حوار مع : يوسف حسن يوسف نصيف

 

في طيات الذكريات الشفهية يكمن العديد من الشهادات الصريحة القادرة على كشف الغطاء عن قصص ومواقف وأحداث كانت لفترة طويلة قابعة في حكم المسكوت عنه.. قد يعرفها البعض لكن يجهلها كثيرون.. فيأتي البوح بها ليكتمل إطار الحقيقة كما هي ودون رتوش.

نشرنا في الحلقات الثلاث الماضية العديد من الجوانب الظاهرة والخفية عن (بيت نصيف)، واليوم نواصل المشوار في هذه الحلقة الأخيرة بما تحمله من جرأة في الطرح، وصراحة في سرد الوقائع؛ ليقف القارئ أمام هذا البيت العريق بكل متناقضاته.. يلمس جدران الأحداث على لسان بعض أفراد آل نصيف الذين عاشوا الماضي، أو نقلوا عن الأجداد شيئًا منه.

ضيفنا اليوم يوسف حسن يوسف نصيف (المحامي) الذي يمثل همزة وصل بين الجيل الذي رحل، وبين جيل اليوم المتطلّع بلهفة لصناعة المستقبل.. التقينا به وسألناه فتجاوب بصراحته وشفافية فجاء هذا الحوار.

لاحظت من خلال بحثي في ماضي وحاضر بيتكم أن هناك ارتباطًا كبيرًًا بين آل نصيف وبين كثير من الأوقاف الموجودة في مدينة جدة، فما سر هذا الارتباط الممتد لعقود عديدة؟
- علاقتنا بالأوقاف بدأت قبل حوالى 180 سنة.. فجدنا الأكبر عبدالله نصيف -رحمه الله- أوقف العديد من العقارات لأولاده وأحفاده من بيت نصيف، وجعل هذا الوقف طبقيًّا، فإذا بقي فرد واحد في الطبقة ينال فائدة الوقف كلها.
ونحمد الله أن آل نصيف لديهم مجموعة من الأوقاف.

كلها في جدة؟
- كلها في جدة عدا عقارًا واحدًا في مدينة الحبيب المصطفى. والعقارات التي تدر الجزء الأكبر من الدخل موجودة في وسط البلد وفي باب مكة، وهناك عمائر في حي الحمراء، وبعض الأحياء الحديثة.

أوقاف في أحياء جديدة هل جاءت هذه لاحقًا؟
- نعم فقد بيعت أملاك قديمة، وبإذن المحكمة تم شراء أوقاف جديدة.. عمي علي نصيف هو الذي كان يقوم بهذه الأعمال باعتباره ناظر الأوقاف.. وللمعلومية نظارة الوقف خرجت من بيت نصيف لفترة من الزمن، فوضع البعض أيديهم على هذه الأوقاف.. لكن قبل 60 سنة تقريبًا تمكن جدي محمد صالح نصيف -يرحمه الله- من استعادتها بعد أن أقام دعوى في المحكمة، وربح القضية وأصبح هو الناظر لأوقافنا وتولّى النظارة فترة، وبعد ذلك حافظ على موقعه كناظر ولكنه أوكل شقيقه الجد يوسف نصيف الذي أصبح الناظر الفعلي بالوكالة.. وكان العم علي نصيف يعمل مع والده وعندما توفي الجد أصبح العم علي ناظرًا للوقف.

تعني أن النظارة انتقلت من محمد صالح ليوسف نصيف وبعد ذلك لعلي نصيف؟
- نعم.. وبعد العم علي انتقلت لوالدي حسن نصيف -يرحمه الله- ثم تولاها العم محمود نصيف، والآن وصلت النظارة للعم محمد صالح نصيف الذي يعتبر أول ناظر لأوقافنا من الجيل الجديد.

جدكم يوسف كان محاميًا؟
- نعم وفي بدايات حياته كان بسيطًا، وكان هو يمثل الفرع الأقل حظًا في الأسرة. أسرة الأفندي محمد حسين نصيف -يرحمه الله- لديها عقارات وأوقاف ومكانة حكومية وكان منهم قائمقام مدينة جدة، وهو عمر عبدالله نصيف -يرحمه الله- وكان عمر محمد نصيف -رحمه الله- مديرًا للأوقاف، وكان حالهم المادي ميسورًا، ومن بيتهم في البلد تستطيع أن تعرف الوضع المميز الذي كانوا عليه.

