ذو المجاز آخر مواسم الجمع بين التجارة والنسك في أشهر الحج

المتتبع لتاريخ مكة وجغرافيتها يعلم تماما أنها تزخر بالاماكن والمواقع التاريخية ومنها سوق ذي المجاز في عرفة، وكان العرب قديما إذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا الى عرفة وأقاموا بها ثماني ليال، وكان يحضر هذه السوق التجار ومن يريد التجارة. وسوق ذي مجاز هو موضع في سوق عرفة، عبارة عن شعب يسيل من جبل كبكب غرباً حتى يدفع في وادي عرنة عند التقائه بوادي حنين، ويُبعد عن العلمين المؤشرين لحدود الحرم ثمانية كيلو مترات، والشعب ليس بذي مساحة كبيرة، فهو لا يزيد عن عشرة كيلو مترات، وفي داخله توجد معالم وآثار قديمة تعود إلى تاريخ السوق قبل الإسلام، وفي بطن الوادي توجد بئر يطلق عليها العامة في الماضي بئر المجاز وهي متهدمة لا يزيد قطرها عن نصف المتر – والمجاز يقع إلى شمال عرفة.

وكانت العرب كلما أهلت شهور الحج (شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة) يخرجون إلى مواسمهم في عكاظ ومجنة ذي المجاز ثم عرفة ومنى وكانوا يقولون لا تحضروا اسواق عكاظ ومجنة ذي المجاز الا محرمين بالحج.

واذا مضت العشرون يوما من أول ذي القعدة انصرفوا من سوق عكاظ الى مجنة فيقيمون بها العشرة ايام الأخيرة من ذي القعدة، واذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا الى ذي المجاز فأقاموا به ثماني ليال اسواقهم قائمة للبيع والشراء وسائر الأغراض الاجتماعية والأدبية، وكان يجري في هذا الموسم ماكان يجري في مجنة عكاظ بل كان يشهد اجتماع أكبر محفل عربي من مختلف قبائل العرب تفد إليه من اليمن وحضرموت وعمان والبحرين ونجد والحجاز وتهامة وبلاد الشام والعراق ، ذلك أن موسم ذي المجاز آخر مواسم الحج التي يحل لهم فيها الجمع بين التجارة والنسك وإذا انصرفوا إلى عرفة ومنى يمتنعون عن التجارة.

وأوضح الدكتور فواز بن علي الدهاس المشرف على وحدة المتاحف بجامعة أم القرى أنه أثرت وقائع كثيرة مما كان يجري في ذي المجاز أيام انعقاد موسمه ولعل من أهمها الدعوة إلى الإسلام فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يسير في سوق ذي المجاز وهو يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله الله تفلحوا) ، وفي رواية أخرى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله وأنه كان في مقتبل الدعوة يعرض نفسه على قبائل العرب كل موسم.

المصدر / جريدة المدينة 11/9/1430هـ -حامد القرشي