توجيه ملكي باعتماد تصميم جامعة الملك سعود لتوسعة المسجد الحرام
«الشرق الأوسط» تنشر القصة... والأمير نايف كرَّم كلية العمارة والتخطيط
بعد نشر «الشرق الأوسط» للسلسلة التوثيقية التي رصدت فيها عمارة المسجد الحرام خلال 1400 عام، والتي ورد في الجزء الرابع والأخير منها دور جامعة الملك سعود في تصميم التوسعة السعودية الثالثة، وما أثاره الموضوع من تفاعل، ونظراً للاستفسارات التي وردت إلى الصحيفة حول الموضوع، ولأهمية توثيق قصة التصميم ودور الجهات المشاركة فيه، تنشر «الشرق الأوسط» هذا التقرير التوثيقي الذي أعده الكاتب والباحث السعودي بندر بن عبد الرحمن بن معمر عن قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة. ويعتمد التقرير على الوثائق المتمثلة في الأوامر السامية والإصدارات التوثيقية من وزارة التعليم العالي في السعودية، وهي الجهة التي أُسند إليها عام 1429هـ - 2008م تولي مهمة دراسة مشروع التوسعة، إضافة إلى مجموعة من التقارير والوثائق والمستندات الأخرى، التي تحتفظ «الشرق الأوسط» بنسخ منها. قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة ليست قصة أفراد، أو جامعات، أو شركات أو استشاريين أسهم كل منهم بدوره وجهده، ولكنها قصة عمل مهني مشرف، وقبل ذلك وبعده قصة قيادة نذرت نفسها لخدمة الحرمين الشريفين ودولة سخرت مواردها لأمن وسلامة وراحة قاصديهما واستثمرت في الإنسان الذي أسهم في عمارتهما، وقدم الفكرة التصميمية لثالث التوسعات بعد حوالي 75 عاماً من تصميم أول توسعة سعودية للحرمين الشريفين.
تصميم التوسعة والقصة التي لم تُروَ
هنا قصة لم تُروَ من قبل، ولم تنشر مفاصلها وتفصيلاتها التي تستحق أن يُعرّف بها، وأن يطلع عليها كل من له علاقة بإدارة المشروعات الكبرى التي تنفذ اليوم في طول المملكة العربية السعودية وعرضها، ليس لأنها قصة تصميم فقط؛ بل لأنها أنموذج فريد في منهجية إدارة المشاريع العملاقة وإدارة وتطبيق العمل الجماعي التكاملي integrated teamwork يمكن أن يؤسس عليه ويستفاد منه في هذه المرحلة تحديداً، وفي المشاريع الكبرى داخل السعودية وخارجها.
علاوة على أن هذه القصة تؤكد حجم الرعاية والعناية والدعم اللامحدود التي يحظى بهما الحرمان الشريفان من القيادة السعودية. فمنذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز، أولت السعودية الحرمين الشريفين جل اهتمامها وعظيم عنايتها وكان شرف خدمتهما أولوية من أهم أولوياتها وأحد ألقاب ملوكها، حتى اتخذه الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1407هـ - 1986م لقباً رسمياً بدلاً من جلالة الملك.
وهنا جزئية تتطلب أن ينوه بها وهي أن الله تعالى اختص بفضله جميع قادة المملكة العربية السعودية، الملوك عبد العزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلمان، بشرف خدمة الحرمين الشريفين ومواجهة تحديات هذه الخدمة التي لم يشهد حجمها وتعقيداتها الحرمان عبر التاريخ الإسلامي كله، وكان لكل ملك من ملوك هذه الدولة إسهامه في توسعة وعمارة وخدمة الحرم المكي والحرم النبوي والمدن والمشاعر المقدسة، وهذا شرف لا يضاهيه شرف، وذلك من فضل الله الذي يختص به من يشاء، ومن توفيقه الذي يؤتيه من يريد.
