مدرسة المطوفين .. لمحات من تاريخ التعليم بالبلد الأمين

اهتمّت المملكة العربية السعودية منذ سنوات تأسيسها الأولى بالتعليم الديني ونشره بين أفراد الشعب خاصة في بلاد الحرمين الشريفين ، حيث حرص الملك عبد العزيز منذ اللحظات الأولى لدخوله مكة المكرمة إلى عقد الاجتماعات بعلمائها ومناقشة مسيرة التعليم والدروس بالحرم المكي الشريف ، ونتج عن ذلك عدة أنظمة تعليمية مهمة صدرت في شهور متلاحقة ، وضحت المسيرة ورسّخت لمبادئ مهمة في تطوير التعليم ونهضته .
 
فبعد أن أقرّ النظام العام للتدريس بالمسجد الحرام عام 1345هـ ، والبدء في تنظيم الدروس بالحرم المكي الشريف ووضع الترتيبات النهائية للنظام عام 1347هـ ، بزغت فكرة التعليم المهني الموجّه بإنشاء "مدرسة المطوفين" في 23 محرم 1347هـ حينما أرسل الملك عبد العزيز إلى نائبه في مكة الأمير فيصل بن عبد العزيز يأمر بإنشاء مدرسة للمطوفين وأبنائهم للرفع من مستواهم المعرفي والسلوكي ؛ ليكتمل للحرم المكي الشريف جانباه العلمي والتعبدي من حيث التنظيم .
 
النظام العام لمدرسة المطوفين :
وقد احتوى نظام المدرسة على أربع مواد هي :
1. تؤسس في مكة مدرسة للمطوفين يتلقى فيها المطوفون ونوابهم ما يأتي : علم التوحيد ، القسم الخاص بالعبادات ، القسم الخاص بالمناسك وأدائها حسب ما دوّنه علماء السلف والأئمة الأربعة (رضوان الله عليهم) ، ما يجب على المطوفين لحجاج بيت الحرام من حسن الوفادة وتسهيل وسائل الراحة ، الأنظمة الإدارية الموضوعة للحجاج .
2. مدة الدراسة : سنة واحدة ، ويجري الفحص في نهاية السنة الدراسية ، وتعطى الشهادات للناجحين .
3. اعتباراً من سنة 1348هـ لا يجوز لغير حاملي شهادة المدرسة المذكورة الاشتغال بمهنة التطويف .
4. على نائب الملك في مكة تنفيذ هذه الأوامر .
 
ويلحظ من خلال المواد السابقة التخطيط التربوي الشمولي الذي انتهجه الملك عبد العزيز في هذا القرار التعليمي الجديد ، حيث : تحديد الأهداف ، والمقررات الدراسية ، والمكان والزمان ، والتقويم النهائي (الاختبار) ، وتحديد الجهة المسئولة عن تنفيذ ومتابعة هذا النظام .. وقد حدّد نائب الملك بمكة الأمير فيصل بن عبد العزيز مديرية المعارف الجهة المسئولة للإشراف على هذه المدرسة .
 
هيئة التدريس بمدرسة المطوفين :
ولم يغفل الملك عبد العزيز "المعلم" الركن المهم في هذه العملية التعليمية ، حيث تم تشكيل هيئة التدريس والمراقبة في الحرم المكي الشريف الخاصة بمدرسة المطوفين ، وهم :
1. الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ( المتوفى عام 1392هـ ) .
2. الشيخ محمد بهجت البيطار ( المتوفى عام 1396هـ ) .
3. الشيخ محمد تقي الدين الهلالي ( المتوفى عام 1407هـ ) .
4. الشيخ سليمان أباظه الأزهري ( المتوفى عام ؟؟؟؟ هـ ) .
5. الشيخ عبيد الله السندي ( المتوفى عام 1363هـ ) .
6. الشيخ عمر حمدان المحرسي ( المتوفى عام 1368هـ ) .
7. الشيخ عبد الحليم السلفي ( المتوفى عام ؟؟؟؟ هـ ) .
8. الشيخ عباس صدقة عبد الجبار ( المتوفى عام 1388هـ ) .
9. الشيخ محمد المدني ( المتوفى عام 1378هـ ) .
10. الشيخ إبراهيم الشنقيطي ( المتوفى عام ؟؟؟؟ هـ ) .
11. الشيخ جمال محمد المالكي ( المتوفى عام 1349هـ ) .
12. الشيخ عبد الظاهر أبو السمح ( المتوفى عام 1370هـ ) .
13. الشيخ محمد حامد الفقي ( المتوفى عام 1378هـ ) .
14. الشيخ سليمان عبد الرحمن الحمدان ( المتوفى عام 1397هـ ) .
15. الشيخ محمد نور كتبي ( المتوفى عام 1402هـ ) .
16. الشيخ جنان محمد طيب ( المتوفى عام 1365هـ ) .
17. الشيخ محمد سياد ( المتوفى عام ؟؟؟؟ هـ ) .
 
