5 عوائل مكية احتكرت الأذان في الحرم قرنين من الزمان
تعقيبا على ما نشر في ملحق الدين والحياة الأسبوع الماضي تحت عنوان (الأذان في الحرم المكي) أود أن أورد بعض المعلومات التي لم يتطرق لها التقرير، حيث شرع الأذان بنهاية السنة الأولى للهجرة 622م، أو بداية الثانية 623م. وأما مؤذنو الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن القيم والديار بكري فأربعة: اثنان في المدينة، أولهما بلال بن رباح، وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤذن بعده لأحد من الخلفاء، إلا أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام حين فتحها، أذن بلال، فتذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم، قال أسلم مولى عمر: فلم أر باكيا أكثر منه يومئذ والآخر هو عمرو بن أم مكتوم القرشي الأعمى، واسمه عبد الله ابن شريح بن مالك بن ربيعه الفهري، من بني عامر بن لؤي. وأذن له عليه الصلاة والسلام بقباء سعد بن عائذ، أو ابن عبد الرحمن، المعروف بسعد القرظي، مولى عمار، بقى إلى ولاية الحجاج، وذلك سنة أربع وسبعين هجرية 693 م . وفي مكة أبو محذورة، واسمه أوس الجمحمي المكي. ففي عهده صلى الله عليه وسلم كان الأذان بين بلال، وابن مكتوم، وسعد القرظي في المدينة المنورة، وأبي محذورة في مكة المكرمة. ثم تعاقب المؤذنون في أداء رسالتهم زمنا بعد زمن، حتى صار الأذان من جملة الوظائف في الحرمين الشريفين خلال العصور الإسلامية المختلفة، وتوارثته أسر معينة.
دور المؤذنين
ليلى عبد المجيد تناولت في رسالتها عن (التنظيمات الإدارية والمالية في مكة في العصر المملوكي) دور المؤذنين في مكة، فأشارت إلى رئيس المؤذنين، الذي كان يقتدي به مؤذنو المنائر في المسجد الحرام. فقد كان يؤذن في منارة باب العمرة قديما، ثم أصبح يؤذن على سطح قبة زمزم في العصر المملوكي. وفي ذلك العصر كانت وظيفة الأذان وراثية وكانت أسرة الكازروني من أشهر الأسر التي توارثت هذه الوظيفة.
أول من عمل المظلة للمؤذنين، كي يؤذنوا فيها يوم الجمعة، كان عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي، أمير مكة (عند الطبري والي مكة)، واستلم قضاء المدينة سنة 166م، في خلافة هارون الرشيد. وظلت المظلة على حالها حتى عمرت مرة أخرى سنة 240هـ/854م، في خلافة جعفر المتوكل على الله.
كان رئيس المؤذنين يخطو في يوم الجمعة أمام الخطيب، لابسا السواد، ممسكا بسيف. فإذا صعد الخطيب المنبر، قلده رئيس المؤذنين السيف، فيضرب به الخطيب على درج المنبر ضربة يسمعها الحاضرون، ثم يقعد فيبدأ رئيس المؤذنين بالأذان ويتبعه بقية المؤذنين.
تعيين المؤذن وعزله في العصر المملوكي كان يتم بقرار من القاضي الشافعي، ويقوم المؤذن بعد صدور القرار بالدعاء للسلطان.
من الأعمال التي كان يؤديها المؤذنون في ذلك العصر، تنبيه الناس لمواعيد الإمساك في رمضان، وذلك بنصب خشبة على رأسها عود معترض تقام في أعلى كل صومعة، ويعلق على الخشبة قنديلان يوقدان، وعند الأذان يطفأ القنديلان إيذانا بدخول وقت الإمساك.
وقد حدد المماليك رواتب للمؤذنين، ففي وثيقة الأشرف شعبان، أشير إلى رواتب خمسة من المؤذنين بمبلغ ألفي درهم سنويا.
