المطاوع مهندس المعاني الراقية ومشعل من مشاعل نهضتنا الصحافية
عشق الصحافة وعالمها حتى النخاع .. جعل نهجه مبنياً على البحث عن الحقيقة ولا غيرها .. ومن ثم إعلانها ولكن بمبادئ وقيم رفيعة فلا يريدها أن تكون سلاحاً أو شتماً أو كيداً .. مواقفه الفكرية والثقافية والصحافية والإنسانية هي مواقف دينية ووطنية .. استطاع بجدارة وتفوق أن يشكل منهجاً صحفياً وكوّن مدرسة متفردة في عالم مهنة البحث عن المتاعب .. قامة استحقت الاعجاب والتقدير من الجميع كإنسان ورئيس وصحافي وكاتب وزميل .. انتاجه غزير .. عميق وأصيل .. وشكل طاقة صحفية تستحق الدراسة والتحليل والاهتمام لقدرته على النفاذ إلى عقل القارئ بسحر بيانه واسلوب عرضه ونقاشه باسلوبه المميز في الحوار مع الافكار .. ذلك هو الشيخ حامد بن حسن مطاوع رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي الذي استضفناه في هذا اللقاء حيث حلق بنا في فضاءات تاريخية عادت بنا جميعاً إلى عقود طويلة ماضية .. فإلى حوارنا معه ..
المولد والنشأة
| بداية أين كان المولد .. وكيف كانت النشأة؟
|| ولدت في مكة المكرمة عام 1347هـ وبالتحديد في شعب علي وبدار جدي الشيخ علي مطاوع ونشأت مسلم الهوية والهوى شديد الاعتزاز باسلامي وعروبتي .. وتوفى والدي وعمري ثلاث سنوات وتكفل جدي الشيخ علي مطاوع برعايتي لمدة عامين ثم توفى فأكملت والدتي تربيتي وتعليمي ورعايتي باشراف اخوالي.
التعليم والزملاء
| كيف كان مشواركم التعليمي .. ومن تتذكرون من الاساتذة والزملاء؟.
|| بدأت حياتي التعليمية بالقراءة في المسجد الحرام وبالتحديد عند باب زيادة ثم التحقت بالمدرسة الرحمانية وكانت بالمسعى عندئذ وأمضيت بها ستة أعوام منها عامين للدراسة التحضيرية واذكر من اساتذتي الشيخ مصطفى يغمور وعبدالغني مالكي وأسعد مالكي وأحمد فودة وصالح سلامة وأحمد حداوي ولطفي صواف ثم انتقلت إلى مدرسة تحضير البعثات بقلعة جبل هندي ودرست بها ست سنوات وتخرجت منها في عام 1364هـ وايضاً اتذكر من اساتذتي السيد أحمد العربي والشيخ علي جعفر وصالح كاشف ومحمد بخش وصالح بدوي وعبدالكريم الجهيمان .. ومن الزملاء أتذكر حسن قرملي وعمر فقيه وخليل مطر وسالم حجيلي وعبدالله اركوبي وعمر اركوبي وعبدالعزيز الخويطر وأحمد زاهر وعبداللطيف كردي ويوسف جوهرجي وعبدالقادر هاشم وطه قرملي وسالم سنبل ومحمد فرج الله وعلي برزنجي وعمر ولي وغالب سمان وعثمان حريب وعباس حداوي وعبدالخالق بخش وعدنان حواري وعبدالعزيز رحيم الدين وعبدالرحمن البيز وعبود عبدات الشريف غالب ومحمد علي غزاوي وعبدالحكيم المعري ومصطفى رضوان وعبدالعزيز ساب وعبدالله جفري وعبدالرؤوف جمجوم ومحمد نوري وغيرهم.
هذه مرحلة أما المرحلة الثانية فقد درست في المؤسسة العلمية للثقافة الشعبية علم الاقتصاد وإدارة الأعمال والمحاسبة لمدة ثلاثة أعوام وتخرجت منها في عام 1367هـ.
