حوار مع السيد أمين عقيل عطاس

 

لم يتغير أمين عقيل عطاس مدير عام مصلحة الزكاة والدخل ووكيل وزارة الأوقاف والأمين العام المساعد لرابطة العالم الاسلامي الأسبق في كل مناصبه عن آرائه الحادة، ولم يتراجع عن مواقفه الصدامية ولم يتزحزح قيد أنملة عن رؤيته التطبيقية للأنظمة واللوائح، التي رأى البعض فيها تشددا وتنفيذا حرفيا بعيدا عن روح القانون، فيما يراها هو أمانة تبرأت منها الجبال وطاعة لولي الأمر وتقربا وتقوى إلى الله.. وجدته أكثر انشغالا وحيوية بعد التقاعد وكأنه يبحث عن مرمى حجر لأفكاره وتجربته فلم يجد. حدثني بصراحته المعهودة دون مواربة.. مازلت مكروها في الشركات والبنوك لأنني اكتشفت تلاعبهم في ضرائب الدخل، فكان المنشور رقم3 حجتي أمام الله عليهم، واختلفت مع أمناء الرابطة في الرأي ولست على خلاف معهم.. فالنصيف يرى إعطاء المساعدات لأي شخص كان، والعبيد يرى أن ابنه فوق النظام، أما أحمد علي فأراد أن نعيش معه وضعا خاصا لا نتحمله.. وجدت في الأوقاف صكوكا شرعية على أوقاف مسلوبة، واكتشفت أن الجمعيات العمومية لمؤسسات المطوفين غير نظامية، واستغربت أن يستبعدني الوزير من الانتخابات دون مبرر مقبول.. سألته عن فشله في معالجة ملف البهاريين قال: أفشلته السياسة، أما الأموال فسلمتها كاملة للأمين العام قبل مغادرتي. حوار مليء بالمبادرات الهجومية والارتدادات الدفاعية لمسؤول كان ومازال يشكل علامة فارقة من عشرينيات شبابه إلى سبعينيات شيخوخته.. يقول مبتدئا:
لم أعرف نفسي إلا فلاحيا منذ الصغر، فهي مدرستي التي تعلمت فيها بعد أن أدبني أهلي فأحسنوا تأديبي كيف أواجه الحياة، ومازلت أعترف بالجميل، لكل أساتذتي الذين ربوني على الصدق والوضوح وتحمل المسؤولية والجرأة في قول الحق والعمل به.. كنا سبعة طلاب في اختبار تحضير البعثات ولم تكن الفلاح معتمدة في ذلك الوقت كمدرسة رسمية، فجاء ترتيبي الثاني، وإن قيل لي من مفتش المعارف إنني كنت الأول ولكنهم وضعوا الدكتور أحمد محمد علي أولا لأنه من تحضير البعثات ووضعوني ثانيا، وفي تلك السنة كان عدد طلاب الثانوية العامة في المملكة ستة وثلاثين طالبا، 20 في القسم الأدبي و16 في القسم العلمي.

لا أنسى سنواتي في مصر، فقد ذهبنا قبل الثورة بثلاث سنوات، وكشباب لم ينضج وعيهم سياسيا بعد فقد انجرفنا وراء دعوة عبدالناصر، وفي عام 1956م تطوعنا في الجيش المصري وتدربنا لمدة أربعة أشهر ولم ينقذنا مما نحن فيه إلا الشيخ إسحاق عزوز الذي قال لنا: اقرأوا فلسفة عبدالناصر الذي يريد أن يحكم البلاد من المحيط إلى الخليج فهل ترضون ذلك. فسحبنا فكرنا عن عبدالناصر من وقتها. عندما عدت إلى المملكة فرحا بشهادتي أراد الله أن أمر بتجربتين مهمتين في حياتي ينبغي الإشارة لهما، فبعد تخرجي من الجامعة في تخصص المحاسبة مع زميلي رضا أبار خريج إدارة الأعمال ذهبنا سوية إلى وزارة الخارجية التي كان لها بريق أوحد في تلك الفترة وكلنا زهو بشهاداتنا النادرة، فتلقينا صدمة وكيل الوزارة آنذاك عندما قال لنا: أنت يا أخ أمين تذهب لوزارة المالية، وأنت يا أخ رضا تذهب لوزارة التجارة، وسبحان الله أصبحت وكيل وزارة قبل زملاء دفعتي الذين ذهبوا للخارجية بعشر سنوات، كما أصبح رضا بعدي بسنتين وكيل وزارة أيضا، وحدث أن التقينا مع وكيل وزارة الخارجية الذي طردنا بعد تقاعده في مناسبة احتفالية فشكرناه على طردنا من مكتبه.

