الصفة في بيت آل أزهـر .. ذاكرة تطل على الفرح

الصفة في بيت آل أزهـر .. ذاكرة تطل على الفرح

في قلب البيت المكي العريق لآل أزهـر وفي الدور العلوي تحديدًا كانت تقع الصفة ..
مساحة صغيرة في حجمها كبيرة في أثرها تطل بوقار عبر نافذة على الديوان. ذاك المسرح الاجتماعي الذي كانت تعلن فيه الخطبة وعقود الزواج وتقام فيه أفراح الحياة.

ما إن يرتفع صوت المملك بالتهاني والدعاء حتى تهتز الصفة طربًا بزغاريد نساء العائلة اللواتي كن يسترقن السمع من خلال النافذة
ليشاركن الفرح والابتهاج فيتناثر الصوت كعطر سماوي
يبارك البداية ويسعد القلوب.

كانت الصفة شاهدًا على أجمل الأفراح ومرسى للابتسامات التي لا تنطفئ مهما مر الزمن.

صفة تنام فيها الضحكات

وعندما يكتمل اليوم بزيارات الأبناء والأحفاد تتحول الصفة إلى مأوى المحبة تفترش الأرض «بالطواويل» وتوزع اللحف فينام الصغار متراصين كالمصلين في محراب دفء واحد يتناغمون مع نبض الليل وبركة المكان.

كانت الحياة بسيطة .. لكنها مفعمة بالرضا غنية بالمحبة
تغمرها السكينة وتنثر الفرح دون حساب.

غرفة صغيرة .. وكنوز كبيرة

وبجوار الصفة غرفة صغيرة
تحوي سحارات الزمن الجميل وبها؛
♦ تعتيمة محفوفة بالأسرار اللذيذة
♦ دجاج البر والمكسرات التي تفرح الأطفال
♦ صناديق السيسم الخشبية بألوانها الدافئة
التي تحتضن الملابس النسائية المحتشمة
والمحارم والمدورة وبداخله صندوق صغير بمفتاح يحفظ فيه المصاغ والفلوس.

كما كان هناك صندوق السجاجيد وشراشف الصلاة الطاهرة جاهزة لِسجدة شكر عند كل حدث جديد.

تلك السحارات وصناديقها
كانت تحمل أكثر من أشياء .. كانت تحمل قيمًا:
الستر .. الحياء .. النظام .. وحسن التدبير.

قدوات تمشي على الأرض

في تلك الصفة .. تعلم الأبناء والأحفاد قبل أن يدخلوا المدارس:
أدب الجلوس وإحترام الضيف والفرح لأفراح الناس دون انتظار مقابل.

هناك نشأ جيل كان قدوات تمشي على الأرض تعلم من حركات الأمهات وسكنات الآباء وتشرب الحياء من تفاصيل البيوت فكبر على الدين والخلق والمروءة.

رحم الله من عمروا تلك الصفة بالحب ومن عمروا الديوان بالكرم ومن عمروا القلوب بالإيمان والرضا.
اللهم اجعلهم في روضات الجنان وأجعل أثرهم باق في ذريتهم ما دامت مكة عامرة بأهلها ومحبيها. 

✍️
بقلم :  أ.د. عصام إبراهيم أزهـر