الحجون

يعرف لسان العرب الحجون بانه الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة وهو الذي ورد في شعر عمرو بن الحرث بن مضاض بن عمرو الجرهمي عندما قال:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر

وعنه يقول أبو الوليد الأزرقي مؤرخ مكة المكرمة ومن علماء القرن الثالث الهجري في كتابه (أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار) الحجون: الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة الذي يقال له مسجد الحرس، وفيه ثنية تسلك من حايط عوف من عند الماجلين الى شعب الجزارين وبأصله في شعب الجزارين كانت المقبرة في الجاهلية ، وفيه يقول كثير بن كثير:
كم بذاك الحجون من حي صدق
من كهول أعفه وشباب

أما الامام أبي عبدالله محمد بن اسحاق ابن العباس الفاكهي وهو أيضا من علماء القرن الثالث الهجري في كتابه (اخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) فإنه ينقل عن الزبير بن ابي بكر قول هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس:
لحا الله كل صائبة بوج
ومكة أو بأطراف الحجون
تدين لمعشر قتلوا أباها
أقتل ابيك جاءك باليقين

كما يذكر الفاكهي قول عبدالله بن سالم الخياط عن الحجون:
سائل بطلحة بالبطاح
بطاح مكة فالحجون
هل مثل طلحة فيكم
فيمن يقيم ومن يبين

كما يشير الفاكهي -رحمه الله- إلى أن مسلحه بن الزبير -رضي الله عنهما- كانت بالحجون ويذكر أن الزبير بن ابي بكر، قال: حدثني عمي -مصعب بن عبدالله- قال: بلغني أن مسلحة كانت لعبدالله بن الزبير -رضي الله عنهما- بالحجون، فيما بين المسجد وبئر ميمون. وبئر مأمون منسوبة الى ميمون بن الحضرمي.

أما عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي المتوفى سنة 487هـ صاحب كتاب (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع)، والذي حققه الدكتور مصطفى السقا، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الاول فيقول عن الحجون: الحجون بفتح أوله، على وزن فعول: موضع بمكة عند المحصب، هو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجزارين، الى ما بين الحوضين الذين في حائط عوف، وعلى الحجون سقيفة زياد بن عبدالله احد بني الحارث بن كعب، وكان على مكة.
وينقل الأندلسي قول نُصَيب:
لا أنساكِ ما ارسى ثبير مكانه
وما دام جاراً للحجون المحصب

يقول الأندلسي: وقال الزبير: الحجون مقبره أهل مكة، تجاه دار أبي موسى الأشعري.

أما الامام الحافظ محمد بن موسى الحازمي المتوفى سنة (548) هـ في كتابه الموسوم «الأماكن» أو (ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة) والذي أعده للنشر العلامة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- فأنه قال:
الحجون بعد الحاء المفتوحة جيم مضمومة وآخره نون: جبل باعلى مكة ، من البيت على ميل ونصف، عليه سقيفة آل زياد بن عبدالله الحارثي، وكان عاملاً على مكة، وفي شعر ابي ذؤيب:
بأيه ما وقفت والركاب
بين الحجون وبين السرر

يقول الشيخ حمد الجاسر في تهميشه للكتاب المذكور ان العلماء قد اختلفوا في تحديد موقع الحجون، مع اتفاقهم على أنه في اعلى مكة بقرب المقبرة، فالمتأخرون وبعض المتقدمين منهم يرونه الجبل الذي تقع المقبرة بسفحه مما يلي الابطح، ومسجد الجن (مسجد بيعتهم). وفيه شقت ثنيه كداء (ثنية الحجون) وهذا هو المعروف عند المتأخرين. إلا أن الشيخ الجاسر يقول أنه ورد في «أخبار مكة» ما يفهم منه أنه الجبل المقابل لهذا في الجانب الآخر من المعلاه، يدعه المتجه الى منى على يمينه: قال ابو محمد الخزاعي: الحجون الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة، على يمينك وأنت مُصعد، وهو أيضاً مشرف على شعب الجزارين. كما اورد الشيخ حمد الجاسر أن الفاسي قال في «شفاء الغرام»: الحجون المذكور في حد المحصب جبل بالمعلاه – مقبرة أهل مكة على يسار الداخل الى مكة ويمين الخارج منها الى منى.

