«شعب عامر» .. حي يفوح بعبق التاريخ ( 2 )
تطرقت الحلقة الاولى عن حي شعب عامر الى الجوانب التاريخية لهذا الحي العريق ، والاسر التي سكنته حتى وقتنا الحاضر ، كما تعرض بعض العارفين بتاريخ الحي الى معالمه وما يشتمل عليه من كنوز اثرية اضافة الى تحوله الى حي عصري يعج بالابراج والبنايات العالية التي تسهم في ايواء الحجاج والمعتمرين خلال المواسم علاوة على المحلات التجارية والاسواق التي اشتهر بها الحي . وفي هذه الحلقة الثانية والاخيرة نستكمل بقية جوانب شعب عامر .
الحصار الجائر
يقول عمدة شعب عامر الشريف هيزع بن علي ابوالجمال العبدلي : مهما تحدثنا عن تاريخ شعب عامر لا نستطيع ان نوفيه حقه ، حيث تناولته العديد من الكتب والمصادر التاريخية ، ويضيف : هنا في هذا المكان حيث لم يكن في الشعب سوى بعض مبان حجرية قليلة في بطن الوادي ، تقوم الآن في ذات المكان مئات الابراج السكنية المتلاصقة لتؤوي آلاف الحجاج والمعتمرين ، فيما هجر الحي سكانه الأصليون واتجهوا الى احياء اكثر هدوءاً هرباً من الضجيج والحركة التي لا تهدأ .
ويضيف العبدلي : شهدت هذه المنطقة حصار النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحالف المشركون في خيف بني كنانة على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب في البيع والشراء والمخالطة والمجالسة وحتى السلام والكلام ، وذلك حتى يسلموا النبي صلى الله عليه وسلم لقريش لتقتله ، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في بطن الكعبة، ويقال ان هذه الصحيفة كتبت من قبل منصور بن عكرمة وقيل كتبها النضر بن الحارث ، ولكن الصحيح ان كاتبها هو بقيض بن عامر بن هاشم فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فشلت يده وقد انحاز بنو هاشم وبنو عبد المطلب كلهم كبيرهم وصغيرهم رجلاً وامرأة في شعب ابي طالب عدا ابا لهب فانه ظاهر المشركين على عشيرته ولم يدخل شعب عامر واستمر الحصار والمقاطعة ثلاث سنوات متواصلة وقد بلغ الجهد والتعب كل من كان في الشعب لدرجة انه لم يبق اخضر ولا يابس الا وقد اكله القوم وكان يسمع صوت بكاء النساء والاطفال من شدة الجوع.
معجزة تآكل صحيفة المقاطعة
ويزيد الشريف هيزع العبدلي : وذكر اهل السير ان الله عزّ وجل ارسل على صحيفة قريش التي كتبوا فيها مقاطعتهم لبني هاشم النمل الابيض (العثة) فاكلت الصحيفة ولم تبق منها شيئاً سوى اسم الله عز وجل ، فاخبر الله عز وجل بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم فاخبر ابا طالب ، فقال ابو طالب : يا ابن اخي من حدثك هذا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخبرني ربي ، فقال له عمه : ان ربك لحق وانا اشهد انك صادق امين ، فجمع ابو طالب قومه ولم يخبرهم بما اخبره به الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من ان يفشوا ذلك الخبر فيصل الى المشركين فيحتالوا على الصحيفة بالخبث والمكر ، وانطلق ابو طالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة فلما شاهدوا ابوطالب ظنوا ان الحصار حملهم على ان يدفعوا اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ، وهنا قال لهم ابو طالب : صحيفتكم بيني وبينكم وان ابن اخي قد اخبرني ان الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم “الأرضة” فلم تدع فيها شيئاً الا أكلته وبقي فيها اسم الله فان كان كاذباً فلكم عليّ ان ادفعه اليكم لتقتلوه وان كان صادقاً فهل هذا ناهيكم عن حصاركم علينا ، ثم اخذ عليهم العهود والمواثيق اللازمة واخذوا عليه فلما نشروها فاذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان هذا نهاية الحصار وخرج القوم من الشعب وقد اصابهم الجهد والتعب والعطش ولكن هذا الحصار قد اثبت مدى صلابة المسلمين امام التحديات واثبت هذا الحصار صدق دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أخبر به من معجزات.