البداية والانطلاقة
| كيف كانت البداية .. وكيف فتح باب المهنة على مصراعيه .. وكيف دانت الصحافة لحامد مطاوع؟.
|| دخلت عالم الصحافة عبر باب الإدارة حيث كانت بدايتي الوظيفية من خلال صحيفة صوت الحجاز (البلاد حالياً)عندما كانت تصدر من محلة الشامية بجبل هندي بمكة المكرمة وصاحبة الامتياز هي الشركة العربية للطباعة والنشر التي يرأسها الشيخ محمد سرور صبان , وكانت وظيفتي عند التحاقي بالصحيفة أمين صندوق في عام1374هـ ثم رئيسا لقسم المحاسبة ثم مديرا لإدارة الصحيفة بعد استئنافها الصدور باسم البلاد السعودية بعد أن توقفت بأسباب أزمة الورق في تلك الفترة نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية وانتقالها إلى مدينة جدة إلى أن تم دمجها مع صحيفة عرفات في 6 رجب 1378هـ وأصبح مسماها صحيفة البلاد وكان صاحب هذا المسمى الأستاذ احمد السباعي.
وكنت من باب حب الاطلاع والعلم بالشيء اعمل متطوعا بدون اجر مادي في أوقات الفراغ بالفترة المسائية بقسم تصحيح (السلخ) عندما كانت الصحيفة تصدر من مكة ، حيث كان دخولي للعمل الصحافي أو التحريري من باب المصادفة عندما أراد الأستاذ فؤاد شاكر الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لتحرير البلاد السعودية أن يسافر إلى مصر في إجازة اضطرارية فاسند شؤون التحرير إلي بشكل ودي غير رسمي لحين عودته ومنحني كامل الصلاحيات وأصبحت مسؤولا عن المحاسبة والشؤون الإدارية في الظاهر وأيضا مسؤولا عن شؤون التحرير في الباطن, واذكر أنني كتبت في تلك الفترة لأول مرة في زاوية اسمها (المنبع) وكان ينشر في صدر الصفحة الأولى فاستمررت في ممارسة الكتابة من باب الترويح عن النفس فقط وكانت كتاباتي بشكل غير منتظم كمتعاون بدون اجر مادي باعتباري احد منسوبي الصحيفة كما أن مشاركاتي كانت تطوعية, وكان هناك فريق من الشباب، يتعاون على تحرير صحيفة البلاد السعودية منهم الأستاذ أحمد جمال وعبد العزيز ساب وصالح جمال وعبدالعزيز السالم وعبد العزيز المسند وأيضا الأستاذ عبد الرزاق بليلة الذي كان يحرر صفحة الطلبة.
من هنا بدأت مسيرتي مع الحرف حيث أصبحت اكتب في (العمود المتنقل) الذي أصبح فيما بعد (المراقب المتنقل) كما قمت بإعداد باب اجتماعي كان تحت عنوان (طلبات المحلات)
| لكل مبتدئ موجه ومعلم فمن هو الموجه ومن هو المعلم الذي تدينون له بالفضل بعد الله في توجيهكم في بداياتكم الصحافية؟ فهل هو الأستاذ فؤاد شاكر؟
|| الأستاذ فؤاد شاكر هيأ وأتاح لي الفرصة للكتابة الصحافية ودخول هذا العالم حيث كانت عندي خلفية واسعة عن عمل التحرير كمتعاون كما ذكرت سابقا وهذا ما جعل الأستاذ فؤاد يسند لي مهمة الإشراف على التحرير, ولكن لم يكن له فضل الأستاذية على ممارستي للعمل الصحافي أو الكتابي.
| كانت بدايتك الوظيفية مع صحيفة صوت الحجاز بمكة ثم انتقلت معها إلى جدة ,فما هي أسباب انتقالكم إلى مكة والعمل بصحيفة الندوة؟
|| حين صدر نظام المؤسسات الصحافية في غرة ذو القعدة 1383هـ وتشكيل مجلس إدارة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام التي تصدر عنها صحيفة الندوة وكان مديرها العام الأستاذ عبدالله عريف رحمه الله الذي عرض علي العمل بالمؤسسة فقدمت استقالتي من مؤسسة البلاد والتحقت بمؤسسة مكة اعتبارا من غرة ذو القعدة 1383هـ بوظيفة مدير إدارة وكنت طوال الفترة التي انتقلت فيها البلاد إلى جدة كنت أقوم بالدوام يومياً من مكة إلى جدة برفقة بعض الزملاء العاملين معي في الإدارة واذكر منهم الأخوان عمر باداود وصدقة العماري وعلي عقلان وكان هذا بالطبع أمراً متعباً للغاية مما شجعني للعمل في مؤسسة مكة.