أما التجربة الثانية، فعندما عينت في الزكاة والدخل جاءتني منحة إلى أمريكا لتحضير الماجستير والدكتوراة، وكنت راغبا فيها، خصوصا أنني متزوج حديثا وعمر ابني الأول خالد سنة تقريبا، وحلمت بالسفر والتجول في الولايات الأمريكية كلها وتعلم اللغة، ورشحت من قبل المدير العام فذهبت معاملتي للوزير الأمير مساعد بن عبدالرحمن رحمه الله فرفض ذهابي، فتملكني الحزن وظللت لمدة 15 يوما أسعى وراء الموضوع، فجاء الرد من الأمير مساعد (لا ترفعوا عنه مجددا ولا يذهب إلى أمريكا) فضاقت الدنيا في عيني، خصوصا أن طموحاتي في الوصول إلى منصب كبير في المصلحة كانت يقف أمامها ثلاثة مسؤولين كبار، الواحد منهم مثل جبل أحد، ولكن (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، فلم أكن أعلم أن الخارطة أمام الأمير مساعد بن عبدالرحمن واضحة ولديه ما يخفيه لي، فقد نقل عبدالجواد من مدير عام إلى وكيل لوزارة العمل، ثم جاء أيوب صبري واستمر لشهرين فنقل وكيل وزارة مساعد في المالية، ثم جاء سعيد آدم فنقلوه إلى وزارة التخطيط، ثم صدر قرار بتكليف أمين عطاس بتوقيع الأمير مساعد بن عبدالرحمن، وكان الرجل رحمه الله يحبني كثيرا وقد كتب عني خطابا للملك فيصل لإعطائي مكافأة بمبلغ 40 ألف ريال، لكن الحقيقة أن ما كتبه عني في الخطاب يساوي 40 مليار ريال. فبعد هذا الموقف أصبحت لا أغضب ولا أحزن على شيء يحصل لي مهما كانت النتائج، وبعدها أصبحت مديرا عاما للزكاة والدخل.

• الكل اشتكى منك عندما تسلمت منصب مدير عام مصلحة الزكاة والدخل؟
ــ شيء طبيعي أن يحدث هذا، وأوافقك الرأي أنني كنت متشددا في موضوع ضرائب الدخل لأنني كنت مسؤولا عن تحصيلها من الشركات الأجنبية والبنوك، فوجدت أن الشركات تستغل شيئا من سماحة النظام، فالشركات المساهمة والتضامنية ملزمة بتقديم حسابات قانونية للمصلحة ولكنها لا تقدم. ومن دراستي لميزانيات الشركات اكتشفت أن هناك تهربا من دفع الضرائب ذات النسب العالية التي تصل إلى 40 في المائة جهارا نهارا، وحيث إنني درست في القاهرة قانون الضرائب المصري الذي يعتبر المنشأة غير المصرية مستقلة ضريبيا عن مراكزها الرئيسية، فيما الشركات التي تعمل في المملكة تخصم مبلغا تتهرب فيه من الـ40 في المائة من مصروفات المراكز المحلية في المملكة عن المركز الرئيسي، فقدمت مذكرة لرؤسائي الثلاثة بهذا الشأن فرفضوا، واستغربت من موقف زميلي أيوب صالح الذي درس القانون في القاهرة عندما قال لي: يجب أن نحسب حساب وجود أرامكو في الوسط، فقلت له: وليكن فلنطبقه على الشركات التي تعمل مع أرامكو لأن هذه حقوق لميزانية الدولة تصل في مجموعها إلى 250 مليون ريال تقريبا، فيما لم تكن ميزانية الدولة كلها تصل إلى مليار ريال في تلك الفترة، لكنهم لم يتحمسوا لمشروعي فظللت مستكينا، وقمت في هذه الفترة بجمع قوانين الضرائب من سفارات مدينة جدة بالنسبة للدول الغنية والفقيرة، فوجدت أن كل الأنظمة بالإجماع تعتبر المنشأة الرئيسية مستقلة تماما عن فروعها، فاستخرجت المواد والقوانين وجهزتها على أمل أن تطبق في المستقبل وفي داخلي إحساس بأنني سأكون مديرا عاما لمصلحة الزكاة والدخل قبل أن أكلف بالمنصب.