وتمّ تعيين الشيخ عبد الرحمن مظهر ، والشيخ محمد بن راشد مراقبين على التدريس في هذه المدرسة ، إضافة إلى كل من المشايخ المدرسين : عبد الظاهر أبو السمح ، محمد حامد الفقي ، سليمان عبد الرحمن الحمدان ، محمد نور كتبي ، جنان محمد طيب ، محمد سياد .
 
ويبدو أن مديرية المعارف رغبت في تدعيم فكرة المدرسة التي ربما واجهت مقاومة من فئة المطوفين ، فطعّمت فئة التدريس بمجموعة أخرى من كبار علماء المسجد الحرام ، وهم :
1. الشيخ أحمد عبد الله ناضرين ( المتوفى عام 1370هـ ) .
2. الشيخ محمد علي المالكي ( المتوفى عام 1367هـ ) .
3. الشيخ عباس عبد العزيز المالكي ( المتوفى عام 1353هـ ) .
4. الشيخ محمد يحيى أمان ( المتوفى عام 1387هـ ) .
5. الشيخ عبد الستار الدهلوي ( المتوفى عام 1355هـ ) .
6. الشيخ عيسى محمد رواس ( المتوفى عام 1365هـ ) .
7. الشيخ حسن سعيد يماني ( المتوفى عام 1391هـ ) .
8. الشيخ عبد الرحمن أبو حجر ( المتوفى عام 1358هـ ) .
9. الشيخ حسين محمد سعيد عبد الغني ( المتوفى عام 1366هـ ) .
10. الشيخ محمد نور فطاني ( المتوفى عام 1363هـ ) .
11. الشيخ محمد فطاني ( المتوفى عام ؟؟؟؟ هـ ) .
12. الشيخ أبو بكر سالم البار ( المتوفى عام 1384هـ ) .
13. الشيخ محمد العربي التباني ( المتوفى عام 1390هـ ) .
 
وبذلك يصبح مجموع المشايخ الذين رشحوا للتدريس بمدرسة المطوفين 30 مدرساً ، لم يباشر منهم التدريس في هذه المدرسة سوى 15 مدرساً ، حيث استقال بعض المشايخ واعتذر بعضهم ، كما يلحظ على مدرسي هذه المدرسة أنهم من كبار أعلام علماء المسجد الحرام من أصحاب حلقات الدروس فيه ، وأنهم يمثلون المذاهب الفقهية الأربعة ، رحمهم الله جميعاً رحمة الأبرار .
 
المنهج والجدول الدراسي :
وقد توزّعت مقررات الدراسة ( الفقه ، التوحيد ، المناسك ، الأخلاق ) على أيام الأسبوع صباحاً ومساءً ، ما عدا يوم الجمعة ، وقد خصص مساء الخميس لدرس في الإدارة يلقيه شيخ طائفة الجاويين ( وكان الشيخ محمد نور فطاني ) وشيخ المطوفين ، ودرس الإدارة الأخير هذا أشبه بفنون التعامل التي ركّزت على حسن الوفادة وتسهيل وسائل الراحة للحجاج ؛ وهي نقطة عملية مهمة في التعليم المهني التطبيقي .
 

هذا وكان لكل مادة دراسية ثلاث ساعات أسبوعياً ، ما عدا مادة الأخلاق ساعتان أسبوعياً ، كما هو موضح في الجدول التالي :

مكان وزمان الدراسة :
ومقرّ هذه المدرسة بالمسجد الحرام ، وكانت الدروس في صورة حلقات كبقية دروس العلماء بالحرم المكي الشريف في الحصوات أو الأروقة ، وقد بدأت الدراسة بتاريخ 7 ربيع الأول 1347هـ .

