رمضان مكة في عيون الرحّالة

ارتبطت الرحلة عند المسلمين بعلم تقويم البلدان أو علم الجغرافيا، ذلك أن الرحّالة عنوا عناية خاصة بوصف المدن والبلدان وذكر طرقها وشعابها وجوها ومناخها ونباتاتها وحاصلاتها، كذلك عنوا بعلم تقويم البلدان لحاجتهم إلى معرفة الطرق إلى مكة، وذلك للقيام بفريضة الحج، فضلاً عن عنايتهم بالتجارة.
 
(المجلة العربية) قامت بجولة للتعرّف على مُشاهدات الرحّالة العرب والأجانب عن شهر رمضان الكريم فى مكّة المكرّمة، تعالوا لنعش هذه المُشاهدات.

رمضان في مكة عند الرحّالة
حافظ العرب على رحلة التجارة ورحلة الجهاد والسفارة ضمن ما وصلهم من التركة الحضارية التي وصلتهم، وقد حرص المسلمون في طلب الرحلة، ولكنهم أضافوا ثلاث حاجات جديدة إليها حتى تلبي متطلبات الحياة المتنوعة، والتي تمثّلت وعبّرت عن مبلغ تنشيط تلك الرحلة في: رحلة الحج والعمرة طلب العلم ورحلة التجول والطواف. وبرز في التراث الجغرافي العربي رحّالة مسلمون سجلوا لنا تفاصيل عديدة عن عادات وتقاليد الحياة الاجتماعية لتلك الأقوام والملل والنحل التي قصدوها، فكانت بحق سجلاً لأولئك الناس احتفظ العرب بها في مصنفاتهم الجغرافية، ونهل منها الغربيون ما شاء أن ينهلوا وأعجبوا وأشادوا بكل فخر واعتزاز بتلك الرحلات العربية في مؤلفاتهم الصادرة لاحقاً. وقد دون الرحّالة العرب الذين قصدوا جزيرة العرب ما شاهدوه من احتفالات تُقام خاصة في استقبال الأشهر العربية، ورسموا في رحلاتهم صورة ناطقة حية عن احتفالات المسلمين بشهر رمضان المبارك في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد وقع اختيارنا على اثنين من أشهر رحّالة العرب، هما: ابن جبير، وابن بطوطة اللذان وصفا لنا حياة الناس خلال الشهر الكريم بكل أمانة وصدق، ومن الغرب اخترنا سنوك المستشرق الهولندي.
 
رحلة ابن جبير
زار ابن جبير مكة المكرمة وأقام فيها قرابة نصف عام، ثُم قصد المدينة في طريقه إلى الكوفة وبغداد وسامراء والموصل في العراق، بعدها زار حلب ودمشق في الشام، وقام في الرحلة الثانية التي استمرت عامين عند سماعه نبأ تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي عام 583 هـ/ 1187 م في كتابه (تذكرة الأخبار عن اتفاقيات الأسفار)، والمعروف برحلة ابن جبير شهر رمضان والاحتفالات الخاصة بقدوم وإحياء لياليه المباركة لعامي 578 هـ/ 579 م، فسجّل مظاهر ختم القرآن الكريم فيها في كل وتر من الليالي العشر الأواخر في رمضان، فوصف في رحلته إلى مكة الأركان الأربعة للحرم، وبإزاء المقام الكريم منبر الخطيب فقال: (وهو أيضاً على بكرات أربع، فإذا كان يوم الجمعة، وقرب وقت الصلاة، ضم إلى صفحة الكعبة الذي يقابل المقام، وهو بين الركن الأسود والعراقي فيسند إليه المنبر). وأشار ابن جبير بإسهاب إلى توجّه الخطيب إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقابل في البلاط الآخذ من الشرق إلى الشمال، ويصف لنا ملابس الخطيب ولون عمامته السوداء والطيلسان الذي يرتديه، وإذا قرب الخطيب من المنزل يقول عنه ابن جبير: (فإذا قرب من المنبر عرج إلى الحجر الأسود فقبّله، ودعا عنده، ثُم سعى إلى المنبر، والمؤذن الزمزمي (رئيس المؤذنين بالحرم الشريف) ساعياً أمامه، لابساً السواد أيضاً). ويشير إلى جلوسه ومبادرة المؤذنين بإعلان الأذان بلسان واحد، ثُم تلاوة الخطبة. عرفنا ابن جبير في رحلته عن الاحتفاء بالأهلة في مكة، وما يجري فيها من احتفالات، وكيف دخل أمير مكة مكثر المذكور داخل الحرم الشريف مع طلوع الشمس، والاحتفال بشهر رمضان فيها، فسجل الاهتمام الكبير بزيادة أحجام وأعداد وسائل الإضاءة منذ صلاة المغرب (الفطور) وحتى الفجر (السحور) وتجديد فُرش الحرم الشريف من الحصير عند دخول نمرة الشهر الكريم. وأشار الرحّالة إلى إقامة صلاة التراويح في الحرم المكي في عدة أماكن متفرقة، وكان لكل فرقة إمامها، وأن عدد ركعات التراويح بلغت أربعاً وعشرين ركعة خارجاً عن الشفع والوتر، مع تعدد مرات الطواف حول الكعبة المشرفة فيما بينها. وذكر ابن جبير عن السحور في مكة، الذي كان يتم من المئذنة التي توجد في الركن الشرقي للمسجد الحرام، وذلك بسبب قربها من دار شريف مكة، فيقوم الزمزمي بأعلاها وقت السحور داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه، ونظراً لترامي الدور بعيداً عن الحرم المكي حيث يصعب وصول صوت المؤذن كانت تنصب في أعلى المئذنة كما يقول ابن جبير (خشبة طويلة في رأسها عمود كالذراع بكرتان صغيرتان يُرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يوقدان مُدة التسحير، فإذا قرب تبيّن خُطى الفجر، ووضع الأذان بالقطع مرة بعد مرة حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة، وبدأ وصول المؤذنين من كل ناحية بالأذان. وعندما يرى آهل مكة من سطوح منازلهم العالية القنديلين قد أطفئا علموا أن الوقت قد انقطع). 
 
