«فتح مكة» درس عظيم في السياسة وفنون الحرب وتجهيزات المعارك

إنني ممن ينظرون إلى فتح مكة على أنه درس عظيم في الأخلاق وفي السياسة وفي التخطيط وفي القدرة على التحرك بسرية تامة، والاستفادة من كل الإمكانات المتوفرة حتى الحرب الإعلامية والنفسية وسبحان من حول الصلح إلى فتح وجعله فتحاً مبيناً ففي هذا اليوم نتذكر ونذكر أولادنا بقصة هذا الفتح الكبير والنصر الإلهي في إطار تذكيرهم بأيام الله الخالدة، ولقد كان فتح مكة درسا عظيما في السياسة وفي فنون الحرب وتجهيزات المعارك والاستخدام الأمثل للقوة الإعلامية ودرسا عاليا في الخلق الكريم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عزم على فتح مكة بعد نقض كفارها للعهد نلاحظ أنه عزم على التحرك في وقت مناسب من خلال الاستفادة من ثغرة إخلال الأعداء بعهودهم ونقضهم لمواثيقهم وقد أدى ذلك إلى وقوف آلاف الرجال من القبائل المسلمة معه فقد كانوا على قناعة تامة بأن تحرك النبي صلى الله عليه وسلم هو تحرك حق وعدل ورد للمظالم, وفيه قبل كل هذا وذاك طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعته.

ولقد كانت الخطوة التالية هي الاستعداد لهذا اللقاء مع العدو الذي استحق القتال فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالترتيب لهذه الغزوة ولكنه صلى الله عليه وسلم أحاطها بسرية تامة فجاءت هذه الترتيبات لتعلم الأمة أن على القائد عندما يعزم على أمر مهم أن يحيطه بالسرية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخفى التحرك وجعل الأمر داخل المدينة المنورة.

ولهذا فمن ينظر إلى هذه السرية التي أحاط بها الرسول صلى الله عليه وسلم تحركه يحس بأنها من العوامل التي ساعدت على سير النتائج لصالح جيش المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تلك السرية أربكت دولة الظلم في مكة وفاجأتهم فلم يعرفوا الوقت ولا متى يكون التحرك وكل الذين يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرفوا إلى أين المسير، فقد أخفى صلى الله عليه وسلم كل ذلك عمن حوله ما عدا نفرا من الصحابة الذين أوكل إليهم مهمات أساسية.
ثم نرى الخطة التالية أنه صلى الله عليه وسلم عندما تحرك وضع أفراد الجيش في قمة الاستعداد وبأشد أنواع الأسلحة والدروع والخيول الذلول ثم سار يستعين بالله ويسأله النصر والفوز.

رسالة لأهالي مكة
وعندما ندقق في نقاط أخرى نلاحظ كيف تعامل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في غمار هذا الاستعداد للمعركة مع رجل صحابي أخطأ وبعث رسالة لأهالي مكة الذين كانوا يتشوقون لسماع أي خبر عن جيش المسلمين وعدده وعدته عندما قام حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بكتابة كتاب إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله من الأمر في السير إليهم.

فدعا رسول الله حاطبا، فقال: «يا حاطب ما حملك على هذا؟». فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت، ولكنني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وإن لي بين أظهرهم ولدا وأهلا، فصانعتهم عليهم.

فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق. فقال رسول الله : «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

وأنزل الله في حاطب: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة... }. هكذا أورد ابن إسحاق هذه القصة مرسلة. ثم أعطاه امرأة زُعم أنها من مزينة، وأن اسمها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به.

وأتى رسول الله الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: «أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم».

فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا فيه شيئا.فقال لها علي: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه.

خلق القائد
هنا تجلى ذلك الخلق لهذا القائد النبي الكريم الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم فلم يسمح لسيدنا عمر أن يفتك بحاطب أو بأن يُقتل أو يُصلب أو حتى يُجلد على فعلته وإنما غمره بالرحمة وقدّر السبب الذى دفعه إلى ذلك وحفظ له شرف مشاركته في بدر رغم غضب الصحابة رضوان الله عليهم من فعلته.