• ألم تكن المصلحة تصدر قوانين منظمة لتلتزم بها الشركات والبنوك؟
ــ كانوا يصدرون بين آونة وأخرى منشورا دوريا يوضح للشركات كيف يحسبون الضريبة لكنه لا يفسر القوانين.

• كيف تعاملت مع ردود الفعل الأولية؟
عندما أصدرت المنشور الشهير برقم3 عام 1389هـ والذي لقي معارضة شديدة جدا كان الاستئناف ضد القرار مسموحا للشركات عند وزير المالية وقمت بتعليق كل الحسابات وظللت أسأل دائما عن تفاصيل الميزانيات، وفي اليوم الثالث لصدور المنشور شكلت الشركات والبنوك الكبيرة لجنة محامين قانونيين ثلاثية كان أحد أعضائها وزير خارجية الوحدة بين مصر وسوريا آنذاك وقدموا لي مذكرة اعتراض رددت عليها بالرفض خلال 24 ساعة، وطلبني الأمير مساعد ليسألني عن الموضوع فشرحت له نسبة التهرب من الدفع بالتفاصيل، كما يرد في ميزانيات الشركات والبنوك، فقرر رفض استئناف لجنة المحامين وفي تلك الفترة جرى نقل الإدارة العامة لمصلحة الزكاة والدخل إلى الرياض فانتقلت إلى هناك في الوقت الذي تحركت فيه أرامكو ورفعت شكوى لوزير البترول أحمد زكي يماني فشكلت لجنة مني والشيخ صالح الحصين المستشار القانوني لوزير المالية وكان متفهما لموقفي ويقف مع تنفيذ المنشور، فيما كان العضو الثالث التابع لوزارة المالية ضد المنشور.

• هل تعرضتم لضغوط وإغراءات الشركات؟
ــ تعرضنا لكل شيء، لدرجة أن طلب مني عدم الاعتراض بمجرد فتح المظروف فقط، فذهبت للأمير مساعد في بيته وشرحت له كل شيء، فطلب مني إعداد مذكرة بكل شيء، وصدر في صباح اليوم الثاني قرار باعتماد المنشور من تاريخ صدوره وانتهت المعركة الرهيبة بكراهيتهم لي، واستمر القرار ينفذ إلى اليوم مع ملاحظة أن مداخيل القرار أصبحت اليوم بالمليارات مع كبر حجم الشركات والبنوك.

• لماذا وقفت ضد نقل وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف إلى الرياض في عهد الوزير عبدالوهاب عبدالواسع رحمه الله وهو ما تسبب في مغادرتك لها بعد ذلك؟
هذا كلام غير صحيح البتة، والحقيقة أنني كنت مختلفا في أسلوب إدارة العمل مع الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع رغم صداقتي له، وقام رحمه الله بكتابة خطابات نقل لجميع الموظفين حتى للموظفين السبعة الذين يعملون في مكتبي كوكيل وزارة لكنه لم يبلغني بشيء، وقمت بتصدير قرار بالإبقاء على العامل والسائق في مكتبي وظللت أذهب إلى المكتب في الوقت الذي أجريت فيه اتصالات بولاة الأمر فتم تشكيل لجنة لبحث موضوع الخلاف بيننا فلم يثبت علي شيء وتأكد الجميع من سلامة موقفي وحدثت في نفس الفترة وفاة الملك خالد رحمه الله فهدأت الأمور إلى أن صدر قرار الملك فهد رحمه الله بتعييني أمينا عاما مساعدا في رابطة العالم الإسلامية للشؤون المالية والإدارية.

• أردت أن أعرف مادمنا في موضوع الأوقاف كم هي نسبة التعديات عليها في المملكة؟
ــ اكتشفنا أثناء وجودي في الوزارة قيام أشخاص بوضع أيديهم على أوقاف وإصدار صكوك شرعية بتملكها فأصبحت لهم ولم نجد وسيلة لإرجاعها.

• ألا توجد ضوابط لحمايتها من هذه السرقات؟
ــ صدر نظام مجلس الأوقاف الأعلى بأن تتولى وزارة الحج والأوقاف مسؤولية الأوقاف الخيرية في تلك الفترة، فيما لا علاقة لها بالأوقاف الذرية التي يعين لها ناظر عن طريق المحكمة الشرعية.