كذلك دوّن ابن جبير أثناء إقامته في مكة مظاهر ختم القرآن الكريم في كل وتر من الليالي لعشر الأواخر في رمضان، حيث كان أبناء مكة من الصبية يتنافسون في ختمه والاحتفال بذلك بإيقاد الشموع والثريات وتقديم الطعام. وأشار الرحّالة إلى ابن إمام الحرم الذي ختم القرآن في ليلة خمسة وعشرين، وأعقب ذلك بخطبة بليغة نالت استحسان الحضور على الرغم من صغر سن الخطيب. ونقل حكاية أخرى من غلام مكي من ذوي اليسار دون الخامسة عشرة احتفل أبوه به عند ختمه للقرآن العظيم في ليلة ثلاث وعشرين، حيث أعّد له ثريا صُنعت من الشمع وذات غصون علقت فيها أنواع الفواكه اليابسة والرطبة، وأعد لها والده شمعاً كثيراً، ووضع وسط الحرم شبيه المحراب المربع أقيم على قوائم أربعة تدلت منه قناديل مُسرجة أحاط دائرة المحراب المربع لمسامير مدببة الأطراف غرز فيها الشمع، وأوقدت الثريا المغصنة ذات الفواكه، ووضع الأب بمقربة من المحراب منبراً مجللاً بكسوة مجذعة مختلف الألوان، وحضر الإمام الطفل فصلى التراويح، وختم المسجد بالرجال والنساء، وهو في محرابه وحوله الشمع المضاء.
 
رحلة ابن بطوطة
يُعد ابن بطوطة شاهد عيان على حلول غُرة شهر الصوم المبارك في مكة، فقال عن عادات المكيين في هذا الشهر الفضيل: (إذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نوراً ويسطع بهجة وإشراقاً، وتتفرق الأئمة، وهم الشافعية والحنبلية والزيدية (أتباع زيد حفيد الحسين الذي يحسبونه مؤسس فرقتهم). وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء يتناوبون القراءة، ويوقدون الشمع، ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يُصلي بجماعة فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحصر القلوب وتهمل الأعين. ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفرداً، والشافعية أكثر الأئمة اجتهاداً). وعاداتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته، فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة، كان ذلك إعلاماً بالعودة إلى الصلاة، ثُم يُصلّي ركعتين ثُم يطوف أسبوعاً. وهكذا إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثُم يُصلّون الشفع والوتر وينصرفون. وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً. وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقول داعياً ومذكّراً ومحرّضاً على السحور. وكذلك يفعل المؤذنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه. وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض، قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يوقدان. فإذا قرب الفجر وقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، وحط القنديلان وابتدأ المؤذنون بالأذان وأجاب بعضه بعضاً. ولديار مكة شرّفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحّر، حتى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل. وفي ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن، ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بها أحد أبناء كبراء أهل مكة. فإذا نصب له منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع، وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله، فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات. وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر. وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لسائر الليالي. ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم، وتقام غذاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، ويجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج فيكاد يغشى الأبصار شعاع الأنوار. ويتقدم الإمام فيُصلّي فريضة العشاء الآخرة، ثُم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراء الأئمة في الليلة التي قبلها. وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام ويحضرونها متبكرين، فيختم الإمام في تسليمتين ثُم يقوم خطيباً مستقبل المقام. فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم وانفض الجمع. ثُم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر، وعن المباهاة منزّه موقّر فيختم ويخطب وعادته في شوال وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله، ويسرجون المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان وتوقد السُرج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كله وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس، ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء، فإذا صلوا صلاة الصبح أخذوا في أهبة العيد ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف، به يصلون صلاة العيد لأنه لا يوجد موضع أفضل منه ويكون أول من يُبكّر إلى المسجد الشيبيون، فيفتحون باب الكعبة المقدسة، ويقعد كبيرهم في عتبتها وسائرهم بين يديه إلى أن يأتي أمير مكة. فيتلقونه، ويطوف بالبيت أسبوعاً، والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبة زمزم على العادة، رافعاً صوته بالثناء عليه، والدعاء له ولأخيه كما ذكر. ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين، والفرقعة أمامه، وهو لابس السواد. فيصلّي خلف المقام الكريم، ثم يصعد ويخطب خطبة بليغة. ثم إذ فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار، ويقصون الكعبة الشريفة فيدخلونها أفواجاً. ثم يخرجون إلى مقبرة المعلى تبركاً بمن فيها من الصحابة وصدور السلف، ثم ينصرفون.
 
