الشيخ توفيق خوج " المؤذن بالمسجد الحرام "
الصوت هو بطاقته التى يعرفه من خلالها المصلون . نغم يصدح فى أذن مليار مسلم وهو يتغنى بأذان الرحمن أمام “مكبرية المسجد الحرام . وبعيدا عن الصوت وجماله والنغم الذى يترقبه الجميع يبقى للمؤذن توفيق عبدالحفيظ خوج مع الأذان رحلة طويلة بدأت وهو لم يكد يبلغ من العمر ثماني سنوات حيث دأب على مرافقة والده الى المسجد والاستمتاع بالأذان بصوت ابيه وبقية المؤذنين ... التقيناه لنسمع من صوته التاريخ الجميل والرحلة الولادة بالذكريات ونقف على البدايات الأولى ومظاهر التعلق الغريب بالمكبرية ونسأل كيف كان يرى ذاته وهو امام الجموع الملتفة فى صحن الطواف ؟.
** المؤذن توفيق خوج .. معلم صاحب بصمة واضحة فى محراب التعليم بمكة .. فماذا عنها؟
انا من مواليد مكة المكرمة عام1386 بحي المدعى وهو من أقدم أحياء مكة المكرمة ولقد نشأت في ذلك الحي وحتى وقت تخرجي في الجامعة وكانت مسيرتي التعليمية بمدارس مكة المكرمة حيثُ التحقت بالمرحلة التعليمية الابتدائية في عام 1394هجرية بمدرسة المشعلية بمقرها بالحلقة القديمة ثم المرحلة التعليمية المتوسطة في عام 1400هجرية بمدرسة الزبير بن العوام بالمعابدة ثم التحقت بالتعليم الثانوي بمدرسة الملك عبدالعزيز بحي العزيزية في عام 1403هجرية وبعدها وفي عام 1406هجرية التحقت بجامعة أم القرى بكلية العلوم التطبيقية قسم الكيمياء والذي تخرجت منه في عام 1411هجرية قبل الالتحاق بالعمل كمعلم لمادة العلوم والكيمياء بمدارس مكة المكرمة وكان ذلك من عام 1412هجرية وتحديداً في العشرين من شهر جمادى الأولى ومستمر ولله الحمد حتى الآن بالعمل بمدارس تعليم مكة المكرمة .
* ما مظاهر التعلق بالأذان والارتباط الواضح بالمكبرية . ومتى بدأت هذه الصحبة ؟
- البداية قديمة جداً وتحديداً وأنا في سن ثماني سنوات حيثُ كنت أرافق والدي رحمه الله إلى المسجد الحرام وكان يصطحبني أنا وشقيقي عصام إلى المكبرية في المسجد الحرام وكنت أتمتع بالاستماع إلى أذان والدي وبقية المؤذنين ولذلك تعلق قلبي بالأذان ومن المواقف الجميلة والتي تدل على براءة الأطفال كنت أقوم بالصعود فوق احدى خزائن الملابس لدينا في البيت وأتخيلها وكأنها المكبرية ثم أقوم برفع الأذان ويقوم شقيقي توفيق بارتداء قطعة من القماش وكأنها تمثل المشلح ويدخل إلى الغرفة ويقوم بدور الامام ولذلك ترعرع حب أداء الأذان من نعومة أظافري وبعد وفاة والدي رحمه الله في عام 1412هجرية وتحديداً في العاشر من شهر رجب بعد أن قضى أكثر من (66)عاماً في رفع الأذان بالمسجد الحرام قمت برفع الأذان بالمسجد الحرام وكان ذلك في أذان الفجر الأول من يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول لعام 1413هجرية حيثُ تشرفت برفع الأذان لأول مرة ووقتها وذلك من المواقف المؤثرة التي ظلت بذهني أنني وعند رفع الأذان تخيلت أن كل شيء حولي أصبح فارغاً ولم أستطع مشاهدة المصلين والطائفين في صحن الطواف ولم يبق أمام ناظري غير الكعبة المشرفة وظلت تلك الحالة التي أنا عليها حتى الانتهاء من رفع الأذان وعاد كل شيء بعدها لحاله وكان ذلك الموقف من المواقف التي تعرضت لها في أول أذان قمت برفعه في المسجد الحرام.
* كيف تم السماح لك بالأذان فى هذا السن الصغير؟ وكم مدة التجربة التى خضتها ؟
- كنت في تجربة تحت متابعة لجنة تم تشكيلها من كل من فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس مجلس الشورى الحالي وعضوية عدد من المشايخ وضمت كلاً من شيخ المؤذنين في ذلك الوقت المؤذن عبد الملك ملا (رحمه الله) وعضوية الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام وطه البركاتي وقد بقيت في التجربة لمدة ناهزت سنة وخمسة أشهر وكنت وقتها أنا وكذلك زميلي المؤذن أحمد بصنوي في تلك التجربة وبعد انقضاء فترة التجربة والتي كان يتم فيها تسجيل صوتي عبر أشرطة التسجيل وتقيمها من قبل اللجنة كنت وقتها أتشارك في الأذان مع المؤذن الشيخ محمد معروف والمؤذن الشيخ عبد الله سباك حتى جاء قرار الترسيم بالعمل كمؤذن بالحرم المكي الشريف وكان ذلك في غرة جمادى الأولى لعام 1414هجرية حيثُ أصبحت مؤذنا رسميا بالحرم ومستمر حتى وقتنا الراهن.
