علي داود .. فارس الرياضة والإعلام

علي داود ..
فارس الرياضة والإعلام
بقلم : خالد محمد البيتي

من نادي الوحدة إلى وحدة الأستوديو
ومن اللعب بالكرة إلى تنميق الألفاظ ومن فضاء الملاعب إلى قيود الإعلام
ومن الإنصات إلى هتاف الجماهير
من المدرجات إلى العزف في أسماعهم عبر الأثير ..

رغم أحلامه في طفولته التي شكلتها هدايا الأقارب في أن يكون طبيباً في المستقبل إلا أن فترة المراهقة خرجت بأحلامه عن مسارها حتى جعلت مدير المدرسة الثانوية يسترد منه كتب القسم العلمي الذي تم قبوله فيه ويعطيه عوضاً عنها كتب القسم الأدبي فقد رأى أن الطالب قد سرقته الرياضة عن مسار القسم العلمي الذي يتطلب جهداً مضاعفاً في التحصيل فآثر نقله لما لا يتعثر به في الحصول على الشهادة الثانوية .
 
صنعته الصدفة وبقايا عشق قديم زمن الإذاعة المدرسية فنقلته من خلف الكاميرا إلى أمامها ، رغم أن وقوفه خلف الكاميرا كمصور ماكان عن رغبة بقدر حاجة لسداد أقساط سيارة دفعته الظروف لاقتنائها . فقد غاب ذات يوم مقدم البرنامج الرياضي في التلفزيون الأستاذ زاهد قدسي رحمه الله على غير عادته وكان يومها وزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان في زيارة لمقر التلفزيون يرافقه وزير الإعلام الفرنسي فطلبوا منه تقديم البرنامج محاكاة أمام الوزير وليس للعرض ، فلاحظ الوزير الحجيلان وهو الوزير المحنك الذي لم يشهد الإعلام له مثيلاً ، أنه أمام موهبة لا يمكن تجاوزها ، فأعجب بتقديمه ووجه بمشاركته من ليلتها في قراءة المواد الإخبارية ، ولا يمكن لموقف أن يصعد بمذيع هذا الصعود قدموه لتجاوز موقف غياب مقدم البرنامج ،إلا أن يكون استثناءاً بين المذيعين كما هو حال الحجيلان بين الوزراء .
 
في صوته خليط من الأحاسيس التي أينما وضعتها تعانقت مع المادة المقروءة كأجمل مايكون العناق وتلك مزية لا يتحلى بها إلا القليلون من عشاق المايكروفون ، فإن قرأ الأخبار أشعرك بأنه ساهم في صناعة الحدث ، وإن قرأ الشعر منحك الشعور بأنه قائله ، وإن علَّق من المشاعر المقدسة حسبته متبتلاً في محراب ، وإن قدَّم حفلاً صنع البهجة والحبور بين الجماهير .
 
كان كالجوكر الذي يغني عن كل الكروت .
من أظهر خصاله أنه تبرأ من الأنانية وحب الذات ، دأبه صناعة النجوم ليقفوا إلى جواره لا محاربتهم ليكونوا دونه ، وكما قال الشاعر :
والناس شتى في الخلال وخيرهم
من كان ذا فضل وذا إيثار .
وكان هو دائماً صاحب الفضل والإيثار .
ومن كان هذا حاله حلَّ في أعلى منازل النجوم .
في تعليقه على مباريات المنتخب يشعرك بأنه مازال الحارس الأمين الذي لا يقبل بالهزيمة ويأبى دخول الأهداف ، كان صوته يفيض بالحب لوطنه وفريقه وكلِّ الجماهير التي تملأ المدرجات .
ومازال صوته المضمخ بالفرح والدموع في تعليقه على مباراة منتخب بلاده مع منتخب الصين شاهداً على جماله ، ومازالت كلماته تتردد بين أبناء ذلك الجيل حتى اليوم : ( ماجد عبدالله كسر طقم الصين كله ) . كان صوته يبعث على التفاؤل وتحققت يومها لمنتخب المملكة أول بطولة في آسيا .
لقد كان اختياره للتعليق على المباراة اختياراً ملكياً من راعي الرياضة والرياضيين آنذاك الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله .
 
