الشيخ علي ملا " المؤذن بالمسجد الحرام "

 

قضى شيخ المؤذنين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة علي أحمد علي ملا أربعين عاما في رحاب الحرم المكي الشريف.. متنقلا بأذانه ذي الأداء المتقن والصوت الجميل بين منارات المسجد الحرام منذ أن كان الأذان بمئذنة بباب الزيادة بلا ميكرفون حتى انتقل إلى المكبرية والتي مازال يصدح فيها بصوته العذب مالئا أرجاء الأرض بالأذان على مدار الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
المؤذن علي ملا يستعرض في حديثه لـ«المدينة» ذكرياته الرمضانية وغير الرمضانية والمواقف التي صادفته في مسيرته الحافلة بحب الناس له.. إلى الحوار:
• بداية حدثنا عن بدايتك في الأذان بالمسجد الحرام؟
البداية كانت في السبعينات وحياتي كلها كانت في الحرم الشريف منذ أن كنت صغيرا حيث كنا نسكن في حارة سوق الليل وكان للوالد دكان صغير في القشاشية فكنت أجلس معه بالدكان وأصحبه وأصحب عمي الشيخ عبدالرحمن ملا إلى الحرم للأذان.. وكان كبار المؤذنين يتواجدون في دكان الوالد ودكان عمي مثل الشيخ عبدالله بصنوي والشيخ عبدالرحمن بصمجي والشيخ حسن لبني رحمهم الله مما سهل لي الذهاب معهم إلى منارات الحرم وكانت هناك آنذاك سبع منارات للحرم والأذان كان يؤدى من منارة باب الزيادة حيث كان الأذان بدون ميكرفونات فكنت أؤذن فيها وكانت هذه المنارة بمثابة المدرسة للمؤذنين فكنت أستأذن من عمي أو من أي شيخ من المؤذنين وأؤدي الأذان منها في أي فريضة.. بعد ذلك انتقلت من منارة باب الزيادة إلى منارة باب المحكمة وكان الأذان يؤدى فيها من خلال ميكرفونات وكانت هذه المنارة مخصوصة لعمي المؤذن عبدالرحمن ملا فكنت أؤذن فيها فاستحسن الناس صوتي واستمريت في الأذان.. وكان عمري آنذاك خمسة عشر عاما، ثم جاءت فترة انتقالي لمدينة الرياض لمواصلة الدراسة في معهد التربية الفنية فانقطعت عن الأذان في الحرم لكني كنت أؤذن في مساجد الرياض.. وبعد تخرجي تم تعييني في مدرسة عبدالله بن الزبير المتوسطة بمكة المكرمة وكان ذلك عام 1391هـ فعدت للأذان في الحرم الشريف وفي عام 1395هـ تم تعييني مؤذنا رسميا بالحرم الشريف واستمريت إلى يومنا هذا والحمد لله.

• وماذا عن مراحل انتقال الأذان من المنارات إلى المكبرية؟
في السنة التي تم تعييني فيها مؤذنا انتقل الأذان إلى المكبرية أي عام 1395هـ تقريبا.

• كم كان عدد المؤذنين آنذاك؟
كان عددنا نحن المؤذنين آنذاك 24 مؤذنا، نتناوب على أداء الأذان.

• كيفية استعدادكم كمؤذنين للشهر الكريم.
الاستعداد ليس فقط لشهر رمضان المبارك وإنما على مدار العام حيث هناك جدول أقوم بإعداده كوني شيخ المؤذنين بالتناوب بين الزملاء حيث يتواجد في كل فريضة مؤذن وملازم واحتياطي، فالمؤذن يؤدي الأذان والملازم يقوم بالإبلاغ عن الجنائز والاحتياطي يكون في جاهزية تامة ليسد مكان المؤذن عند تأخره أو غيابه.

• هناك من يقول إن صوت المؤذن علي ملا صار قليلا ما نسمعه في الآونة الأخيرة.. فهل تكليفك شيخا للمؤذنين أخذ وقتك عن الأذان؟
لم تأخذ مشيخة المؤذنين وقتي كاملا لكني أصبح لدي مسؤولية هي الإشراف على المؤذنين ومتابعتهم في كل فريضة وإعداد الجدول لهم وبالتالي تعددت لدي المسؤوليات ومع ذلك تجدني متواجدا في الأوقات المحددة لي في الجدول.