| إذن بداية ارتباطك مع صحيفة الندوة كان من خلال العمل الإداري فكيف توليتم رئاسة تحريرها؟
|| عندما عملت مع الندوة كان رئيس تحريرها هو الأديب والأستاذ محمد حسين زيدان رحمه الله ولكنه لم يستمر طويلا في منصبه فقدم استقالته في ذو القعدة 1384هـ فكلفني الأستاذ عبدالله عريف بتولي مسؤولية الإشراف على التحرير إلى جانب عملي الأساسي كمدير إدارة بحكم تجربتي السابقة مع البلاد لحين تعيين رئيس آخر للتحرير واستمررت في الإشراف على جهاز التحرير إلى أن تولى الدكتور حامد هرساني مهمة مدير عام المؤسسة خلفاً للأستاذ العريف وكذلك تعيين الأستاذ احمد السباعي مديرا للإدارة من غرة ربيع الاول1385هـ وتفرغي لرئاسة التحرير اعتبارا من ذلك التاريخ حتى 15رجب 1406هـ حيث تولى الأستاذ يوسف دمنهوري رحمه الله مسؤولية رئاسة التحرير من بعدي.
| ما هي ابرز الصعوبات العملية التي واجهتكم خلال المسيرة منذ البدايات وحتى مغادرتكم لرئاسة تحرير الندوة؟
|| التحرير كله صعوبات وصعوبات التحرير كثيرة وعديدة وبالتأكيد أن الصعوبات في التحرير لا زالت موجودة حتى الآن.
فعندما توليت رئاسة التحرير لم تكن الأمور كما يتخيلها البعض ميسرة وجيدة ومن عاصر تلك الفترة يعرف ذلك تماما ومن ابرز تلك الصعوبات ما كان يتعلق بالأمور الآلية والتكوينية والمالية أيضا ولعل ذلك ما جعل الأستاذ الزيدان يقدم استقالته من رئاسة التحرير.
فعندما توليت مسؤولية جهاز التحرير اذكر كيف كنا نقوم بطباعة الصحيفة (كزبون) في مطابع الثقافة بالإضافة إلى أن المؤسسة والجريدة في تلك الفترة لم يكن لها مقر منذ نشأة المؤسسة حيث كان مقرها في السابق قبل صدور نظام المؤسسات في مطابع الثقافة التي يمتلكها الأستاذ صالح جمال رحمه الله فأصبحت بعد أن اعتذر الأستاذ صالح جمال عن المشاركة في المجلس الجديد لمؤسسة مكة بدون مقر إلى أن قام الأستاذ عمر عبدالجبار رحمه الله بتخصيص جزء خاص في منزله بحي الزاهر وبالتالي كنا نقوم بإصدار الندوة من هناك إلى أن تم شراء قطعة ارض ومن ثم بناء مقر للمؤسسة والصحيفة في العمرة وهي التي تصدر منها الندوة اليوم وكان ذلك في بداية عام1384هـ وبالمناسبة تعد مؤسسة مكة للطباعة والإعلام أول مؤسسة صحافية أنشأت مقراً لفرعيها الإعلامي والطباعي.
| من هو الكاتب والصحافي الذي كنت في بدايتك الصحافية تراه المثل الأعلى وتأثرْتَ به وتمنيت أن تصبح مثله في مطلع حياتك الصحافية ؟
|| هناك الكثير من الكتاب الذين أتابع إنتاجهم سواء في الداخل أو الخارج وقد أعجب بأحدهم وقد انتقده كذلك ولكني لم أتمنى أن أكون مثل احدهم لأنني لا أود إلا أن أكون حامد مطاوع فلم أتمنى قط أن أكون أحدا آخر وحتى الآن لا أتمنى أن أكون مثل أي شخص غير حامد مطاوع.