ما قبل التفاصيل
منذ بداية عمارات وتوسعات الحرمين الشريفين في العهد السعودي كان لتلك المشاريع اهتمام ومعاملة خاصة وآلية عمل مختلفة عن باقي المشروعات. بدأت بتكليف «مدير العمائر والإنشاءات الحكومية»، وقتذاك محمد بن لادن، تنفيذ الأعمال والإشراف عليها دون عقود تنفيذ أو تكاليف محددة مسبقًا، بل يتم الصرف على مشروعات الحرمين من قبل وزارة المالية حسب ما يقدمه بن لادن من تكاليف ويتقاضى عليها نسبة مئوية محددة. وكان (المعلم) ابن لادن كما يسمى في ذلك الوقت هو من يتولى التعاقد مع كل من يتطلب عمله في تلك المشروعات بما في ذلك المصممون والاستشاريون. واستمرت تلك الطريقة متبعة حتى بعد وفاته وتحول مؤسسته وتطورها إلى «مجموعة بن لادن السعودية» بكافة شركاتها وأذرعها وتحالفاتها الاستشارية والتصميمية، ومنذ بداية التوسعات السعودية كان للحرمين الشريفين هويتهما المعمارية الخاصة ضمن سياقهما العمراني المتفرد وخصوصيتهما التي لا نظير له.
وحين جاءت الحاجة لتوسعة المسجد الحرام في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، كان قد بُدء في نزع ملكيات الأحياء الشمالية للمسجد الحرام (الشامية وما جاورها) والبدء في تنفيذ توسعة الساحات الشمالية، إلا أنه تقرر أن يتحول المشروع من مجرد توسعة ساحات إلى توسعة بنائية للمسجد الحرام.
وعملت مجموعة بن لادن السعودية من خلال أذرعها الاستشارية على تصميم مقترح لمبنى التوسعة، وعقدت عدة اجتماعات بين الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي ممثلة آنذاك في الرئيس العام الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - وفريقه الفني، ومجموعة بن لادن ممثلة في المهندس بكر بن لادن وفريقه، لمناقشة معطيات وجوانب التصميم المقترح من مجموعة بن لادن.
وكانت «رئاسة الحرمين» ترى أن التصميم المقدم للاعتماد لا يلبي احتياجات الحرم كاملة وفق المعطيات والمستجدات الحالية والمستقبلية نظراً لتغير المتطلبات المتعلقة براحة المصلين ومستجدات خدمتهم وإدارة سلامتهم وجوانب التشغيل الأخرى للمسجد الحرام.
وبعد عدة محاولات لتطوير التصميم من قبل مجموعة بن لادن لمقترحهم، لم يتحقق المطلوب في نظر الرئاسة، فاقترح الشيخ الحصين أن يُرفع محضر مشترك بين الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومجموعة بن لادن السعودية إلى المقام السامي يتضمن التوصية بعرض مقترح تصميم التوسعة على فريق من المتخصصين من أساتذة الجامعات السعودية لدراسته وتقييمه وتقديم الملاحظات عليه إن وجدت، وهو ما وافق عليه المقام السامي ووجَّه بتحقيقه.
ووفقاً للإصدار التوثيقي المهم والمعنون بـ«دراسة مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوسعة المسجد الحرام»، الذي أصدرته وزارة التعليم العالي (تم دمجها مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة باسم وزارة التعليم عام 1436هـ - 2015م) عن المشروع في مجموعة كتب. إضافة إلى عدد من التقارير الصادرة عن فرق العمل في المشروع والوثائق الخاصة به، والتي استندتُ إليها مع مستندات ومصادر أخرى في توثيق هذه القصة، أنقل لكم هنا بعضاً من قصة التوسعة وتصميمها ومقتطفات ولمحات عن خلفياتها وكواليسها، وقصص عدد من جنودها المجهولين، مورداً في سردها بعض ما جاء في هذه الوثائق والمصادر بتصرف، علماً أن ما أرويه هنا هو ملخص للقصة فحسب، بل هنالك الكثير من المعلومات:
البداية بالتوجيه السامي
صدر التوجيه السامي رقم 6555/م ب في 26 شعبان 1429هـ - 27 أغسطس 2008م بأن تقوم وزارة التعليم العالي بتكوين فريق عمل من المختصين المؤهلين يتولى دراسة مشروع مقترح مجموعة بن لادن للتوسعة الجديدة من جميع الجوانب المعمارية والهندسية والتشغيلية والفنية والأمنية مع الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة، وأن يتم ذلك وفق منهجية علمية ومهنية عالية والاستفادة من كل الخبرات المحلية والعربية والإسلامية وغيرها.
