مكة المكرمة وشيخنا أبو سليمان
كل عام والوطن بخير، وسلامة، وأمن، وأمان.
وعظم الله أجر الجميع في فقيد مكة المكرمة والوطن والأمة، العالم المكي الكبير الشيخ عبدالوهاب بن إبراهيم بن محمد أبو سليمان.
قدر الله وما شاء فعل. سبحان الله انتقل إلى جوار ربه هذا الرجل الفاضل في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم! وقد ذكرني بما لمكة المكرمة من مكانة في نفس ابنها البار، وأعادني إلى السادس عشر من شهر رمضان المبارك عام 1423هـ عندما شرفنا المغفور له -بإذن الله- بتواجده معنا في اجتماع مع مجموعة من المختصين بمكانة أم القرى، والمهتمين بإبراز دورها عندما اختيرت كأول عاصمة للثقافة الإسلامية.
كان ذلك الاجتماع يهدف إلى إبراز دور مكة المكرمة التي لن نستطيع أن نوفيها حقها علينا مهما قدمنا من أعمال ومقترحات. لكننا اجتمعنا متكلين على الله للتشاور والاستماع إلى أهل الرأي والخبرة والتجربة، عسى أن نوفق بآراء ترفع إلى ولاة الأمر لاتخاذ ما يخدم ويحقق أهداف اختيار مكة المكرمة كأول عاصمة للثقافة الإسلامية، وتكون سببا -بتوفيق الله وعونه- للحفاظ على تراثنا وآثارنا، وإبراز تاريخنا الإسلامي العريق.
كان - يرحمه الله - من مكة، وفي مكة، ولمكة في كل ما أثرى به اجتماعنا معقبا -رحمه الله- بالآتي حسب ما ورد في محضر الاجتماع:
«التصور المقدم لمشروع المناسبة أو للاحتفالية بالمناسبة لا يخص مكة بالذات، والمناسبة لمكة عاصمة للثقافة الإسلامية. والتصور يتحدث عن مشاريع في مدن أخرى، ولا يحدد الحديث عن مشاريع ثقافية في مكة. ولابد أن يخدم الحدث مكة المكرمة نفسها لإيجاد مشاريع تراثية وثقافية ومرافق حضارية. وعلى سبيل المثال: (مكتبة مكة) وحاجتها إلى الدعم؛ حيث إنها تقوم على تبرعات، فهي غير مجهزة فنيا وتقنيا.
وأرجو أن يركز في هذا الاجتماع على المحور الأساسي، وهو (مدينة مكة المكرمة) ولا يجب أن يتجاوز هذا المحور، فما تضمنه التصور فيه أشياء جميلة، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاهتمام انتفاع مكة المكرمة بهذه المناسبة. وأرجو أن توضع آلية فاعلة لذلك حسب ما يلي:
- تكوين هيئة فاعلة وإدارة مقرها مكة المكرمة لتكون بمثابة المحرك للجامعات، والبرامج، والبحوث، والدراسات.
- التفكير فيما تحتويه مكة المكرمة من مقومات ثقافية، والعمل على إبرازها؛ فمكة المكرمة هي الواجهة الحقيقية للثقافة الإسلامية.
- إقامة مركز حضاري إسلامي في مكة المكرمة؛ حيث إن المناسبة للثقافة الإسلامية.
هذا ما تفضل به -يرحمه الله- مختصرا ومركزا على مكة المكرمة، فقد كانت هناك عموميات تربط الحدث بجدة كبوابة للحرمين الشريفين، وكذلك المدينة المنورة.
والمستخلص من هذا الاجتماع وغيره بخصوص اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، قدمه أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - إلى ولي العهد حينها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -تغمده المولى بواسع رحمته ورضوانه- في مشروع «الشميسي»، حيث كان التوجيه السامي الكريم - إضافة إلى ما ينفذ في مكة المكرمة من توسيعات الحرم المكي الشريف، وترميم للآثار، والاعتناء بالأماكن التاريخية - يجب أن يكون مشروع «الشميسي» على مشارف مكة المكرمة وحدود حرمها ليراه المسلم وغير المسلم.
مرت الأيام وقرب موعد الاحتفالية، وعملت الجهات الحكومية على تنفيذ المهمة التي أسندت لها المسؤولية، ساعية لتأسيس وإقامة ما يذكرنا دائما بتلك المناسبة.
وهنا كما بدأت بـ(سبحان الله) أنهي متذكرا بعد هذه الأعوام الطوال ذلك الإنسان الحكيم وتأثيره علينا -يرحمه الله- بمحبته لمكة المكرمة ومكانتها في نفسه الطاهرة؛ ما جعلنا نقرر آنذاك وعلى مستوانا المحدود كجهة غير حكومية وغير ربحية مهتمة بالثقافة والتراث، أن نقوم بعمل يبقى ويذكرنا دائما بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة أبدية للثقافة الإسلامية.
هكذا كانت ولادة معرض «مساجد تشد إليها الرحال» وما شدني إلى أن أخط هذه الكلمات، هو تذكري في هذه الأيام فقدان مكة المكرمة والوطن والأمة وفقدنا نحن للشيخ عبدالوهاب بن إبراهيم بن محمد أبو سليمان، ولكن سبحان الله! وبعد أعوام يقدر لهذا المعرض الحي بعد أن أقيم في عدة مدن كان آخرها عندما اختيرت (المدينة المنورة) عاصمة للثقافة الإسلامية، أن يقام في هذه الأيام جزئيا باختيار ست عشرة لوحة من ما يقارب التسعين لوحة لفنانين من ثماني عشرة جنسية من عالمنا العربي والإسلامي ومن دول أخرى، في هذا التوقيت في (مركز إثراء الثقافي) بالمنطقة الشرقية، ليذكرنا باختيار مكة المكرمة عاصمة حية دائمة للثقافة الإسلامية، ويذكرنا بأناس أجلاء كان لهم الفضل بعد الله بالإلهام من خلال صدق مقاصدهم، ونقاء محبتهم لهذا البلد الكريم.
رحم الله عالمنا الجليل الشيخ عبدالوهاب بن إبراهيم بن محمد أبو سليمان، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله ومحبيه وأهل مكة المكرمة الصبر والسلوان، إنه سميع مجيب الدعوات، وعزاؤنا أن الأثر الطيب الذي تركه هو عمر آخر، وبقاء للخير والعلم النافع، يذكر فيه الراحل ويثنى عليه، فكما يقال «يزول البشر ويبقى الأثر». إنا لله وإنا إليه راجعون.
نقلا عن صحيفة مكة المكرمة | بقلم : فيصل بن عبدالله آل سعود | 12 شوال 1444هـ
0 تعليقات