ما سبب هذا التفاوت في الوضع المالي بين الفرعين؟
- أرزاق.

مع أن الأصل واحد؟!
- نعم.. ولكن رجال ذلك الفرع كان بعضهم قريبًا من (الأشراف) حكام الحجاز في اوائل القرن الرابع عشر الهجري، ويعمل معهم أمّا فرعنا فلم يكن الوضع كذلك.. ربما كان هذا هو السبب.. والدليل أن جدي كان (حبابًا) لديه دكان يبيع فيه الحبوب كالبر والذرة وأنواع أخرى من الحبوب.

أي جد تعني؟
- جدي يوسف نصيف -يرحمه الله- كان دكانه في سوق البدو وكانت إيرادات الدكان هي مصدر دخله الوحيد الذي يعيش عليه.. لم يكن له دخل آخر.. عندما ولد أخي الأكبر نزيه الذي هو أول حفيد له لم يكن جدي يملك سوى ريالين فأنفقهما لإقامة العقيقة.. وتحسن الوضع قليلًا عندما استعاد جدي محمد صالح الوقف لبيت نصيف، لكنه كان لا زال قاصرًا.

من هو الذي كان قاصرًا؟
- جدي يوسف.. فسيدي محمد صالح هو الذي ربى سيدي يوسف.. ثم حدث تزاوج بين أولاد الأسرتين.. والدتي وخالتي -رحمة الله عليهما- تزوجتا من والدي وعمي علي.. سيدي محمد صالح احتضن سيدي يوسف أكثر، وبدأ يحسن من وضعه لأن ابنتيه أصبحتا عند أولاده.. وبالتدريج أوكل إليه نظارة الوقف فبدأ وضعه يتحسن.. لقد كان سيدي يوسف صاحب شخصية قوية وبسبب كثرة وجوده في المحاكم أصبح (دعوجيًّا).. كان يكتب الدعاوى ويذهب للمحاكم.. كان قوي الرأي وجريئًا ولا يخاف.. النظارة والدعوجية حسنتا من وضع سيدي يوسف كثيرًًا.. كان يرعى أبناءه وحتى بعد أن تزوجوا بنى لهم بيوتًا وأسكنهم فيها. كل موظف من أبنائه يعطيه مقدار راتبه شهريًا. وكان عادلًا بين أبناء زوجتيه. وامتدت رعايته لتشمل أحفاده وتعليمهم.

ماذا عن والدكم الدكتور حسن.. نشأته.. تعليمه ومشواره الوظيفي؟
- والدي حسن نصيف -يرحمه الله- كان هو البكر وكان هو الجامعي الأول في الأسرة.. لذلك كانت له مكانة مميزة كونه البكر فهذه مكانة متميزة، وأن تكون متعلمًا ومن أسرة متواضعة التعليم الأكاديمي، وتصبح طبيبًا فهذا شأن آخر. كان محل فخر لوالده وأمه وإخوته. بدأ حياته المهنية بعيادة في مكة.

تعرض والدي لمشكلة سياسية وغادر البلد وذهب إلى مصر في مطلع الستينيات من القرن الماضي.. وكنا في تلك الفترة ندرس في مدرسة داخلية خاصة بالإسكندرية فجاء وجلس معنا.. في تلك الفترة كان له نشاط إعلامي وأذكر أنني كنت أركب معه في سيارته الفولكس واجن السوداء من الإسكندرية للقاهرة. كان يذهب للإذاعة ويسجل فيها برنامجًا سياسيًا يطرح من خلاله موقفه وبعض آرائه في الشأن السياسي.. وكان ينشر مقالاته في الصحف المصرية كذلك.. وقد تزوج الوالد في مصر للمرة الثانية وأنجب أخانا ناصر في عام 1971م .

