سيول أم القرى 1 - 5 / مرزا: مكة قد تتعرض إلى سيل عارم خلال 10 سنوات

تنحصر منطقة الحرم المكي الشريف بين مجموعة من الأودية والشعاب التي تشكل طبوغرافية مكة المكرمة . وقد لعب وادي فاطمة من الشمال ووادي نعمان من الجنوب دورا كبيرا في تحديد حدود الحرم المكي الشريف بحيث لا تخترق أودية الحل الهضبة المرتفعة التي تمثل حدود الحرم فيما تنخفض منطقة الحرم بين هذه الأودية والشعاب والتي تمثلها أربعة أودية رئيسة تصرف مياه المنطقة وهي من الشمال إلى الجنوب أودية الزاهر وإبراهيم ومحسر واللاحجة

وفي هذا الصدد قال الدكتور معراج نواب مرزا أستاذ الجغرافيا بجامعة أم القرى : إن مكة المكرمة قد تتعرض خلال السنوات العشر المقبلة الى سيول بحجم السيل الكبير الذى وقع في عام 1388هـ . واوضح لـ (المدينة) ان رصف الطرقات بالإسفلت وتشييد المباني في بطون الاودية أدى إلى قلة النفاذية بل انعدامها مما يعني تحويل جميع كميات الأمطار إلى جريان سطحي بنسبة 100% وقال : إن ذلك لايؤدى الى زيادة هائلة في أحجام الجريان فقط بل وفي سرعته أيضا مشددا على اهمية مراعاة ذلك عند تصميم شبكات تصريف السيول لتتناسب مع الاتجاه الطبيعي للجريان السطحي ، وفيما يلى نص الحوار :

أشهر الأودية ومخاطرها
* ماهى أشهر الأودية في مكة وماهى أبرز ملامح الخطورة بها؟

ـ الحديث عن مكة المدينة ينقسم إلى قسمين منطقة الحرم وما حولها وخارج حدود الحرم وإذا نظرنا إلى منطقة الحرم فهي تنخفض بين مجموعة من الأودية والشعاب التي تعلوها هضبة بين حوضين كبيرين هما حوض وادي فاطمة من الشمال ووادي نعمان من الجنوب ولكن لوجود هذه الهضبة فإنها تمنع مياه هذين الواديين من الوصول إلى منطقة الحرم التي بها عدد من الأودية المختلفة الانحدار والطول أهمها وادي الزاهر وينشأ في مجراه الأعلى من مجموعة من الروافد القادمة من الجهة الشرقية والشمالية الشرقية للوادي تليها روافد أودية فخ والعشر ووادي جليل ويتجه وادي الزاهر في مجراه الرئيس من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي ويلتقي في مجراه الأوسط في مكة المكرمة مياه أحياء الزاهر والشهداء والنزهة والزهراء وأم الدرج وأم الجود ثم ينحرف إلى الغرب ويلتقي بوادي الشميسي الذي يصب بدوره في وادي فاطمة وبذلك تصل مساحة حوض الوادي إلى 147 كلم مربع وطول مجراه الرئيس 35 كم 0 ومن الأودية الكبيرة أيضا وادي إبراهيم وهو يخترق منطقة الحرم الشريف مصرّفًا بذلك أحياء الغسالة والخنساء والمعابدة ويمر بالحرم الشريف ليصل المسفلة والنكاسة وفيها يلتقي بوادي طوى حيث يتجه نحو الجنوب الشرقي ليلتقي برافدين مهمين وهما وادي حي الإسكان ووادي السلولي ويصب في وادي المنصورية والذي يصب بدوره في وادي عرنة وبذلك يكون طول وادي إبراهيم 127كلم مربع وطول مجراه الرئيس 33كم 0

اما وادي محسر فتتشكل المجاري العليا له من وادي المعيصم وجبل أحدب وجبل ثبير ويخترق مشعر مزدلفة ووادي منى وفي مجراه الأدنى يلتقي رافدان مهمان هما وادي المريخة والعوالي من الشرق وكدي من الغرب ليصب في وادي عرنة غرب الحسينية وبذلك تصل مساحة الوادي 67كلم مربع وطوله 13كلم وكذلك وادي اللاحجة ويصرف مياه جبال خندمة وجبل ثور والمسفلة وقوز النكاسة وجبل السرد وجبل بشيم إضافة إلى منطقة كدي وحي الهجرة وبطحاء قريش ويصب في وادي عرنة وبذلك تصل مساحة الوادي 54كلم مربع وطوله 13كلم للمجرى الرئيس 0

