مدينة الملك عبد الله .. قلعة طبية تسابق الزمن لخدمة الحجيج

 

ما بين الحلم والواقع «إرادة وإدارة» تجعل من المستحيل سهلا وتحيل الخيال واقعا ملموسا. هكذا ظل نهج قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نبراسا لكل معاني العطاء في شتى المجالات الدينية والإنسانية والصحية، خصوصا إذا تعلق الأمر بخدمة ضيوف الرحمن وتوفير سبل الراحة لهم لأداء النسك في يسر وإطمئنان. وجاء المشروع الحلم الذي يخدم تلك القلوب المؤمنة الموحدة «مدينة الملك عبد الله الطبية» كأضخم الصروح الطبية في مملكة الإنسانية، وحمل اسم القائد خادم الحرمين الشريفين. كان المشروع حلما يراود الجميع قبل بضع سنوات لكنه بات واقعا حيا يشاهده الجميع الآن. وتمتد خدماته الطبية لتشمل المواطنين والحجاج، ليكون شاهدا تاريخيا جديدا يضاف إلى رصيد المنجزات الحضارية في عهد خادم الحرمين الشريفين، ويعكس مدى الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة الرشيدة لخدمة ضيوف الرحمن في مكة المكرمة.

ويجسد المشروع المعاني السامية التي أطلقها ولاة الأمر للاهتمام بضيوف الرحمن، ولأن المشروع يستهدف «أعز الضيوف» حجاج بيت الله الحرام، والمكان يقع في أطهر البقاع على الإطلاق «مكة المكرمة» كانت تلك القلعة الطبية الحضارية «مدينة الملك عبد الله الطبية» مجيرة باسم ملك الإنسانية الذي امتدت بصمات خدماته الصحية أصقاع العالم، لتتوج خلال أسابيع قليلة بهذا المنجز الطبي الفريد الذي سيكون مرآة حقيقيه لمدى الرعاية المقدمة لوفود الرحمن.

في أقصى الحدود الجغرافية لحي العزيزية في مكة المكرمة تعمل سواعد الرجال على مدار الساعة لوضع اللمسات النهائية على مشروع مدينة الملك عبد الله الطبية، على مساحة تجاوزت ثلاثة أرباع المليون متر مربع حيث ستنبثق منها رؤية طبية حديثة قائمة على التأهيل والكفاءة والجودة تقدم خدمة طبية تنافس بها نظيراتها في الشرق الأوسط.

وفي حديقة «الحسينية» الملاصقة لهذه المدينة الطبية يجلس عشرات المواطنين يوميا في حالة رصد وترقب للحركة العملية في تلك المدينة، قلوبهم متلهفة لشارة البدء التي شرعت في سباق محموم مع عقارب الساعة فلم يبقى من العمر الزمني لولادة المشروع الضخم سوى أسابيع معدودة.

«عكاظ» جالت في المدينة الطبية الضخمة، الواقعة على شارعين رئيسيين، طريق العوالي الحرم والطريق الدائري الثاني، حيث تطل عليهما من خلال بوابتين رئيسيتين ويحيط بتلك المدينة سور عظيم. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا ولكنها كانت ذروة العمل. تتعالى أصوات المختصين والعاملين بين كوادر طبية باشرت عملها في الإعداد المبكر وفنيين يعملون على تركيب لوحات إرشادية في كافة جوانب تلك المدينة. السمة الأبرز هناك العمل، فقد تحولت المدينة إلى خلية نحل لا تعرف الهدوء.

المشروع العملاق يضم عشرة مراكز طبية وعلاجية وبحثية متخصصة منها مركز للأورام وعلاجها، ومراكز للجراحات الطبية النادرة وغيرها من التخصصات المختلفة، وتم ضم مستشفى النور التخصصي ليكون جزءا منها سعيا لتكامل الخدمات، فالمسافة بين المستشفى والمدينة لا تتجاوز 1000 متر وهما مرتبطان بطريق يسهل الحركة الترددية، وتعتبر خطوة ضم مستشفى النور التخصصي للمدينة الطبية استراتيجية وتسهم في رفع العدد الإجمالي لأسرة المدينة إلى 1500 سرير، الأمر الذي يجعل وزارة الصحة تتطلع إلى أن تصبح مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز قلعة للطب الحديث في العاصمة المقدسة، ومثالا يحتذى به للتميز وتقديم الخدمات الطبية العالمية جذبا للسياحة العلاجية ونشر ثقافة الجودة الشاملة في المجتمع.

