جرول الخضراء حيث اغتسل النبي من بئر طوى

كما هي مكة المكرمة باقة من جهات الأرض جميعا, ننتقل في هذه الحلقة إلى حي جرول أو ما يعرف ببئر طوى, حيث المكانة التاريخية العريقة والأحداث الهامة, ففيها بئر طوى ذلك الموقع الذي اغتسل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفيها قبر أبي لهب وجبل قعيقعان و غيرها من المعالم الأثرية التاريخية الهامة ,لها من التاريخ والمكانة والأثر الشيء الكثير بالرغم من تغير معالمها إنها جرول حالياً, وطوى سـابقاً وفيها البئر الذي اغتسل فيه رسول الله, يقول العمدة طلال بن حسان في هذا الحي العريق رأت عيناي النور وهو الحي الذي خرج أجيالاً كثيرة وأضاف: فالحي كان يعرف سابقاً بحي طوى أو بئر طوى بضم الطاء المهملة, وواو, يليها مقصور : ذكر في مواضع في السيرة, منها : مبيته صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح بذي طوى. وهو وادٍ من أودية مكة, كله معمور اليوم, يسيل في سفوح جبل أذاخر والحجون من الغرب, وتفضي إليه كل من ثنية الحجون - كداء قديما - وثنية ريع الرسام - كدى - قديما. ويذهب حتى يصب في المسفلة عند قوز النكاسة - الرمضة قديما - من الجهة المقابلة.

وعليه من الأحياء : العتيبية, وجرول, والتنضباوي, وحارة البرنو - جنس من السودان - ومعظم شارع المنصور, والليط, والحفائر داخلة في نطاق وادي طوى وكذلك الرصيفة والنزهة والزاهر و العمرة إلى عين شمس وهي موجودة في الصكوك وبقيت على هذا الحال حتى نهاية السبعينات, وانحصر الاسم اليوم في بئر في جرول تسمى بئر طوى, هي موضع مبيته صلى الله عليه وسلم بجيش الفتح هناك, وإخواننا المغاربة يحرصون على زيارة هذه البئر والشرب من مائها, كما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بئر طوى وعندما أصبح الصباح اغتسل عند بئرها وعندها إنفرق الجيش إلى اثنين خالد بن الوليد قاد جيشه عبر شارع خالد بن الوليد أو ما يعرف حالياً بريع الرسام, والرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ طريق كدى متجهاً إلى الحرم المكي الشريف وذلك أثناء فتح مكة.

سكان جرول
لا يسكن جرول إلا البادية هكذا يقول ابن حسان لكنه يستدرك بقوله كان هذا في السابق أي في الستينات والسبعينات أما الآن فهم خليط من كل الأجناس والأعراق مثل أحياء مكة المكرمة الأخرى حيث استوطنها الكثير من الجاليات, ويشرح ابن حسان كل البادية من خارج مكة المكرمة وداخلها يسكنون جرول حيث كانت الوحيدة التي تحتضنهم وتفتح صدرها لهم وتؤويهم في مقاهيها ومنازلها, وكان هؤلاء البدو يأتون إلى جرول بحثاً عن عمل حيث كان في عهد الملك عبدالعزيز لا يسكنها أكثر من (3) الآف منزل. وكان الشيخ عبدالله السليمان يوزع على فقراء البادية الكثير من المواد الغذائية والأكل وكان عليه إقبال كبير بسبب فقر سكان الحي الذي يستقطب الباحثين عن عمل من أهل البادية.
الداخلية في جرول
يقول ابن حسان الذي يعمل على توثيق تاريخ جرول في كتاب كبير في هذا الشأن يقول (كانت وزارة الداخلية تتخذ من جرول مكاناً لها وكان مبناها في منزل الشيخ عبدالله السليمان وكان وزيرها في ذلك الوقت صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل, وكذلك الشرطة العسكرية كانت أيضاً في جرول).

سور مكة في حارة الباب
يقول ابن حسان كان لمكة سور من الجهة الشمالية يغلق ليلاً ويفتح نهاراً.. وهذا السور في حارة الباب أو ما يعرف بريع الرسام ومعالمه موجودة حتى الآن وهو السبب الذي سميت به حارة الباب ونتيجة للتوسع انتقل الباب إلى البيبان وهدم عام 1365 هـ من حارة البيبان.

هؤلاء سكنوا جرول
تعد جرول عاصمة لمكة المكرمة هكذا يقول ابن حسان ويستند في ذلك إلى عدد من الشواهد والأدلة والتي من بينها أن كبار رجالات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز كانوا يسكنون في جرول ومنهم معالي الشيخ عبدالله السليمان, و معالي الشيخ الطبيشي, والمستشرق عبدالله ثلبي, وكذلك عائلة شطا, ويوسف ياسين وكيل وزارة الخارجية, وسمو الأمير متعب بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة مكة المكرمة, وكذلك محضار عقيل أول شخص عينه الملك فيصل رئيس مجلس القضاء الأعلى, وكذلك إبنه فضل محضار عقيل وكيل وزارة العدل سابقاً , الشيخ محمد الحركان, كما أنه من العوائل العريقة التي سكنت مكة المكرمة عائلة ابن معمر التي منها محافظ الطائف فيصل بن معمر ومنزلهم لصيق مبنى شركة الاتصالات وهو لصيق لقهوة أبو سكر.