سيول الأودية
* ماذا عن الأمطار والسيول التي شهدتها هذه الأودية والشعاب؟

- تعتمد سجلات الأمطار في مكة المكرمة على ثلاث محطات أولها محطة الحرم المكي منذ عام 1980 والثانية محطتها الرئيسة في أم الجود منذ عام 1980 وقد أضيفت إليها أرصاد محطة جامعة أم القرى منذ العام 1985 وعلى الرغم من أن المتوسطات قد حسبت من جميع المحطات خلال الفترة السابقة إلا أن هناك تباينا كبيرا بين محطتي أم الجود وأم القرى رغم وقوعهما عند منسوب واحد تقريبا ويرجع هذا التباين إلى تأثير اتجاهات محاور الكتل الجبلية التي تنحدر منها الشعاب والأودية التي تمثل طبوغرافية مكة المكرمة ويمكن القول إن أمطار مكة المكرمة عموما تعكس ظروف المناخ الصحراوي الذي يتصف بالتباين الكبير في كميات سقوط الأمطار وكذلك توزيع التساقط سواء التوزيع السنوي أم الفصلي أم الشهري إضافة إلى تميزها بالفجائية والكثافة العالية التي تؤدي غالبا إلى حدوث فيضانات عارمة وكوارث بشرية 0

وتشير الأرصاد التي تمت لأكثر من 30 عاما مضت إلى أن متوسط الأمطار السنوي يزيد قليلا عن 100ملم إلا أن هذه الكمية لا تعتبر مؤشرا حقيقيا للأمطار في مكة المكرمة حيث ان بعض السنوات زادت فيها كميات الأمطار عن ذلك المعدل ففي عام 1969 وصلت كمية الأمطار الساقطة إلى 318,5ملم , وتشير بعض الدراسات التي تناولت السيول التاريخية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة إلى حدوث (11) سيلا بين عامي 17 وحتى 1394 هـ وربطت تلك الدراسات بين ارتفاع منسوب السيول حول الكعبة المشرفة وشدتها والمرتبطة بتساقط الأمطار في وادي إبراهيم ونجد السيول في ثلاثة مستويات حيث تكررت سيول الدرجة الأولى والأكثر ارتفاعا مرة كل 46 عاما بينما تكررت سيول الدرجة الثانية والأقل ارتفاعا مرة كل 33 عاما أما سيول الدرجة الثالثة فقد تكررت كل 13 عاما 0

تكرار السيل الكبير
* هل تشكل السيول خطورة على مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بفعل انحدار تلك الأودية ؟

- السيول العارمة تنشأ من الأمطار الفجائية التي تتسم بها المناطق الصحراوية وقد حدث آخر سيل من هذا الحجم في عام 1388هـ ومن الممكن تكرار مثل هذا السيل خلال السنوات العشر القادمة وهو ما قد يمثل خطورة على سكان مكة المكرمة ومرتاديها وهو ما أشارت له محطات الرصد المناخي في كل من أم الجود وجامعة أم القرى والتي أشارت إلى أن هناك بعض السنوات قفزت فيها الأمطار إلى ما فوق المعدل بكثير حتى تجاوزت 250 ملم وهذه تعود لمجموعة من العوامل كشدة السقوط واستمراريته ونوعية الصخور فعلى سبيل المثال فإن ما حدث من تساقط للأمطار يوم الأربعاء 4/11/1388هـ والتي بلغت كمية المياه فيه 240 ملم كان لاستمرارية الأمطار خلال (3) ساعات وهي تشبه في نتائجها الأمطار التي سقطت على وادي محسر في كل من منى ومزدلفة والعزيزية في يوم الأربعاء 27/1/1423هـ على الرغم من أنها لم تتجاوز 150 ملم إلا أنها قد تركزت خلال ساعتين ونصف وأدت إلى سيول عارمة