اما صاحب (لسان العرب) الامام ابي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظورالمولود عام (63.هـ) فإنه يقول ان الاحتجان: هو جمع الشيء وضمه اليك وهو افتعال من المحجن. يقوا ابن منظور انه في الحديث: ما اقطعك العقيق لتحتجنه. ويقول ايضاً: أن في حديث ابن ذي يزن: واحتجناه دون غيرنا. وحجن الدار: اقام بها.

كما يقول ان الحجن: القضبان القصار التي فيها العنب، واحدته حجنه. كما يقول انه لمحجن مال: يصلح المال على يديه ويحسن رعيته والقيام عليه، قال نافع ابن لقيط الاسدي:
قد عنت الجلعد شيخا اعجفاً
محجن مال اينما تصرف

ويقول ان احتجان المال: اصلاحه وجمعه وضم ما انتشر منه. واحتجان غيرك : اقتطاعه وسرقته.

كما يقول ابن منظور: ان الغزوة الحجون: التي تظهر غيرها ثم تخالف الى غير ذلك الموضع ويقصد اليها، ويقال: هي البعيده، قال الاعمش:
ولا بد من غزوة في الربيع
حجون تكل الوقاح الشكورا

ثم يقول ابن منظور: قال الجوهري: الحجون، بفتح الحاء، جبل بمكة وهي مقبرة. ثم يورد ابن منظور قول عمرو بن الحرث بن مضاض بن عمرو الجرهمي:
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
انيس ولم يسمر بمكة سامر

وقال : انه قيل ان هذا البيت للحرث الجرهمي.
ويذكر ابن منظور أن ابن الاثير قال: الحجون، الجببل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة.

وقيل: هو موضع بمكة فيه اعوجاج، قال: والمشهور الأول. وهو بفتح الحاء.
اما الشيخ أحمد بن ابراهيم الغزاوي في “شذرات الذهب” فإنه يقول في شذرته رقم (977): قرأت في الاونه الاخيره بحثا ضافا شافيا عن موضع «الحجون» بمكة المكرمة. وتصحيحا لما هو مدفوع وممنوع من اقاويل تنافى الحقيقة والتي تجعل الحجون يمين الصاعد إلى (المحصب) أو (الابطح) وماهو الا ما تواتر به الاجماع حتى اليوم في الجانب الايسر وهو هو المشرف عللى مقبرة ( المعلاة) وهو هو الذي تقع في ( ثنية كداء) بفتح الكاف والتي قال عنها حسان بن ثابت رضي الله عنه:
عندما خيلنا ان لم تروها
تثير النقع موعدها كداء.


يقول الغزاوي: واكاد اجزم بأنه هو المقصود أيضا “بثنيه المدنين” فما يسلك القادم من المدينة إلى مكة وعند دخولها إلا هذا الطريق.

وفي إحدى اصدارات دارة الملك عبدالعزيز عرّف الشيخ سعد بن عبدالله بن جنيدل في كتابه «معجم الأماكن الوارد ذكرها في صحيح البخاري» الحجون قائلاً: الحجون: بحاء مهمله مفتوحة بعدها جيم معجمة مضمومة ثم واو ساكنة واخره نون معجمة: ثنية بأعلى مكة.

ويروي ابن جنيدل عن البخاري بسنده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادّهن ولبس ازاره ورداءه واصحابه قال: فقدم مكة لاربع خلون من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل من اجل بدنه لانه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون. ويقول بن جنيدل أنه روى بسنده ايضاً عن عبدالله مولى أسماء بنت ابي بكر حدّث أنه كان يسمع أسماء تقول كلما مرت بالحجون: صلى الله على محمد لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذٍ خفاف قليل ظهرنا قليله ازوادنا فأعتمرت أنا وأختي عائشة. وعن كداء يقول ابن جنيدل: أن ابن حجر قال: كداء: بفتح الكاف والمد، قال ابو عبيد لا يصرف، وهذه الثنية هي التي ينزل منها الى المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: (الحجون) بفتح المهملة وضم الجيم صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبدالملك ثم المهدي على ما ذكر الأزرقي.
كما ينقل ابن جنيدل عن الفاسي: أن كداء: الموضع الذي يستحب للمحرم دخول مكة منه، وهو الثنية التي بأعلى مكة، التي يهبط منها الى المقبرة المعروفة بالابطح، ويقال لها الحجون.