* ما السبب فى احتفاظكم باوراق تقويم ام القرى وماذا عن اكثر المواقف تأثيرا فى حياتكم ؟
- في الحقيقة أنا أقوم بالاحتفاظ بأوراق تقويم أم القرى وذلك لمعرفة الأحداث المهمة التي وقعت في ذلك اليوم وارتبطت بحدث خاص بي ولذلك أن أحتفظ بتلك الأوراق من التقويم كشواهد على تلك الأحداث التي وقعت والرجوع إليها وقت الحاجة اما عن المواقف الصعبة التي أثرت في نفسي كثيراً ولعل هنالك موقفين كانا لهما أبلغ الأثر جداً جداً وكان الموقف الأول تمثل في خبر وفاة والدي رحمة الله عليه حيثُ كنت وقتها حديث التعيين في عملي كمعلم بوزارة التربية والتعليم وقد فرح والدي ووالدتي كثيراً بتخرجى من الجامعة وحصولي على درجة البكالوريوس وكذلك فرحتهما بهذا التعيين ولكن الفرحة لم تستمر طويلاً وأما الموقف الاخر فقد كان من المواقف التي لم أتمالك نفسي عنده كثيراً وترقرقت عيناي بالدمع كثيراً (يتذكر ويقول الموقف لـ «المدينة»و يبكي) كان عند وفاة زوجتي رحمها الله حيثُ توفيت اثر عارض صحي وكانت الصلاة عليها عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام وكنت برفقتها (أي الجنازة) أنا ووالدها وأشقاؤها وأقاربي وزملائي ننتظر الانتهاء من صلاة العصر ومن ثم تأدية صلاة الميت عليها تحت المكبرية فأتاني زميلي بالحرم الشيخ المؤذن نايف فيده وطلب مني الصعود إلى المكبرية ورفع النداء بالتكبير بالصلاة على الأموات والتي كانت زوجتي وقتها من ضمنهم ومع بقية الجنائز وتحت إلحاح من الشيخ نايف قمت بالصعود إلى المكبرية ووقفت أمام الميكروفون لرفع النداء بالصلاة على الأموات فلم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء وقتها وخاصة عند قيامي بالنداء بالتكبير بقولي أمام المكبرات (الصلاة على الأموات يرحمكم الله) فهذا موقف لم ولن أنساه أبداً ما حييت ويظل عالقا في ذهني دائماً وأتذكره بصورة مستمرة .
* كيف يكون الاستعداد لرفع أذان صلاة المغرب في رمضان؟
- في الحقيقة يكون في رمضان جدول معد لتنظيم أوقات ومواعيد الأذان ويتفق عليه كافة الزملاء من المؤذنين وعندما يكون الدور علي في النداء لرفع أذان المغرب أحرص على الحضور المبكر وبوقت كاف إلى المكبرية والاستعداد لرفع الأذان وخلال ذلك الوقت أتشرف بالنظر إلى الكعبة المشرفة والاستمتاع بمشاهدة الطائفين والراكعين وتلاوة القرآن والذكر وعندما يحين الوقت لرفع الأذان وذلك بعد إضاءة المصابيح التي توضح بأن الميكروفونات والتجهيزات الصوتية على أتم الاستعداد وتزامن التوقيت سواءً الزوالي أو الغروبي وفق مواعيد أذان صلاة المغرب حسب توقيت تقويم أم القرى أشرع في رفع النداء لأذان صلاة المعرب فالمؤذن يعتمد على الإشارة الضوئية وعلى التوقيت الزمني.
* ما شعوركم وأنتم ترفعون النداء لأذان صلاة المغرب في شهر رمضان المبارك؟.
- في الحقيقة أشعر عند الشروع برفع الأذان لصلاة المغرب والذي يمثل الإذن للصائمين في الشروع بالإفطار في أيام هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك بالارتياح والطمأنينة النفسية وكنت وما زلت عند النداء لرفع الأذان أقوم بالدعاء وهذا الدعاء محبب إلى قلبي كثيراً (اللهم أجعل أجر وثواب هذا الأذان والإقامة في بيتك الحرام لوالدي ووالدتي ولي ولزوجتي وأبنائي وأبناء أبنائي) ثم أشرع بالصلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم البسملة وبعدها أشرع في رفع الصوت بالنداء بالأذان وهذا العمل أقوم به قبل كل أذان سواءً في شهر رمضان أو بقية الأيام التي تكون علي مهمة رفع الأذان في المسجد الحرام.
* هل هنالك فرق بين إمام الحرم ومؤذن الحرم؟.