الطبيعة الجغرافية والسيول العارمة
* وهل للطبيعة الجغرافية لمكة وتشكيلاتها الجبلية دور في نشأة تلك السيول العارمة ؟

- تعد السمات التضاريسية والشكلية والخصائص الموفومترية للأودية هي الأساس الذي تتعامل معه سرعة الجريان السطحي ومن ثم الفيضانات العارمة التي تحدث في المناطق الجافة وشبه الجافة ومنها منطقة أودية الحرم ويصعب بصورة كمية الفصل بين دور أي من هذه العوامل المتحكمة في سرعة الجريان والفيضانات نظرا للتداخل الكبير فيما بينها وتعتبر مساحة أحواض الأودية عادة من المسلمات التي تشير إلى أنه كلما زادت مساحة الحوض زادت مساحة شريحة الأمطار الساقطة عليه وبالتالي كمياتها إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة جريانا سريعا وسيولا عارمة نظرا لأن العلاقة غالبا ما تكون عكسية بين ازدياد مساحة أحواض الأودية ومعدل انحدارها فكلما زادت مساحة الأحواض قل انحدارها ومن ثم قلل ذلك من سرعة التدفق والجريان أما ارتفاع الحوض ومعدل انحداره فهو ذو أهمية قصوى في نشأة السيول العارمة فارتفاع الحوض فوق منطقة المصب يلعب دورا مهما في معدل ازدياد الأمطار ومن ثم كميات المياه التي تساهم في الجريان إضافة إلى عوامل أخرى كانخفاض درجات الحرارة وقلة التبخر 0

البناء في بطون الأودية
* هل هناك إشارات لما سيكون عليه وضع السيول فيها مستقبلا ؟

- تبنى المدن قديما على ضفاف الأنهار نظرا لحاجتها إلى الماء إلا أن المدن القديمة قد شغلت مناطق مرتفعة على جانب النهر وغالبا ما تكون مدرجات نهرية وذلك خوفا من فيضان النهر ويبقى النهر الذي يتوسط المدينة القديمة هو أخفض نقطة فيها وهو يصرف مياه أمطار حوضية سواء في الحالات العادية أو أثناء الفيضان كما يصرف مياه الأمطار الساقطة على المدينة نفسها والصورة في مدينة مكة المكرمة لا تختلف كثيرا عن باقي المدن الواقعة على ضفاف الأنهار فقد بنيت على هوامش الشعاب عدا عن مجرى وادي إبراهيم ومن ثم كان الفيضان محصورا في المجرى الذي هو في نفس الوقت أخفض مناسيب المدينة المقدسة . ولم تكن الشوارع حتى مطلع القرن العشرين مرصوفة بالإسفلت ومن ثم فلم تغير المدينة من طبيعة الجريان السطحي لوادي إبراهيم كبقية الأحواض الطبيعية الأخرى أما في العصر الراهن فقد اختلف الجريان السطحي بشكل كلي فقد احتلت الشوارع المسفلتة مجاري أودية إبراهيم والزاهر وأجزاء من وادي محسر ومن ثم ألغيت المجاري التي نحتتها هذه الأودية أصلا وكأنه قد ألغي النهر الذي كانت تقام على أطرافه المدن .

كما رصفت مساحات شاسعة من مشعري مزدلفة ومنى في وادي محسر ورغم المعالجة القديمة التي هدفت لدرء أخطار السيول عن الحرم المكي والتي تمثلت ببناء سد العدل وتحويل أعالي وادي إبراهيم إلى حوض وادي الزاهر وبناء السدود على وادي الزاهر وآخرها تشييد شبكة من مجاري تصريف السيول شملت مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة إلا أن التوسع العمراني وتغطية مساحات متزايدة من أراضي أو مجاري الأودية قد أدى وما يزال إلى المزيد من السيول العارمة والكارثية أحيانا وأدى رصف الطرقات بالإسفلت وتشييد المباني إلى قلة النفاذية بل انعدامها مما يعني تحويل جميع كميات الأمطار إلى جريان سطحي بنسبة 100% وهو ما يؤدي ليس إلى زيادة هائلة في أحجام الجريان فقط بل وفي سرعته أيضا ومن ثم يقل كثيرا زمن الاستجابة للأحواض التي تكون غالبا تستغرق ضعف زمن الاستجابة للأحواض النهرية الطبيعية وهذا ما يجب مراعاته عند تصميم شبكات تصريف السيول لتتناسب مع الاتجاه الطبيعي للجريان السطحي حسب نظام الحوض المائي .