تعيين المؤذنين
كان تعيين المؤذنين وتحديد رواتبهم ومخصصاتهم في الدولة العثمانية يتم بفرمانات سلطانية تصدر عن الباب العالي في إسطنبول.
وهناك فرمانان أصدرهما السلطان محمود الثاني في شأن زيادة رواتب الأئمة والخطباء والمؤذنين في المسجد الحرام في مكة، وذلك في أول شعبان سنة 1253هـ / نوفمبر 1837م.
الوثيقة الأولى، وهي فرمان سلطاني من السلطان محمود الثاني موجه إلى شريف المدينة المنورة، يكلفه بدراسة أحوال الأئمة والخطباء والمؤذنين في المسجد الحرام في مكة المكرمة، أما الوثيقة الثانية، فهي الفرمان السلطاني بزيادة الرواتب والمخصصات لأحد المؤذنين في المسجد الحرام. وقد جاء في الوثيقة الأولى ما ترجمته:
فطلبت من السيد شريف المدينة المنورة المعروف بعزته وكرامته بخطاب موجه مني لكي يذهب إلى مكة المكرمة ويزيد رواتب الأئمة والخطباء والمؤذنين كافة، بعد فحص خدماتهم، وذلك حسب قواعد الدين ومتطلبات المعيشة. وقد رفع إلي خطابا بتنفيذه تلك الأوامر اعتبارا من أول المحرم لعام 1253هـ / 7 إبريل 1937م. وقد اعتمدت تلك الزيادات الإضافية، وقد أبلغ ذلك للسيد سليمان، نائب الحرم، وكاتب الحرم إبراهيم، وتم تسجيل ذلك في دفتر تفصيلي بالراتب والمخصصات.
كما منحت وظائف جديدة لأولاد القائمين على هذه الوظائف، لأخذ الوظيفة بعد وفاة آبائهم. وفي حالة عدم وجود أبناء لهم يتم التوظيف من أهالي مكة لحين بلوغ الأولاد وحيازتهم الخبرة اللازمة. الرواتب الإضافية سيتم صرفها من خزينة أوقاف همايون الحرم الشريف، وبيد السيدين كاتب الحرم ونائب الحرم.
وتنظيم الدفعات المالية محاسبيا من قبل السيد محمد حسيب أفندي، المنظم المالي للمحاسبة.
أما الوثيقة الثانية، فهي الفرمان الصادر من السلطان محمود الثاني بتاريخ 15 شعبان سنة 1281هـ / 13 يناير 1865م. وتقضي بزيادة راتب المؤذن في المسجد الحرام، الشيخ إبراهيم بدر، وجاءت ترجمتها كالتالي:
لمصادفة اليوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة الشريف لسنة ألف ومائتين وسبع وسبعين يوم تولينا عرش السلطنة. وحيث أن تجديد الوثائق هي من القواعد المرعية للسلطنة العليا، وبناء على ما تقدم الشيخ إبراهيم بن بدر، زيد صلاحه، من خدم مكة المكرمة شرفها الله تعالى إلى يوم القيامة بالبراءة القديمة التي يحملها والتي تتضمن كونه متصرفا بجهة، مؤذنا للمنائر السبع لقاء راتب قدره ثلاثون قرشا يستوفيه من خزينة الحرمين الشريفين، وعشرون قرشا يستوفيه من الخزينة الجليلة والبالغ جمعا خمسين قرشا شهريا، ولطلب المومأ إليه تزويده ببراءة جديدة بدل القديمة ولدى الرجوع إلى السجلات تبين أن الجهة المذكورة قد أسندت بعهدته في منتصف شهر جمادى الأولى لسنة ألف ومائتين وأربع وسبعين، وعليه أصدرت هذا الفرمان المتضمن الأمر بإعطاء المومأ إليه براءة همايونية على وجه التجديد وأمرت أن يقوم بأعباء الجهة المذكورة لقاء راتبه المحرر وعلى المنوال المعمول به سابقا، وأن لا يتصرف بما يخالف ويغاير هذه البراءة المالية الشأن وأن يحاط علما بذلك. تحريرا في اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان المعظم لسنة إحدى وثمانين ومائتين وألف.
