الحرمين «1-6»
الملك يغيِّر وجه البقعة المقدسة بالمشاريع النوعية
تطل مكة المكرمة على عصر الانتقال إلى مدن العالم الأول عبر بوابة التطوير لتكون كما كانت دوماً منبعاً إشعاعياً معرفياً يعطي روحه للعالم أجمع. وأحال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مكة إلى ورشة عمل كبيرة لا تعرف الهدوء، مغيراً وجه البقعة المقدسة بالنهضة العمرانية والتأسيس لبنى تحتية ستعطي ثمارها للأجيال المقبلة وينعم بها ملايين المسلمين القاصدين لها في كل عام. ويقف مشروع ساعة مكة كأبرز مشاريع الحقبة.
«عـكاظ» تقدم عبر ملتقاها الإعلامي الذي عقدته في مكة أخيراً مع مجموعة من مسؤولي المشاريع التطويرية في مكة صورة بانورامية لحجم العمل المبذول في المدينة المقدسة. وفي ذلك قال أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار إن إطلاق المشروع يحمل أبعادا ثلاثية ماثلة في القيم التي حرص عليها خادم الحرمين الشريفين وهي قيم الإعمار، العلم، والوقت، وعندما نستعرض مشروع برج الساعة نجده جزءاً من مشروع عظيم وهو وقف الملك عبدالعزيز الذي أحيا به الملك عبدالله بن عبدالعزيز مفهوم الوقف الإسلامي الذي كان في صدر الإسلام مصدر عزة وأنفة، وأكد أمين العاصمة المقدسة أن وقف الملك عبدالعزيز يعد أكبر مشروع وقفي في العالم من حيث المساحة والدخل وجاء ليبعث مفهوم الوقف ومشروع الساعة هو محطة للتأمل فلنا أن نتخيل أن عقرب الساعة يبلغ طوله 22 متراً فالرجل الذي يعمل على صيانته يتضاءل جسمه فيه، فيما يبلغ ارتفاعها قرابة 43 مترا وهو ما يعادل 14 طابقا متكررا فكأنما هي عمارة مكونة من 14 دورا وقاعتها تنطلق من ارتفاع 400 متر، ولا ننسى الدقة في ضبط هذه الساعة عالميا وللمعلومية فإن الارتفاع فيزيائيا يصعب من دقة العمل بسبب الرياح لكن هذه الساعة أسست وفق دراسات فيزيائية دقيقة جدا. من جهته، قال أمين الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة الدكتور سامي برهمين: «كثيرا ما نجد الملك يركز على قيمة الوقت لإيمانه المطلق أن أي مشروع لن يكتب له النجاح ما لم يحدد له برنامج زمني ويرسم له مخطط تنفيذي، إننا أمام عصر جديد يرتكز على عامل الوقت في عهد خادم الحرمين الشريفين». واعتبر عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الدكتور ثامر الحربي مشروع الساعة يمثل النواة الحقيقية لمشاريع الحضارة الخالدة فهذا المشروع الضخم يمثل أهمية استراتيجية لمكة، فالكعبة المشرفة والبيت الحرام هي التي وهبت القدسية لهذه البقعة، ثم جاءت هذه الساعة لتعطي الاندماج في العالم ككل مشروع، والحقيقة أن المشروع أسهم في تحديد القبلة من أماكن مختلفة في مكة هذا كله يجعلنا أمام دلالات عظيمة تدفعنا صوب الدقة في العمل على تنفيذ المشاريع المستقبلية لمكة. ويقول المشرف على مركز التميز في جامعة أم القرى الدكتور نبيل كوشك «ربما سأذهب صوب إيحاءات ودلالات لمشاريع تنموية وحضارية شهدتها هذه الحقبة والتي في اعتقادي أنها ركزت على الوقت والعلم والعمل، فإطلاق مشروع ساعة مكة جمع هذه المحاور الثلاثة، فقد كنا نسمع عن بناء