وحدد التوجيه السامي إطار المشروع وآليته التي مكنت الوزارة من الاستعانة بالمتميزين من أساتذة الجامعات السعودية والخبراء العرب والمسلمين والاستشاريين العالميين وبيوت الخبرة المختصة، على أن تعرض الوزارة النتائج على المقام السامي خلال 3 أشهر، كما تضمن التوجيه الأهداف والغايات من هذه الدراسة، والتي شملت:
دراسة التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة بشكل دقيق وشامل للتأكد من مدى وجودة الجوانب الآتية:
1- تحقيق مبادئ الشمولية والتكامل في التصميم المقترح من جميع الجوانب المعمارية والتشغيلية، والفنية والأمنية والاستدامة.
2- تسهيل حركة السير في ساحات المسجد الحرام وأروقته وما يجاوره.
3- الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة لخدمة المسجد الحرام وقاصديه.
4- تخفيف المشقة على قاصدي بيت الله الحرام وتيسير أدائهم للعبادات.
5- تلافي أي ملحوظات على التوسعة الأولى والثانية نتيجة المتغيرات الزمانية والتشغيلية ومتطلباتهما.
6- الاستفادة من مخرجات دراسة وتقويم التصميم المقترح لترشيد التوسعات المستقبلية للمسجد الحرام أو تعديلات تحسين الوضع القائم.
نطاق عمل الدراسة
شمل نطاق الدراسة عدة جوانب منها الجوانب المعمارية مثل: تصميم المباني والنواحي العمرانية المرتبطة بها حول المسجد الحرام. والجوانب التشغيلية مثل: أعمال الصيانة والإدارة، وشؤون التشغيل، وأنظمة الأمن والسلامة، وحركة الحشود. والجوانب البيئية وهي مثل:-
الآثار البيئية بجميع عناصرها كالاستدامة والحفاظ على مياه زمزم وجودة الهواء، والأنظمة الكهربائية ومستوى الاستهلاك، والأنظمة الميكانيكية وجودة التكييف. والجوانب الأمنية مثل: أنظمة المراقبة، وإدارة الحشود، وقضايا السلامة والطوارئ. والجوانب التقنية ومنها الاستفادة من التقنيات الذكية وغيرها من الجوانب الأخرى.
المنهجيات والاستكشافات ثم الرؤى والبدائل
باشرت وزارة التعليم العالي تنفيذ توجيه المقام السامي، وتطلب ذلك أمران هما:
1- البدء بتكوين نواة لفريق الجامعات المتخصص والتي ستوكل له هذه المهمة الحساسة.
2- تطوير منهجية عمل فاعلة ومرنة تراعي توفير كوادر التخصصات الفنية الدقيقة في وقت قياسي وديناميكي.
وتم في وقت قياسي تشكيل فرق متخصصة بكفاءات عالية من داخل المملكة وخارجها بقيادة كفاءات وطنية من جامعات المملكة، ويمكن تلخيص هيكلة العمل ومساراته في هذه المرحلة في الآتي:
1- اللجنة التوجيهية: ويرأسها وزير التعليم العالي حينذاك الدكتور خالد العنقري، ومن أعضائها نواة فريق الوزارة الفني مع عدد من المختصين وتتولى اللجنة بالتشاور مع الفريق الفني تحديد القضايا التي يشملها المشروع وتكوين الفرق العلمية المختلفة لدراسة تلك القضايا وتوجيه مسارات الفرق ومتابعة أعمالها، وتلقي التقارير الفنية من الفرق التخصصية، والموافقة على ورش العمل اللازمة، وإقرار الوثائق والتوصيات الصادرة عن فرق العمل. مع إيضاح أن «الفريق الفني للوزارة»، تعددت تسمياته في الوثائق والتقارير المختلفة مثل: (الفريق) أو (فريق الدراسة) أو (الفريق الأساس) أو (فريق الوزارة)، كما سيلاحظ في ثنايا هذا التقرير، كما تم تشكيل لجنة إدارية ومالية لمساندة فرق العمل في النواحي الإدارية والمالية واللوجستية.
2- محاور العمل الرئيسة: اقتضت المهمة تشكيل ثمانية محاور عمل رئيسية لتنفيذها وهي كالآتي: محور تقييم الوضع الراهن، ومحور المراجعة المحلية، ومحور المراجعة الدولية، ومحور الرؤية المعمارية، ومحور الرؤية التقنية، ومحور التطبيق، ومحور الإنتاج، ومحور المعرض.
3- الفرق الفنية التخصصية: شكلت الفرق التخصصية الفنية التابعة لـ«الفريق الفني للوزارة» للعمل ضمن إطار المشروع، حسب احتياجات كل مسار، وكلفت بإعداد التقارير اللازمة لذلك، وهي:
4- فريق الدراسات المعمارية والعمرانية.
