الدكتور عبدالله الشريف : قراءة تراثنا جاءت متناقضة وانتقائية من أهل الأهواء

عمق تجربته في التراث، وتجذر فكره في الثقافة، واطلاعه الواسع لما يجري على الساحة المحلية والدولية من مستجدات، وإلمامه بالتطور العلمي والتقني المرتبط بالدراسات النفسية والاجتماعية المتعمقة في فهم الإنسان، ومعرفة عواطفه ودوافعه وتفسير نواياه ومحفزاته.. جاء حديث الدكتور عبدالله بن حسين الشريف، الذي خص به (اليمامة)، متطرقاً خلاله لعدة قضايا منها، تمايز أدوار المثقفين تجاه المستجدات، واعتبار الهوية العربية نسبية نتيجة تعدد مكوناتها العرقية والدينية واضطراب علاقاتها البينية، معتبراً تأصيل الانتماءات العرقية والمذهبية فيه خرق لوحدة الأمة، وإخلال بأمن الوطن.. وقضايا أخرى تطالعونها عبر هذا اللقاء.

* كيف تنظر إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله -، من حيث التغييرات الكبيرة التي أجريت في عهده الميمون، وما هو المطلوب في هذه المرحلة؟.
- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من أعظم ملوك الإسلام، وعهده من أزهى عهود المملكة. عهد الحزم والعزم. عهد الرؤية والتحول والتغيير، الذي جمع بين الحفاظ على الثوابت، والتغيير في المتغيرات، بما يسمح للمملكة من خلال رؤية ٢٠٣٠ بالتحول إلى دولة عصرية، تأخذ بكل أسباب التطور والتقدم، وتوظيف التقنية، وتوطين الصناعة، واستثمار طاقات الشباب، وتمكين المرأة؛ تحقيقاً لتنمية مستدامة، واقتصاد قوي متين، ووطن خلاق، ومجتمع ديناميكي فاعل وسعيد.

لذا جاءت أعمال الملك سلمان شاملة لكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والإدارية والعسكرية، فمن إعادة ترتيب البيت الحاكم، وإعادة هيكلة الهيكل الإداري للحكومة، وإنشاء عدد من الوزارات والهيئات والمؤسسات والأجهزة الحكومية، وإلغاء ودمج بعضها الآخر، إلى إصدار عدد من الأنظمة لضبط وتسيير أمور الناس، بما يتوافق مع مستجدات الحياة، ودواعي التغيير.

وقد استمرت حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ربان الرؤية في الحفاظ على نهج السياسة السعودية، المتسم بالحكمة، والعقلانية، ‏واحترام القوانين الدولية، وحق الجوار، ‏وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبناء علاقات دولية متكافئة ‏تخدم المصالح الوطنية، وتعزز دور المملكة الريادي العالمي، ‏وتمكن من القيام بواجبها تجاه القضايا العربية والإسلامية والإنسانية، وإغاثة الملهوفين دون تمييز، الأمر الذي مكن لزيارات قمة متبادلة، وتوقيع ‏عشرات الاتفاقيات الدولية ‏الاستراتيجية ‏والاقتصادية. كما سعى إلى بناء تحالفات في مواجهة الأعداء، والتصدي للإرهاب، وإغاثة المستغيثين، واتبع سياسة الحزم مع المخالفين والمعتدين.

كما عملت حكومة المملكة على بناء اقتصاد قوي ومتين ومتنوع الروافد، لا يعتمد على البترول، ويؤسس للموارد البديلة، من خلال التنمية الشاملة والمستدامة، وتوطين الصناعة والاستثمار في السياحة والتجارة والشراكة مع القطاع الخاص، وتوظيف ‏كل الإمكانات الوطنية، فأنشأ عدداً من المدن ‏والمشاريع والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والترفيهية.

ويبقى ‏المأمول، الاستمرار في العمل على تحقيق أهداف الرؤية ‏والتنمية المستدامة، والاقتصاد المعرفي، والتطوير الشامل، وتوفير ‏حياة كريمة، وخدمات عصرية شاملة، في وطن عظيم، لشعب عزيز.