بعد حرب الأيام الستة في عام 1967 عدنا مع الوالدة إلى المملكة.. أمّا بالنسبة للوالد فقد كان الأمر لا زال على ما هو عليه، فذهب إلى لندن وبقي هناك سنتين وجدد معلوماته الطبية وتخصص في الأمراض الجلدية والمناطق الحارة.. ثم ذهب بعقد عمل إلى ليبيا عام 1969م ومكث فيها سنوات قليلة، ثم دبروا له مكيدة لا أعرف تفاصيلها واضطر معها إلى مغادرة ليبيا فجأة تاركًا كل متاعه هناك..

عاد الوالد بأسرته إلى مصر.. ثم انتهت فترة المنفى التي استمرت 12 عامًا وعاد الى المملكة عام 1974م وافتتح عيادة في القشلة..

كان الناس في البداية متخوفين من الذهاب إليه، وبعد أن اطمأنوا من عدم وجود مشكلة صاروا يأتونه بأعداد كبيرة. ظل يعمل في تلك العيادة لفترة طويلة.. لكن بعد أن تولى الأوقاف صار لا يحضر إليها بانتظام فأغلقها وتفرغ لنظارة وقف نصيف.

وماذا عنك.. نريد مشوارك باختصار؟
- درست الجامعة في الولايات المتحدة ونلت ماجستير علوم فيزياء ورياضيات. من جامعة سانت لويس بولاية ميسوري عام 1976م، تزوجت من ابنة عمي عثمان وأنا لا زلت طالبًا في الجامعة. عندما انتهيت من الماجستير كنت قد أنجبت ولديّ الكبار حسن وعمرو.. بعد ذلك عملت في المؤسسة العامة للتحلية وعندما انتقلت إدارة التحلية للرياض بقيت سنة وبعد ذلك استقلت وعملت في الهيئة الملكية في الجبيل لعشرة أشهر وبعد ذلك انتقلت إلى الهيئة الملكية في ينبع.

- هناك أنجبت ابني الاصغر غسان وبقيت لمدة خمس سنوات تقريبًا ثم تركت العمل في الهيئة حيث كانت هناك ظروف تغييرات في العمل.

- خلال تلك الفترة.. كان معالي الاستاذ هشام ناظر نائبًا لرئيس الهيئة الملكية إضافة إلى إنه كان وزيرًا للتخطيط.. وبالمصادفة تعرفت على شقيقه الدكتور عبدالفتاح ناظر -يرحمه الله- فقد كان الاستاذ هشام يحضِّر لزيارة مرتقبة للملك فهد -يرحمه الله- وجاء عبدالفتاح الى ينبع لزيارة اخيه وتقابلنا في البيت مقابلة عادية.. وبعد عدة أشهر طلب مني عبدالفتاح أن أنتقل معه للاتحاد، وكان ذلك خلال فترة رئاسته الاولى لمجلس ادارة العميد.

- وبعدها بعدة أشهر تكلم عبدالفتاح عني مع الشيخ صالح كامل الذي دعاني في (برج دلة) وقال لي إن لديه شركة استثمارية جديدة في القاهرة، ويريد أن يعينني مديرًا لها على الفور وطلب ردي خلال 24 ساعة.. اعتذرت له بأن الفترة قصيرة ولدي أسرة ولا يمكنني أن أقرر وانتقل للقاهرة خلال هذه الفترة.. مرت عدة أشهر فسأل عني مرة اخرى د.عبد الفتاح فقال له إنني لا أزال بدون عمل.. ذهبت وعملت معه في مكتبه في المتابعة.. حتى وصلت إلى درجة مساعد له. بعد ذلك..استجدت ظروف استحال معها استمراري في العمل.. فأستشرت د. عبدالفتاح فنصحني أن أترك العمل.. كان ذلك في عام 1991م.

- الحمد لله جاءتني فرصة العودة إلى مقاعد الدراسة وكنت حينها قد تجاوزت الاربعين عامًا، فانتسبت إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس بالقاهرة.. ثم بدأت في ممارسة مهنة المحاماة بعد حصولي على ليسانس الحقوق عام 1996م ولم أعد -بفضل الله- بحاجة إلى الوظائف.