هذا الموقف يعلم الأمة وقادة لمسلمين إلى يوم القيامة كيف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خطأ هذا الصحابي والأسس التي بنى عليها قراره لتكون درسا عبر التاريخ يتعلم منه القادة كيف يتعاملون مع جنودهم المخطئين.

ونأتي إلى درس مهم آخر في هذا الفتح وهو انه عندما قدم صلى الله عليه وسلم واقترب من مكة المكرمة عمد إلى استخدام الحرب الإعلامية فقال العباس إنه أحضر أبا سفيان الذي قدم ليعرف ما الذي يحدث فأوقفه في مكان عالٍ وجعله يرى كل تلك الجحافل والآلاف من الصحابة يمرون ولا يرى إلا عيونهم من فتحات الدروع التي كانوا يلبسونها.

ثم في المساء استخدم نمطا آخر من أنماط الحرب الإعلامية عندما جعله يرى كل تلك النيران وقد أُشعلت في كل مكان بين أفراد الجيش ليأكلوا ويتقوا بها برد المكان وهذا ما أفزع أبا سفيان فعاد إلى مكة واصبح صوتا إعلاميا هزم نفوس المعاندين في مكة فدخل وصرخ بأعلى صوته:
«يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية، فأخذت بشاربه وقالت كلاما: معناه اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه، قبح من طليعة قوم».

وفي رواية أنها أخذت بلحيته ونادت: يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟
فقال لها: ويحك اسكتي وادخلي بيتك. وقال: ويحكم، لا تغرّنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن،
قالوا قبحك الله، وما تغني عنا دارك؟
قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

الحرب الإعلامية
وهنا يتحقق غرض الرسول صلى الله عليه وسلم من إعطائه هذا الفخر، ونجد أبا سفيان يمنع قريشا من المقاومة، ليحقن دماء قريش، وفي نفس الوقت يحقن دماء المسلمين، إنه الفقه السياسي العالي من الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أصبح موقف أبي سفيان في نهاية اليوم مدافعا عن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة فاتحا له الطريق.

هذه الحرب الإعلامية ساهمت في خذلان المعاندين والمستهترين الذين كانوا يرون أنها ستكون معركة عابرة ويعرفون صدق أبي سفيان وأنه معهم وينطق باسمهم وشيخ من شيوخهم ولا يغدر بهم ولا يكذب عليهم وهكذا جاء الإعلام ليساهم في تفتيت عرى وعضد هؤلاء المعاندين.

هنا نرى ترتيبات الخالق العظيم خلال هذه المعركة والتي تجلت في قدوم أبي سفيان واحتمائه خلف العباس من سيوف الصحابة ثم حديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على استخدام الحرب النفسية معه بعد أن عرف أن عودته إلى مكة سوف تكون ذات تأثير نفسي أكبر على أهل الشرك وأن الاستفادة من عودته ستكون افضل من قتله في وقت كادت السيوف إن تصل إلى رقبته وقد سلها الصحابة لضرب عنقه ولكنهم رجال تأدبوا بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا أي شيء ولم يأتوا بأي حركة في انتظار أمر هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من رب العالمين.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف مكانة أبي سفيان في قومه فبعد أن أراه ما أراه من استعراض لقوة جيش الفتح أدخلت الرعب في نفسه انتقل إلى سياسة أخرى وهو أنه أمنه وأمن أهل مكة وأعطاه الفرصة ليعلن هذا للناس. فمن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن فأعطاه هذه الكرامة لأنه يعرف حبه لهذه المسألة أمام أهل مكة عندما يعود وفعلا أثر ذلك تأثيرا سياسيا وإعلاميا في نفس كل من قابله من المعاندين في مكة.

واستمر التحرك وجاء الدرس العظيم الآخر عند دخوله إلى مكة حين حرص على عدم سفك قطرة دم واحدة وشدد على قادته وجنوده بعدم قتل أي شخص لم يقاتلهم، وكان صلى الله عليه وسلم قبل الدخول قد وزع جيشه إلى ألوية، أحدُها بقيادة خالد بن الوليد، وأمره أن يدخل مكةَ من أسفلها، وكانت معه القوةُ الأكثر تسليحا واستعدادا.