• الخيرية مثل أوقاف المغاربة والأغوات؟
ــ هذه لها نظارها، وبالنسبة للأغوات فقد كان لهم نظام خاص يطبق عن طريق شيخ الأغوات ولكن بعد صدور قرار مجلس القضاء الأعلى في فترة وجودي في الوكالة بعدم استيراد أغوات بعد أن انتهى دورهم في الخدمة، حيث كانوا يفرقون في السابق بين الرجال والنساء في الحرمين وأن تؤول أملاكهم إذا انقرضوا والموجودة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لصالح الحرمين الشريفين، وقد وضعت الأوقاف يدها عليها الآن.

• وكيف يمكن للهيئة العامة للأوقاف أن تعالج هذه المسائل الشائكة؟
ــ الهيئة طوعية واختيارية وليست إلزامية.

• هل انتهت قضية أرضكم مع أحد رجال الأعمال في مكة والتي قيل إنها أرض للأغوات أصلا؟
ــ أرضنا لم تكن وقفا، وللتفريق فإن هناك ما يسميه أهل الحجاز (الحكر) ويسميه أهل نجد (الصبرة) وتأخذ لها من 500 إلى 1000 سنة تقريبا وعندما كنت في الأوقاف علمت أنها كانت توقف على أئمة المساجد، فعندما كبرت الرياض وتوسعت أخذ هؤلاء الأئمة تعويضات كبيرة واغتنوا من ورائها، أما الحكر في الحجاز فهو مؤبد ومازال العمل به إلى الآن، فالأرض التي تسألني عنها وكانت موضع خلاف مع أحد رجال الأعمال في مكة المكرمة هي أصلا ملك لوالدي واستحكرها جدي من الأغوات، ومن المؤسف أنهم أشاعوا في فترة الخلاف أنني وضعت يدي عليها بسلطتي عندما كنت وكيلا لوزارة الأوقاف.

• خلافك على التعويض كمبلغ فقط؟
ــ بل من مبدأ أنه لا يجوز نزع ملكية عقار إلا للمصلحة العامة فقط وهذا كلام موجود في كل كتب الفقه، وصدر فيه قرار مجمع الفقه الإسلامي فاعتراضي كان مبنيا من ضرر عدم الإدارة والتملك لمنزلنا على مدى 19 سنة تقريبا وكذلك تحويل الأرض لفائدة منشأة خاصة وليس نفعا عاما، وأعتقد أن صمودي طوال هذه المدة ساهم في تأسيس مبدأ لا يتم تجاوزه في ما شابه ذلك مستقبلا.

• انتهى كل شيء بعد الصلح؟
ــ بعد المحضر والصلح استطاع الطرف الآخر أن يؤخرنا سنتين بأساليب غير سليمة أضاعت علينا العديد من الفرص.

• ألم يطلب الأغوات استعادة أرضهم عندما هدمت البيت وأعدت بناءه في ظل النظام الذي يعطيهم أحقية استعادة الأرض إذا هدم الوقف؟
ــ أراد الله أن يكون للأغوات حوش ملك اسمه (حوش الشامي) ومساحته 1600م خلف بيتنا فأرادوا تعميره فطلبوا مني 70 مترا من الأرض فرفضت فتدخل الشيخ صالح التويجري نائب رئيس محكمة التمييز فعملنا صلحا دفع بموجبه الأغوات لي 450 ألف ريال واشترطت عليهم أن يسقط حقهم في استعادة الأرض إذا تم هدم البيت بعد ذلك وبنائه إلى يوم القيامة، وأن أفتح بيني وبينهم شارعا بطول ثلاثة أمتار لأقيم عليه محلات ودكاكين فوافقوا في مقابل قبولي بشرط الشيخ صالح بأن يرتفع سعر المتر من سبعة ريالات إلى 250 ريالا وصدر فيه صك شرعي نهائي.

