المقــعــد .. شرفة الروح في دار آل أزهـر
المقــعــد .. شرفة الروح في دار آل أزهـر
في الدور العلوي من دار أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر رحمهم الله ورحم من تبعهم يرتفع “المقعد” كجوهرة معمارية تطل على الماضي والحاضر معًا. ليس مقعدًا اعتياديًا بل ركنًا ظل عبر عقودٍ طويلة يحمل أحاديث العائلة ويحتضن لحظات الصفاء ويستقبل نسمات مكة المحملة برائحة التاريخ والسكينة.
المقعد ..
هو الشرفة التي جلس عليها الجميع كبارًا وصغارًا. هو ذاكرة من الطين والخشب والسكون .. وهو فصل حميمي من فصول البيت المكي القديم.
أول المشاهد: ضوء يدخل من سلال الروشان
حين تشرق الشمس على دار آل أزهـر تكون أولى محطاتها المقعد. يتسلل الضوء من بين خشب الروشان المخرم بعناية تشبه صناعة المجوهرات فتتشكل على أرض المقعد لوحات من ظلال ذهبية تتغير مع تغير الشمس.
كان البيت يستيقظ على هذا الضوء .. وأول من يلحظه عادةً هي ستات البيت إذ يرفعن الستائر أو يفتحن القلابيب فينعكس النور على وجوههن ويحمل إليهن أول نبضٍ من نبضات اليوم.
ذلك الضوء كان يوقظ الحياة .. ويشعر كل من يراه أن يومًا جديدًا بدأ يحمل بركة مكة ونسيمها.
حياة تعبر تحت المقعد .. وعيون تراقب من علٍ
المقــعــد .. شرفة الروح في دار آل أزهـر
في الدور العلوي من دار أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر رحمهم الله ورحم من تبعهم يرتفع “المقعد” كجوهرة معمارية تطل على الماضي والحاضر معًا. ليس مقعدًا اعتياديًا بل ركنًا ظل عبر عقودٍ طويلة يحمل أحاديث العائلة ويحتضن لحظات الصفاء ويستقبل نسمات مكة المحملة برائحة التاريخ والسكينة.
المقعد ..
هو الشرفة التي جلس عليها الجميع كبارًا وصغارًا. هو ذاكرة من الطين والخشب والسكون .. وهو فصل حميمي من فصول البيت المكي القديم.
أول المشاهد: ضوء يدخل من سلال الروشان
حين تشرق الشمس على دار آل أزهـر تكون أولى محطاتها المقعد. يتسلل الضوء من بين خشب الروشان المخرم بعناية تشبه صناعة المجوهرات فتتشكل على أرض المقعد لوحات من ظلال ذهبية تتغير مع تغير الشمس.
كان البيت يستيقظ على هذا الضوء .. وأول من يلحظه عادة هي ستات البيت إذ يرفعن الستائر أو يفتحن القلابيب فينعكس النور على وجوههن ويحمل إليهن أول نبضٍ من نبضات اليوم.
ذلك الضوء كان يوقظ الحياة .. ويشعر كل من يراه أن يومًا جديدًا بدأ يحمل بركة مكة ونسيمها.
مجلس النساء المفتوح على السماء
إذا كان المجلس هو صالون الاستقبال فإن المقعد هو صالون الروح. فقد كان المكان المفضل لنساء العائلة للجلوس صباحًا:
• تعد القهوة على نار هادئة
• يعبق المكان برائحة الهيل
• تتصاعد الأحاديث تبدأ خفيفة ثم تتشعب
• تحكى القصص القديمة .. حكايات الزواج تربية الأبناء أيام مكة قبل التوسعة
• تطرح الحلول لمشكلات الأيام
• وتنسج النصائح كهدايا محبة بين القلب والروح
تجلس النساء قريبًا من بعضهن في دائرة تشبه مجالس الجدات التي نقرأ عنها في الكتب .. لكنها هنا حقيقية .. زمنية .. دافئة ..
المقعد كان أشبه بفناء صغير لكنه واسع بما يكفي لاحتواء العالم.
صوت الأطفال .. وبداية الذاكرة
كان أطفال آل أزهـر يجدون في المقعد ملعبًا بأجنحة:
• يركضون
• يضحكون
• يختبئون
• ويصنعون ألعابًا من الخشب والحبال
• يلاحقون ظل الروشان الممتد على الأرض
• أو يستندون على الجدار ليستمعوا لقصص الكبار دون أن يراهم أحد
هناك .. على المقعد .. تعلم الأطفال أولى قواعد الحياة:
• ألا يرفعوا أصواتهم حين تجلس الجدة
• وأن يتركوا مكانًا للمسنات
• وألا يعبثوا بأكواب الشاي المرتبة بعناية
• وأن يحيوا الداخل بابتسامة
إنه المكان الذي بدأ فيه الوعي الأول حيث صيغت شخصية الأبناء على عادات مكة الأصيلة: الوقار الأدب المحبة والحياء.
ملاذ الهدوء .. حين يسكن البيت
في ساعات الظهيرة الطويلة حين يسكن البيت ويهدأ كل شيء يصبح المقعد مكانًا للتأمل. يجلس فيه أحد أبناء الدار أو إحدى نسائها يستند إلى الجدار ويترك للريح أن تحاور روحه.
كم من دعاءٍ رفع هنا .. كم من قرارٍ اتخذ .. كم من هم خف .. كم من عينٍ أغمضت لترتاح .. وكم من حلمٍ صغيرٍ تخمرت بذوره على هذا المقعد الهادئ.
كان المقعد باحة صلاة بلا محراب .. ومحرابًا دون إعلان .. وموطنًا للطمأنينة في وقت كانت فيه البيوت تصنع السكينة من أبسط تفاصيلها.
المقعد .. بقايا عطر الأيام
اليوم حين نتذكر المقعد في دار آل أزهـر لا نتذكر الخشب فقط ولا الجدار ولا ارتفاع المكان .. بل نتذكر:
• أصوات الجدات
• قصص الأمهات
• ضحكات الأطفال
• نسمات الفجر
• رائحة القهوة
• دفء اللقاءات
• وهدوء العصر الذي لا يشبهه شيء اليوم
نتذكر التفاصيل الصغيرة التي صنعت حياة كبيرة. نتذكر أن المقعد كان روحًا أكثر مما كان مكانًا.
المقعد .. صفحة من كتاب العائلة وروح من أرواح البيت المكي الذي لا يزال ينبض في ذاكرة الأحفاد.
ويبقى المقعد شاهدًا على عصرٍ من الألفة وركنًا من تراثٍ لا يشترى وجزءًا أصيلاً من هوية دار آل أزهـر.
وحين يكتب تاريخ البيت سيكون المقعد من أول ما يذكر .. لأنه لم يكن جدارًا أو جلسة .. بل كان مكانًا يربط الأرض بالسماء والناس بالناس والروح بالهدوء.
✍️
بقلم : أ.د. عصام إبراهيم أزهـر
0 تعليقات