5- فريق الدراسات الإنشائية.
6- فريق الحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن.
7- فريق الدراسات البيئية.
8- فريق دراسات الاستدامة.
9- فريق الدراسات الخدمية والكهروميكانيكية.
سعت هذه الفرق من خلال تخصصاتها الفنية الدقيقة وعبر منهجية العمل الجماعي التكاملي وبروح الفريق الواحد إلى دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام وما حوله، وكذلك التصميم المقترح من مجموعة بن لادن من خلال جمع المعلومات وتحليل البيانات في النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية، وتقويمها في الوضع الراهن، وذلك للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب معالجتها ومراعاتها. مع الإيضاح بأن عبارة (الوضع الراهن) الواردة في ثنايا التقرير يقصد بها وضع المسجد الحرام وقت إعداد الدراسات عام 1429هـ - 2008م.
وقد بلغ عدد من شارك في هذه الأعمال من فرق تخصصية رئيسية وفرعية وفرق لوجستية مساندة، نظراً لأهمية المهمة ولقصر مدة التكليف بهذه المهمة الحساسة، عدة مئات من الأشخاص بمختلف مهماتهم ومسؤولياتهم الإدارية والفنية واللوجستية، عملوا خلال ثلاثة أشهر في مراحل مختلفة.
مسارات الدراسة الفنية لمقترح مجموعة بن لادن لمشروع التوسعة:
قامت الفرق المشاركة بالعمل على عدد من المسارات والعمل فيها بشكل متزامن ومتوازٍ في آن واحد، وذلك لإنجاز الدراسة بشكل متكامل ومهني ضمن المدى الزمني القصير جداً، حيث يركز كل مسار على قضايا جوهرية معينة كالآتي:
مسار تقويم الوضع الراهن للمسجد الحرام:
كأساس جوهري لتقويم أي مقترح للتوسعة، كان من المهم عمل دراسة للوضع الراهن للحرم للوصول إلى معرفة دقيقة جداً لتحديات تشغيل الحرم الواقعية وتحديد النقاط الحرجة في الاستخدام والتشغيل والسلامة ونحوها للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب حلها ومراعاتها في أية توسعات جديدة. والانتهاء إلى تحديد معايير موضوعية وواقعية موجهة للتقويم لمقترح التوسعة المشار إليه بالخصوص.
ركزت دراسة الوضع الراهن على تحليل النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية وتقويمها في الوضع الرهن للمسجد الحرام، وأنجزت من خلال فرق العمل التخصصية للمشروع بعقد ورش عمل مكثفة مع الجهات المعنية مباشرة بالحرم على اختلاف مهامها (الأمني والمدني والفني والإداري) وبعمل مسح ميداني لقاصدي الحرم (بالاستعانة بطلاب بعض الجامعات المحلية وبإشراف مباشر من الفريق)، وقامت مجموعة بن لادن السعودية خلال هذه المرحلة بتزويد الفريق بكافة المخططات والوثائق والرسومات والمعلومات المطلوبة، واطلع فريق العمل من كثب عن آلية التشغيل، كما أُجريت مقابلات مع عدد كبير من قاصدي المسجد الحرام وغير ذلك من الأعمال التي تقتضيها المهنية الفنية، إضافة إلى مشاهدة عدد كبير من الأفلام الخاصة بالحشود في الحرم، وغيرها من جوانب التشغيل.
كما عُمل على تحليل الجوانب المرتبطة بالنواحي العمرانية، والإنشائية، والحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن، والبيئة، والاستدامة، إضافة إلى النواحي الخدمية، وذلك من خلال التركيز على الأهداف الآتية:
1- تحديد المميزات والخصائص الإيجابية للنواحي التصميمية الراهنة.
2- تحديد أبرز القضايا الحاسمة Crucial issues للنواحي التصميمية الراهنة للمسجد الحرام.
3- المتطلبات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان لأي تصميم أو توسعة مستقبلية.
4- التوصيات المتعلقة بتحسين الوضع الراهن.
5- مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة المحلية:
بناء على مخرجات مسار الوضع الراهن ومعطيات فنية أخرى والمعايير التقويمية المستخرجة من ذلك، ركز هذا المسار على تحليل وتقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة، وذلك بهدف الوصول إلى التقويم المهني لأهم القضايا المتعلقة بجوانبه التصميمية والفنية والتشغيلية، وبما يراعي تحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والتوصيات المقترحة، وجرى تقويم الخصائص التصميمية والفنية وفقاً لمجالات الفرق التخصصية وذلك من حيث:
1- المميزات والخصائص الإيجابية للتصميم.