• ماهي تفاصيل رحلتك إلى إيران التي فشلت فيها في توفير سجاد للحرم المكي عندما كان الحرمان تابعة لوزارة الحج والأوقاف؟
ــ ذهبت بأمر الملك فيصل رحمه الله للتعاقد على فرش الرواق القديم في الحرم المكي في حدود 14 ألف متر مربع، فعينت لي السفارة مرافقا يتكلم العربية اسمه محمد غروي رحمه الله، فقمنا بجولات على أماكن صنع السجاد اليدوي في كل المدن الإيرانية ولدي خبرة كبيرة في هذا الموضوع وبحثنا عن أحسن صوف والذي يتم جزه من الخرفان في فصل الربيع، وحاولنا التعاقد بشتى الطرق مع المعنيين هناك لكننا وجدنا مواقف أشبه بالممانعة، حيث أعطونا موعدا لتنفيذ طلبنا على نمط وشكل واحد بعد 20 سنة، ومن حسن الحظ أنني تواصلت مع عدد من الشركات الأوروبية فوجدت في العالم شركة واحدة فقط في بلجيكا تقوم بما نسميه (ماشين ميد) ومن دراستي للعينة كتبت تقريرا فأحضرنا بمبلغ الـ14 ألف متر للسجاد الإيراني أكثر من 50 ألف متر مربع وبدلا من أن نفرش الرواق القديم فقط فقد وزعنا السجاد البلجيكي في معظم جوانب الحرم، واعتقد الكثيرون من جودته أنه يدوي وخدم لسنوات كثيرة في الحرم ثم تم استبداله وتم وضعه في مساجد أخرى لجودته.

• جئت للرابطة بقرار لماذا؟
ــ تلبية لرغبة ولي الأمر فقد جئنا بعد وفاة الشيخ الحركان وتقاعد مساعد الأمين العام الشيخ محمد صفوت السقا فخلت مواقع لابد أن تشغل، وسبقني بـ14 يوما الشيخ محمد ناصر العبودي، ولم تكن وظيفة أمين عام مساعد للشؤون المالية والإدارية موجودة كوظيفة، ولكنها استحدثت بأمر الملك بسبب تنظيمي، وبعدها بشهر جاء الدكتور عبدالله نصيف أمينا عاما للرابطة، وأتذكر أن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله قد حدثني وحدث الدكتور نصيف قبل قدومنا للرابطة بحلم رآنا فيه سويا في مركب واحد وبيننا أوراق وقال عسى الله أن يجمع بينكما في عمل واحد، وهذا ما حدث بأمر الله عز وجل، وكانت واحدة من أنجح فترات العمل في الرابطة.

• أي نجاح وأنت كما يقولون نشفت كل شيء عندما جئت من مميزات مالية للموظفين؟
ــ هذه إشاعات، فأنا نظمت ولم ألغ مميزات، ففي بدل السكن كان الفراش يأخذ ثلاثة رواتب لا تتجاوز أربعة آلاف ريال، فيما يستأثر الكبار بها فقلت إن بدل السكن له حد أعلى لأوقف الاستئثار وحد أدنى لا يقل عن ثمانية آلاف فاستفاد منها كل الموظفين وأنا أول من تضرر منها إن كان هناك متضرر.

• ألغيت التأمين الصحي الذي كان يستفيد منه الموظفون في المكاتب الخارجية ولم تطبقه على موظفي الداخل؟
ــ التأمين الصحي كان مفروضا من الدول الخارجية على موظفي مكاتب الرابطة ولم نمسه بشيء، أما داخليا فلم يكن موجودا، والرابطة لا تخضع لنظام التأمين الصحي في المملكة لأنها دولة مقر فقط فلها نظامها الخاص.

• وهل نظامها الخاص يوضع بتفكير شخص واحد فقط؟
ــ أبدا، فالقرار يرفع للمجلس التأسيسي الذي يجتمع سنويا ويعتمد منهم، وهم الذين يعتمدون الأنظمة كنظام الموظفين ومحاكمتهم والذي لا يخضع لأنظمة الدولة المقر.

• لكنك قمت بتمرير النظام لهم؟
ــ أي إنسان لديه مقترح يدرس ويرفع للمجلس التأسيسي لاعتماده.

• وقفت عقبة ضد تطبيق نظام التأمين على الموظفين أيضا وقلت لهم (احنا لسنا مجبورين على تطبيقه)؟
ــ نحن لسنا البنك الإسلامي للتنمية فهو مثلنا مؤسسة دولية ولكن لهم تأمينهم الخاص والمملكة هي الوحيدة التي تتحمل نفقات الرابطة إلى الآن.

• وهذا دعاكم لتقليص النفقات طبعا؟
ــ على مدى 16 سنة عملت فيها في الرابطة لم تنقص الدولة دعمها بل زادته من 80 مليونا إلى 100 مليون.