| ماهو الخبر أو المقال الذي ترون انه هو السبب في شهرة حامد مطاوع عند القراء ؟ وما هو مضمونه؟
|| بالتأكيد اعتقد أن مقالي في (المنبع والمصب) الذي تناولت فيه الظاهرة التي كانت حاصلة في تلك الفترة من حيث ارتفاع الأسعار والتي هي أشبه بما يحدث اليوم فقد نبهت المسئولين عن امر خطير كان يقوم به التاجر نتج عنه ذلك الارتفاع بسبب سوق الدولار الذي كان حاصلا في تلك الفترة حيث كان للدولار سعران احدهما سعر رسمي من المؤسسة والآخر سعر سوقي مرتفع فكان التاجر المستورد يحتاج مثلا عشرة آلاف دولار وحين يرغب بتحويل الريالات إلى دولارات لا يستطيع الحصول على ذلك المبلغ من مؤسسة النقد التي لا توفر له سوى جزء منه وبالتالي يضطر ذلك التاجر باستكمال المبلغ المتبقي من السوق وبسعر مضاعف عن السعر الرسمي للدولار وبهذا يقوم التاجر بوضع القيمة على أساس كامل مبلغ الدولارات التي حصل عليها من السوق الحرة بما فيها التي تحصل عليها من المؤسسة.
| ومن تتذكرون من زملاء الحرف الذين عملوا معكم في الندوة؟
|| لأكثر من عقدين من الزمان لا شك أن هناك الكثير من الزملاء الذين لا تسعني المساحة لذكر أسمائهم ومنهم محمد محمود حافظ وعيسى خليل وحامد عباس ونعمان طاشكندي ويحيى مطهر وفائز حسين وعدنان باديب ورفقي الطيب ومحمد الحساني وهناك الكثير من الإخوة الذين لا تحضرني الذاكرة لذكر أسمائهم.
| كيف تقيمون المراحل المختلفة التي مرت بها صحيفة الندوة كل مرحلة على حدة بدءاً بمرحلة النشأة والتأسيس ثم مرحلة الدمج في عهد صحافة الأفراد مرورا بالمرحلة التي واكبت صحافة المؤسسات وكنتم من أوائل رؤساء التحرير في تلك الفترة, وصولا إلى الصحافة اليوم؟
|| بالطبع كل مرحلة لها طابعها وتوجهها فكان توجه الصحيفة يرتبط بتوجهات صاحب الامتياز الشخصي وهذا ما جعل الدولة تقوم بإصدار نظام المؤسسات الصحافية حتى لا يكون توجه الصحف توجها شخصيا.
أما من ناحية اهتمامات الندوة في البدايات كان يبرز عليها الاهتمام بالجانب الأدبي ثم أصبحت اهتماماتها فيما بعد جامعة من حيث الأخبار الخارجية التي أصبحت تحتل صفحاتها الأولى وكذلك الأخبار المحلية والتي كانت تنشر في الداخل في البداية هذا ما يتعلق باهتمامات الندوة خلال مرحلة الأفراد.
|اختصت الندوة في عهد السباعي بتخصيص مساحة لنشر الشعبيات باللغة العامية الدارجة للغاية وكان لهذه المساحة رواج كبير لدى العامة إلا أن هناك من الأدباء من كانوا ينتقدون هذا النوع من الشعبيات, أما صاحب الندوة السباعي كانت له وجهة نظر أخرى بأن هذه اللغة هي التي تفهمها العامة ويرى انه يجب الاهتمام بهذه الطبقة من الناس من خلال التوجيه والإرشاد الذي تقوم به الصحافة وبهذه اللغة.. فما تعليقكم على ذلك وقد سبق لكم أن مارستم هذا التوجه نفسه من خلال زاويتكم الشهيرة (ابن حسن)؟
|| احمد السباعي رحمه الله كان يهدف من وراء نشره الشعبيات توسيع مساحة المخاطبة من خلال هذه اللهجة حيث انه كان يرى أن الندوة لم تكن تخاطب فقط شريحة ذات تعليم عال فقط إنما كانت تخاطب كافة الشرائح المتعددة من القراء الذين يختلفون في مستواهم التعليمي فكانت تلك اللهجة الدارجة العامية تجمعهم كافة بمن فيهم شريحة الأدباء أنفسهم الذين كانوا ينتقدون هذا النوع من الشعبيات فكانوا هم يتحدثون فيما بينهم باللهجة العامية الدارجة ولم يتحدثوا باللغة الفصحى.