وتضم المدينة الطبية بين جنباتها المستشفى التخصصي بسعة 500 سرير ومستشفى النساء والولادة والأطفال بسعة 300 سرير، إضافة إلى عدد من المرافق الصحية الأخرى ومبنى لمديرية الشؤون الصحية وهذا ما يجعل تلك المدينة نبراسا طبيا سيشع نوره في كافة الإرجاء.

حينها فضلنا أن نتجول داخل المدينة لرصد صور عاملين كثر قضوا ساعات طويلة في تنفيذ المهام الموكلة إليهم، واستقبلنا المدخل الرئيسي الذي قارب على الانتهاء ولم يتبق سوى ربط الأرصفة بالشوارع المؤدية إلى المدينة.

استغرقت جولة «عكاظ» نحو 30 دقيقة، بدأت حيث يقع المستشفى التخصصي ببواباته الفضية الخمس. البوابة الرئيسية المقابلة للمدخل الرئيسي للمدينة، وفي اليسار يقع أحد أهم مراكز الكلى، في محاذاته بوابة العيادات الخارجية، وفي الجهة الشمالية تقع بوابتان الأولى خصصت لمدخل الطوارئ والأخرى خصصت لمدخل العيادات الخارجية للجراحة، ويقع على يمين المستشفى مهبط للطائرات ومواقف تتسع لآلاف السيارات، وفي الجهة الشرقية يقع مبنى مديرية الشؤون الصحية الذي صمم بدقة متناهية حيث التوزيع المبني على أسس تؤكد بأن صحة المريض أولى الأولويات، فعطفا على موقع مدينة الطب في مكة الذي يقع على بعد أمتار من المشاعر المقدسة، والملاصق لمبنى جمعية الهلال الأحمر السعودي، دفة العمل تسير وفقا لمخطط شامل للمدينة، اقتصر في مرحلته الأولى على الأسس التي ستنشأ عليها المدينة الطبية، وهناك مساحات كبيرة لمشاريع قادمة ستنفذ في مراحل ثلاث وفق جدول زمني محدد، فما رصدته جولة «عكاظ» في المدينة الطبية يدفع للتفاؤل، الكل يسابق الزمن سواء من العاملين في المشروع أو أولئك العاملين الدائمين في المدينة الطبية الذين باشروا المهام المناطة بهم في خدمة المرضى من خلال ترتيب لوازم العمل وتركيب الأجهزة الطبية والإشراف على ما يتعلق بمهامه الخدمية، في حين بدا واضحا على العاملين في تنفيذ مشاريع المباني والمرافق أنهم في سباق مع عقارب الساعة التي لا تتوقف دون كلل أو ملل، لعلمهم أن ضيوف بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة من القادمين لأداء فريضة الحج هذا العام سيستفيدون من الخدمات الطبية التي تقدمها المدينة .


وزارة الصحة وضعت أسسا لبدء مشروع المدينة الطبية فور بدأ العمل في تنفيذ مراحلها طبقا لثلاثة محاور رئيسية، أبرزها أن لا يتم تطبيق أية فكرة في هذه المدينة إلا بعد أن تدرس دراسة وافية وفق استراتيجية شاملة دامت نحو عام ونصف العام وعقدت خلالها ورش عمل مع كل المتخصصين في المجال الطبي من داخل العاصمة المقدسة ومن خارجها، والمحور الثاني تطوير الخدمات الطبية لعلاج أمراض القلب وجراحته عن طريق إنشاء مركز متخصص في حرم المدينة، والمحور الثالث أمراض المخ والأعصاب والعظام والأمراض النادرة ووضع تصور للأبحاث على مستوى الخدمة الطبية وأيضا أبحاث طبية في المجال الطبي، لتكون المدينة منارة للبحث العلمي المتخصص في المجال الطبي، وبالتأكيد فإن هذه المحاور التي ستنطلق منها المدينة.

المصدر - جريدة عكاظ 2/11/1430هـ