أول مسرح سعودي في مكة
لم يقتصر دور جرول على احتضان المسؤولين وكبار رجال الدولة وإنما ساهم هذا الحي في تشكيل الحركة الثقافية والإعلامية في المملكة حيث كان فيه أول فندق في مكة المكرمة وأول مسرح يقام على مستوى المملكة العربية السعودية أنشئ في جرول وأنشأه أحمد سباعي وكان مسرحا فنيا وموقعه موجود إلى الآن ويقع خلف موقع شركة الاتصالات حالياً ويعرف بشارع قريش الآن, وكان في شارع قريش مجلة أو صحيفة أنشأها أحمد سباعي عرفت باسم الشـارع نفسه, كما أن أول مجلة زراعية صدرت قبل الحكم السعودي وفي عهد الحكم الهاشمي أنشئت باسم مجلة جرول الزراعية, كما أن أول متنزه أنشئ في ارض الحجاز أنشئ في جرول ويعرف باسم بستان عثمان نوري باشا, وكذلك بستان الشريف عون الرفيق.

مسافر خانه في القشلة
أول مسافر خانه أنشئت في أرض الحجاز احتضنتها أرض القشلة التابعة لجرول وانشأ هذه المسافر خانه السلطان عبدالحميد لكي تكون لفقراء الحجاج للسكن فيها وافتتحت في عام 1318هـ وعندما وجدوا أنها بعيدة عن الحرم, طلبوا نقلها من هذا الموقع المعروف بالقشلة حالياً انتقلت إلى موقع آخر بالقرب من الحرم أما موقعها فاستخدم من قبل الجيش التركي اسطبلاً للخيول ومكان عسكرهم وجنودهم وهو ما يعرف باللغة التركية القشلة, وكانت ذات مبانٍ جميلة وكانت مباني الخلاء بعيدة عن المبنى والحجرات حتى لا تؤثر على الجدران بالترشيح.

ريع المجانين
ريع المجانين وسبب تسمية هذا الريع بهذا الاسم لأنه كان يسكنه فخذ (خامس) يعرف باسم المجنوني, كما أن الصكوك القديمة تثبت أنها ملك بني لحيان, وكان في الحي قهوة المنتزه وقهوة المعلم وكانت تستقطب الكثير من أبناء البادية بل كانت هاتان القهوتان هما مكان التقاء غرباء البادية ومعلم بارز للباحثين عن ذويهم في هذا الحي, وكان يعمل بها عدد من الجالية اليمنية التي تجيد صناعة الكثير من متطلبات أبناء البادية الغذائية.

الملك عبدالعزيز مر من هنا
لم يكن في مكة المكرمة أي شارع معبد سوى شارع واحد يرتبط بطريق جدة مكة القديم ويخترق حي جرول حتى يصل إلى الحرم مروراً بريع الرسام وجبل الكعبة, وكان في السابق حين يأتي موكب للملك عبدالعزيز يقومون برش الشارع بالمياه حرصاً على عدم تطاير الغبار, وكل ضيوف الدولة يمرون عن طريق هذا الشارع وقد ذكره محمد رفعت في كتابه مرآة الحرمين.

جرول الخضراء
جرول الخضراء سميت بهذا الاسم لوجود عدد من البساتين من بينها بستان عثمان نوري ومن القصص المروية أن سكان مكة اشتكوا عثمان نوري باشا على الدولة العثمانية وقالوا في شكواهم (أن واليكم في الحجاز عمل بستاناً له على مقابر المسلمين في إشارة إلى مقبرة الشيخ محمود وفي الحقيقه أنها وشاية ولكن الشريف عون الرفيق وعدد من المواطنين آنذاك رفعوا مذكرة ينفون فيها ذلك, وكان بها بستان الشريف عون الرفيق وكان مزروعاً بجوز الهند والليمون والعنب والجوافة والبرتقال وهذا البستان كان يسقى بماء عين زبيدة, وبه من الآبار الشيء الكثير حيث كان حفر البئر سهلاً بسبب وجود المياه, ومن آبارها بئر طوى, بئر دولات, بئر زبيدة, بئر داخل منزل الشيخ عبدالله هباش, بئر الطبيشى, بئر الصبان والسبب في كثرة الابار لأنها في وادي طوى المشهور بكثرة المياه).

 

 المصدر / جريدة عكاظ