عبدالعزيز خوجة " سندباد مكة ".. طاف الشرق و الغرب
- أعــلام مـن مكـــة / رجال
- 6531 مشاهدة
- بتاريخ2009/02/18
بروفايل : فهد الشريف
الوزارة بيت المثقفين .. أول عبارة قالها وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجه حين صدر قرار تعيينه وزيرا ، فقد أصبحت الوزارة بيت المثقفين كما كان منزل السفير صالون للأدباء والمثقفين .بداخله يناقشون قضايا الفكر والأدب والثقافة ..لقد أصبح الدكتور عبدالعزيز وزيرا للمثقفين بعد أن كان صديقا حميما لهم ابان توليه لأكثر من سفارة .
لا غرابة فمن جوار الحرم المكي بدأت رحلته الإنسانية والحياتية نحو حياة درامية ذات تنوع متعدد من عوالم الأشياء والمعرفة والميادين التي خاض غمارها ، حيث البقاع الطاهرة ، والأجواء الروحانية ،التي تملأ المكان المقدس بعبقه التاريخي ، الذي يسكن في وجدان الأمة ، بما تحمله من مكانة سامية تهفو لها القلوب من شتى أنحاء العالم ، .
مكة المكرمة منزل الوحي ..كان المكان الذي ولد فيه الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام ، حيث ظل أثر قدسية المكان عالقا في وجدانه ، فكان المعين الذي يسترفد منه الإلهام الشعري .. وحسن الدبلوماسية في إدارة الأمور والقضايا الكبرى .
لقد نهل الدكتور خوجه تعليمه الأولي في مدينته الأولى .مسقط رأسه ( مكة المكرمة ) عندما كان تلميذا في مدرسة الخالدية الابتدائية ..ثم انتقل لمدرسة أخرى في مرحلتي المتوسطة والثانوية .
** الرياض .. والكيمياء
المدينة الثانية لديه كانت ( الرياض ) عاصمة البلاد ،مخالفا للجيل الذي سبقه الذين كانوا يأتون إلى مكة المكرمة للدراسة ، كما كان سائدا في حقبة سابقة حيث مدارس تحضير البعثات وغيرها من مدراس التعليم العام ، وفي الرياض كانت أولى إرهاصاته فيما يبدو مع الحياة الدبلوماسية التى قضى فيها أكثر سنواته الوظيفية متنقلا دبلوماسيا من دولة إلى أخرى من الشرق إلى الغرب .
لقد احتضنته جامعة الرياض - جامعة الملك سعود حاليا - طالبا في كلية العلوم قسم الكيمياء والجيولوجيا ، وقد كانت الجامعة آنذاك يتوافد إليها كثيرون من طلاب المملكة للالتحاق بها ، فقد أسهمت من خلال ابتعاثها لهؤلاء الطلبة في تطوير العملية التعليمية حيث أرسلت العديد من طلابها إلى جامعات بريطانيا وبعض الدول العربية ودول أخرى من أوروبا لتحضير الدكتوراه ، فكانوا هم النواة الأساسية لقيادة أقسام الجامعات والكليات في المملكة بعد عودتهم لأرض الوطن .
تعانقت النشأة الروحانية مع الذهنية العلمية لتكون تجربة جديدة .. تقوم على ثنائية بين ما هو عاطفي يحركه الفؤاد والمشاعر الرقيقة تشربها من ثقافة المكان الذي نشأ فيه ، وتربى في أكنافه وبين ماهو عقلي يوقده التفكير المنهجي والرؤية الموضوعية أدركها من المعرفة والعلم الذي تخصص فيه الكيمياء العضوية ،..هكذا اختار الدكتور عبدالعزيز خوجه أن يوازن بين قطبين أساسيين في التفكير البشري ،أن يكون صاحب عقلية رياضية وفي الوقت نفسه يحمل قلبا يخفق حبا وشوقا لجمال الطبيعة والكون ، ويدرك طبائع النفس البشرية .