رحلة الهولندي سي سنوك 
وها هو المستشرق الهولندي كرستيان سنوك هور خرونيه (1857م - 1936 م) في كتابه الموسوعي القيمّ (صفحات من تاريخ مكة) يحكي لنا عن عادات المكيين في شهر رمضان في نهاية القرن الثالث عشر الهجري خلال إقامته في مكة المكرّمة، فيقول: (قبل بداية رمضان يحاول البعض تنظيف المعدة، وذلك بتناول شربة أو مادة مسهلة للمعدة، تحضر من قبل الطبيب بموجب وصفة يختص بها سرية في العادة، ومع أن العلاجات تباع بالثمن إلا أن الشربة يعطيها الدكتور مجاناً). إن المدافع تكون على أهبة الاستعداد لتعلن بداية شهر الصوم، وبعد سماع العيارات النارية تصبح الأسواق أكثر حياة، حيث تجد باعة المواد الغذائية يتفننون في صناعة أطباق الحلوى الرمضانية التي يقبل عليها الصائمون للتحضير لوجبة السحور، لأول يوم من أيام الصيام حيث يبدأ الجوع والعطش. ويقول: (قبل المغرب يبدأ الزمازمة بالخروج من الخلاوي ويقومون بفرش السجاجيد يضعون الدوارق التي تحوي الماء البارد بمعدل دورق لكل خمسة أشخاص، وقبل أن يجلس الأشخاص البارزون في أماكنهم المخصصة لهم، توضع بعض الدوارق الخاصة التي تحوي الماء المحلي أو ماء المطر أو ماء العيون، وذلك حسب ذوق الجالس ورغبته. ونجد الجماهير المحتشدة من الصائمين تدخل إلى المسجد خلال أبواب الحرم التسعة عشر، وكل واحد من هؤلاء يحمل حقيبة صغيرة أو سلة مليئة بالخبز والتمر والزيتون والتين، والأثرياء من هؤلاء يدخلون إلى المسجد يتبعهم عبيدهم الذين يحملون على رؤوسهم أطباقاً معدنية ثقيلة مليئة بأنواع الطعام. إن جميع القادمين إلى المسجد قد أخذوا أماكنهم بانتظار لحظة الإفطار، وذلك حين يصعد (الريس) إلى الطابق العلوي الذي يحيط ببئر زمزم، ويلوّح بعلم إلى القلعة التي ينتظر فيها بعض الجنود لإطلاق المدافع إيذاناً بالإفطار، ويسمع المرء الآن من كافة أرجاء المسجد دعاء خاصاً، كما يسمع أصوات شرب الماء من الدوارق الخاصة، وكذلك قرقعة صحون الطعام وما إليها، وفي هذه الأثناء يرتفع الأذان من على المنارات السبع الموجودة في المسجد، يؤدي بعدها الناس صلاة المغرب، إن هذه الفترة قصيرة، لذلك تحذف المدائح التي تعقب الأذان وتكون الإقامة مباشرة بعد الأذان، ويصطف الناس للصلاة خلف إمام الأصناف الذي يتخذ مكانه بجوار المقام. إن المرء في العادة يصلّى خلف إمام مذهبه، غير أن الشريعة الإسلامية لا تمنع من أن يقوم الناس بالصلاة خلف إمام من مذهب آخر، بل تمنعهم من أداء الصلاة خلف إمام مذهبهم إذا كان ذلك يؤخر أداءهم للصلاة في موعدها).
 