وأنا شخصيا لا أرى أن تخصيص السباعي لمساحة أو باب في الندوة للشعبيات وليس الصحيفة بأكملها يضر أو يمس اللغة العربية الفصحى في شيء أو يؤثر عليها فاللغة الفصحى اكبر من أن تتأثر بهذه اللهجة الدارجة فما قصده السباعي من ذلك هو توجيه رسائل خاصة بها توجيه وتوعية لشرائح معينة من المجتمع بأسلوب بسيط ومفهوم للعامة وغير معقد.
الصحفي الناجح
| ما هي مقومات شخصية الصحافي الناجح من وجهة نظركم؟
|| الكاتب المميز والصحفي الناجح لابد وأن يحافظ على القواعد الفنية أثناء الكتابة وان يلتزم بآداب الكتابة وبخلق وسلوك راقٍ يجعله محل الاحترام والتقدير امام القراء والمحبين والمتابعين .. وأرى أن من أهم المقومات ايضاً التمسك بالعقيدة والالتزام الديني والمحافظة الكاملة على القيم والاخلاق الإسلامية في كل مقالاته وتعاملاته مع الآخرين والابتعاد عن الاساليب المبتذلة كالشتم أو القذف أو التجريح أو النيل من الآخرين وأن يكون رجلاً حكيماً متزناً في سلوكياته وتصرفاته واقواله ومواقفه ولاشك أن القارئ بمقدوره أن يتعرف على هذه السلوكيات وبكل سهولة من خلال ما يقدمه هذا الكاتب أو ذاك .. وأرى ايضاً أن يكون غير متحيز بحيث لا يميل إلى هذا على حساب آخر فالوقوف بجانب الحق اساس مهم إلى جانب الابتعاد عن الاهواء والاغراض والتمسك بجوهر الحقيقة والصدق في القول والاستزادة الدائمة من مناهل العلم والمعرفة والركض والبحث عن الجديد من الاصدارات للاطلاع والقراءة حتى يمكنه متابعة ومعايشة الواقع بكل ايجابياته وسلبياته ولابد ايضاً أن يكون مراقباً ومتابعاً لاحوال زمانه ومعايشة الاحداث الكبيرة والصغيرة بعين فاحصة وبتحليل مميز واستنتاج واعٍ والانغراس الوطني العميق في تراب الوطن بجذور يصعب اقتلاعها أو هزها .. وأن يؤكد حبه الوطني لبلاده وخدمتها في كل مجال يستطيعه.
من القرآن كانت بدايات الاستزادة
| ذكرتم في معرض حديثكم عن مقومات الصحافي الناجح أن يحرص على الاستزادة من مناهل العلوم والمعارف والركض بحثاً عن الجديد .. والسؤال هنا .. لمن كان يقرأ الاستاذ حامد مطاوع ومن أي المناهل كان ينهل؟.
|| لاشك أن حفظي لاجزاء من القرآن كان تدريباً للذاكرة على عملية الحفظ واللماحية منذ نعومة الاظفار وتعودت على عملية الاستيعاب وهذا بلاشك كان له أثره الواضح على الارتقاء بالاسلوب وقوة اللغة وزيادة المفردات التي يمكن أن يستخدمها الكاتب هذا كان في البداية ثم بعد ذلك بدأت رحلة البحث عن كل جديد وقديم في عالم الكتب والجرائد والمجلات رغم قلة وجودها في تلك الايام وهذا غرس في نفسي حب القراءة والاطلاع المستمر وبأي السبل سواء بالاقتناء بالشراء أو عن طريق الاستعارة من المكتبات في حال تعذر الشراء .. وفي وقت مبكر بدأت التعرف على مؤلفات رفاعة الطهطاوي والدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وزكي مبارك والمازني وسلامة موسى ومحمد التابعي والرافعي وجبران خليل جبران والاخطل وغيرهم من عمالقة الفكر هذا إلى جانب حرصي على قراءة كتب الأدب القديمة ودواوين الشعراء العمالقة مثل المتنبي وأبو تمام والشافعي وسيف الدولة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وغيرها من أمهات الكتب والمصادر القديمة.