بعد تلك المرحلة الجامعية في الرياض يعود لمدينته الفاضلة حيث المجاورة والتمتع بارتياد الحرم المكي ، ورؤيته لمنظر الطواف حول الكعبة المشرفة ،وهي المناظر التى أثرت فيه خلال مشواره مع الدبلوماسية ..والتعليم .. والثقافة ..والأدب والشعر .
لقد عاد معيدا في كلية التربية بمكة المكرمة بعد حصوله على البكالوريوس ولكنه لم يمكث طويلا حتى بدأ ترحاله نحو التحصيل العلمي والابتعاث لتحضير الدكتوراه في جامعة برمنجهام إحدى جامعات بريطانيا الشهيرة ليعود سنة 1970م لأرض الوطن بشهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية من الجامعة نفسها ، حاملا تخصصا وظفه كثيرا في حياته الدبلوماسية بالتعرف على مكونات الدول وشعوبها .
بعد عودته من بريطانيا إذ يبدأ العمل الأكاديمي في كلية التربية التي ابتعثته استاذا يلقي محاضراته في الكيمياء مستمتعا بنقل علمه لهم ، مؤكدا على نقل المعرفة للأجيال التالية ،حتى تم تعيينه عميدا لهذه الكلية ليبذل جهده على أن تحظى كليته بمكانة في التعليم الجامعي وأن تسهم في تعليم أبناء مكة المكرمة التى احتضنت العديد من النخب المثقفة والاكاديمية ، مما أصبحوا من كبار المسئولين الذين شاركوا في تنمية البلاد في مختلف ميادينها . استمر الخوجه عميدا للكلية حتى انضمت كلية التربية وكلية الشريعة على جامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة ،ليقع الاختيار عليه أن يكون أول مشرفا على الجامعة المكية - فرع الجامعة في مكة - ليحفظ سجله له هذه الريادة الأكاديمية المبكرة للتعليم الجامعي في مكة المكرمة بالإضافة إلى منصبه عميدا للكلية
الإعلام ..والإدارة الحديثة .
لقد انتقل لتجربة جديدة في حياته وهي العمل في وزارة الإعلام وكيلا للشؤون الإعلامية ..وتجاربه الإعلامية مضيئة بدأت سنة 1970 م بتولي مجموعة من المناصب الإعلامية ، رأس المجلس الحكومي لتنمية الاتصالات ( الأونيسكو )، كما ترأس المجلس التنفيذي لوكالة الصحافة الإسلامية ،كذلك رئاسته لاتحاد الإذاعات الإسلامية ،،وفي سنة 1976م عين وكيلا لوزارة الإعلام للشؤون الإعلامية ثم معاونا لمعالي الوزير لشؤون الإعلام ، حيث عمل مع ابن مدينته الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام في تلك الفترة .
لرحاب الجامعة مرة ثانية
بعد عمله في وزارة الإعلام عاد من مرة أخرى لرحاب الجامعة وقاعات الدرس العملي لمواصلة رحلته العلمية في البحث العلمي وحضور المؤتمرات والمنتديات البحثية حتى يكون لصيقا لمجال تخصصه المعرفي ، حتى أصبح أستاذا في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة سنة 1984م .
وفي أقل من سنتين يتم تعيينه سفيرا في دولة تركيا بلاد الحضارة الإسلامية والتراث الإنساني .
تركيا والحضارة الإسلامية
• وفي تركيا (1986- 1992م ) انتقل من الحياة الأكاديمية التى عرفها أستاذا جامعيا وباحثا علميا إلى حياة جديدة وهي (الدبلوماسية) حيث كانت أولي المحطات للعمل الدبلوماسي الذي قضي فيه أكثر حياته الوظيفية حيث أمتد لما يقارب من 23 عاما قضاها متنقلا بين شرق العالم وغربه سفيرا يمثل بلاده خير تمثيل ، بارزا لجهدها الدولي ومواقفها الخارجية تجاه العالم ، محققا نجاحاته في هذا الميدان مما جعله حظي بتقدير القيادة لاختياره في مثل هذه المهمات الدبلوماسية .