* واجهت المملكة العربية السعودية خطر الإرهاب، ومع ذلك استطاعت في تجربة فريدة فصل مفهوم التدين عن الإرهاب، فكيف حدث ذلك؟، وكيف يمكن في ظل الحلول الأمنية فصل التدين عن الإرهاب؟.
- نجحت المملكة في مواجهة الإرهاب والبراءة من أهله، والفصل بينه وبين مفهوم التدين، وذلك حين تمسكت بالإسلام ديناً، والشريعة دستوراً، وخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام، ونشر العلم ‏الشرعي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومناصرة القضايا الإسلامية والإنسانية، وفق منهج ‏الاعتدال والوسطية‏ وسياسة التسامح.

وفي الوقت ‏ذاته، آبانت للعالم ‏حقيقة الإسلام وبراءته من الاٍرهاب، وزيف دعاوى الإرهابيين وأتباع الحركات الضالة المنتسبين للإسلام، وأن الإرهاب والغلو والعنصرية ليس لها ‏عرق ولا دين ولا مذهب، وبالوقوف مع العالم في استراتيجياته المحاربة للإرهاب.

‏وبحمد الله، نجحت الحلول الأمنية في القضاء على الاٍرهاب، واستأصلت شأفته بخبرتها في مواجهته، وقدرتها على التصدي لعناصره بكل الوسائل والأساليب، وستظل ناجعة ما تمكنت من الفصل بين أهل الدين وبين المنتسبين إليه من الغلاة والإرهابيين، فكل إرهابي يمكن أن يكون متديناً وليس كل متدين إرهابي. وسيبقى دور أهل العلم والمثقفين ضرورياً ومسانداً للحلول الأمنية، وذلك بنشر منهج الحق والاعتدال وتفنيد معتقدات أهل ‏الضلال.

* ما تقييمك لما يجري في الأراضي اليمنية؟، وهل هناك من مؤشرات لإنهاء الحرب الدائرة فيها؟.
- ما يدور في الأرض اليمنية أتون فتنة، وقودها الاختلاف المذهبي، ‏والتنافس المناطقي، والصراع الفئوي، ‏وتنازع السيادة بين المشيخة والقانون، والإمامة والجمهورية، والاستئثار بالمصالح، وارتهان الحوثيين لمآرب إيران في اليمن، وتنفيذ أجندتها المقيتة، ومع ذلك ستبقى مؤشرات الحل والمبشرات بالخروج من الفتنة قائمة، بدعم المملكة للشرعية، وبما يحمله النهج السعودي من العقلانية والجنوح ‏للسلم، وتغليب الدبلوماسية على الحرب، والعمل على تحفيز جميع الأطراف على التوافق، وتكريس الموقف الدولي نحو الحل السلمي، حرصاً على وحدة اليمن، وسيادة الدولة الشرعية.

‏كما تتعلق الآمال، بحكمة اليمنيين ‏في تغليب مصلحة اليمن على الأنانية الذاتية والمصالح الآحادية، وبقدرة العالم على كف يد إيران من العبث بالشؤون الداخلية ‏لليمن، وتفعيل القرارات الدولية بشأنه. مع إيماننا بقدرة المملكة والتحالف الذي تقوده على حسم المعركة حربياً، إذا ما أرادت ذلك.

* ‏إيران التهمت الجزر الإماراتية وترفض أي تفاوض بشأنها، ثم الجنوب اللبناني وترفض انتخاب رئيس للبنان، وتعلن علانية الدعم العسكري لبشار الأسد بسوريا، فكيف يمكن مواجهة هذا الأخطبوط الصفوي؟.

- تقوم المملكة بمواجهة الأخطبوط الإيراني من خلال جهودها الكبرى في التصدي ‏للتمدد الشيعي، والنفوذ الصفوي في البلاد العربية والإسلامية منذ الثورة الإيرانية، وتصديرها بكافة الوسائل والأساليب السياسية والحربية، وعون الدول التي اصطلت بنار العدوان ‏الإيراني، والتدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك بحشد الرأي العالمي تجاه ‏سياسات إيران العدوانية، وتهديدها للسلم الدولي، والأمن البحري، ومصادر الطاقة والتجارة العالمية. وكم نحن بحاجة إلى دور فاعل للمثقفين وأهل العلم في تحصين المجتمع وتوعيته بالخطر الشيعي، وتفنيد عقائده الباطلة، وإيدولوجيته المذهبية العنصرية.

* ما مدى صدقية ما ذهب إليه المفكر الإيطالي أنطونيو نيجري، بأن حشود «الربيع العربي» غيرت مسار التاريخ في محيطها، وأن صراع الطبقات ليست جولة نقاهة؟.
- لم يكن انطونيو نيجري مخطئاً في ما قاله، فقد تسببت حشود الربيع العربي في تغيير مسار التاريخ في محيطها إلى الأسوأ، وخلق واقع مرير في تلك البلدان، ‏وحال المنطقة، وموقف العالم منها.