ميزانية المدرسة :
وقد كانت تصرف من مديرية المعارف ، وحينما تواجه المديرية عجزاً في الصرف تطلب صرف رواتب المدرسين من قسم الوعظ والإرشاد ، وقد كانت رواتب المدرسين تتراوح بين جنيهين وعشرين جنيهاً إنجليزياً في الشهر حسب مدى تفرّغهم للتدريس ، حيث هناك من المدرسين أصحاب وظائف في الحكومة ، وهناك المتفرّغين للتدريس فقط ، كما هو موضح في الجدول التالي :

وقد واجهت فكرة هذه المدرسة مقاومة من قبل بعض المطوّفين الذين لم يستسيغوا فكرة الدراسة والاختبار والحصول على إذن بممارسة المهنة بناءً على نتيجة ذلك الاختبار ؛ لذلك فقد استعان مدير المعارف الأستاذ حافظ وهبه ( مستشار الملك عبد العزيز ) في مكاتبته ( عدد : 188 ) وتاريخ 7 صفر 1348هـ بسمو النائب العام الأمير فيصل بن عبد العزيز في أن يستجيب شيوخ المطوفين ونوّابهم لنظام المدرسة الجديد وما يتطلبه ، لذلك لم تستمر هذه المدرسة إلا سنة واحدة ثم توقّفت ! وربما يرجع السبب في ذلك لظهور أنظمة جديدة لتنظيم الطوافة ، وانتشار التعليم من خلال افتتاح المدارس والمعاهد العلمية الأخرى ، والله أعلم .

وختاماً يمكن استظهار مدى عناية الملك عبد العزيز ( رحمه الله ) بالطوافة والمطوفين ، وإدراكه لأهمية الدور الذي يقوم به المطوفون في توجيه الناس وإرشادهم ، لكونهم واجهة البلاد أمام ضيوف البلد الحرام من شتى أنحاء العالم ؛ لذلك كان ذلك الحرص على تزويدهم بكل العلوم والمعارف التي تؤهلهم لحمل مسئولية خدمة ضيوف الرحمن ، وتبقى فكرة تلك المدرسة - بعد مضي أكثر من ثمانين عاماً عليها – صفحة مشرقة من تاريخ التعليم بالبلد الأمين ، قابلةً للإعادة والتطوير والتنفيذ .

قائمة المصادر والمراجع :
1) حسن مصطفى الجوادي ، وأحمد عزت صالح ، تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية ، ط1 ( دار الأصفهاني ، جدة ، 1406هـ ) ، ج1 .
2) عبد الله عبد المجيد بغدادي ، الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية ، ط1 ( دار الشروق ، جدة ، 1402هـ ) .
3) منى قائد القحطاني ، التنظيمات الداخلية في مكة المكرمة بعد دخول الملك عبد العزيز ( دارة الملك عبد العزيز ، الرياض ، 1427هـ ) .
4) عبد الرحمن صالح عبد الله ، تاريخ التعليم في مكة المكرمة ، ط1 ( دار الشروق ، جدة ، 1403هـ ) .
5) فؤاد عبد الحميد عنقاوي ، مكة الحج والطوافة ، ط1 ( المؤلف ، مكة المكرمة ، 1415هـ ) .
6) حسن محمد شعيب ، الدور التربوي لحلقات العلم بالمسجد الحرام في عهد الملك عبد العزيز ، رسالة ماجستير غير منشورة ( جامعة أم القرى ، كلية التربية ، قسم التربية الإسلامية والمقارنة ، مكة المكرمة ، 1428-1429هـ ) .
7) جريدة أم القرى ، 3 صفر ، 1347هـ ، العدد : 187 ، السنة : 4 .
8) جريدة أم القرى ، 12 صفر ، 1348هـ ، العدد : 238 ، السنة : 5 .
9) مجلة الفيصل ، 1405هـ ، العدد : 102 .
10) مجلة الجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة ، العدد : 110 ، المجلد : 28 ، السنة : 1999-1998م
11) موقع قبلة الدنيا مكة المكرمة ، موقع الكتروني على الإنترنت ( مكة المكرمة ، www.makkawi.com ) .


المصدر : مجلة "الأهلة" - عدد : 13 - شعبان 1430هـ - مقال للأستاذ حسن محمد شعيب .