السوبيا.مشروبٌ.مكي.ٌ.أصلُه.تركي.

السوبية (تركية: سوبيا) هي مشروب (مكاوي) قديم، ويشرب عادة مع وجبة الإفطار في رمضان.. إلاً أن عدداً من العوائل يقوم بتحضيره من فترة لأخرى على مدار العام، وهو مشروب له لذته ونكهته وأيضاً أثره على حسن الهضم.

وكلمة (سوبية) تركية الأصل، (سوبيا)، كما كنت قد بينت في كتابي (مفردات عربية في اللغة التركية)، نشر دار (جداول)، بيروت، لبنان، بل هي لفظة تركية محضة: Supia، وهي مكونة من مقطعين: (سو/Su)، ويعني الماء، و(پيا/pia)، ويشير إلى ما يتم نقعه في الماء، مثلاً هنا: من الحنطة أو القمح أو الشوفان أو الشعير، ويبقى ذلك النقع لعدة ساعات ولا يزيد عن ليلة، ثم يضاف إليه السكر وبعض من الهيل والقرفة/الدارسين: Cinnamon.
ثم صار يضاف إلى منقوع هذه الحبوب بعض منقوع الزبيب ليضفي نكهة ولذة خاصة، وليغني عن الإكثار من كمية السكر.

وكان قد ذاع صيت (اسم) المشروب منذ أيام المماليك في مصر، ولو أن المشروب هناك أخذ منحى مغايراً، حيث صار يستعمل الحليب والسكر وجوز الهند ونحوهما. وكان قد قام عدد من المؤرخين بالتعريف بلفظة (السوبية)، مثل ابن الأثير في كتابه (النهاية في غريب الحديث والأثر)، وكذلك محمد الزبيدي في كتابه (تاج العروس من جواهر القاموس).

ومشروب السوبية (السوبيا) كان عبر السنين مشروباً محلياً: حجازياً، في مكة المكرمة وغيرها كما في المدينة المنورة والطائف وجدة، ثم سعودياً، مع انتشار (المكاكوة وغيرهم)، بدءاً بأواسط خمسينات القرن العشرين وانتقال وتوسع الوظائف في مدينة الرياض بعد تأسيس بلديتها وإنشاء مرافق المصالح الحكومية فيها كعاصمة في وسط البلاد، وأيضاً في مدينة الدمام وما حولها بالمنطقة الشرقية مع التوسع هناك في إنتاج النفط، ثم في غيرها.

وفي مكة المكرمة ذاع صيت بائعها الأشهر العم المرحوم سعيد خضري، وبخاصة في الثلث الأول من هذا القرن الهجري، فكان دكانه في منطقة حارة الباب قرب المدرسة الفيصلية قبيل مفرق الطريق الى منطقة الخندريسة ومقبرة حارة الشبيكة.

كان موقع (الخضري) الشهير هذا في الجهة الغربية من مكة المكرمة، في حيز حارتنا (حارة الباب)، ولكن سعادة الأخ إحسان صالح طيب يخبرني أن بائعاً أسبق (كان بالقرب من حارته هو..) في السبعينات والثمانينات من القرن الهجري الفائت، وهو العم/علي مجن، وكان دكانه في الجهة الشرقية من مكة المكرمة، بحارة القشاشية تحت عمارة الأشعري، وكان يصنع السوبية في أزيار فخارية كبيرة، ثم يوزعها في أزيار صغيرة بحجم (شراب) الماء الفخارية الصغيرة، ويغطيها بقطع من القماش الأحمر على فوهاتها المفتوحة مما يعرضها للفحات الهواء الحار/السموم، فمع الترشيح يبرد المحتوى. وكان من يشرب أمام الدكان يتناول السوبية في مغراف من معدن (التوتوة) (نوع من القصدير)، في حجم كاستين.

كما وأخبرني سعادة الأخ المحامي مصطفى صبري، وهو من حارة المسفلة بمكة المكرمة، أن في المدينة المنورة اشتهرت عائلة (الخشة) بتحضير وبيع مشروب السوبية/ (السوپيا) اللذيذ، ثم صار لهم مؤخراً فرع في جدة.

وكان باعة هذا المشروب في أسواق مكة المكرمة التقليدية ينادون على معروضهم من السوبية بعبارات ترويجية، كما في قولهم: (السوبية مشروب رمضان، يخليك تختم القرآن).

نقلا عن المجلة العربية  العدد (575)  |  1446 هـ | بقلم د.إبراهيم عباس نـَـتـّو.