الشبرية

مع التطور الكبير الذي تشهده مواسم الحج والعمرة، واطراد زيادة أعداد الحجيج والمعتمرين، ينزوي كثير من المظاهر التي تتأثر بالزمن لتحل محلها الافكار والادوات الحديثة التي تتسق مع التطور والحفاظ على جوهر اكمال الشعيرة.

تجاوز اعداد الحجاج المليونين خلال السنوات الاخيرة قاد الى اختفاء إحدى الوسائل المهمة التي كان يستغلها الحجاج كبار السن او المعاقون ممن يشق عليهم طواف الكعبة المشرفة، تلك الوسيلة التي تسمى بـ «الشبرية»
خدمت على مدى سنوات طويلة الكثير من الحجاج والمعتمرين، يحملها اربعة اشخاص ـ من مفتولي العضلات ـ ويطوفون بالبيت العتيق بسرعة كبيرة تصاحبهم اصوات ظلت مألوفة للطائفين، فتنفرج الجموع مفسحة الطريق لذلك الكرسي الخشبي المحمول على اربعة.

الحاج اليمني، علي اليافعي سأل عن «الشبرية»، اذ فصلت بين حجه هذا العام وآخر حجة نحو 20 سنة، طفق يسأل القائمين على الأمر، ليستغل تلك الاداة في الطواف، وقال انه لا يزال يذكر الحمالين الذين يطوفون في صحن الطواف وهم يرددون «خشب خشب» «طريق ياحاج».

ويصف اليافعي ذلك الموسم حين جاء برفقة زوجته وشاهد الاختلاف الكبير في الخدمات والمشاعر والتي وصفها بأنها أعجوبة القرن الحالي.

و«الشبرية»
بتشديد الشين المكسورة، والياء المفتوحة، التي يقول عنها المؤرخ المكاوي عبد الله محمد أبكر مؤلف كتاب صور من تراث مكة المكرمة إنها مهنة مكية قديمة بسيطة في شكلها كبيرة في معانيها الإنسانية، وأن هناك دلائل تشير الى أن هذه المهنة تعود الى ثلاثة قرون ولا توجد في أي بقعة من العالم إلا في مكة المكرمة.

ويتم تشكيل «الشبرية»
التي هي عبارة عن سرير على شكل مربع، من الخشب ولها بطن بارز الى الاعلى وتصنع من أخشاب خاصة منها الخشب الجاوي الأحمر، وكانت تصنع بواسطة نجارين حذاق بمكة بطريقه تلائم جميع أحجام الناس ثم يقومون بربط الحبل على مربعه لتخفيف السرير ولئلا يكون ثقيلا على الأكتاف عند الحمل.

أما القائمون بهذه المهنة ـ وفق أبكر ـ فأغلبهم من جنسيات افريقية خاصة من النيجيريين المقيمين في مكة المكرمة وتوارثوا المهنة في ما بينهم منذ زمن طويل. ويرتدى الرجال الذين يحملون «الشبرية» ويسمون بـ «الشبريين» ما يسمى بالـ «قمو»
وهي قطعة قماش كبيرة يلفونها مثل كورة العمامة ويضعونها على رأسهم لتخفيف ثقل الحمل عنهم.

وامتهن العاملون بـ «الشبرية»
هذه المهنة لمساعدة الضعفاء والعجزة وبالطبع من اجل كسب بعض المال، ويختلف حمالو الشخص بحسب وزنه، فهناك أشخاص يحملهم اثنان وآخرون يحملهم ثلاثة، والبعض أربعة أشخاص، ويجلس الحاج أو المعتمر فيها ماداً رجليه الى الأمام، ليتم التوازن والراحة للحاملين.

وكانت جماعة منهم تتفق مع المطوفين لحمل الحجاج العجزة في الطواف، ويذكر في الأثر أن البعض كان يذهب ويأخذ الحاج من مقر سكنه بعد الاتفاق مع المطوف، وبحسب احد الذين كانوا يعملون في تلك ألمهنه أن أجرها كان قديما 150 ريالا وارتفعت الى 700 ريال، ولكسر غلاء تلك الأسعار وكسر الاحتكارات أخضعت مهنة الشبرية لإشراف رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، فوضعت لها نظاما خاصا من ترتيب السرر وصفها في مكان واحد، بصورة منظمة، وتسجيل أسماء العاملين فيها، وضع تسعيرات ترضي الحامل والمحمول، بدءاً من 100 ريال سعودي وتزيد الى 200 ريال بحسب وزن الشخص والمواسم. كما تجد العاملين في الشبرية ملمين بكل اركان الشعيرة خاصة الطواف بسبب الاحتكاك المباشر مع المطوفين والحجاج.

واختفت في السنوات الاخيرة هذه الوسيلة التي سادت ردحا من الزمن بعد ان وفرت ادارة شؤون الحرمين الشريفين آلاف العربات المجانية أو عربات الأجرة للحجاج والمعتمرين، ويستغل الكثير من شباب مكة فترة الحج والعمرة للعمل في دفع تلك العربات والخروج بمكاسب مالية مقدرة

المصدر : جريدة الشرق الاوسط /العدد : 10972