أما اللواء الثاني فكان بقيادة الزبيرِ بن العوام، وأمره أن يدخل مكةَ من أعلاها من كدَاء.

ولواء ثالث كان بقيادةِ أبي عبيدة، وأمره أن يأخذَ بطن الوادي.
وبقي فريقٌ رابع من الجيش مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. واتُفق على أن تُحْكِمَ هذه الجيوش سيطرتَها على مكة من جميع جهاتها.

وانطلقت الجيوش من بئر طوى، إلى داخلِ مكة من طرقٍ مختلفة، ولم تواجه في تقدمها مقاومةً تُذْكَر، باستثناء اللواء الذي يقوده خالد بن الوليد، فقد ناوشه بعضُ سفهاء قريش، فقَتلت قواتُ خالد عددا منهم ثم انهزم الباقون وقد اضطر خالد لقتالهم لأنهم رموه بالنبل. ولجأ الناس إلى بيوتهم، وكان هناك ما يشبه حظرَ التجوال.

درس آخر
وجاء الدرس الآخر يوم دخل سعد بن عبادة وكان يحمل إحدى رايات الجيش وقال قولته التي أغضبت العباس عندما قال: (اليوم يوم الملحمة) وعندما أُخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «اليوم يوم المرحمة» ، وسعد بن عبادة كان سيد قومه، وله مواقف تدل على نبل خلقه وسلامة توجهه وتكذب تلك المقولات التي تدعي كذبا حرصه في ذلك اليوم على الانتقام من قريش، وأنه قال مقولة تدل على حقده وبغضه للقرشيين، لأنهم قبضوا عليه بعد انتهائه من بيعة العقبة، وسلوكه طريق العودة إلى يثرب، فأعادوه لمكة، وأذاقوه صنوف المهانة والعذاب، فوجدها فرصة يوم الفتح ان يصرح برغبته في الانتقام من قريش وهو أحد الذين كانوا يحملون الرايات فمر بأبي سفيان فنظر إليه سعد وقال : «اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة» فلما وصل موكب الرسول إلى أبي سفيان قال : يارسول الله أأمرت بقتل قومك ؟ فإن سعدا زعم ومن معه أنه قاتلنا.

كذلك ذهب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره: يارسول الله إن هلكت قريش لا قريش بعد اليوم. فهدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من روعه وقال : «اليوم يوم المرحمة» وأمر أن تنزع الراية من سعد بن عبادة وتدفع إلى ابنه قيس بن سعد حفاظا على مشاعره ومكانته بين قومه وحتى لا يكون في نفسه شيء.

موقف نبيل
وهنا جاء موقفه النبيل الذي يثبت صدقه وإخلاصه للنبي صلى الله عليه وسلم ويظهر نبل خلق هذا الأنصاري ويدفع أقاويل من يقدح في سلامة توجهه ويكذب تلك المقولات التي تدعي كذبا حرصه على الانتقام من قريش فلو كان الأمر كذلك لما ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سلم الرسول صلى الله عليه وسلم الراية لابنه قيس لينبهه ويقول له: يا رسول الله أنت أعطيت الراية لابني قيس وهو رجل جبار بطاش ولا آمن لما سيفعله في مكة وفي قريش فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ووافقه ونزع الراية من ابنه وأعطاها لعبد الله بن الزبير. فلو كان لدى ذلك الصحابي ذرة من رغبة في إلحاق الأذى بقريش لما حرص على نزع الراية من ابنه ولما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل ذلك بإعلامه بطبيعة أخلاق ابنه القاسية، وخوفه من أن يبطش بهم.

دخل صلى الله عليه وسلم إلى مكة وكان في قمة الخلق الكريم كعادته فلم يفتك بأحد ولم يقس عليهم ودخل على ناقته متواضعا مطأطئ الرأس من شدة تواضعه حتى كاد رأسه أن يلامس الرحل ولم يدخل متعاليا متأففا بل وقف صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة فحمد الله حمدا كثيرا، وأثنى عليه ثناء جميلا ثم قال: يا معشر قريش ما ترون إني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا ، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!!.

