الحوش ... قلب البيت المكي ونبض الحياة
الحوش .. قلب البيت المكي ونبض الحياة
وحكاية حوش أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر “رحمهم الله”
لم يكن الحوش في البيت المكي مساحة عابرة أو فراغًا وسط الجدران بل كان جوهر البيت وعمق روحه .. المكان الذي يجتمع فيه رجال العائلة وتنبض فيه الحياة وتتشكل في ظلاله حكايات لا تنسى.
وفي بيوت مكة العريقة كان لكل حوش قصة لكن حوش أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر — رحمهم الله — كان يحمل حكاية مختلفة .. حكاية تمتزج فيها الأصالة بالبساطة والكرم بالعمل والذكرى بالعطر القديم.
🌿 ملامح الحوش المكي .. وصورة حوش آل أزهـر
كان حوش البيت المكي عمومًا مركز الحياة اليومية
أما حوش أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر فكان عالمًا صغيرًا متكاملًا تلتقي فيه تفاصيل البيت ويجتمع فيه رجال العائلة والحجاج والضيوف في مشهدٍ لا يتكرر إلا في مكة.
شجرة السدر — تاج الحوش وروحه الخضراء
في وسط الحوش تقف شجرة سدر كبيرة وجميلة تنثر ظلها على المكان وتنعش حر مكة بظلالها كأنها أم حانية تجمع تحتها الأحفاد والأبناء والزوار. كانت السدر شاهدًا على عقودٍ من اللقاءات وعلى أصوات الأطفال يلعبون والرجال يستقبلون الضيوف والحجاج.
مطبخ الحوش .. ونار الكرم التي لا تنطفئ
لم يكن الحوش مجرد مساحة مفتوحة بل كان يحتوي مطبخًا حقيقيًا كاملًا
تعد فيه وجبات اليوم وتسخن وتنتشر منه رائحة السمن والمطبق والمندي في المواسم.
وهناك مكان مخصص لإعداد الشاي والقهوة مجاورًا للمطبخ كان هناك مكان خاص لإعداد الشاهي- الشاهي الأحمر والشاهي الأخضر والشاهي العدني وشاهي الجمر - فكان بمثابة نقطة تجمع صباحية ومسائية يلتف حولها الأباء والأحفاد لتبادل الحديث ويجلس عندها الضيوف خصوصًا في أيام الحج والعمرة.
وكان به مربط الخرفان والحسيل — تفاصيل الريف في قلب مكة
ومن خصوصيات حوش أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر أنه كان يحوي مربطًا صغيرًا للخرفان والأبقار الصغيرة (الحسيل) في تزاوج جميل بين حياة المدينة وروح الريف حيث تربى المواشي داخل البيت لتوفير اللحم الطازج واللبن والسمن ولإحياء عادةٍ مكية أصيلة كانت شائعة بين العائلات الكبيرة.
الطباخ العم مستور — قصة كرم مكي لا يتكرر
من التفاصيل الأجمل والأكثر رسوخًا في ذاكرة العائلة
وجود طباخ خاص يلازم الحوش طوال موسم الحج — من دخول أول حاج وحتى مغادرة آخر حاج — يطهو للأهل والضيوف والحجاج يوميًا دون انقطاع. وكان أشهر من تولى هذه المهمة هو العم مستور — رحمه الله وغفر له — الذي أصبح اسمه جزءًا من ذاكرة البيت. كان يحمل قلبًا طيبًا ويدين تتقنان الطبخ التقليدي المكي يعد القدور الكبيرة ويملأ الحوش بروائح الأرز والسمن والبهارات ويقدم الطعام بابتسامة وكلمة طيبة وكأنه واحد من أهل الدار لا مجرد طباخ.
حياة تنبض .. وبيت لا يهدأ
كان الحوش في بيت آل أزهـر مركز الضيافة المكية الأصيلة:
• يجتمع فيه الأقارب في ليالي رمضان.
• توضع فيه سفر الإفطار والسحور.
• وتدور فيه جلسات السمر.
• ويستقبل فيه الضيوف والحجاج من كل مكان.
تارة يصبح مجلسا كبيرًا مفتوحًا وتارة يصبح ساحة لعب للأطفال وتارة يتحول إلى ورشة لإعداد مؤونة العيد أو موسم الحج. لقد كان فعلاً قلب البيت والنبض الأصدق الذي جمع العائلة تحت سقف واحد ورسم ملامح حياة مكة القديمة بكل دفئها وصدقها.
الحوش — وخاصة حوش أبناء المرحوم أحمد محمد أزهـر— كان أكثر من جزءٍ معماري؛ كان ذاكرة ممتدة ومدرسة في الكرم والعمل وصورة نابضة لمعنى الأسرة المكية التي تفتح أبوابها للجميع. ظل الحوش شاهدًا على جيلٍ بعد جيل على ضحكاتٍ وأصواتٍ ووجوهٍ غادرت وبقي أثرها وعلى قيمٍ لا تزال تعلمنا أن البيوت تبنى بالأيدي .. لكن الدفء لا تصنعه إلا القلوب.
✍️
بقلم : أ.د. عصام إبراهيم أزهـر
0 تعليقات