أثر المشاركات وحضور الفعاليات
| من المعروف عنكم حرصكم على المشاركة في حضور الفعاليات والندوات الثقافية والفكرية وغيرها .. فهل كان لذلك اثره في اثراء معارفكم ايضاً .. وهل تنصحون الصحافيين الجدد على الحضور والمشاركة في مثل هذه الفعاليات؟.
|| نعم بكل تأكيد ولحسن الحظ ان مجتمعنا المكي العريق يتميز بوجود معظم العناصر الثقافية والادبية والفكرية وكانت مكة وستظل متميزة باقامة الندوات الثقافية والفكرية .. وخاصة في السابق ما كان يعقد في المدارس والمعاهد مثل الفلاح وتحضير البعثات والصولتية وفي جمعية الهلال الأحمر بالاضافة إلى المسامرات الادبية التي كان الادباء والمفكرون والمثقفون يقومون خلالها بالقاء المحاضرات المختلفة فكنت احرص على حضورها وعدم التخلف عن ذلك وكنت أعجب جداً بالمناقشات الفكرية والحوارات الادبية وبدون شك كان لذلك تأثيره المباشر وكنت أنهل من هؤلاء الاساتذة والعمالقة كما كنت احرص على متابعتهم من خلال كل ما كان ينشر عنهم أو لهم في الصحف والمجلات والكتب وكنت شديد الحرص على حفظها لدي في مكتبتي .
الأسلوب الواضح وغير المشوش
| يدعي بعض القراء بأن أسلوب الشيخ حامد مطاوع يتصف بشيء من التعقيد أو أنه عسير الهضم الفكري فما هو ردكم على ذلك؟
|| على العكس من ذلك تماماً فأسلوبي يستخدم العبارات القاطعة التي تحدد الموضوع ولا تقبل التأويل ولا استخدم اسلوب التلاعب بالالفاظ .. واقوم باشباع الفكرة شرحاً هذا إلى جانب أنه في بعض الاحيان التي يتطلب الأمر فيها مخاطبة المثقف أو المتخصص فلابد وأن يحتوي الاسلوب على مادة علمية ربما تكون معقدة احياناً ولا يفهمها أو يفك رموزها الا هذا المثقف أو ذاك المتخصص .. ولكن للحقيقة فأنا أميل إلى الأسلوب غير المشوش والواضح والزاخر بمفردات البيئة وبأبعاد فكرية واضحة ودلالات رمزية وايحاءات بديعة وبأسلوب مباشر في التعبير عن مضمون الموضوع بدلالات خصبة وليس بالاساليب الانفعالية أو الاندفاعية أو المبالغ فيها.
| مم تعاني الصحافة بشكل عام؟.
|| تعاني الصحافة في كثير من البلدان العربية إن لم يكن في كلها من دخول البعض إلى بلاطها وهم يحملون معهم قناعة كبيرة بأنهم اذا ما كتبوا مقالاً أو نشروا تحقيقاً فإنه سوف يسقط مسؤولاً كبيراً بسبب ما كتب أو نشر وهنا تكون كلمة صحافة مضللة لان الصحافة لم تكن يوماً أداة فتوة وقوة بل بمستوى الطرح وصفاء الهدف والتمسك بالحقيقة يكون النجاح من خلال هذه الأدوات .. وهناك اقلية من الانتهازيين والمحظوظين والمتسلطين قد وصلوا بهذه الاساليب الخاطئة وهذا ايضاً لا يعني ان هذا الوجه هو الوجه الحقيقي للصحافة في بلادنا كما يدعي البعض .
