عين زبيدة..مشروع سبق زمانه ووفر السقيا للحجاج وساكني مكة
من الأماكن التاريخية الهامة في العاصمة المقدسة والتي لا تزال آثارها قائمة منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا مشروع عين زبيدة الأثري والذي يمتد من أعالي جبال الكر بوادي نعمان بالقرب من الطائف حتى مكة والذي كان له الأثر الكبير في سقيا أهالي مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام بالمياه العذبة وقد أمرت بتنفيذ هذا المشروع المائي العملاق السيدة زبيدة أمة العزيز بنت جعفر بن المنصور زوجة الخليفة هارون الرشيد لما علمت حاجة مكة المكرمة وضيوف الرحمن إلى المياه بعد ان عانت هذه المدينة المقدسة من شح المياه ما عانت نتيجة جفاف مياه الآبار ورغم قلة الإمكانات والأيدي الهندسية الماهرة المؤهلة والمدربة، إلاّ ان السيدة زبيدة استطاعت برجالها العاملين المخلصين ان ينفذوا هذا المشروع العملاق بطرق فنية متطورة تتساوى مع ما توصل إليه اليوم علم التكنولوجيا من تطور وتقدم، لاسيما في قدرة العاملين آنذاك في سحب المياه عبر تلك المسافة الطويلة التي تمتد لآلاف الكيلومترات وعبر مرتفعات ومنخفضات جبلية وأودية وصحاري فعملوا المناسيب المنسابة لمجرى العين والخرزات والقنوات بالحجر والجص حتى استطاعت المياه الانسياب عبر هذه القنوات والمضخات البدائية بكل سهولة ويسر حتى وصلت إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة مروراً بمناطق المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة ولا تزال آثار القنوات المائية والخرازات قائمة إلى اليوم في سفوح الجبال وكأنه قد تم عملها بالأمس رغم مرور آلاف السنين عليها.
تاريخ العين والسيدة زبيدة ..
ففي البداية يقول الباحث في آثار عين زبيدة الدكتور عادل بن محمد أمين غباشي عميد كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة أم القرى:لقد اعتمد سكان مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام والزوار والمعتمرون على ما تجود به الآبار لتوفير احتياجاتهم من المياه ثم تطور الأمر عندما عمل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - في خلافته ما بين عام 40-60ه الموافق 660-680م على توفير المياه لمكة المكرمة وذلك بإنشاء قنوات خاصة لنقل مياه بعض العيون من حرم مكة المكرمة إلى بركها ثم تلا ذلك قيام أعمال أخرى لايصال مياه العيون من حرم مكة المكرمة إلى بركها في سنين عديدة سبقت أعمال السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشد.
صاحبة هذا المشروع السيدة زبيدة واسمها الحقيقي أمة العزيز بنت جعفر بن أبي المنصور زوجة الخليفة هارون الرشيد وأم ولده الأمين أما سبب تسميتها باسم زبيدة فقد كان جدها المنصور يرقصها في طفولتها ويقول لها زبيدة انت زبيدة فغلب عليها ذلك الاسم وأصبحت تعرف باسم زبيدة لا (أمة العزيز) اسمها الحقيقي ولما كبرت السيدة زبيدة وتزوجها الخليفة هارون الرشيد كانت تحب أعمال الخير والبر والاحسان ولذلك قامت في البداية بإنشاء الكثير من البرك والآبار ومنشآت أخرى بطريق الحاج العراقي ابتغاء الأجر والمثوبة من الله عز وجل حتى ان هذا الطريق سمي باسمها طريق زبيدة ولما بلغها معاناة الناس في مكة وتحملهم المشاق في بلد الله الحرام بسبب قلة المياه وارتفاع أسعارها أمرت في البداية ببناء بركة بمكة المكرمة وجلبت إليها مياه عين من داخل حرم مكة المكرمة إلاّ ان ماءها كان قليلاً ولم يف باحتياجات السكان. وحينئذ أمرت زبيدة جماعة من المهندسين بجلب مياه العيون من خارج حدود حرم مكة المكرمة وايصال مياهها إلى داخل منطقة الحرم وبعثت بأموال طائلة لتحقيق هدفها وعلى هذا فقد أخذت الأعمال على طريقين هما عين حنين وعين عرفة وقد غلب اسم «زبيدة» على العين الأولى.
بعد ذلك، اتجه المهندسون والعمال إلى منطقة عين حنين التي اشترت زبيدة بساتينها وأبطلوها وانشأوا في موضع ذلك سداً لاجتماع السيول المغذية بمياهها لتلك المنطقة وجلبوا المياه عبر القنوات إلى مكة المكرمة وكان ذلك في عام 194ه الموافق 809ه وتقدر المسافة من المنطقة التي بها موضع نبع عين إلى المسجد الحرام بحوالي 41كم وقد تم بناء القناة بأحجار البازلت واستخدمت النورة في تكوين خليط المونة للصق أحجار البناء وعملت انفاق في المناطق الجبلية والتي يصعب إزالتها وقد مرت على القناة أعمال اصلاح وترميم في العصور الإسلامية المختلفة إلى ان توقفت مياهها الرئيسية في بداية القرن الرابع عشر للهجرة. عين عرفة ويستطرد الدكتور الغباشي في حديثه قائلاً: وقد أشار مؤرخ مكة المكرمة الأستاذ قطب الدين الهروالي إلى أن من أعمال السيدة زبيدة لخدمة حجاج بيت الله الحرام إجراء مياه عين نعمان في قناة إلى جبل الرحمة بعرفة ثم من هناك إلى جبل يقع خلف ما يعرف (بالمازامين) ثم منه إلى مشعر مزدلفة ثم تسير القناة إلى ان تصل إلى جبل خلف مشعر منى فتصب عند ذلك في بئر عظيمة مطوية تسمى بئر زبيدة وموقعها حالياً في حي العزيزية في طرف حديقة الطفل مجاورة لمسجد الشيخ ابن باز رحمه الله. وقد مرت على قناة العين أعمال اصلاح وترميم في العصور الإسلامية. العين في عهد الملك عبدالعزيز وبعد ان يسَّر الله للملك عبدالعزيز «يرحمه الله» ضم مكة المكرمة إلى حكمه في عام 1343ه أمر بإجراء أعمال عديدة لزيادة كمية مياه العين وقد نتج عن ذلك عدم قدرة القناة السابقة على استيعاب كمية المياه الزائدة مما استلزم تعلية جانبي هذه القناة لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من المياه ولا تزال مواضع عديدة من هذه القناة باقية إلى الآن تحكي لنا تاريخاً ملموساً نفخر ونعتز به على مدى الأيام والسنين. المصدر : جريدة الرياض 12/6/1430هـ - تقرير، أحمد الأحمدي
0 تعليقات