مستشفى، بناء مبنى حكومي، بناء جامعة، ولكن في هذا العصر بتنا أمام بناء مدن حضارية متزامنة مع بناء القيم الإنسانية العريقة، فانطلقت مدينة الملك عبدالله الصناعية والاقتصادية، وشيدت جامعة الملك عبدالله، وجاءت ساعة مكة المكرمة كمعلم حضاري فريد يؤكد لنا أهمية الوقت والمنجز، فقد كنا نسمع في وسائل الإعلام عبارة «حسب توقيت مكة المكرمة» لكنه لم يكن يوجد معلم أو منشأة ترتبط بذلك وتضبط العملية، فجاء هذا المشروع الضخم كدلالة على أهمية الوقت في أقدس بقعة في العالم بعقارب ضبطها الوقت وحاكتها أنامل صناع محترفين من ألمانيا وسويسرا ودول أوروبية أخرى، ارتفعت ساعة مكة المكرمة فوق قمم عالية تحتضنها السماء، لتدق للمسلمين مواعيد صلواتهم وتكون أعلى نقطة ينطلق منها أذان، فهذه الساعة تشرف على مساحة من مدينة مكة المكرمة يبلغ نصف قطرها من على بعد ثمانية كيلو مترات، ما يعني أنها على مرأى يوميا من عيون ملايين البشر المقيمين في مكة أو القادمين إليها بنية العمرة أو الحج، وترتدي ساعة مكة حلتها العمرانية، كهدية ملكية من خادم الحرمين الشريفين لأهل مكة خاصة والعالم الإسلامي عامة، فيما يعلوها هلال ضخم يكاد يصافح السحاب، محفوف بـ 21 ألف مصباح بعضها يرسل ضوءا للسماء وهي أطول ساعة في العالم بطول 40 مترا، وارتفاع 400 متر عن مستوى الأرض، وأثناء الأذان تتم إضاءة أعلى قمة الساعة بواسطة 21 ألف مصباح ضوئي، تصدر أضواء لامعة باللونين الأبيض والأخضر، يمكن رؤيتها من مسافة تصل إلى 30 كيلو مترا، وهي تشير بذلك إلى دخول وقت الصلاة».
بينما يقول وكيل الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين الدكتور يوسف الوابل إن الساعة تشير إلى دخول وقت الصلاة ولهذه الغاية ستتم إضاءة 16 حزمة ضوئية عامودية خاصة تصل إلى ما يزيد عن 10 كيلومترات نحو السماء، وتبلغ قوة كل حزمة ضوئية 10 كيلو واط، وستوضع الساعة على برج بارتفاع 601 متر، وهو ثاني أطول بناء في العالم بعد برج خليفة في دبي، فيما يصل ارتفاع الساعة من قاعدتها إلى أعلى نقطة في قمة الهلال 251 متراً، ويحمل البرج أربع ساعات على جهاته الأربع، ويعلوها من الجهات الأربع لفظ الجلالة (الله) كما تتوسطها علامتا السيف والنخلة، كرمز للدولة السعودية. وتتكون «ساعة مكة» من أربع واجهات، تبلغ مقاييس الواجهتين الأمامية والخلفية 43 متراً طولا، و43 متراً عرضاً، فيما مقاييس الواجهتين الجانبيتين نحو 43 متراً طولا، و39 متراً عرضاً. ويبلغ الوزن الإجمالي لساعة مكة 36 ألف طن، كما سيتم تركيب مصادر ضوئية «ليزر» تصدر إشعاعات وإشارات في أوقات الأذان، والمناسبات المختلفة مثل الأعياد، وزودت الساعة بنظام حماية متكامل ضد العوامل الطبيعية من أتربة ورياح وأمطار. وتقوم الألواح الشمسية بتوليد الطاقة الكهربائية لتشغيل محركات الساعة، كما ترتبط الساعة بالشبكة الكهربائية العامة لمكة المكرمة لتزويدها بطاقة كهربائية إضافية. كل هذه المقومات تدعونا إلى التأمل في هذه اللمسة الجمالية التي تضفيها هذه الساعة على المسجد الحرام وساحاته.
المصدر : عكاظ 10/9/1431هـ
0 تعليقات