• وما هي مهمة شيخ المؤذنين؟
مشيخة المؤذنين أولا تكليف من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام ومهمة الشيخ توزيع جدول مناوبة المؤذنين والإشراف عليهم ومتابعتهم والتخاطب مع الرئاسة فيما يخص المؤذنين.

• هل هناك فروق من حيث الأداء بين الأذان المكي والمدني؟
نعم هناك في الأداء فأهل مكة لهم أسلوب في الأداء يختلف عن أي مكان وكل بلد لها أداء معين في الأذان.. فتجد الأذان المدني فيه تبحير ورقة في الصوت وأهل المدينة يمتازون برقة الصوت.. بينما نمتاز نحن في مكة بقوة الصوت، والحمد لله استطعت أن أجمع بين صوت المدينة والأسلوب المكي قدر المستطاع.

• حدثنا عن برنامجك اليومي في شهر رمضان المبارك.
برنامجي كشيخ للمؤذنين يختلف قليلا عن برامج المؤذنين فلدي خلال الليل متابعة من خلال التلفاز والراديو والسؤال بالهاتف قبل كل فريضة حتى أطمئن على العمل ثم أصلي الفجر وأجلس حتى الإشراق حيث أصلي صلاة الشروق ثم أنام إلى قبل صلاة الظهر حيث أستأنف برنامج المتابعة للمؤذنين فإذا كان عندي نوبة نزلت وإن لم يكن لدي نوبة أفطر مع أسرتي وأحيانا أنزل إلى الحرم الشريف لأتابع من قرب.

• هل هناك فرق بين المؤذن والإمام من حيث الإعداد للفريضة؟
ليس هناك أي فرق.. عادة المؤذن يسبق الإمام بفترة زمنية، فمثلا في أذان الفجر نتواجد قبل الأذان الأول بساعة ونصف الساعة استعدادا للأذان وهناك تنسيق بيننا في المكبرية وبين المسؤولين عن الميكرفونات التي عند الإمام.

• هل تتمنى أن تكون إماما أم تبقى مؤذنا؟
أفضل أن أبقى مؤذنا.. فالإمام أمين والمؤذن مؤتمن وهنا فيه فضل للمؤذن، وما ورد من فضل للمؤذنين يجعلني أفضِّل البقاء مؤذنا.

• حدثنا عما مر عليك من مواقف سواء في شهر رمضان أو في غيره من سائر أشهر السنة.
المواقف كثيرة منها موقف كنت في ماليزيا ومعي أسرتي وقبل صلاة الجمعة بوقت مبكر دخلت أحد المساجد ووجدت المؤذن وهو نفسه الإمام وكان يقوم بتجهيز الميكرفونات استعدادا للأذان فعرضت أن أؤذن فنظر إلي وقال إذا حان وقت الأذان، فجلست وعندما حان الأذان ناداني وأخذني على بدروم المسجد والمكتبة وهناك ألبسني قميصا «سترة» وقبعة لأن هذا نظام ولباس خاص للمؤذن والإمام عندهم فلبست القميص والقبعة وطلعت لأؤدي الأذان وقبل طلوعي سألني عن اسمي فقلت له «أنا علي ملا مؤذن المسجد الحرام بمكة المكرمة» فقام وعانقني وضمني وبدأ يتصل بالناس المسؤولين القريبين من المسجد، وغيَّر السترة التي ألبسني إياها لأن الاولى كانت ضيقة وأحضر لي سترة واسعة وأعلن أمام المصلين بأن من سيرفع الأذان هو مؤذن المسجد الحرام بمكة المكرمة وعقب الصلاة اجتمع علي الناس يسلمون ويتصورون معي.. وأولادي في مصلى النساء لوحدهم لأن النساء خرجن ولا بيني وبينهم اتصال وأصروا علي أن أتغدى معهم ولم يسمحوا لي إلا بعد محاولات شاقة فذهبت لأسرتي التي كانت تنتظرني ولا تعلم عني شيئا فوجدت الأولاد ينتظرون وعليهم علامات الحيرة لأنني تأخرت كثيرا عليهم.. فهذا من أحد المواقف التي مرت علي، وموقف آخر في مجال آخر قبل أن أتقاعد كنت مشاركا في الكشافة وكان قائدنا في ذلك الوقت الأستاذ سليمان الزايدي «مدير التعليم آنذاك» فلما صرفوا لنا بدلا رياضية لم يكن هناك بدلة على مقاسي فأعطوني بدلة قصيرة وذهبت لأوقع بعض الأوراق من الأستاذ سليمان فلما شاهدني استغرب وسألني «من صرف لك هذه البدلة؟» فقلت له «إن الاخوان في إدارة الكشافة هم من صرفوها لي بحجة أن ليس لديهم بدلة أخرى ولا يستطيعون أن يفصلوا لي بدلة» فأدار الهاتف عليهم وطلب منهم بأن يفصلوا لي بدلة وبأسرع وقت.. وكان موقفا مضحكا.