ويضيف سنوك: 
(إن الذين يبقون في البيت بعد الإفطار هم الكسالى فقط، لأن الكل يذهب إلى العمل وإلى المسجد لأداء صلاة العشاء وحتى أولئك الذين يصلّون في بيوتهم، يذهبون إلى المسجد في هذا الشهر لأداء صلاة العشاء. ومن النادر أن تجد أحد الأشخاص لا يصلّى التراويح مع أنها ليست شرطاً من شروط رمضان، وهي ليست إجبارية بل هي اختيارية، غير أن الناس يؤدونها وكأنها إجبارية. وإن أئمة التراويح هم أئمة فقط لهذه المناسبة، وحتى حينما يقوم أئمة الحرم بصلاتها فإنهم يصلّونها كغيرهم بدون صفة رسمية. إن المكيين في رمضان ينامون قرابة نصف النهار وربما أكثر وهذا سيساعدهم على السهر بعد التراويح، فالليل هنا يحل محل النهار لأداء جميع الأعمال، حيث يستقبل المرء ضيوفه في هذه الليلة، وفي الغد يقوم هو نفسه بزيارة بعض الأصدقاء، وفي الليلة التي بعدها يذهب مع أصدقائه إلى المقهى بجوار المروة.. غير أن هناك نفراً قليلاً من أصحاب الأعمال يضطرون إلى العمل نهاراً، ولهذا لا يجدون الفرصة للنوم نهاراً، ولا إلى الحياة الاجتماعية ليلاً. إن الأتقياء من أهل مكة والكثير من المجاورين والحجّاج القادمين يستغلون الليل بأداء مهمات أخرى، ألا هي القيام بأداء العمرة المفضلة في رمضان). ويحدثنا سنوك عن المسحرين في مكة فيقول: (بالإضافة إلى التذكير هناك التسحير، وهو الدعوة إلى تناول وجبة السحور قبل الإمساك عن الطعام، والتذكير في العادة يبدأ قبل ثلاث ساعات من الفجر، ويعتبر إيذاناً بالاستعداد للسحور. والسحور أساسي ومستحب بالنسبة للصائم، وقد ورد عليه تأكيد في الأحاديث النبوية. أيها القائمون أصبحوا. اذكروا الله الذي سخّر الرياح إن جيش الليل قد انسحب وجيوش الصباح تشعشع أسرعوا بالشرب فقد حان موعد الصباح. ويستمر المؤذنون بترديد ذلك، وبعد ساعتين ينهون بالأذان الأول، ويطلق عليه (الأذان الأول). لأن الذي يرغب في أداء الصلاة جماعة لديه متسع من الوقت لمدة ساعة بحيث يلبس ويأكل شيئاً من الطعام، ثم يذهب إلى المسجد، وبعد نصف ساعة من الأذان الأول يعلن المؤذنون من على المنابر قرب بدء وقت الفجر، وهذا يسمى (تتفيه) وهو الاسم الشعبي لهذا النوع من التحذير بحيث لا يفاجأ المتسحرون ببدء وقت الإمساك، بحيث يتفلون ما في أفواههم من طعام أو شراب، وقبل التتفيه بساعة تجد المسحرين يقرعون طبولهم أمام البيوت بطريقة تقليدية تساعد على إيقاظ الناس، وفي نهاية رمضان يزور هؤلاء المسحّرون هذه البيوت، وغالباً ما تكون الزيارة في يوم العيد لينالوا شيئاً من الهدايا والأعطيات حيث يعطيهم بعض الناس نقوداً وبعضهم الآخر حبوباً، وبعضهم يعطيهم صدقة الفطر كذلك). ويحدثنا سنوك عن العمل في رمضان، فيقول: (إن المحلات التجارية ومحلات الأدوات المنزلية والملابس تفتح في العادة للحجّاج فقط، ولا يرتادها من أهل مكة سوى من ينسى أن يحضر حاجته قبل الصيام، ولهذا فإن حركة الأعمال التجارية تصاب بالركود حتى قرابة نهاية الشهر حيث تعود الحركة والنشاط للأعمال التجارية، فكل الناس يبدؤون بشراء الحنطة من أجل توزيع صدقة الفطر، وكذلك يبدؤون غنيهم وفقيرهم على السواء بشراء الملابس الجديدة من أجل العيد. إن رجال الحرف المختلفة لا يعملون أيضاً في رمضان، ومن يعمل من هؤلاء هم أبناء مكة الأصليون الذين اعتادوا على العمل في الحر منذ الصغر، فهؤلاء يقومون ببعض الأعمال الخفيفة خلال هذا الشهر. أما المتسولون فيكفّون عن العمل صباحاً في رمضان ويمارسون مهنتهم بعد الظهيرة، حيث يحصلون على كميات إضافية من الطعام، حتى من أولئك البخلاء الذين تجود أنفسهم في رمضان، لذا يرجع هؤلاء المتسولون بأوعيتهم مليئة بالطعام).

المصدر :  المجلة العربية 2014