ثم نرى خلقا آخر وهو ذلك التصرف عندما دخل صلى الله عليه وسلم الحرم فبدأ بإسقاط تلك الأصنام التي حول الكعبة ثم طاف بالبيت فعلمنا إلى يوم القيامة احترام هذا البيت وجعل تحيته الطواف.

وخلال طوافه صلى الله عليه وسلم حول الكعبة في عام الفتح أراد فضالة بن عميّر الليثي اغتياله عند الكعبة وهو يطوف فلم يقتله صلى الله عليه وسلم بل ضحك في وجهه ووضع يده الشريفة في صدره فأخرج الله عز وجل منه حظ الشيطان وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إليه والحادثة ذكرها أهل السير بأنه : «لما اقترب منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضالة؟» . قال: نعم، فضالة يارسول الله ، قال: «ماذا كنت تحدث به نفسك؟» قال: لا شيء، كنت أستغفر الله. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «استغفر الله» ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.

بلال والأذان
وجاء الدرس الآخر يوم نادى بلال فصعد فوق الكعبة وأذن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أذانا صعبا على قريش وهي تسمع بلال الذي كان يسحق تحت الكعبة وتوضع على ظهره الحجار في الشمس الحارقة وهو يردد: (أحد .. أحد) هذا الإنسان يؤذن فوق الكعبة فعلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأمة أنه لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وقد درج صلى الله عليه وسلم على معاملة سيدنا بلال معاملة حسنة ذات خلق نبوي كريم وكان يدعوه صلى الله عليه وسلم ليؤذن ويقول له أرحنا بها يا بلال أرحنا بها يا بلال.

وهاهو ذا صلى الله عليه وسلم اليوم في قمة انتصاره وقدرته، يقطف ثمار صبره وصبر أصحابه وجهادهم، فتحا مبينا، كان أساسه معاملة حسنة وخلق كريم دون علو في الأرض ولا فساد، ولا زهو ولا استكبار، بل في تواضع وتذلل لله وانكسار، كان في قمتها كما ذكرت قولته الخالدة : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ورغم ذلك فإنه أمر بقتل نفر لايجدي معهم غير القتل، من أكابر المجرمين الذين آذوه وآذوا أصحابه، فأمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وهم ثمانية رجال وجاريتان، ثم عفا بعد ذلك عن ستة منهم تشفع فيهم بعض من يحترمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلموا وحسن إسلامهم، وهم: (عكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وزهير بن أمية، وعبد الله بن سعد بن عامر، ومولاة لبعض عبد المطلب، وقينة كانت تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم)، فهؤلاء عفا عنهم، وقتل الأربعة الباقين وهم عبد الله بن خطل، كان مسلما فارتد وقتل غلاما مسلما كان يخدمه، والحويرث بن نقيذ كان من أشد قريش أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نخز البعير بابنتيه فاطمة وأم كلثوم حين خرجتا مهاجرتين فرمى بهما إلى الأرض، ومقيس بن حبابة: كان مسلما ثم ارتد وقتل رجلا من الأنصار لأنه قتل أخاه بطريق الخطأ، وقتلت قينة لعبد الله بن خطل كانت تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الأربعة فقط ممن أجرموا واستحقوا القتل، فاجتمع في الذين عفا عنهم العفو والرحمة وفي الذين قتلوا الحزم والشدة !! وسبق عفوه ورحمته غضبه وانتقامه، وأسرع إليه قومه يدخلون في دين الله أفواجا، وأصبحوا جند الإسلام بعد أن كانوا أشد أعدائه.

وختاما، فهذه لمحات عن فتح مكة وما احتوته من مواقف عظيمة تستحق أن نتعلمها ونعلمها لأولادنا لما فيها من دروس في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزمه وعزيمته وتنظيمه للجيش واختياره الرجال واستخدامه لكل وسائل الحرب بما فيها الدروع والسلاح وحتى الإعلام والحرب النفسية، وسبحان من كفى المؤمنين شر القتال ونصر عبده سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم والذين معه، عليك أفضل الصلاة والسلام يا سيدي يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في سبيل الله حق جهاده وكنت مدرسة للخلق الكريم حتى أتاك اليقين.

المصدر / جريدة عكاظ 21/9/1430هـ - بقلم د.محمد عبده يماني