• خلال زياراتك مع المشايخ والعلماء لبعض البلدان كنت تؤذن في المساجد التي تقومون بزيارتها.. كيف كنت ترى شعور المصلين في تلك البلدان وهم يسمعون صوت أذان مؤذن الحرم الشريف؟
كان شعور المسلمين في تلك المساجد خارج المملكة شعور لا يوصف فكنت بعد الصلاة أقابل بحفاوة ومحبة من قبل المصلين بل إنهم يتزاحمون حولي يضموني ويقبلون رأسي.

• متى كان اول أذان لك خارج المملكة؟
أول أذان لي خارج المملكة كان في افتتاح مسجد في كراكاس بفنزويلا وكنت برفقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز.. ثم بعد ذلك في أدمبرة ثم في جبل طارق بإسبانيا وغير ذلك من الدول. وكان الناس يتشوقون من خلال صوت الأذان للمسجد الحرام ويستحضرون ذكرياتهم.

• بما أن عائلة الملا منها عدد من المؤذنين.. فهل وجدت في أبنائك من يؤهله صوته للأذان في الحرم المكي الشريف؟
لدي الابن الأكبر المهندس عاطف صوته جميل ويؤدي الأذان في المسجد الخاص بموقع عمله.. وصوته قريب لصوتي.

• حدثنا عن المقامات في أداء الأذان.
أولا هناك أذان شرعي وهو قصير ويخلو من التبحير أما التبليغ وهو ما يؤدى خلف الإمام فلأدائه مقامات وهذه المقامات مجموعة في كلمة «بحمر دسج» وهي أعني هذه المقامات عرفناها من خلال الخبرة ومرافقة كبار المؤذنين لكنها تدرس عند المنشدين.. فتجد بعض المشايخ يقرأون في الحرم بأنغام قد لا يعرفونها لكننا نحن نعرفها.

• وما الفائدة من هذه المقامات؟ وماتفسير حروفها؟
فائدتها أن جمال الصوت لا يظهر إلا من خلالها.. أما تفسير حروفها فالباء يعني «بنجكا» والحاء «حسيني» والميم «مايا» والراء «رصد» والدال «دوكا» والسين «سيكا» والجيم «جاركا». وكل اسم من هذه المسميات يعتبر مصطلحا له نغمة لا يعرفها إلا كبار المؤذنين والمقرئين.

• وهل تتوافق هذه المقامات مع قراءة الإمام لاسيما وأن البعض قد لا يعرفها؟
قراءة الإمام هي التي من خلالها تنتج المقامات فيؤدي المؤذن الأداء بنغمة متوافقة مع أداء صوت الإمام، فإذا كان أداؤه مثلا أداء «المايا» لابد للمؤذن أن يؤدي نغمة المايا.

• مَن مِن الأئمة يقترب أداء صوته من هذه المقامات؟
عندنا الشيخ عبدالله الجهني والشيخ ماهر المعيقلي والشيخ خالد الغامدي وكل إمام نتعامل مع أداء صوته بالمقامات المناسبة للأداء.. وهناك الشيخ ابن حميد لديه طبقة صوتية تحتاج لمقام الحسيني، ولعلمك ليس كل مؤذن يؤدي نفس المقامات فربما يؤديها بطريقة وأسلوب آخر، وللعلم المشايخ يقرأون ربما بدون أن يعلموا أن نغمة الصوت مواتية لمقام معين.. لكننا نعرف ذلك.

المصدر جريدة المدينة / 5 رمضان 1429هـ ( من اعداد : طالب الذبياني)