2- الجوانب السلبية للنواحي التصميمية.
3- مدى النجاح والإخفاق في نواحي التصميم.
4- التوصيات المتعلقة بالتصميم المقترح.
وخلصت هذا المراجعة إلى عدم الكفاءة الكاملة للتصميم المقترح وأن هناك مجالاً واعداً للوصول إلى بدائل أكمل.
وحرصاً على تحقيق الموضوعية كان هناك مسار موازٍ لمسار المراجعة المحلية، وهو مسار المراجعة الدولية والتي قصد منها أن تتم المراجعة الدولية بمعزل عن المراجعة المحلية تحقيقاً لموضوعية النتائج، والتحقق من موثوقية المراجعتين المحلية والدولية.
مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة الدولية
لتنفيذ المراجعة الدولية المستقلة، قامت وزارة التعليم العالي بالتعاقد مع شركة إيكوم لإجراء تقويم للتصميم المقترح من مجموعة بن لادن لتوسعة المسجد الحرام استناداً لمخرجات مسار الوضع الراهن، والتوضيحات التامة له.
وبعد تطوير مجموعة من مؤشرات الأداء استخدمتها لقياس التصميم المقترح وتقويمه، وإجراء الدراسات اللازمة؛ قدمت شركة إيكوم AECOM التقرير النهائي في جزئين، الأول بعنوان: تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، والذي استند على مجموعة من المجالات للتقويم، منها: الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، والأنظمة الجيوتقنية والزلزالية، والاستدامة، والأمن، وتقنية المعلومات، وقضايا البيئة، وأنظمة إدارة النفايات الصلبة، وحركة الحشود.
وخلص هذا الجزء إلى نفس ما خلصت له المراجعة المحلية وبتقارب كبير في النتائج مما عزَّز مصداقية التقويم المحلي والدولي للتصميم المقترح. وجاء الجزء الثاني بعنوان: الفرص والبدائل، حيث ناقش الفرص والبدائل للتطوير المستقبلي لتوسعات المسجد الحرام.
مسار الرؤى التقنية
وتعزيزاً للوصول إلى البديل الأمثل للتوسعة تم رسم هذا المسار والذي كان يعمل بالتوازي مع مسار المراجعة المحلية والدولية، وذلك لإيجاد رؤية تقنية متقدمة للحرم ومن هنا جاءت مشاركة معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لتحقيق هذا المجال في دراسة مشروع توسعة المسجد الحرام وتم التركيز على الموضوعات الآتية: الاستدامة من الجانبين المعماري والتشغيلي، والسلامة والأمان للحجاج والعاملين، والسلاسة في حركة مرتادي المسجد الحرام، والمتطلبات الاستهلاكية والنفايات وإدارتها.
ونظر فريق الدراسة إلى المسجد الحرام على أنه منشأة ذات وظائف متعددة، خضعت لتطور مستمر عبر التاريخ. فقد مرَّ المسجد الحرام خلال توسعاته بتطويرات متلاحقة ويمكن تعزيز مسار هذا التطور من خلال تطبيق رؤية تقنية متقدمة، وإضافة أبعاد تطويرية جديدة باستخدام تقنيات وأنظمة متقدمة وذكية كالمراقبة الأكثر تطوراً، وتسيير الحركة اعتماداً على المعلومات الواردة في ذات اللحظة Real-time Information.
لقد اعتمدت الرؤية التشغيلية لفريق الدراسة على نوع من التشبيه بين المسجد الحرام وبين كائن حي له صفة الاستدامة ويتكون من هيكل عظمي، ودورة دموية، وجهاز عصبي يشبه جسم الإنسان. وبهذا التشبيه بالإمكان النظر للمسجد الحرام من خلال الأبعاد الثلاثية الآتية:
1- نظام المراقبة (الجهاز العصبي)، وذلك للتزود بالمعلومات ذات الصلة عن المسجد الحرام ومحتوياته ومحيطه.
2- نظام التدفق أو الحركة (الدورة الدموية)، وذلك لمراقبة حركة الهواء والناس والنفايات والتجهيزات والمعدات من وإلى المسجد الحرام ومحيطه.
