الساحة الرياضية تودّع «محمد رمضان» أيقونة التاريخ الرياضي

خدم الهلال إدارياً في عصره الذهبي.. ودعمه بأبرز نجوم الوحدة

الساحة الرياضية تودّع «محمد رمضان» أيقونة التاريخ الرياضي

 

الرمضان أول رئيس للقسم الرياضي في «الرياض».. وكتب أول افتتاحية لـ«دنيا الرياضة»

أول نقل إذاعي حي من ملعب الصائغ قبل 64 عاماً كان بصوت «عميد المعلقين»

ودّعت الساحة الرياضية الاثنين الماضي الرمز الرياضي الكبير و(عميد المعلقين) ورائد النقاد الرياضيين الأستاذ محمد عبدالرحمن رمضان (1358 - 1445هـ) بعد معاناة صحية متفاقمة ورحلة طويلة مع المرض والتنقل بين أسرة المستشفيات داخل وخارج المملكة، كف خلالها بصره وفقد القدرة على النطق إثر تعرضه لجلطة دماغية - لم تكن الأولى - أدخل على إثرها مستشفى الملك عبدالله بمكة المكرمة قبل أربعة أشهر وظل في العناية المركزة لمدة شهرين تقريبا وبعد خروجه عاد للمستشفى عقب إصابته بتسمم في الدم ومكث قرابة ثلاثة أسابيع نقل بعدها إلى مستشفى خاص وظل أسير سرير المرض بين فترات متقطعة ما بين الزهايمر وفقدان الوعي ثم دخل في غيبوبة إلى أن وافاه الأجل صباح الاثنين.

والفقيد أب لـ: محمود - مريم - منال - سحر - سمر - نهلة التي توفيت قبل عامين - رحمها الله -.

وحين نستعرض تاريخ هذا الرائد الإعلامي والخبير الرياضي الكبير الذي عاصر على مدى سبعة عقود رواد الرياضة وعايش الأحداث والمسابقات الكروية السعودية كأول معلق عبر موجات الأثير منذ انطلاقة منافساتها الرسمية الأولى عام 1377هـ من ملعب الصبان في جدة.

نقف بكل تقدير واعتزاز أمام تاريخ عريق لأقدم معلق سعودي ولقامة إدارية رياضية وإعلامية عملاقة ارتبطت بأولويات ريادية وحفرت اسمها في سجلات التاريخ للحركة الرياضية بالمملكة العربية السعودية.

بداية الرمضان نصراوية

بدأ محمد رمضان - رحمه الله - مسيرته الرياضية لاعباً شبلاً في صفوف فريق النصر بمكة المكرمة العام 1370هـ قبل حله ثم بدأت خطواته الإعلامية محررا بجريدة قريش ثم البلاد السعودية إبان رئاسة الأستاذ عبدالله عريف - رحمه الله - لتحريرها وكان المشرف على صفحتها الرياضية الناقد الرياضي الشريف محمد بن شاهين - رحمه الله - الذي يعتبره الرمضان أستاذه الأول في عالم الصحافة.

ابن سعيد أقنعه بالهلال

في العام 1378هـ التحق الرمضان بالدراسة في جامعة الرياض وعرض عليه مؤسس الهلال الشيخ عبدالرحمن بن سعيد فكرة العمل الإداري بناديه العام 1379هـ فوافق وكلفه بمسؤولية شؤون العلاقات العامة بالنادي ثم دخل عضوا في ثاني مجلس إدارة هلالي شكل في موسم 82 - 1383هـ وعين أميناً عاماً للنادي.

الرمضان الذي لم يتذكره إعلامنا الرياضي بكل أسف كغيره من قدامى الرياضيين إلا عند وفاته.. شكل جزءاً إيجابياً من ذلك الماضي الجميل لنادي الهلال في عصره الذهبي الأول عندما توج بكأسي الملك وولي العهد معاً في موسم واحد عام 1384هـ / 1964م إذ كان (أبو مريم) رمزاً شامخاً من رموز الزعيم الإدارية في تلك الحقبة الهلالية المضيئة.

ونال محمد رمضان تقدير وثقة مؤسس الهلال وكلفه منذ مطلع الثمانينات الهجرية بكثير من المهام خصوصاً في إقناع وجلب اللاعبين البارزين من مكة المكرمة للهلال وكان بينهم نجوم دوليين أمثال سليمان مطر (الكبش) وكريّم المسفر إلى جانب زين العابدين وحامد عباس وفرج المبروك ومحمود زرد إضافة إلى المدربين حسن سلطان ثم التوم جبارة «رحمهم الله جميعاً».

أولوية تاريخية في «دنيا الرياضة»

وخارج أسوار نادي الهلال كانت للرمضان طوال عقد الثمانينات الهجرية تجارب إعلامية ناجحة كمعلق وحكم وإعلامي امتهن الكتابة الصحفية والنقد الرياضي فكان أول رئيس للقسم الرياضي (دنيا الرياضة) في جريدة الرياض لدى صدورها لأول مرة في 1 / 1 / 1385هـ بطلب من مؤسسها الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - إذ عمل معه في اليمامة قبل تحوله للرياض ثم تنقل في العمل بين أكثر من مطبوعة وتخللها عمله في سلك التحكيم.