التحول الدراماتيكي للاشتراكية
بعد عمله في وريثة الدولة العثمانية -تركيا- ، تم تعيينه سفيرا في روسيا الاتحادية -الاتحاد السوفيتي- حيث كانت تشهد روسيا انهيار الاتحاد السوفيتي فعاصر لحظات التحول البارز على خريطة المشهد العالمي للسياسة بانهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث كان معايشا لتحوله الدراما تيكي الذي شهده العالم الإشتراكي في أوائل التسعينيات الميلادية وظهور ( القطبية ) أو النظام العالمي الجديد ،وهذا التحول لدى العالم ومؤسساته الاشتراكية وتحديدا في روسيا التى تعد مركزه ، ومع هذه المتغيرات الجديدة لدى روسيا كان ينبغي أن يكون هناك دبلوماسية تستوعب هذه المرحلة ، فكان اختياره اختبارا جديا للدكتور عبد العزيز خوجه الذي استطاع أن ينجح في توطيد العلاقات السعودية والروسية على ضوء ما تنهجها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ، كانت مرحلته أولى بواكير تطور العلاقات الثنائية التي تجسدت فيما بعد بزيارات متبادلة بين قيادتي الدولتين ، وفي الجانب الأدبي كانت ثلوج روسيا أهم ما أثر في شاعريته على الرغم انه قرأ للكثير من أدباء ومثقفين وشعراء تلك البلاد ، وعرف موروثها الشعري والثقافي والموسيقي ، وهي مكونات لا يستبعدها الدكتور خوجه من روافد الإبداع الإنساني ، غير أن الأيدلوجيا السائدة هناك لم تتسق مع ما يجيش به مشاعره وانتماؤه الديني ، جاء ذلك ردا على ماذا كتب عن روسيا .
رائحة الأندلس في كل مكان
بعد أن عمل سفيرا في الشرق لدى روسيا تم تعيينه سفيرا في الغرب ،فعين سفيرا لبلاده في المغرب -المملكة المغربية- وفيها رأى بلاد الأندلس ليروي له المكان حكايته مع التاريخ ، أخذ يشم رائحة الأندلس في كل مكان ، ويتأمل في طبيعتها ، كما أنه من طنجا يستمتع برحلة بحرية عبر العبارة لأسبانيا “الأندلس المفقود” يزداد تأثره بمحافظة الأسبانيين على التراث العربي أكثر من العرب في بلادهم ، وقد عبر عن تلاقي الحضارات في بلاد المغرب وما تمثله من امتزاج ثقافي بأنها فسيفسائية جميلة مركبة ، مابين الحضارة العربية والحضارة الأما زيغية والنغمات الأسبانية والأندلس والفرنسيين ..أنه لقاء الشرق بالغرب ، يصوره لقاء المحيط بالمتوسط ، هكذا يقول الخوجه واصفا البلاد المغربية .
الصراع السياسي ..وسفير السلام
وحين صدر تعيينه سفيرا لبلاده في لبنان (2004-2009م ) عاش خضم الصراعات السياسية فاستطاع بدبلوماسيته وفاعليته في قراءة الأحداث أن يترجم أدوار المملكة المشرفة وان ينقل مواقفها بوضوح وثبات حتى في أصعب الفترات وأكثرها توترا ، وأن يكون السفير الأكثر حضورا في المشهد السياسي في لبنان مجسدا موقف المملكة العربية السعودية نحو لبنان واستقراره ،وأن يتعامل مع كل الأطراف برؤية معتدلة بارزا الموقف السعودي ، كما استطاع ان يتجاوز كثيرا من الأزمات السياسية والمواقف الصعبة بحنكة ودراية دبلوماسية عالية من الوعي السياسي والأداء الدبلوماسي ، حيث شهد لبنان أحداثا مأساوية من أبرزها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولا على الاجتياح الاسرائيلي المدمر ، لذا عمل على تفعيل دور المملكة من خلال مشروع إعمار لبنان وتقديم المساعدات مكونا علاقات طيبة مع الجميع .
