جسر الجمرات

 

ربطت 49 حصاة ضيوف الرحمن بجسر الجمرات منذ العام الأول الذي بدأ فيه المسلم أداء مناسك الحج. وأصبح الممر الذي يرتقيه ثلاثة ملايين حاج لرمي جمرة العقبة وجمرات أيام التشريق يمثل أحد العلامات البارزة في موسم الحج منذ عام 1427هـ، خاصة بعدما دخل مشروع التطوير الذي بلغت تكلفته أربعة مليارات ريال، ليمثل نقلة حضارية وهندسية نوعية توفر أهدافا أساسية لانسيابية حركة الحجاج ضمن ظروف آمنة ومريحة. وهذا العام يدخل الجسر مرحلته الثالثة في المشروع، حيث يتميز بتعدد المداخل وتباعدها الأمر الذي يسهم في تفتيت الكتل البشرية عند المداخل وتسهيل وصول الحجاج إلى الجمرات. ويجسد تطوير جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به، والذي دشن مرحلته الأولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في التاسع من شهر ذي الحجة 1427هـ، الرعاية والاهتمام اللذين توليهما حكومة المملكة لحجاج بيت الله الحرام وتوفير أقصى وسائل الراحة والأمان والاستقرار بما يمكنهم من أداء مناسكهم في أيسر السبل وأفضلها وبما يحفظ لهم سلامتهم.

ومنذ القدم كان الحجاج يرمون الجمرات من خلال ممر أرضي واحد، إلى أن تطورت العملية في الرمي من خلال جسر علوي أنشئ بهدف التخفيف من حدة الازدحام في عام 1395هـ، إلا أن الزيادة في عدد الحجاج وشدة الحرارة ورغبتهم في النفرة من منى ظهر الثاني عشر من ذي الحجة على الفور وعدم الانتظار إلى ساعة متأخرة من ذلك اليوم أو المبيت يوما آخر في المشعر أدى إلى عدة حوادث مؤلمة بالقرب من مدخل الجسر وقبل الجمرة الصغرى في الأعوام 1403هـ، 1408هـ، 1410هـ، 1414هـ، 1417هـ، 1418هـ، مما دفع الجهات المعنية لعمل عدة تحسينات على الجسر إضافة لمخارج الطوارئ مع محاولة التفويج والتوعية مما ساعد على اختفاء الحوادث في هذه المنطقة.

وبالرغم من ذلك فإن كثافة الأعداد الهائلة التي تصعد إلى أعلى الجسر وتفوق طاقته الاستيعابية بكثير أدت إلى إيجاد بيئة وظروف حرجة للغاية تسببت في حوادث أخرى عند الجمرة في صباح اليوم العاشر من ذي الحجة في عامي 1421هـ، 1424هـ، 1426 هـ، مما أدى إلى وفاة العديد من الحجاج وإصابة الكثير منهم، مما دعا لحل مشكلة الجمرات من خلال اجتماع العديد من الخبراء المحليين والعالميين حفاظا على سلامة الحجيج.

وقد مرت الجمرات عبر التاريخ وحتى يومنا هذا بمراحل عدة، ففي القديم كانت أحواض الجمرات لا تتعدى منطقة صغيرة محددة بارتفاع صغير من تراب ونحوه ولم تكن الشواخص الحالية معروفة إلا من عهد قريب، ولكن ازدياد أعداد الحجاج في العهد العثماني دعا لمزيد من التنظيم من خلال بناء أسوار وبناء هذه الشواخص.

ومع ازدياد عدد الحجاج وضيق المساحة سارعت قيادة المملكة إلى بناء الجسر ليوفر إمكانية الرجم على مستويين وذلك عام 1395هـ (1975م) وتم توسعة دائرة الرجم في المستوى العلوي ليصبح قطرها حوالى (15) مترا بينما ظلت دوائر الرجم في الدور الأرضي على حالها السابق بقطر حوالي (6) أمتار وبلغ طول الجسر حوالى (924) مترا من بداية منحدره إلى نهايته وذلك للوصول إلى حد مناسب لصعوده من قبل العجزة وكبار السن، وفقا لدراسة علمية أعدها وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية رئيس الإدارة المركزية للمشروعات التطويرية الدكتور المهندس حبيب بن مصطفى زين العابدين ، وقد تكررت الحوادث بسبب بعض أخطاء التصميم والتنفيذ وتوالت أعمال التحسين عليه في عام 1421هـ وعام 1425هـ مما دفع إلى تطوير الجسر بشكله الحالي والذي تقدر تكلفته بأربعة مليارات ريال (1.7 مليار دولار)، ويتوقع الانتهاء منه السنة القادمة.

المصدر /جريدة عكاظ / الإثنين 10/12/1429هـ