الطائرات في سَماء مكة

يلقي الشيخ علي حسن أبو العلاء أضواء ساطعة على فترات معيَّنة من تاريخ هذا البلد الأمين معبّراً بصدق وأمانة عن واقع الحياة ببساطتها وقناعتها في صورة مشرقة من الأمل والألم تظهر الإيمان والأمان وطموح الرجال إلى مستقبل أفضل وحياة أكثر استقراراً ورفاهية وعطاءً لأبناء الوطن والأمة.

وقد كتبت هذه الذكريات بأسلوب شائق طريف غني بالمعاني والصور التي تشدّنا وتجذبنا إلى.. الزوايا.. والتاريخ فجمعت بين الإلقاء في الإذاعة والتعبير الأدبي - وهي تمثل فترة مشرقة من تاريخ المملكة العربية السعودية في عهد الباني وموحد الشمل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيَّب الله ثراه

 ومن ذكرياته مشاهدته لأولى طلائع النسور في سماء مكة المكرمة - وكان ذلك بين عامي 1351 هـ - 1352 هـ حيث فوجئ الناس في صباح يوم يسجل بحق أول انطلاقة فضائية في سماء مكة - بأزيز صوت الطائرات المروحية وهي تحلِّق في سماء مكة وتلفُّ بجبالها جيئة ورواحاً.. ولأنها مفاجأة لم تدر في خلد الكثير منهم فقد أحدثت عند البعض إزعاجاً يحفه الخوف ويشوبه القلق.

 

وانطلق الناس أثر ذلك في هرج ومرج ربما لعدم معرفتهم هوية هذه الطائرات إذ لم يسبق هذه المفاجأة أي علم بها - وتساءل آخرون كيف دخلت هذه الطائرات أجواء منطقة الحرم؟! ومن يا ترى يقودها؟! حتى ذهبت ببعضهم الظنون إلى أن هؤلاء ربما يكونون أجانب نصارى، إلى أكثر من سؤال وسؤال.

 

بعد كل هذا ماذا تنتظرون من ردود الفعل؟ نعم لقد تداعى الرجال والعمد منهم في الطليعة واتجهوا مستفسرين ومستخبرين إلى مبنى الحميدية في مكة. (دار الحكومة).

 

وكان مبنى الحميدية وبجواره مبنى التكية المصرية يقعان بين باب الوداع وباب أجياد ويطلان على المسجد الحرام وكانت في الحميدية "ساعة منبهة" لها جرس شديد الرنة يُسمع بدقاته جهات المسجد الحرام وإلى مناطق بعيدة وخصوصاً في أوقات الصلاة.

 

ووصل القوم إلى الحميدية مقر مدير الأمن العام مهدي بك الصالح.. وهنا واجههُ بعض هؤلاء مواجهة امتعاض كتعبير عن استيائهم من حركة الطائرات التي كانت مفاجئة لهم. فقابلهم مدير الأمن بابتسامة تنم عن علمه التام بتحليق هذه الطائرات قائلاً لهم: لا تنزعجوا ولا تقلقوا هذه طائرات سعودية بطيارين سعوديين وهم الطليعة الأولى الذين أرسلهم الملك عبد العزيز إلى إيطاليا في وقت سابق واشتريت لهم هذه الطائرات وسيحلِّقون كل يوم في طلعات مختلفة بين مكة وجدة والطائف ليشعروكم بنجاحهم.

 

وكانت هذه هي الدفعة الأولى من الطيارين وهم:

صالح عالم، عبد الله منديلي، صدقة طرابزوني، حمزة طرابزوني، أمين شاكر، سعيد بخش - هنا طلب هؤلاء الرجال من مدير الأمن العام أن يرفع أسمى آيات الشكر والامتنان اعتزازاً بهؤلاء النسور إلى جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأن يؤذن لهم بأن تعمل كل محلة حفلة استقبال لهؤلاء الطيارين وقد أذن جلالته بذلك فأقام كل حي حفلاً مسائياً تكريماً لهؤلاء. وتوالت الحفلات في مكة ثم أقيمت لهم حفلات مماثلة في جدة داخل الأسواق.

 

المصدر : موقع الاثنينية على الانترنت