ستبقى البلاد

ستبقى البلاد

خالد محمد الحسيني

بإرادة الله لن تُغادر صحيفة البلاد الميدان بعد عقود طويلة قدمت خلالها خدمة العمل الصحفي وعدد كبير تخرج من "جامعتها" الصحفية. ربما كُنت من أكثر المتألمين من الأخبار المتداولة خلال الأيام الثلاثة الماضية عن توقّف صدورها، حتى أعاد الصديق الأستاذ خالد المعينا رئيس مجلس الإدارة، بعد تواصلي معه اول امس الخميس، الطمأنينة لكل مُحبي البلاد ورجال البلاد وتلاميذ البلاد ونفى ما تداولته الصحف والمواقع التي ذكرت أن البلاد "توقفت".

عادت بي الذكريات لبدايتي في العمل الصحفي نهاية العام 1397هـ الموافق 1977م، ووقفت أمامي أماكن وأسماء ومواقع بداية من الإدارة في عمارة باخشب في جدة، وموقع التحرير في عرب نيوز ومقر التحرير في شارع الصحافة المعروف بـ"الفيلا" ومقرها المجاور، ثم عند انتقال الصحيفة لشارع التحلية وعودتها للمكان الأول في شارع الصحافة، تذكرت أول يوم زرت البلاد والتقيت بالأستاذ عبدالمجيد شبكشي رحمه الله رئيس التحرير، وفي نفس الغرفة كانت مكاتب مديري التحرير الأستاذ عبدالغني قستي رحمه الله ود. هاشم عبده هاشم.

وخلال مشوار العمل انضم للبلاد عدد من الزملاء أذكر منهم الآن د. أيمن حبيب وعبدالعزيز التميمي وعبدالله النويصر وعدنان جستنية ومحمد يوسف وعادل عصام الدين ود. عثمان هاشم وعمر باهديلة وعمر مخاشن وهشام عرب ومحمد محجوب , وخالد باطرفي و عبدالكريم يعقوب وعبدالعزيز أنديجاني وعبدالله خوجة وعبدالرحمن عبدالواحد  وأحمد صالح هاشم وفيصل الملصي ووهيب غراب ومقبول العقيلي ود. عبدالرشيد حافظ وعبدالرؤوف ناجي وعبدالله المليص وعبدالرحمن عبدالملك والمصور فاروق عبدالرحمن والبشير الصغير ومحمد إبراهيم ، ومن انتقل إلى رحمة الله د. عبدالعزيز النهاري ومحمد الوزان وكامل الفقي وشاكر عبدالعزيز  ونصر القطري وشيخ المصورين حسن الملح وحمدي عبدالعزيز ومحمد كمال عفيفي ومصطفى كتوعة وأحمد المهندس ومحمد فؤاد ومحسن سالم وصابر الملح رحمهم الله، وعدد آخر لا أذكرهم الآن.

ومع مرور أكثرمن 48 عامًا، كان الأديب الكبير عبدالفتاح أبومدين مديرًا للإدارة، ود. حسن أبو ركبة رئيسًا لمجلس الإدارة رحمهما الله، وكانت البلاد تُقدم أعمالاً صحفية متميزة عبر مركزها الرئيسي أو مراسليها في المناطق. ذكريات استدعتها المناسبة والحديث الذي أصبح مادة للمجالس والمواقع.

كانت البلاد "مدرسة" صحفية تعلمنا فيها العمل الصحفي ووجدنا رجالاً يتابعون ما نبعث به في بداياتنا رغم ضعف المكافآت التي بدأت بـ700 ريال، خاصةً أنني أذهب للبلاد من مكة أربعة أو خمسة أيام في الأسبوع وذلك مع انعدام وسائل إرسال المواد وعدم وجود فاكس أو جهاز صور، باستثناء الهاتف الذي كنا نسخدمه أحيانًا في نقل المادة، إلا أن وجود الرغبة للمهنة وتشجيع الأساتذة عبدالمجيد وعبدالغني وهاشم كانت خلف تحمّل مشقة نقل الأخبار والعمل الميداني مع الالتزام بالعمل الرسمي لعدم التفرغ.

قصص ومواقف ومتاعب وسهر، وتغطية أحداث ومناسبات في مكة المكرمة. كأن الصور أمامي الآن. عادت لي مع ما تداوله الناس عن البلاد هذا الأسبوع. مضت أربعة سنوات وانتقلت للندوة ثم مكتب الرياض في مكة ثم عدت للندوة، لكن البلاد بقيت في أول شريط الذاكرة وعدت لها من 1427هـ إلى 1437هـ بعد  مرور عدد من رؤساء التحرير منهم الزميل علي حسون ورؤساء مجالس الإدارات ومديري العموم. استدعيت اليوم ما مضى من أيام في البلاد كانت من أجمل أيامي.

هذا شيء مما جادت به الذاكرة عن "البلاد" مع بداية الشباب وبذل أقصى الجهد لتقديم مادة صحفية للناس. ستبقى البلاد بتوفيق الله وحفظه وبمن فيها من رجال اليوم لتعيد شيء من مجدها الصحفي الذي نافست فيه بقية الصحف. وأختم بأنني أعرف أن هناك من يقول بأن الصحافة الورقية تراجعت بوجود الإعلام الجديد، لكنني هدفت إلى أن البلاد لها زعامة أقدمية الصحف ربما تضعف وتُعاني وتتراجع  لكنها لن تنتهي بإذن الله.