180 فندقاً و400 محل تجاري
ويمضي الشريف هيزع العبدلي قائلا : كانت البيوت في مكة المكرمة بصفة عامة وشعب عامر بصفة خاصة تبنى بالحجر والنورة ، ويُعرف الحجر الذي كانت تبنى به
بـ “الشبيكي” وحي شعب عامر كان واحداً من الاحياء التي اكتست بهذه المباني فضلاً عن الرواشين الرائعة الصنع من الخشب والابواب ذات المناظر الرائعة والمتفردة وكان الاهالي يخصصون الادوار الارضية مجالس للرجال واستقبال الضيوف وتسمى الديوان او “المقلط” وكانت شوارع الحي متعرجة وغير مستوية بسبب جغرافية المنطقة الجبلية فالزقاق أو الشارع يضيق تارة ويتسع تارات اخرى وعندما اخذ البناء بالاسمنت ينتشر بدأت الرواشين تختفي وتحل محلها النوافذ من الالمنيوم والخشب بأشكال مختلفة عن الرواشين السابقة وطغت العمائر في الحي ووصلت الى اكثر من عشرين طابقاً لتتحول بعدها الى فنادق ضخمة وشقق مفروشة تستوعب عشرات الآلاف من الحجاج والمعتمرين والزوار. فيما بلغ عدد المحلات التجارية والمسجلة في الحاسب الالي اكثر من 400 محل تجاري وبلغ عدد الفنادق والشقق المفروشة 180 فندقا فيما بلغ عدد السكان المسجلين 750 اسرة والبقية من العمالة التي تمارس اعمالها في المحلات التجارية .
آبار معروفة واكلات مكية
ويقول طلال بن مطلق ابوجمال الشريف ان ابرز الآبار التي كانت في شعب عامر بئر الحمام لتواجد الحمام فيه بكثرة وبئر أبودية وهو لرجل سميت البئر بكنيته وبئر التمارة لوجود باعة التمر عندها حيث كانت توجد بالقرب منه الحلقة القديمة التي تفصل شعب عامر عن السليمانية والفلق وبها العديد من المحلات الغذائية واشهر بائعي الاكلات المكية كالشربة والتقاطيع والسجق وبايعي الاجبان المحلية والالبان وعدد من المخابز والتي اشهرها مخبز الغربي والذي لايزال موجود حتى الان حيث كانت معظم البيوت المكية لايوجد بها افران فتقوم الاسر خاصة في ايام الحج بصنع الكيك والمعجنات من معمول وغريبة ويذهب شباب الحي لذلك الفرن بالصواني لانضاجها .
كما توجد بالشعب العديد من محلات الجزارة والجزارين اشهرهم احمد اسلم وعلي اسلم وناصر حريري وغانم وعم ادريس النونو اما محلات العطارة فقد ارتبطت بعدد من العائلات منهم الشيخ علي صبغة وسراج ابو زبيبة - رحمهما الله - حيث كانت ولاتزال هذه المحلات تبيع الادوية الشعبية وبعض المستلزمات الاسرية وكانوا يقومون بتجهيز الاكفان ومنها ما يتصدق به على الفقراء الذين ليس لديهم ما يشترون به الكفن واحياناً يجودون حتى على الاغنياء مواساة ومشاطرة لهم في احزانهم.
عمد الحي
ويشير خالد معتوق المطرفي الى انه تناوب على عمودية شعب عامر عدد من العمد منهم الشيخ حسن كتبي والشيخ سليمان ناقورة والشيخ بكر قاسم والشيخ خليل عبده والشيخ منصور بن ظافر والشيخ عبدالله بن هابط والشيخ عبدالله بن ظافر والشيخ احمد غبره والشيخ حامد عدس والشيخ علي عدس والشيخ احمد عدس الى ان تولى العمودية الشيخ هيزع بن علي ابوالجمال العبدلي .
معلمون .. وبصمات
ويسترجع خالد سعد العتيبي الذكريات الجميلة بالحي وكيف عاشت الاسر فيه على المحبة والاحترام المتبادل بين الجميع ، حيث ان جميع ابناء الحي نشأوا على التكافل والتعاون والتعاضد لافرق بينهم اضافة الى دور المدارس والمدرسين ، ومن اشهرهم وتتلمذ على ايديهم الكثير من الطلاب المربي الفاضل علوي اليوسفي مدير المدرسة السعودية ، والمعلمون محمد صالح العماني وبكر احمد تيجاني وعبدالله النباتي ومحمد عبدالله السويح ومن المدرسة الرحمانية مديرها محمد علي منشي ووكيله حسين مندورة والمربي القدير صالح الزغيبي.. رحم الله المتوفين واطال اعمار من لا زالوا على قيد الحياة ، فقد غرسوا في الجميع روح المحبة والالفة وحب العلم.
المصدر /جريدة المدينة /عباس سندي
0 تعليقات