جريدة الندوة

54 عاما هو العمر الذي قررت أن تقف عـنده صحيفة النـدوة، بعد أن انطلقت ولأول مـرة في يوم الأربعاء 8 شعبان 1377هـ الموافق 26 فبراير 1958م   على يد مؤسسها الراحل أحمد السباعي .

تعرضت الندوة  لأزمات مالية تصدى لإحداها خـادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتبرعه بمبلغ 10 ملايين ريال.  ولكن تاريخ  الصحيفة شهد عددا من التوقفات، وكانت الانتكاسة قد بدأت في عام 1418 ،ووصلت الديون على الصحيفة إلى 55 مليونا في عام 1420هـ.

مرت جريدة الندوة ( الجريدة الوحيدة الصادرة في مكة المكرمة) بأزمات عديدة منذ أكثر من عقدين ، ادخلتها في نفق، ما جعلها تتخلف عن الركب بعيدا عن معظم الصحف السعودية، و منها ما تأسس بعدها بسنوات طويله  أيضا .

وكان مجلس منطقة مكة المكرمة قد كلف شركة ( جلف لينك ) للأبحاث التسويقية بتنفيذ دراسة تسويقية عن وضع الجريدة ، ومنذ إنجاز تلك الدراسة سنة 2002 ،لم يتغير واقع الجريدة كثيرا ، بل تعرضت لمصاعب تسببت في توقفها عن الصدور لأول مرة في تاريخها  الحديث  أواخر سبتمبر عام  2003 لامتناع فريقها  التحريري والفني عن مزاولة عملهم ما لم يتسلموا رواتبهم المتأخرة.

ثم عادت الجريدة للصدور و لكنها ظلت تترنح تحت وطأة الأعباء المالية ، والخلافات المستمرة بين أعضاء مجلس الإدارة من جهة ، و بينهم  وبين  التحرير من جهة أخرى . ما أدخل الجريدة في متاهات وإخفاقات ظلت تعطل مسيرتها على مدى أكثر من عقدين ، وتسببت في فقدانها أعدادا كبيرة من قرائها الذين ارتبطوا بها منذ لحظات تأسيسها .

وكان العدد الأول من الندوة صدر يوم الأربعاء 8 شعبان 1377هـ الموافق 26 فبرابر من عام 1958م، في عهد  صحافة الأفراد،  حين  أسسها أحمد السباعي كان يملك  ترخيصا يوميا لصدورها إلا أنها صدرت مؤقتاً بصفة أسبوعية، ثم أخذ إيقاعها بتسارع بإصدار عددين ثم ثلاثة في الأسبوع.

وبعد أحد عشر شهراً توقفت الندوة للمرة الأولى في 18 يناير من عام 1959م. بعد ذلك اندمجت الندوة مع جريدة  (حراء) التي أصدرها الرائد الراحل صالح محمد جمال، رحمه الله، وصدرتا باسم (الندوة) في 30 ینایر عام 1959 ،وكان هذا  هو بداية  الإصدار للمرة الثانية.

أما اختيار الندوة اسماً للكيان المندمج فلعله يتضح فيما كتبه الأستاذ أحمد السباعي في افتتاحية العدد الأول لجريدة الندوة إذ يقول : "  .. و لأمر ما أبيْنا إلا أن نختار لصحيفتنا اسم (الندوة) فقد تقاسمت محافل الأدب العربي في كثير من بلاد العالم معنى الندوة وغفلنا عن ذلك ونسينا إنها فكرة ابتكرتها بطحاء مكة قبل أن يعرف العالم مدلولها .. وشادت لها بين أقدام (قعيقعان) وعلى كثب من ظل الكعبة . . أول بناء تداول الشورى في آفاق الأرض.

لأمر ما أبيْنا إلا أن نختار لصحيفتنا اسم (الندوة) فقد كانت الندوة شعاراً لأول نهضة عرفتها بلاد العرب ، وكان دارها في حاشية هذا الوادي وعلى خطوات من زمزم أول دار تألقت فيها اليقظة ولمع فيها مجد بني يعرب .." .

وفي 20 مارس من العام نفسه  نشرت الجريدة في عددها الخامس و الأربعين أن الأستاذ صالح محمد جمال قد اشترى حصة الأستاذ أحمد السباعي وآل اليه امتياز نشرها .

وفي 13 ینایر 1964م صدر مرسوم ملكي كريم  بإلغاء صحافة الأفراد، وتحولت من حينها الصحافة السعودية  إلى المؤسساتية ...حيث أعلن المرسوم نظام المؤسسات الصحفية الاهلية، ونشأت من خلاله ثماني مؤسسات صحفية ، احداها  (مؤسسة مكة للطباعة والإعلام) في 9 مارس من العام ذاته  بمجلس إدارة مكون من عشرين عضوا، وصدرت جريدة الندوة من خلالها وبات ترخيصها ملكاً للمؤسسة الجديدة في 14 مارس 1964 لتكون الجريدة الوحيدة الصادرة من مكة المكرمة.

وتعاقب على رئاسة الندوة في عھد صحافة المؤسسات كل من حامد مطاوع الذي كانت الصحيفة في عهده من أفضل الصحف المحلية انتشارا ، ثم جاء بوسف دمنهوري ، ثم عبدالرحمن العرابي، ثم تم تكليف رفقي الطبب وبعده فوزي خباط وبعده هشام كعكي، ثم أحمد بايوسف.. وكل هؤلاء الأربعة كانوا بالتكليف.

( في القريب العاجل .. سيكون لنا لقاء مع القادم من المستقبل، الذي ندعو الله مخلصين أن يستمد  إشراقاته من نور مكة المكرمة). هكذا ختم رئيس مجلس إدارة ( مؤسسة مكة للطباعة والإعلام) الشيخ صالح كامل مقالته في عدد الندوة الأخير الذي حمل رقم 16408 في 1 محرم 1434هـ و التي حملت عنوان (تحية وداع ..لإشراقة لقاء) وأعلن من خلالها توقف جريدة الندوة عن الصدور بعد أكثر من خمسة عقود، لتعود مجددا باسم جديد هو  ( مكة). و التي صدر العدد الأول منها يوم الاثنين 12 ربيع الأول 1435هـ

الموضوع من إعداد : حسن مكاوي | منقول بتصرف من موضوع منشور بجريدة الوطن للاستاذ محمود تراوري .