- كل له منزلته عند الله سبحانه وتعالى فالأمام ضامن والمؤذن مؤتمن ولكل منهما مهامه .
* هل تتمنى أن تصبح إماما للحرم أم أن تبقى مؤذنا؟
- في الحقيقة أتمنى أن استمر كمؤذن في الحرم وكما أشرت لكل منهما منزلته عند الله وأنا أتمنى أن استمر كمؤذن وللمؤذن أجر كبير والأحاديث على ذلك من السنة النبوية المطهرة كثيرة وعديدة.
* نود أن نتعرف على أبرز المواقف المهمة والطريفة والحرجة التي تمر عليكم أثناء رفع الأذان في المسجد الحرام ؟
من المواقف أنني عندما أزور بعض الدول العربية وخاصة سوريا أقف أمام إلحاح من الأشقاء وطلب منهم برفع الأذان في المساجد هنالك وكثيراً ما أن أفرغ من الأذان حتى أشاهدهم وأعينهم تفيض من الدمع بسبب أن الأذان قد ذكرهم بمكة المكرمة وقدسية المكان والحنين إلى الكعبة المشرفة والصلاة في المسجد الحرام بل وتعدى الأمر أنني بكيت وأنا أقوم برفع الأذان في أحد مساجد سوريا حيثُ تذكرت الحرم المكي الشريف وتذكرت وقوفي لرفع النداء فيه ومن المواقف الطريفة والتي كانت مع زميلي الشيخ فاروق حضراوي في أحد الأيام حيثُ كان هو المؤذن الأساسي وأنا الملازم وكان دوره هو رفع الأذان ومن ثم الإقامة والتكبير ودوري هو أن أقوم بالنداء بالتكبير للصلاة على الأموات وكان ذلك في أيام الحج وبعد أن تم وضع الجنائز أمام الأمام وكانت هنالك زحام شديد من قبل المصلين وأقارب المتوفين وكنت أقوم بالمتابعة عبر الشاشة التلفازية الموجودة أمامي وأثناء متابعتي لم ألاحظ أن المؤذن فاروق حضراوي قد أبتعد عن الميكروفونات وقام الإمام بالصلاة على الأموات ولم أقم بالتكبير وراءه فظللت أنظر إلى المؤذن فاروق وأقوم بالإشارة إليه أن يتقدم للترديد وراء الإمام وبدوره فاروق يقوم بالإشارة أنني أنا من يقوم بالتكبير والترديد حيثُ أنني المؤذن الملازم فكان ذلك من المواقف المحرجة والمضحكة في نفس الوقت حيثُ أصبحنا في موقف محرج وتدخل المؤذن فاروق وأنهى الموقف وقام هو بدور الترديد وبعد الانتهاء أصبحنا نضحك على بعضنا البعض .
* من هم مؤذنو الحرم المكي الشريف حالياً؟ وكيف يتم تنسيق العمل بينكم؟ .
- فالحقيقة هنالك عوائل مكية عرفت بقيام أبنائها بالأذان في المسجد الحرام ولعل من أبرزه آل معروف وكذلك آل شاكر وأيضاً آل البصنوي وأيضاً آل الريس إضافة إلى آل خوج وقد أوضحت ذلك العديد من المراجع والكتب والتي ترجع تلك العوائل بالأذان إلى ما يقارب (250) عاماً تقريباً ويبلغ عدد المؤذنين حالياً في المسجد الحرام (12) مؤذنا بمن فيهم شيخ المؤذنين الشيخ المؤذن علي ملا وهم الشيخ المؤذن عبد الله ريس والشيخ المؤذن علي معمر والشيخ المؤذن عبد العزيز ريس والشيخ المؤذن محمد مؤذن والشيخ المؤذن محمد شاكر والشيخ المؤذن فاروق حضراوي والشيخ المؤذن محمد معروف والشيخ المؤذن أحمد بصنوي والشيخ المؤذن نايف فيده والشيخ المؤذن ماجد العباسي ومحدثكم حيثُ أعتبر أنا المؤذن من الجيل الخامس من مؤذني آل خوج ونحن نتشرف بهذا الفضل الكبير من الله بأن نكون من مؤذني المسجد الحرام ويتم التنسيق بتواجد ثلاثة مؤذنين في كل صلاة الأول هو المؤذن الأساسي والذي يقوم برفع النداء والأذان والإقامة والترديد وراء الأمام والمؤذن الثاني يسمى الملازم ودوره هو التكبير للصلاة على الأموات والجنائز وأما المؤذن الثالث فهو المؤذن الاحتياطي ودوره هو الإنابة عن المؤذن الأساسي أو المؤذن الملازم عند غيابهم ويقوم شيخ المؤذنين بالتنسيق وفق جدول لمتابعة سير العمل بين المؤذنين وهنالك إدارة خاصة تعرف بإدارة الأئمة والمؤذنين في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام مسئولة عن متابعة أعمال الأئمة والمؤذنين.
المصدر جريدة المدينة: الاربعاء 3 رمضان 1429هـ - من اعداد : هاني قفاص .
0 تعليقات