عملت في نادي الاتحاد كما عمل قبلك عدد من أبناء بيت نصيف في هذا النادي العريق.. فكيف تنظر لهذه العلاقة؟
جدة والاتحاد كيان واحد بالنسبة للأجيال القديمة.. وعلاقة أسرتنا بالاتحاد علاقة انتماء وعضوية وليس مجرد تشجيع فقط.. فوالدي -يرحمه الله- كان اتحاديًا من الصميم لكن الذي ربطنا بالاتحاد بقوة هو خالي بكر نصيف عميد أسرة محمد صالح بعد وفاة شقيقه الأكبر خالي عمر -يرحمه الله- في أوائل الثمانينيات الهجرية أخذنا خالي بكر إلى ملعب الصبان مرة لحضور مباراة ومعنا بعض من أبناء خالتي منهم المهندس حسن جمجوم وشقيقه عمار -رحمه الله- وكنا حوالى ستة أطفال أخذنا ومعه سجادة كبيرة فرشها لنا فوق جدار مدرج الدرجة الأولى وأجلسنا عليها.. كانت المباراة بين الزمالك والاتحاد، وانتهت النتيجة 6/0 لصالح الزمالك.. كان الزمالك يزخر بالنجوم من أمثال نبيل نصير وعلي محسن وسيد نصحي وكان حارس الاتحاد آنذاك عبدالجليل كيال -يرحمه الله- كانت تلك بداية علاقتي بالاتحاد وتدشين مشاعر حبي له رغم الأهداف (نص الدرزن) التي استقبلها مرمى الاتحاد.

ومتى لعبت للاتحاد؟
- سجلت في نادي الاتحاد عام 1967م بعد عودتنا من مصر ولعبت أساسيًا في الفريق الأول مع سعيد غراب والنور موسى -يرحمه الله- ومجموعة من نجوم الكرة السعودية والاتحادية وكان عمري دون السابعة عشر . وفي عام 1388هـ /1968 فزنا بكأس الملك من أمام النصر بعد أن هزمناه 5/3 في الاشواط الاضافية على ملعب الصايغ والذي كانت ارضيته ترابية. ولعبت مباريات ذلك الموسم كله فقد كان الكابتن عبدالرزاق بكر قد اعتزل لتوه ولم يكن هناك صانع ألعاب. كان يلعب بجواري هشام بكر الذي كان دوره إيقاف هجمات الخصم وكان دوري صناعة اللعب.. كنا نكمل بعضنا البعض وكانت طريقة اللعب 4/2/4. ويبدو أن اسمي وشكلي ساعداني في اللعب لنادي الاتحاد (ضاحكًا).. في العام الذي بعده كنت في التوجيهية وأمرني جدي يوسف -رحمه الله- بالتوقف عن اللعب فانتهت مغامرتي الكروية القصيرة.

ماذا عن تجربتكم كعضو مجلس إدارة مع عبدالفتاح ناظر؟
- كانت تجربة ممتعة جدًا ومتعبة في نفس الوقت. خلال الفترة التي عملت فيها مديرًا للنادي كان عليّ أن أتعامل مع الصحفيين واللاعبين والمدربين والإداريين والجمهور. التعامل مع كل الفئات والطبقات. العمل كان متعبًا ويتطلب جهدًا كبيرًا.. وهناك في الاتحاد كثيرون يحتاجون للمساعدة وهناك من يحتاجون لأن تحفزهم. الاتحاد يقدم خدمات اجتماعية غير ظاهرة على السطح لأسر كثيرة.. عندما تعمل في النادي لا بد أن تراعي كل هذه الأمور ولا بد أن يكون عملك واضحًا وهو خدمة هؤلاء. اما إذا كنت تريد مجرد الظهور الإعلامي فستكون مثل الفراشة والنور.. والشيء الذي أعتز به خلال تلك الفترة هو مشاركتي في إعداد حفل نادي الاتحاد مع الاخ العزيز محمد ناقرو الذي كان يملك شركة روتانا للانتاج الفني وقتها، كان ذلك عندما نال عميد الاندية كأس ولي العهد عام 1408هـ تحت رئاسة الصديق المهندس حسين لنجاوي وادارته، وكانت تجربة مهمة.

المدينة 23/4/1431هـ -  حوار : صالح العمودي .