• الكثير استغرب موقفك من إيقاف اعتمادات المجالس القارية للمساجد؟
ــ قرارها صدر من المجلس التأسيسي أيضا وليس مني شخصيا، والحقيقة أنها لم تحقق نفعا والخير للمكتب إداريا وتنظيميا أن يرفع للرابطة مباشرة دون ممرات لا داعي لها.

• كنت الآمر الناهي وهذا ما سبب إحراجا للأمين العام الدكتور نصيف؟
ــ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وعلاقتي مع معاليه كانت ومازالت سمنا على عسل، وإن كان لي موقف من رؤيته بأعطاء المساعدات لأي أحد كائنا من كان.

• اختلفت مع العبيد لدرجة أنه رفض التمديد لك؟
ــ أنا أبديت اعتراضي عندما عين ابنه في وظيفة بدون مسابقة توظيف، وكانت عندي الشجاعة الكافية لكتابة رأيي له، وهو المسؤول الأول، لكنني لم أشتكه ولم أصطدم معه شخصيا وهو يتحمل مسؤوليته أمام الله.

• الدكتور أحمد علي أيضا رغم أنه صديقك وزميل دراستك اضطر لاتخاذ موقف منك رغم أنه لم يستمر أكثر من سنتين؟
ــ الدكتور أحمد فرض علينا عملية عقد الاجتماعات معه الساعة السابعة والنصف صباحا، وهذا أسلوب حياته منذ أن كان طالبا وأنا لا أستطيع أن أتأقلم مع برنامجه الصعب، لكننا كنا نحضر له في المواعيد التي يريدها.

• دعني أنتقل معك لجانب المهمات التي توليتها وأهمها ملف البهاريين فقد خرجت من الرابطة ولم يتحقق فيه شيئا؟
ــ حدث فيه تطور ونتائج على الأرض ولكنه توقف بسبب السياسة.

• كيف؟
ــ عندما حدث الانفصال بقوى خارجية بين باكستان الشرقية (بنغلاديش) وباكستان الغربية (باكستان) كانت الهجرة مفتوحة، فخرج أناس من قرية (بهار) الهندية وهم من السنة الأحناف فبعضهم ذهب إلى دكا والبعض الآخر إلى كراتشي، فعندما حدث الانفصال واجه من كانوا في دكا، وعددهم يصل إلى نصف مليون شخص من محامين وأطباء وعمال مهرة وأناس عاديين، ظلما شديدا فأخرجوا من بيوتهم وتركوا في الشوارع، فعندما سمع الملك فيصل رحمه الله بما حدث اتصل برئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو لتخفيف المشكلة وتم الاتفاق على أن يتم توظيفهم في المملكة، فحدث تلاعب من بعض الموظفين هناك فأرسلوا أشخاصا خلاف أصحاب المشكلة، وحدث أن تولى مشكلتهم لورد إنجليزي لدرجة أن البهاريين أطلقوا عليه (لورد بهار) لأنه خدمهم ونشر قضيتهم في الصحف فالتقطت الرابطة الموضوع، وذهبنا أنا وعبد الله نصيف لمقابلة الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق من باب أنه لا يصح أن تكون القضية تخص مسلمين ولا تساهم فيها رابطة العالم الإسلامي، فاقترحنا عليه أن ننشئ وقفا باسم الرابطة للبهاريين، بعد أن استأذننا الملك فهد في الأمر بعد توليه الحكم على أن نبني لهم بيوتا في باكستان وننقلهم إليها فأنشأنا الوقف وعينت أمينا عاما عليه وقابلنا حاكم بنغلاديش العسكري فاقترح علينا تجنيسهم، لكنهم رفضوا، واقترح الملك فهد رحمه الله أن تساهم المملكة ودول الخليج بتمويل الصندوق واستطعنا أن نجمع 250 مليون دولار وأقدم نواز شريف على خطوة عملية بمنحنا قطعة أرض في لاهور فبنينا عليها 1000 منزل ونقلنا 330 أسرة إليها، لكن حدث موقف سياسي بسبب رفض بعض وزراء باكستان فكرة بقائهم في كراتشي خوفا من أن يميلوا مع بي نظير بوتو لأنها من السند وبعد مغادرة نواز شريف لرئاسة الوزراء توقف المشروع رغم وجود أموال معتمدة له، وقد سلمت المبالغ كلها والشيكات للأمين العام بعد مغادرتي، ولا أدري ماذا حدث في موضوعهم الآن مع أنهم يستحقون الوقوف معهم، فقد جاءهم المنصرون في خضم معاناتهم وحاجتهم فطردوهم شر طردة.

