الشبيكة و حارة الباب

اليوم ننتقل الى منطقتي الشبيكة وحارة الباب حيث التاريخ العريق والمآثر الاسلامية الخالدية والرواشين المكية والمنازل الاثرية والمساجد الخالدة.. الشبيكة كما عرفها الحموي في معجم البلدان بأنها موضع بين الزاهر ومكة ورجح السباعي في كتابه تاريخ مكة المكرمة انها سميت الشبيكة بهذا الاسم نسبة لكثرة ما حصل فيها من حروب واشتباكات على مر التاريخ.
ويضيف حسام عبدالعزيز مكاوي ان الشبيكة تعتبر من المداخل الرئيسية لمكة المكرمة والتي تمر بين جبالها وهي بالاضافة الى الشبيكة المعلاة والمسفلة, وتعد الشبيكة البوابة الغربية لمكة المكرمة ومنها كان دخول الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم الفتح, بناء على امر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك, كما امره ان يركز عند منتهى البيوت وادناها اي اقربها الى الثنية وهي ثنية كدا بلا مد.
وكان مغرز رايته رضي الله عنه عند اول بيوت مكة المكرمة وقد بني علي هذا الموضع المسجد المعروف بمسجد خالد بن الوليد ويقع على يمين الصاعد من الحرم الى التنعيم في الحارة المعروفة بحارة الباب والتي تعد جزءا من الشبيكة وقد جدد هذا المسجد سنة 1280هـ ثم اعيد بناؤه في العهد السعودي سنة 1377هـ ولا يزال قائما حتى الآن.
وقد جعلها هذا الموضع الجغرافي كونها بوابة مكة المكرمة للقادمين من جدة والمدينة وما بينهما ممرا للمواكب الرسمية القادمة من جدة او المدينة المنورة او غيرها فكان يمر بها المحملان الشامي والمصري ويتم فيها عمل العرضات والاستقبالات الرسمية قبل دخول الوفود الى منطقة الحرم الشريف, ويضيف المكاوي: وتاريخ الشبيكة ووقوعها في مدخل رئيسي جعلها في هذا الموقع مسرحا لصراعات وحروب متعددة ونزاعات متتالية فكانت تحشد في رحباتها الحشود وتجيش الجيوش وتنصب على جبالها العالية الشاهقة المدافع للدفاع عن مكة المكرمة من الغازين الطامعين اذ ان جبالها كان يستعصي صعودها في ذلك الوقت وخاصة في فترات الاضطرابات السياسية او في النزاعات بين الاشراف وبعضهم البعض او بين الاشراف والاعراب المحيطين بمكة المكرمة.
ويستطرد مكاوي بقوله: تروي لنا كتب التاريخ ايضا انه حدا بالملك المظفر صاحب اول اربل ان يصلح ثنيتها ويمهدها ويبني عليها سوراً وباباً وكان ذلك في سنة 607هـ وقد تم بالفعل بناء هذا السور في عهد الشريف قتادة بن ادريس الحسيني وقد وصف بأنه كان سورا ذا عقدين لدخول الجمال والاحمال وقد حرق هذا السور وبابه سنة 689هـ على يد امير الحج الشامي, ولعله قد جدد بعد ذلك عدة مرات ولكن من الراجح انه جدد في عهد الشريف بركات سنة 908هـ.


ومن الحوادث الشهيرة التي نقلتها لنا كتب التاريخ انه وعلى باب سور الشبيكة شنق محمد الحراشي في سنة 816هـ لخروجه عن امر الشريف حسن بن عجلان وموالاته للشريف رميثة بن محمد بن عجلان.


ويضيف مكاوي في العهد العثماني الاول: شهدت مكة المكرمة استقرارا نسبيا وهدوءً سياسيا وكثر المهاجرون الى مكة المكرمة والقادمون من خارجها للبقاء فيها بجوار حرم الله الآمن ولم تعد للباب الاهمية الكبيرة التي كانت له في ما مضى فتهدم وأُزيل وامتد العمران نتيجة المباني والحركة العمرانية الكبيرة الى ما بعده وقد ادرك النهروالي المؤرخ المتوفى سنة 985هـ بعضا من اجزاء هذا السور العظيم, وقامت حوله الحارة التي عرفت في قرون التاريخ المتأخرة بحارة الباب نسبة الى باب هذا السور الذي كان قائما على الثنية.


ويضيف مكاوي من الصعب تماما الفصل بين حارة الباب والشبيكة في الوقت الحالي الا في العرف بين الناس لانها اصبحت نسيجا عمرانيا واحدا وتداخلت المنطقة العمرانية وازيلت المباني الاثرية التي كانت معروفة في السابق ويستشهد بها ونصبت مكانها الابراج والفنادق السكنية الشاهقة لاستيعاب عشرات الآلاف من حجاج بيت الله الحرام ولكن قدماء مكة وكبار السن فيها يقولون ان منطقة الشبيكة هي الاقرب للحرم والتي تليها اي منطقة الثنية بعد المرور للصاعد من الحرم بمدرسة الفلاح هي حارة الباب او محلة الباب ولها عمدة مستقل في الوقت الحالي.


معالمها الاثرية
من تاريخها العريق ومن سجلها الحافل ينبع تاريخ ومعالم اثرية للشبيكة مدار حديثنا اليوم, هذه المعالم التاريخية في الشبيكة وحارة الباب يواصل سردها لنا عاشق التراث المكي حسام مكاوي ليضيف بقوله: من اهم المعالم الاثرية (مقبرة الشبيكة وقد سماها الفاكهي مقبرة الاحلاف, وعرفها الفاسي بأنها مقبرة الشبيكة المعروفة الآن, والاحلاف هم بنو عبدالدار وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو جمح وبنو عدي بن كعب وقد جددها الشيخ علي الشحومي المغربي في سنة 1274هـ وبنى بها موقعا لغسل الموتى وبنى امامها رباطا للفقراء من النساء من اهالي مكة المكرمة, وهذه المقبرة دفن فيها الكثير من علماء مكة المكرمة واعيانها ولعل منهم (السيد عبدالله العيدروس والسيد احمد بافقيه والسيد يحيى المساوى وقد ذكر الشيخ ابراهيم الغزوي في شذراته ان الدفن استمر فيها الى العقد الرابع من القرن الهجري الماضي).

ومن المآثر التاريخية في هذه المنطقة اي منطقة الشبيكة مسجد السيد جعفر بن ميرك الحسني ودلني على موقعه تحديدا الشيخ سعد خليل فته وهو من قدماء سكان الشبيكة وكان والده قائما على شؤون المسجد الحرام ويقع هذا المسجد بعد مدارس الفلاح القديمة مباشرة ولا يزال قائما حتى الآن وقد عاش السيد جعفر ميرك في الشبيكة في الفترة من 1060هـ الى 1140هـ وبني مسجده هناك وامتلك كثيرا من العقارات في الشبيكة واوقف كثيرا منها على مسجده هذا وقد ذكر الدهلوي ان الناظر على اوقافه في عهده الشيخ محمد بن محمد بن سعيد الفته ثم نزعت منه نظارة الاوقاف بأمر الشريف حسين وآلت نظارتها حاليا الى وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد.

المصدر /عكاظ (الأحد 21/11/1425هـ) من اعداد : فالح الذبياني