ويبين ابن حنيدل أن كل من الرحالة ابن جبير والرحالة ابن بطوطه قد ذكروا (الحجون). اذ قال ابن جبير في رحلته : ولها -يعني مكة- ثلاثة ابواب: اولها بالمعلى ومنه يخرج الى الجبانه وعن يسار المار اليها جبل في اعلاه ثنية عليها علم شبيه بالبرج، يخرج منها الى طريق العمره وتلك الثنية تعرف بكداء، وهي التي عناها حسان بقوله في شعره:
تثير النقع موعدها كداء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: ادخلوا من حيث قال حسان. فدخلوا من تلك الثنية ، وهو الموضع الذي يعرف بالحجون.

كما يقول ابن جنيدل أن ابن بطوطه ذكر في رحلته نحواً مما ذكره ابن جبير في رحلته وزاد، وقال: أن الحجون هو الجبل المطل على الجبانه، ومنها المحصب وهو ايضاً الابطح ، وهو يلي الجبانه المذكورة، وفيه خيف بني كنانه الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما يقول ابن جنيدل أن ياقوت قال: الحجون، آخره نون، والحجن الاعوجاج، والحجون جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها. يقول ابن جنيدل قلت: وهذه الأقوال المتقدمة متفقة على تحديد موضع الحجون ووصفه إلا ما قال السهيلي والسكّري في وصف المسافة بينه وبين مكة فإن ذلك لا يستند على دليل ولا يتفق مع الواقع الطبيعي لهذا الموضع، وكما رأينا أن العلماء حددوا الحجون: تارةً بقربه من المحصّب وتارةً لنسبته إلى مقبرة المعلى وتارةً بقربه إلى مسجد البيعة، وكلهم قالوا: إنه بأعلى مكة وهذه الأقوال كلها صحيحة فالحجون ما زال معروفاً باسمه لم يتغير، ومقبرة المعلى ما زالت معروفة، ومسجد البيعة ما زال عامراً معروفاً، ودلّت الأقوال على أن الحجون اسم للثنية التي تنفذ من المحصّب إلى ذي طوى، واسم للجبل المطل عليها، التي تقع في طرفه، لهذا فإنه كان يسمى الحجون، والثنية العلياء وكداء، وبعض العامة يقلبون النون لاماً فيسمونه ريع الحجول.

أما المؤرخ المعاصر العلامه الشيخ عاتق بن غيث البلادي فإنه يقول في معجمه المعروف: الحجون: في الأصل الجبل المشرف على ما يعرف اليوم بريع الحجون من الشمال الشرقي، وكان الريع يسمى (كداء) ثم اطلق اسم الحجون على الريع ولا زال الناس يقولون لذلك الجبل (جبل الحجون) وبعضهم يسميه جبل المجزرة، لأن مجزرة مكة كانت فيه ثم انتقلت الى شعب اذاخر الشامي، وقد قرأت أن جبل الحجون هو المقابل لهذا الجبل من وراء الأبطح، وهو قول خطأ. وتقع مقبرة أهل مكة القديمةبسفح جبل الحجون مما يلي الأبطح.

ويذكرالشيخ البلادي أن رشدي ملحس يقول أن: الحجون ثلاثه: الحجون الجاهلية أي ما كان يسمى في الجاهلية بالحجون، وهو في اعتقاده الجبل المقابل لمقبرة المعلاه من الجنوب بينهما الوادي، والثاني ثنيه كداء وهو معروف اليوم بريع الحجون، والثالث ريع الكحل وكان يعرف بالثنيه الخضراء ثم سمى الحجيل تصغير الحجول وهي لغتهم في الحجون، وهناك نصوص تقول: ذو طواء بين الحجونين، وبما أن وادي طوى هو العتيبية اليوم فمعنى ذلك أن ريع الكحل كان يسمى الحجون أو الحجين بالتصغير.

*كاتب ومؤرخ
هذه نظرة سريعة على تاريخ الحجون كما وردت في بعض المصادر التاريخية الهامة. وهي جزء من جغرافية مكة المكرمة تحكي بعض قصص تاريخ هذه المدينة المقدسة وتبين كيف يمكن للجغرافيا أن تكون ذاكرة للتاريخ

المرجع :  جريدة المدينة (ملحق  الاربعاء ) / بقلم :عدنان عبدالبديع اليافي