الدهليز في البيت المكي : قلب الضيافة ودفء المكان

الدهليز في البيت المكي : قلب الضيافة ودفء المكان
 
يعد “الدهليز” أحد أهم ملامح العمارة التقليدية في مكة المكرمة تلك المدينة التي جمعت بين الروحانية والعراقة المعمارية. فالدهليز ليس مجرد ممر أو مدخل بل هو بوابة الترحيب وفضاء الانتقال بين الخارج والداخل بين ضجيج الأسواق وطمأنينة البيت المكي.
 
الموقع والوظيفة
يقع الدهليز عادة مباشرة بعد الباب الخارجي للبيت ويصمم بحيث يكون طويلاً ومظللاً ينكسر فيه خط النظر نحو الداخل حفاظاً على خصوصية أهل الدار، خصوصاً في البيوت الحجازية ذات الطابع الإسلامي المحافظ.
 
كان الدهليز يؤدي وظائف متعددة:
• استقبال الضيوف والزوار قبل إدخالهم إلى “المجلس” أو “الديوان”.
• منطقة انتقالية تفصل بين الشارع العام وحرم البيت الداخلي.
• مكان للراحة المؤقتة للعابرين أو الباعة المتجولين الذين يطرقون الباب.
• منطقة عزل حراري تخفف من وهج الحر في الصيف وتبقي على اعتدال الجو داخل الدار.
 
التصميم والزخرفة
اتسم الدهليز في البيوت المكاوية بتصميم بسيط أنيق جدرانه من الحجر “الجرانيت” وأرضيته غالباً من الرخام أو الحجر الجيري المصقول وسقفه من الخشب المزخرف بألوان دافئة. وكانت تعلق فيه مصابيح نحاسية أو فوانيس صغيرة تنير المكان ليلاً بنورٍ خافتٍ مهيبٍ يبعث الطمأنينة. وفي بعض البيوت العريقة وضعت في نهاية الدهليز مصطبة صغيرة يجلس عليها أهل الدار أو الضيوف انتظاراً أو ترحيباً.
 
البعد الاجتماعي والثقافي
يحمل الدهليز معنىً يتجاوز الحجر والطين فهو رمز للحفاوة المكية. حين يفتح الباب يستقبل الضيف أولاً بابتسامةٍ في الدهليز قبل أن يقدم له القهوة في المجلس.
كما كان هذا الفضاء يعكس قيم الحياء والخصوصية؛ إذ لا يرى من في الداخل ولا يكشف من في الخارج في تناغمٍ جميل بين الذوق والاحتشام.
 
الدهليز بين الماضي والحاضر 
مع تطور العمران وتبدل أنماط السكن غابت الدهاليز عن كثير من البيوت الحديثة إلا أن روحها بقيت حاضرة في تصاميم العمائر المكية الحديثة التي تحاول استلهام روح البيت الحجازي عبر ممرات الاستقبال المزينة بالنقوش الخشبية والأبواب المقوسة. ويعد الحفاظ على مفهوم الدهليز في العمارة المعاصرة حفاظاً على هوية مكة المكرمة المعمارية التي تمزج بين البساطة والهيبة والسكينة.

فالدهليز ليس مجرد ممر بل ذاكرة عمرانية واجتماعية تعبق بكرم المكيين ودليل على فن معماري أصيل يجسد التوازن بين الجمال والستر بين الترحيب والوقار.
ولعل في إعادة إحياء هذا العنصر في تصاميم البيوت الحديثة إحياء لروح المكان ودفء العلاقات التي لطالما ميزت البيت المكي القديم.
 
✍️ أ.د. عصام إبراهيم أزهـر | تم النشر في 23 / 5 / 1447هـ