الإثارة ليست افتعالاً أو ضجيجاً
| كيف ترى الاثارة الصحافية من منظورك؟ وما هي اهدافها؟.
|| للاثارة الصحافية في منهجي فلسفة عميقة فهي تعني لدي تهيئة الذهن للمتابعة والاستيعاب وليس الهدف منها المبالغة والتشويش وافتعال الاحداث من أجل ايجاد الضجيج في الشارع العام واستفزاز المشاعر والاحاسيس لحجب الحقائق عنها وتركها تتخبط في شراك المبالغات والتهويل وعدم تعويد القارئ على التقصي والتحري والتحليل ولاشك انني أرفض الدخول إلى ساحة الاثارات الصحافية التي تؤدي إلى النتائج الوخيمة وبالتالي إلى تباعد المفاهيم واستنفار المشاعر ضد بعضها البعض لزراعة الكراهية بين افراد المجتمع .. والمقصود عندي بالإثارة الصحافية هو التحريك للحل والمعالجة الموضوعية وتنتهي مهمته عند هذه النقطة بل وعندها أظن ان الهدف من الكتابة قد تحقق .. وباختصار أرى ان هدف الاثارة هو إيقاظ الذهن وتحضيره للقراءة والمتابعة من أجل التوعية وليس للتسلية .. وهو ذات المنهج الذي كنت اتبعه لدى رئاستي لتحرير (الندوة) ويعرفه عني كل من كان يعمل معي فيها وكانوا جميعاً على اقتناع بجدواه الفكرية والثقافية ولذلك كانت (الندوة) في عهدي يطلق عليها القراء (القناة النظيفة).
سلم للقيم
| بمناسبة ذكر (الندوة) .. ما هو المنهج الذي كانت تسير عليه هذه الصحيفة العريقة والتي قال البعض عن علاقتكم بها أنكم جعلتموها سلماً من سلالم القيم؟.
|| كما قلت سابقاً .. كان يطلق على الندوة (القناة النظيفة) التي من خلالها يأخذ صوت المواطن طريقه إلى المسؤولين .. وكثيرة هي القضايا التي استطاعت فيها الندوة أن تشرح ما تقتضيه المصلحة بين المواطن والمسؤول لان الندوة في عهدي عندما كانت تطرح قضية ما فإنها كانت تطرح بجوارها الرأي الاصلاحي وعندما كنا نشير إلى مشكلة ما فاننا كنا نرفق بها الحل المقترح وكثيراً ما أخذ بهذه الحلول في اروقة صناعة القرار .. وكانت الندوة ايضاً في طريقة معالجتها للمشاكل والقضايا واقتراح الحلول كانت تستقطب جبهة عريضة من المفاهيم التي كان خط بيانها يسير من نقطة النخبة وإلى أصغر شريحة في الاستيعاب وكانت الندوة تتبع أسلوب اللهجة الدارجة لهدفين الأول أنها كانت تخاطب الاغلبية الكبرى من شرائح المجتمع والثاني الارتقاء بالدارجة إلى مستويات تضيق الفرق بين الدارجة والفصحى وكانت بذلك تقوم بمهمة شاقة تستحق عليها التقدير وكان ذلك ممثلاً في مقالاتي كالمراقب المتنقل .. كما كان الجهاز العامل في الندوة في عهدي يعمل بروح الفريق الواحد الذي يعرف فيه كل فرد صلاحياته ومسؤولياته باخاء وتعاون ولذلك كان انتاج الندوة بجهاز صغير ولكنه كان يؤدي أعمالاً كبيرة كما كنا نبتعد عن المهاترات التي كانت تنغمس في المثالب واثبتنا ان قيمة الصحافة في توظيفها لخدمة المجتمع ولهذا أقول دائماً أنه لابد على الصحافة ان تتجه إلى الناس في المقام الأول.
كسبنا الرهان
| وما هي المكاسب التي حققتها الندوة من منظوركم إبان رئاستكم لتحريرها؟.
|| لاشك ان الصحافة لا تبلغ قيمتها العليا إلا اذا كانت وتراً مشدوداً بين المجتمع والجريدة .. وهذا في الحقيقة يبعد الضمير الحاقد الذي يوظف الصحافة لخدماته الخاصة .. هذا من جانب .. ومن جانب آخر أرى ان الندوة استطاعت أن تنجح في تلك الحقبة في تحقيق ثقافة الصحافة التي تستطيع الوصول الى كل الناس وإلى همومهم وظلت على مدى أكثر من ربع قرن الجريدة التي تعبر عن كل أدوات الصحافة.
لقد كسبت الندوة الرهان في أن تكون جريدة حضارية مهمة في تحقيق طموحات الكتاب والقراء معاً.
حوار اجراه: علاء عبدالرحيم بالعدد التذكاري لجريدة الندوة .
0 تعليقات