3- النظام الإنشائي البنائي (الهيكل العظمي)، ومهمته تماسـك بنيان منطقة المسجد الحرام، وإبراز طابعه الجمالي، والتحكم في التأثيرات المناخية
وخلصت الرؤية التقنية إلى أن المسجد الحرام يشبه إلى حدٍ كبيرٍ نظاماً بيولوجياً مستداماً متطوراً من حيث قدرته وأنظمة التحكم والحركة والتدفق الخاصة به، إلى جانب نظامه البنائي، وهذا التشبيه يؤدي إلى تطوير المسجد الحرام باعتباره نظاماً مستداماً. لذا يجب أن يتم التعمق في دراسة الأفكار المطروحة بشكل يتجاوز الرؤية التقنية السائدة، ليبقى المسجد الحرام نموذجاً أمثل في التطور والاستدامة، وتقديم مجموعة من الحلول القائمة على الرؤية التقنية والمعالجة الشاملة.
مسار الحلول والرؤى المعمارية والمستقبلية
كانت كل المخرجات السابقة أساساً مرجعياً لتحليل الفجوات وتحديد نقاط القوة والضعف والتحديات والمخاطر في التصميم المقترح، وعليه قام (الفريق الأساسي) للوزارة بإعداد المعايير الهندسية، والاعتبارات التصميمية، والخطط المستقبلية، والشروط المرجعية للتصميم.
وعندما بدت بوادر عدم كفاءة (التصميم المقترح) كان القرار هو المسارعة ضمن إطار التوجيه السامي بتوجيه الدعوة إلى عدد من المكاتب والشركات الاستشارية العالمية والمحلية ورواد العمارة العالميين، إضافة إلى كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود وكلية تصاميم البيئة في جامعة الملك عبد العزيز لتقديم عروضهم، وذلك وفق مسارين:
الرؤى المعمارية لتوسعة جديدة تتناسب مع الوضع الحالي للحرم المكي
الرؤى المستقبلية: لتقديم مقترحات مستقبلية بعيدة المدى وتتعامل مع الحرم المكي ومحيطه دون قيود أو محددات سوى المحددات الشرعية وثبات المعالم المهمة في الحرم كالكعبة وحدود المسعى وزمزم ونحو ذلك.
وتم ترشيح واختيار المكاتب العالمية المشاركة وفق معايير موضوعية ومحددة، منها أن تكون هذه المكاتب من أفضل المكاتب العالمية أو من مكاتب الرواد المعماريين العالميين، كما تم اختيار مكاتب متميزة في العمارة الإسلامية من تركيا وماليزيا، ومكاتب عربية وسعودية كذلك. وتم في البداية عقد ورش عمل بين فرق وزارة التعليم العالي وهذه المكاتب وتزويدهم بالبيانات والمعلومات المطلوبة، كما زار الفريق المعني بهذا المحور المكاتب المعمارية وبيوت الخبرة العالمية والمحلية المشاركة لمراجعة الأعمال والتأكد من عدم وجود معوقات وتوجيههم لضمان أن يكون عملهم وفق المسار الصحيح.
النتائج والمقترحات أمام الملك عبد الله
وقبيل انتهاء المدة التي حددها التوجيه السامي لوزارة التعليم العالي بـ3 أشهر، عُرضت نتائج تحليل دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، إضافة إلى الرؤى المعمارية والأفكار التصميمية والرؤى المستقبلية المقدمة من المكاتب الاستشارية والجامعات السعودية، في سرادق أقامته الوزارة بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 29 ذي القعدة 1429هـ - 28 نوفمبر 2008م.
وعرضت الوزارة منهجية عمل فريقها ونتائج الدراسات الفنية ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن (المراجعة المحلية والدولية) أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله والمسئولين المعنيين مباشرة بالأمر، كما عرضت مقترحات المكاتب والجامعات التي قدمت رؤاها المعمارية والمستقبلية كالآتي:
أولاً: الرؤى المعمارية
قدمت عدد من بيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية والتي بلغ عددها 12 بيت خبرة، رؤى ومقترحات معمارية وعمرانية تعين على فتح الآفاق العمرانية لتوسعة المسجد الحرام بحلول وأفكار تطبيقية ملموسة. وشملت المكاتب وبيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية المشاركة كل من :-
المصدر : جريدة الشرق الاوسط الأحد, 15 يوليو 2023 - 27 ذو الحِجّة 1444 هـ | بندر بن عبد الرحمن بن معمر
0 تعليقات