• هناك كلام كثير عن حدوث ترهل في الرابطة عندما كنت مسؤولا وتفضيلك غير السعوديين من ذوي الإمكانات المتواضعة على السعوديين الجامعيين؟
ــ الرابطة مؤسسة دولية وليست ملزمة بالسعودة، ورغم هذا فنحن نعين السعودي وغير السعودي بنفس الراتب والعلاوات والإجازات دون تفريق بين أحد. وأنا أتقي الله في عملي قبل كل شيء وأتحدى وجود موظف واحد عين من طرفي أو من طرف الدكتور عبدالله نصيف بدون مسابقة وظيفية. وإذا وجد من تعرض للظلم بدون مسابقة وظيفية فليقدم مظلمته.

• لكن هناك من عين بقرار؟
ــ يعين عن طريق المسابقة وبقرار من الأمين العام واللجنة العليا للوظائف فوق الدرجة العاشرة.

• لماذا دخلت إلى الطوافة عندما أصبحت نظام مؤسسات مع أنك لست مطوفا؟
ــ أنا خدمت الحجاج من خدمتي لوالدي وأنا مدير عام للزكاة والدخل وتعلمت اللغة الأردية لهذا السبب، وكان معي صالح كامل الذي يخدم والده أيضا وكنت مسؤولا عن توفير أوتوبيسات الحجاج ليلة الثامن من ذي الحجة للحجاج المسؤول عنهم والدي فقط، وبعد وفاته رحمه الله سحبت نفسي من الموضوع إلى الآن قبل أن تصبح الطوافة مؤسسات.

• إذن لماذا تستلم مكافأة سنوية من مؤسسات الطوافة؟
ــ أنا لم أدخل عضوا الآن، ولكن جاءني المطوفون الصغار وقالوا لي: يحصل علينا ظلم شديد من مجلس الإدارة في المؤسسة التي نعمل فيها وهي التي ترسل لي شيكا في نهاية السنة لا يتجاوز 18 ألف ريال، وقد يزيد أو ينقص قليلا على حسب الحجاج، وسبب الشكوى أن مجلس الإدارة لا يطلعهم على الحسابات الختامية والمفروض أن تجتمع الجمعية العمومية بعد انتهاء السنة المالية بشهرين ــ شهري ربيع الثاني وجمادى الأولى من كل عام هجري ــ ولكن هذا لا يحدث لأن مجلس الإدارة يعقد جمعيته في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة والمطوف الذي لا يوافق على الحسابات يطلعون له ستين مصيبة في مكتبه ويخرج خالي الوفاض من الحج ويحدث هذا بوضع ورقة على الباب يشترط فيها الموافقة على اعتماد الحسابات القانونية.

• هذا الكلام يحدث إلى اليوم؟
ــ وإلى بكرة أيضا.

• وأين وزارة الحج مما يحدث؟
ــ أقولها بكل صراحة، فالوزارة لا تساندهم، بالرغم من وجود نظام صادر في عهد الملك خالد رحمه الله يقضي بأن تدار مؤسسات الطوافة تجاريا، أي أن تعلن ميزانياتها في الصحف مثل كل الشركات وهو ما لا يحدث، وقد اقترحت عليهم مقابلة رئيس المؤسسة فقالوا: إن لديه أزرارا داخلية في مكتبه ولا يسمح بدخول إلا من يوافق على دخولهم فطلبت منهم أن يحضروا لي استمارة لدخول الاجتماع لأناقش موضوعهم في الجمعية العمومية وحدث معي نفس موقفهم، عندما طلب مني موظف الدخول التوقيع على ورقة الحسابات القانونية فرفضت، ودخلت لأجد أمامي مجلس الإدارة ووكيل الوزارة، وقالوا: سيقرأ عليكم الآن نائب الرئيس الميزانية، فرفعت يدي وطلبت نقطة نظام من وكيل الوزارة بشأن اكتمال النصاب من عدمه حسب اللوائح فقالوا: ما جرت العادة على ذلك، وانتظرنا نصف ساعة حتى أتوا باللوائح، فكان اعتراضي صحيحا، فقمت على المنصة وقلت: إننا نأمل أن ترسل لنا الميزانية لمناقشتها قبل الاجتماع الثاني لأن هذا حق من حقوقنا، ولكنهم تجاهلوا كلامي وكأني لم أقل شيئا حيث أدير الاجتماع، فذهب بعض المطوفين وجاؤوا بالميزانية من مكتب المحاسب القانوني بطريقة ما، فدرستها ووزعت ملاحظاتي ولم يحدث شيء. والغريب أن من ضمن مصروفات مؤسسات الطوافة حاليا الإعلان بحوالي نصف مليون ريال في الصحف.