مشيخة المؤذنين
وممن تولى مشيخة المؤذنين الشيخ يعقوب شاكر وهو من الأسر المكية العريقة وفي عهده شغرت وظيفة كبير المؤذنين فرشح الشيخ يعقوب الشيخ صالح فيده لهذه الوظيفة لأنه من الأصوات العذبة القوية وكان ممن يسمح لهم بالأذان وقتما شاء إضافة للشيخ عبد الله بصنوي الذي أذن لمدة خمسين عاما ومن كبار المؤذنين الذين يؤذنون للجمعة والعيدين ومن المتعلمين والمتنورين وكان يحظى باحترام كبير من كافة فئات المجتمع وله منزلة كبيرة عند العلماء ومؤذني الحرم النبوي كذلك وكان شيخ المؤذنين عبد الله رجب في ذلك الوقت يسمح له أن يصعد المكبرية للأذان في أي وقت وكان من المواظبين على الأذان.
ومن الأصوات الندية أيضا حسن لبنى وحسن جاوه ويعقوب شاكر وخطاب شاكر ومحمد رمل وحسن الشامي الذي كان في المدينة ثم انتقل إلى مكة وسكن فيها وإدريس كنو وعبد الرحمن مؤذن ثم جاء جيل المؤذنين الجديد أمثال علي ملا الذي برز بشكل قوي مثل بروز الشيخين عبد العزيز بخاري وعصام بخاري وعبد الرحمن خاشقجي ومن المؤذنين المتميزين أيضا الشيخ نايف بن صالح فيده وفاروق حضراوي وأحمد شحات رحمه الله وابنه حسن رحمه الله وأحمد بصنوي من أكثر الأسر التي توارثت الأذان وكذلك بيت خوج ومعروف وبيت الريس (المؤقتون).
ومن المؤذنين المتميزين في الثمانينيات أحمد توفيق الذي اشتهر بالصوت العالي الذي يشبه صوت الشيخ نايف في هذه الأيام وكان صوته يصل إلى أطراف بعيدة إذا أذن لصلاة الفجر وكذلك شيخ المؤذنين عبد الملك ملا الذي خدم الأذان سنين طويلة وكان رجلا تربويا معروفا.
وأشار الكردي إلى أن عدد المؤذنين والمكبرين في المسجد الحرام بلغ 22 شخصا. وكان رئيس المؤذنين في زمن الكردي هو الشيخ يعقوب بن يوسف شاكر، وأشار إلى أن الأذان في المسجد الحرام بقي منذ قرنين من الزمان في أيدي خمس عوائل مكية، هي: عائلة شاكر، وعائلة البصنوي، وعائلة بدر، وعائلة جودة، وعائلة البصمجي.
ومن الأسر التي تشرفت بتولي هذه الوظيفة في مكة المكرمة، إضافة إلى ما ذكره الكردي، آل الملا، وآل الغباشي، وآل خوج، وآل الرمل، وآل الريس. وهذه الأسرة الأخيرة كان يطلق عليها مصطلح (المؤقتون). وكما أفاد بعض من الشخصيات المكية العريقة في هذا المجال، وفي مقدمتهم المرحوم بإذن الله الشيخ عبد الله بصنوي، أن المؤذن (المؤقت) كان هو الذي يبتدئ الأذان من منارة باب العمرة في المدة التي لم يكن يوحد فيها الأذان، وكان ينطلق من المنائر السبع الموجودة آنذاك في المسجد الحرام.
المصدر عكاظ 13/9/1430هـ بقلم د. عاصم حمدان- أديب وكاتب سعودي
0 تعليقات