مطاوع: مجرى خاص للسيول ومنع البناء عليه
دعا الكاتب حامد مطاوع الى انشاء مجرى خاص بالسيول ومنع البناء عليه في ظل ارتفاع تكلفة تشييد شبكة للتصريف . واضاف : تتشكل الطبيعة الجغرافية لمكة المكرمة من سلسلة من الجبال التي تحتضن عددا من الأودية والشعاب شديدة الانحدار والجريان وقد شهدت العديد من السيول العارمة كان آخرها سيل الأربعاء الكبير الذي كان منقولا من خارج مكة المكرمة وأحدث أضرارا بالغة ووصل إلى المسجد الحرام وبعده تم إنشاء سد العدل لحماية الحرم الشريف ومن ثم شهدت مكة المكرمة العديد من السيول الأقل من سيل الأربعاء ولم تصل المسجد الحرام أنشئت بعدها شبكة التصريف الحالية ورأى ان الحل الامثل يكون بإنشاء مجرى خاص بالسيل يمنع البناء عليه ليكون خاصا بتصريف السيول إلى خارج المدينة لأن الشبكة تكلف ماليا الشيء الكثير وجدواها لا تصل إلى الجدوى التي يحققها إنشاء المجرى . واضاف ان بعض الشبكات تغلق بمجرد نزول أول قطرة ماء .

د الحارثي: إعادة النظر في المخططات الجديدة
يقول الدكتور عدنان الحارثي الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة أم القرى أن الاستمرار في عمليات البناء في بطن الوادي تحتاج إلى إعادة نظر مؤكدا اهمية أن تكون شبكات الصرف على قدر عال من التصميم الذي يراعي مساحة الوادي وكميات المياه التي تجري منه وكذلك انحداره الشديد . واضاف نحن مقبلون على تغيرات مناخية لا نعلم مداها على وجه التحديد وقد يترتب عنها زيادة كميات الأمطار التي تهطل على مكة المكرمة وضواحيها . ودعا الى اعادة النظر في المخططات الجديدة المحيطة بمكة المكرمة لاحتمالية وقوعها في مجاري الأودية سواء رئيسة أو روافد مما قد يؤثر على وضعها المستقبلي 0ويعد وادي إبراهيم الممتد من الناحية الشرقية والشمالية الشرقية إلى الجنوب الغربي وانحداره الشديد بين مجموعة من الجبال المكون الرئيس للسيول التي تشهدها مكة المكرمة ولمرور الوادي من منطقة الحرم الشريف فقد اقيم أول سد له في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتتالت عملية تصريفه خلال العصور الإسلامية إلى يومنا هذا حفاظا على الحرم .

المؤرخ البلادي: منسوب المياه وصل باب الكعبة في سيل الجحاف
يقول المؤرخ عاتق بن غيث البلادي : إن السيول العارمة التي شهدتها مكة المكرمة كانت جميعها يوم الأربعاء ومنها سيل ( الجحاف ) الذي امتدت أضراره إلى المسجد الحرام ووصل منسوب المياه إلى باب الكعبة المشرفة وبعده العديد من السيول العارمة التي شهدتها أودية مكة المكرمة كوادي إبراهيم الذي يمر من منطقة الحرم الشريف وقد عمل له سد في العدل لتعديل مجرى السيل حماية للحرم الشريف وكذلك وادي طوى.

واوضح ان هذين الواديين تصل سيولهما إلى منطقة الحرم فيما مياه وادي عرنة جنوب مكة ووادي ياج شمال مكة تتجه إلى مصابها في الحل خارج منطقة الحرم.

المصدر : جريدة المدينة 26/12/1430هـ