وكذلك كان اختياره لإدارة المنتخب
بعد أن قدم بعض الملاحظات على أداء المنتخب أثناء تعليقه على إحدى المباريات ، وما كان لمثله أن يُخفي شعوره ويغض الطرف عن أخطاءٍ لا تغتفر وهو الذي تسكن الرياضة وجدانه مذ كان شاباً يافعاً حارساً للنادي المكي العريق نادي الوحدة ثم حارساً للمنتخب فمعلقاً على مبارياته وفوق هذا تغلبه وطنيته وأمانته في التعليق التي لا تعيش إلا بهوى واحد ؛ هو هوى المنتخب وتسقط دونه كل الميول . بعد هذا التعليق طُلب منه أن يقدم تقريراً عما قال ، وكتب التقرير بما عرف عنه من صدق وأمانة وشجاعة ، وصدر بعدها الأمر بتعيينه مديراً عاماً للمنتخبات .
 
عندما أنشأ الشيخ صالح كامل رحمه الله القنوات الرياضية لم يكن أمامه إلا فارس الرياضة والإعلام علي داود فاختاره مديراً عاماً لقنواته ومستشاراً إعلامياً له ، كانت خبرة داود الإعلامية والرياضية خير شفيع ليحلَّ محلَّ الثقة في نفس الشيخ ، ولا ريب أن نجوميته في التعليق التي ذاعت محلياً وعربياً كانت أحد أسباب حبِّ الشيخ له واختياره لهذه المهمة ، لكن نجم التعليق الذي تتطلع الجماهير لسماعه آثر هجر التعليق بعد توليه إدارة القنوات الرياضية ، وعندما غاب صوته سأله الشيخ عن سر غيابه فجاء الرد مدرسةً في الإيثار والسمو ، قال للشيخ : أنا اليوم المسئول عن المعلقين أحاسبهم على الأخطاء والتقصير فمن يحاسبني إن وقعت فيما وقعوا فيه ؟ كان بإمكانه أن يستمر ، وينفرد بأهم المباريات وهذا حقه ، فقد كان أكثر المعلقين حظوة عند الجماهير وهو المسئول الأول عن القنوات ، لكن فضيلة الإيثار التي ترعرعت فيه والتي غلبت عليه في كل مواقفه مذ وقف أمام المايكروفون جعلته يفسح الطريق لكل من امتهن مهنته مذيعاً كان داخل الاستوديو أو معلقاً في منصات التعليق .
 
في لقائه مع ابنته الإعلامية خلود المسلمي تقول معلقة على المثل الدارج (كل فتاة بأبيها معجبة) الذي يتحول فيه الأب إلى مثل أعلى في حياة ابنته ورمز للعطاء والحنان ، تقول : (لقد تجاوزت حدود الاعجاب إلى الانبهار) وتلك لعمري حالة لم تختص بها ابنته بل تجاوزتها إلى كثير من المعجبين الذين تابعوا مشوار وتاريخ علي داود .
 
رغم كل الآلام التي عاشها والعقبات التي مر بها والإساءات التي تعرض لها ممن أحسن إليهم ، ظلت روحه كما هي وثابة لا تحفل بالإحباط وسامية فوق الأحقاد ومرحة لا تعرف اليأس ولا تستسلم للأحزان إلا بما يطويه بين جوارحه وأجره فيه على الله .
 
عاش الأستاذ علي داود تاريخاً من الألم والمعاناة بعد سقوط ابنه في حوض السباحة ، وبعد سنوات طوال فاضت روحه إلى بارئها ، فاستراح ابنه من بقاءٍ لا حياة فيه وتعذب هو بمرارة الفقد ، وبعدها شاءت الإرادة الإلهية أن تستودع رفيقة دربه في رحمتها لتختبر صبره على الأقدار . وهو يرى أن أقسى صنوف الأقدار أن يُحرم الإنسان من نظرة عزيز يحبه كان يرمقه بها ليل نهار فكيف وقد فقد أغلى ماعنده في الحياة .
 
ورغم مرارة الفقد التي عاشها ومازال يعيشها ظل كما يقول المتنبي :
كالخيلِ يمنعنا الشموخ شكايةً
و تئن من خلف الضلوع جروح
كم دمعة لم تدر عنها أعين
و نزيفها شهدت عليه الروح
ومازال الأستاذ القدير صابراً لا تفارقه خفة روحه وفكاهته رغم فؤاده المكلوم .
حفظ الله الأستاذ علي داود ومتعه بالصحة والعافية .

منقول من صفحة الاستاذ خالد محمد البيتي على الفيس بوك