• ولهذا انسحبت من المواجهة؟
ــ وماذا أفعل عندما أجد أن المطوفين وعددهم أكثر من 1200 يوقعون على الحسابات الختامية رغم معرفتهم بما يحدث من تجاوزات، فالحاجة للمال دعتهم للتنازل عن مواقفهم.

• هذا يعني أن المؤسسات أنهت دور بيوتات المطوفين وأسرهم إلى الأبد؟
ــ لقد أدرك الملك عبدالعزيز رحمه الله بأنه لا يستطيع أن يخدم الحجاج بأمانة ونزاهة إلا أبناء المطوفين من بعدهم، لأن المردود المادي ضعيف، ففي الوقت الذي كان المطوف يأخذ 160 ريالا من حجاج الخارج ويصفى له 80 إلى 90 ريالا كانت مؤسسات حجاج الداخل تأخذ من 2000 ريال إلى 20000 من كل حاج. فآباؤنا وأجدادنا يتقربون بالطوافة إلى الله، وأتذكر أن والدي يخرجنا من البيت لنستأجر عند الآخرين ويقوم بإسكان الحجاج في بيتنا بدلا منا في أشهر الحج وكذلك فعل الكثير من أبناء مكة، وكان الملك فيصل يعرض على الرئيس السنغالي استضافته فيعتذر ويفضل أن يسكن في منزل مطوفه الشيخ عبدالله كامل رحمه الله، فوضع في النظام أن تكون المهنة من بعد الآباء لأولادهم لا ميراثا بل حقا مكتسبا. ومن المؤسف أن العلاقة بين المطوف والحاج انقطعت مع نظام المؤسسات لأنها أصبحت خدمة احتكارية.

• رغم وجود توجه في السابق لإلغاء مهنة الطوافة؟
ــ بطريقة غير معلنة، بعد أن حصلت عمليات تلاعب وسرقة لأموال حجاج الداخل.

• لماذا تحتكر منصب رئيس الجمعية الخيرية في مكة المكرمة منذ تأسيسها؟
ــ أولا أنا أعمل بشكل تطوعي ودون مقابل مادي وقبلت برغبة أعضاء مجلس الإدارة، وعندما حدثت الانتخابات وكان معنا الشيخ عبدالملك بن دهيش شافاه الله اختاروني أيضا ولكن وزير الشؤون الاسلامية ألغى الانتخابات في مكة لوجود أمين عطاس دون سبب وعين شخصا من منطقة القصيم يأتي للاجتماعات ثم يعود مرة أخرى وكأن مكة المكرمة ليس فيها أحد.

• رغم وجود أكثر من 33 مبنى خيريا تابعة للجمعية إلا أنك وقفت مع قرار عدم تسكين الأسر المحتاجة في هذه المباني.. لماذا؟
ــ أولا نحن لم نخرج أحدا وإنما اتخذ القرار بإخراج كل السكان من قبل الإمارة ووزارة الشؤون الاجتماعية بدون حضورنا مع إعطائهم مبالغ للسكن بالإيجار. وحدد السكن فقط لمن لديهم أطفال لايتجاوزون الخمس سنوات لحدوث مشاكل أخلاقية كثيرة من بعض الأسر التي لديها أبناء في سنوات المراهقة والصبا.

• كيف تشعر بعد التقاعد؟
ــ براحة تصل نسبتها إلى 300 في المائة خصوصا من عملي في الرابطة حيث واجهت منافسة شديدة.

• الكثيرون فيها فرحوا لخروجك؟
ــ أشك في ذلك، فقد اتقيت الله فيهم وكنت شديدا في الحق وليس غير ذلك وتطبيق النظام على الجميع دون استثناء.

عكاظ 20/7/1431هـ - حوار : بدر الغانمي .