حرر أول صفحة رياضية في «الرياض»

ويسجل تاريخ جريدة الرياض نشر اسم محمد عبدالرحمن رمضان في الترويسة كمحرر لأول صفحة تعنى بالشؤون الرياضية تحت عنوان (الرياضة في أسبوع) صدرت في العدد التاسع بتاريخ 9 / 1 / 1385هـ وتضمنت أول عمود له بعنوان: (جهينة يقول) تناول فيه مناسبة الإصدار الأول للصفحة قائلاً: «تصدر اليوم هذه الصفحة الرياضية بجريدة الرياض الفتية.. تصدر هذه الصفحة حاملة وعي الشباب الرياضي الحق، المؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم. وقبل صدور الصفحة اجتمعت أسرتها وتناولت رسم الطريق الذي ستسير عليه، ولقد أخذت أسرة تحرير الصفحة عهداً على نفسها بأن تحاول المستحيل لإرضاء الجميع ونشر أخبار كل الأندية. وهي تنتهز هذه الفرصة فترجو الأندية إمدادها بأخبارها ومشاريعها وكل ما يتعلق بها. وترجو أيضا من الإخوة الرياضيين بعث المزيد من أفكارهم فالصفحة منهم وإليهم.. وبإسم الله نبدأ ومنه نطلب العون وبالله التوفيق.»

بابا طاهر.. وكابتن لطيف

اشتهر (أبو مريم) كمعلق رياضي إذ كانت بدايته مع التعليق في برنامج الأطفال بإذاعة مكة المكرمة في الفترة الصيفية منتصف السبعينات الهجرية وكان متيما بالمعلق المصري الشهير كابتن محمد لطيف - رحمه الله - وكان يقلده داخل استوديو الإذاعة فسمعه في إحدى المرات مدير الاستوديو الأديب والشاعر طاهر زمخشري - رحمه الله - وقال له: هل تحب الكرة؟ وحين أجاب بنعم طلب منه العمل في الإذاعة كمعلق فلم يتردد بالموافقة وبعد أربعة أيام من التدريب على التعليق كانت هناك مباراة بين الوحدة والاتحاد وذهبوا بالرمضان للملعب وعلق عليها (تسجيل) لكن لم يذاع منها غير أربع دقائق التي شهدت وصف إحراز الأهداف كما يقول الرمضان في مقابلة سابقة معه.

أول معلق سعودي دولي

استمر المرحوم الرمضان في مجال التعليق وكانت أول مشاركة خارجية له في الدورة العربية بالمغرب 1380هـ مرافقا للمنتخب السعودي الذي لعب أمام منتخبات مصر والكويت ولبنان وقال عن هذه المشاركة الأولى له: «شعرت بالحزن والمرارة وأنا أعلق وأرى منتخب بلدي ينهزم بالتسعة والعشرة أهداف وبعدها عرفت أن السبب عدم إعداد منتخبنا لتلك المشاركة بصورة صحيحة».

موجات الأثير بين الصبان والصائغ

لقد ارتبط اسم (عميد المعلقين) بالعديد من المباريات وبخاصة نهائيات كأس الملك وكأس ولي العهد التي شهدتها الملاعب السعودية القديمة وتردد صوته التاريخي بنبرة مميزة ولهجة حجازية عبر موجات الأثير من ملاعب: الصبان بجدة والصائغ في الرياض ويعقوب بالخبر وساحة إسلام بمكة المكرمة. وكان أول نقل إذاعي حي ومباشر من ملعب الصائغ في الرياض لنحو 10 دقائق بصوت الرمضان لإذاعة طامي للمباراة النهائية على كأس الملك التي كسبها الهلال أمام الوحدة بـ 3 - 2 عام 1381هـ واستمر الرمضان صديقا وفيا للميكروفون عقود من الزمن وعاصر حقبة تطور الكرة السعودية وإنجازات منتخباتها منذ العام 1404هـ حينما تأهل «الصقور الخضر» لأولمبياد لوس أنجلوس 1984م بجانب تحقيقهم كأس أمم آسيا الثامنة في سنغافورة والتاسعة بالدوحة 1408هـ.

ترأس بعثات ومنتخبات سعودية

كما خدم الرمز الرياضي محمد رمضان الحركة الرياضية في مواقع أخرى من خلال عمله الإداري في الاتحادات الرياضية السعودية وآخرها في منصب أمين عام اتحاد اليد وترأس بعثات منتخبات سعودية في مشاركات خارجية فيما كان آخر منصب تبوأه قبل تقاعده من العمل الحكومي مديرا لمكتب رعاية الشباب في مكة المكرمة لسنوات عديدة.

رحم الله محمد رمضان

اللهم اغفر للأستاذ محمد رمضان وأسكنه فسيح جناتك وأكرم نزله ووسع مدخله واجعل قبره روضة من رياض الجنة. وعزاؤنا لحرمه ونجله محمود وشقيقاته.

المصدر : جريدة الرياض |  الخميس 23 شوال 1445هـ 2 مايو 2024م  | معد و محرر الصفحة فهد دوس