مسجد التنعيم في مكة.. شاهد على التاريخ الإسلامي
مسجد التنعيم هو الموضع الذي قيل ان عائشه رضي الله عنها احرمت منه فبنى مكانه مسجدا، والمسجد خارج حدود الحرم بأقل من كيلو متر واحد، وهو على طريق المدينة المنورة.
ففي حديث عن عبدالرحمن بن ابي بكر رضي الله تعالى عنهما انه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أردف عائشه رضي الله تعالى عنها فأعمرها من التنعيم وذلك في حجة الوداع. وفي حديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها انها قالت: يا رسول الله، ايرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن ابى بكر أن ينطلق بها، وهما حينئذ بالمحصب الى التنعيم. ثم اهلت بعمرة، ثم اقبلت حتى انتهت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة.
النعيم والناعم
وسمى الموقع بالتنعيم لان الجبل المشرف على عمرة التنعيم من الجنوب الغربي يدعى نعيم والجبل المقابل له من الشمال الشرقي يسمى ناعم ولم يعد هذين الاسمين معروفين الآن، واشتهر باسمه المركب التنعيم، ويسمى شقه المشرف على حي الشهداء “جبل الشهيد” نسبة إلى امير مكة حينئذ حسين بن محمد بن عبدالمعين بن عون والذي اغتيل في جدة سنة 1297هـ وقصره لا زال معروفا في سفحه الشرقي.
وقد مر المسجد بمراحل عديدة في بنائه قبل أن يستقر على عمارته المميزة الحالية، فقد بناه عبدالله بن محمد بن داود أبو العباس أمير مكة زمن الخليفة المتوكل بعد العام 240هـ، ثم انهدم، ويذكر النهرواني صاحب الاعلام وهو من مؤرخي مكة في القرن العاشر الهجري انه قد تهدم وانهارت جدرانه، وكان المعتمرون في زمنه لا يصلون اليه بل يحرمون بعد ان يخرجوا عن اعلام الحرم بقليل، ولم يتركه الناس إلا لخرابه، واجتهد بعض الناس عبر السنين في بنائه بأحجار مرصوصة، لكنها سرعان ما تنهار.
توفير المياه
وقريب من هذا الموضع صهريج (خزان) ماء، يمتلئ بمياه الامطار ليغتسل ويتوضأ منه المعتمرون. ويقال انه لما حج الوزير سنان باشا الوالى العثماني على اليمن سنة 978هـ اعتمر من التنعيم فوجد الصهريج فارغا لقلة الأمطار، ورأى مشقة المعتمرين وهم يحملون الماء للوضوء معهم من مواضع بعيدة، وكانت هناك بئر معطلة قد طمرتها السيول ودفنت بالتراب فكلف ناظر المسجد الحرام حينئذ ان يتولى الاشراف على نقل هذه البئر وإقامة مجرى يجري فيه الماء الى الصهريج، وعين خادما لجذب الماء من البئر في كل وقت ليسكبه في هذا المجرى.
خبيب بن عدي
ومن وراء هذا المسجد نحو مئات الأمتار الى جهة الجبل الواقع في الحل موضع صلب الصحابي الجليل خبيب بن عدي الأوسي الانصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي من السابقين الى الاسلام، أسره المشركون وارادوا قتله اقتصاصا لمقتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر فخرجوا به الى خارج الحرم وكان التنعيم اقرب نقطة الى خارج حدود الحرم، فلما ارادوا قتله طلب منهم ان يصلي ركعتين فتركوه يصلي، ثم قال والله لولا ان تحسبوا أن بي جزع من الموت لزدت، ثم دعا: اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم احدا. ثم قال شعرا: فلست أبالي حين أقتل مسلما.. على أي جنب كان في الله مصرعي.
فقتل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفي رواية الجعفر بن عمرو بن امية الضمري أن أباه حدثه فقال: جئت إلى خشبة خبيب بالتنعيم فرقيت فيها، وأنا اتخوف العيون، فأطلقته، فوقع على الارض ثم التفتت فكأنما ابتلعته الارض، فما ذكر لخبيب بعدٌ رمة.
المصدر/ جريدة المدينة 14/10/1430هـ - حامد القرشي .
0 تعليقات