جولات مع الدبلوماسية .. والتنوع الثقافي
لقد كان الدكتور عبد العزيز خوجه سندباد الذي طاف عدة بلدان في تجوال متنوع الاهداف والفوائد ، مابين الدبلوماسية الواعية باظهار مواقف وطنه لتلك البلدان التي عاش فيها ، كما تعرف على ثقافات تلك الشعوب التى كانت مختلفة في بلد زاره ، مستخلصا معادلات جديدة من تكوين الأوطان نفسها مستفيدا من علم الكيمياء ..حيث كيمياء الأوطان . وإن كانت هذه الدول تتمتع بثقافة تجمع بين الماضي والحاضر لما لها من ثقافات قديمة حافظت عليها ، هذا الترحال لم يمنع أن يحن سندباد لموطنه خاصة أنه يسكن في ذاكرته بطبيعة العمل المسند إليه ، وفي جانب اخر في نتاجه الشعري الذي نجده مسكونا بحب ذلك المكان الذي ينتمي إليه ، لذا لم يغادر كل بلد زاره وإلا ويبقي قصيدة وكثيرا من الحب .
عشق الدكتور خوجه التراث الإنساني ، وتحديدا التراث العربي مكانا ومنجزا إنسانيا ،يتمثل في ثقافاته وآدابه الحاضر دائما في أشعاره من خلال دواوينه الشعرية ، التي صاغها في مستويات مختلفة من الإيقاع الموسيقي الجميل المنسجم مع ايقاع الشعر العريي الذاتي والتأملي .وقد وظف ولعه بالموسيقى في شعره فنظم على إيقاعات متنوعة من الشعر واستخدم كل الأشكال الموسيقية في تجربته الشعرية ، مما جعل شعره يخلو من التعقيد والغرابة والتكلف المصنوع ، ويبرز اعجابه بالشعر العربي في معارضاته الشعربة حين يعارض أبرز عيون الشعر ، فيقول معارضا لقصيدة على بن الجهم :
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فيقول :
أعدت لنا عهد الصبابة والفكر
كبوح الهوى بين الرصافة والجسر
إن شاعرية الخوجة نهلت كثيرا من مجاله الدبلوماسي كونه سفيرا لبلاده ، وهو يمثل امتدادا لتجربة كبار الشعراء الذين ارتبطوا بالعمل الدبلوماسي مثل عمر أبو ريشه ونزار قباني وغازي القصيبي ومحمد الفهد العيسى وحسن عبد الله القرشي وغيرهم من الشعراء الدبلوماسيين . وقد طبع له مجموعة من الدواوين :» حنانيك» و»عذاب البوح «و»بذرة المعنى» و»جئت بعد الغرق « والصهيل الحزين « و»حلم الفراشة « و»الحب النبوى» ومن خبايا الوجد « و» على من أهواه « وقصيدة طويلة في المدح النبوي (لو أنهم جاؤوك ) في كتاب وقصيدة طويلة في المدح النبوي ( في حضرة النور )في كتاب وقصيدة أخرى في ديوان بعنوان أسفار الرؤيا )كتب عنه دراسات نقدية متعددة منها ( مختارات من شعر عبد العزيز خوجه )تأليف عبد الله عيسى ،و ( الحب النبوي في شعر عبد العزيز خوجه) إعداد مجموعة من الأدباء والمفكرين المغاربة ،و( القلق والذات الإبداعية ) دراسة في شعر عبد العزيز خوجه للدكتور إدريس بلمليح ، و أيام معهم للناقدة الدكتورة غريد الشيخ و( الخلاص : تحليل طوبو لوجي لقصيدة أسفار الرؤيا ) للدكتور إبراهيم المزدالي وعدد اخر من الكتب والدراسات مثل ( القلق والعشق في شعر عبد العزيز خوجة ) وتقنيات التعبير في شعر عبد العزيز خوجة ).
المصدر / جريدة المدينة / الاربعاء 23/2/1430هـ
0 تعليقات