أما حديثه عن صراع الطبقات، فهو استجرار لروح الطبقية ‏الأوروبية في العصور الوسطى، وحروب التحرر منها، والواقع أن الوطن العربي لا يعيش الطبقية الفعلية، وليست وراء ما يسمى بالربيع ‏الذي كان وراءه الكثير من العوامل الداخلية والخارجية.

‏وتعد سلامة المملكة من رياح الربيع العربي، أنموذجاً لقدرة الدولة على الحفاظ على ‏أمنها ووحدتها واستقرارها، بما أنجزته من المكتسبات، وما وفرته لمواطنيها من العدالة والرخاء.

* كمنتمٍ للتوجه السلفي، ماذا يشعرك قول البعض، بأن إيران استعادت إمبراطوريتها الفارسية وعاصمتها القديمة في العراق؟.
- أنا لا أحبذ تأصيل الانتماءات، ولا الفئوية، ولا المذهبية والطائفية؛ ‏لما في ذلك من خرق لوحدة الأمة، وتفكك للمجتمعات، وإخلال بأمن الوطن. دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان فيها المسلمون والمنافقون والمشركون واليهود والنصارى، ثم في دولة الراشدين الشيعى والخارجي، ثم غيرهم. وكانت الدولة ‏ظلهم، والوطن سكناً لهم، والدين لا إكراه فيه، وقد تبين الرشد من الغي، وإنما الحرب كانت للمحاربين الذين عاثوا في الأرض فساداً.

‏أما مقولة استعادة إيران لإمبراطوريتها وعاصمتها في العراق، فهو قول جانب الصواب. نعم جهدت إيران في تصدير الثورة، ومد النفوذ، ونشر التشيع، لكنها زوبعة فنجان، ونفوذ جزئي لم يستحكم، وموجة سرعان ما تنحسر، وشواهدها في تاريخ الإسلام كثيرة، ففي كل أرض في وجهها من أهل السنة والحق سداً منيعاً. وجهود المملكة في التصدي للعدوان‏ الإيراني، والتمدد الشيعي معلوم مشكور منصور إن شاء الله، ‏والحق يعلو ولا يعلى عليه.

* ‏أليس من المؤسف، أن العلماء المنتمين إلى الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أضعفوا المشروع السلفي منذ ذلك الوقت، حين انخدعوا بإيران وروجوا للخميني في خطبهم ومؤلفاتهم، ومن ثم ساهموا في الترويج للتشيع داخل الوطن الإسلامي؟.

- إنما أُوتينا من باب اختلافنا، والاختلاف بين السلف والمخالفين من أهل المذاهب والجماعات الإسلامية واقع، وهو من الفتن ‏التي تمثل بيئة خصبة للصراع، يزدرع فيها الأعداء نفوذهم، ويحققون مآربهم في النيل من الإسلام وأهله وأوطانه، وستظل فئة الحق من أهل السنة المتمسكين ‏بهدي السلف الصالح منصورة إن شاء الله حتى قيام الساعة، حيث تقع على عاتقها المسؤولية العلمية والدعوية والثقافية في مواجهة الدعاية والدعوة الشيعية وغيرها من الأفكار الهدامة والمعتقدات الباطلة، كرافد لجهود الدولة السياسية والعسكرية.

* ‏كمفكر عربي مسلم، ألا يثير حفيظتك تجاهل الغرب للدور المحوري للحضارة العربية الإسلامية في الحضارة الإنسانية جمعاء، خصوصاً أدوارها المركزية في النهضة الأوروبية التنويرية التي نشأت على أصول مستمدة من إرث الحضارة العربية؟.
- كان تجاهل الغرب لدور الحضارة الإسلامية إلا المنصفين منهم؛ ليجهل الغربيون الإسلام فلا يدخلونه؛ وليجهلوا المسلمين فلا يقتدون بهم، حتى يظلوا في نظرهم أعداء.

 أما ونحن نعيش عصر التقنية، وثورة الاتصالات والمعلومات، فإننا نرى العالم، ونتواصل معه، ونحن على أرائكنا من جوال أو حاسوب نستطيع من خلاله أن نطلع العالم على حضارتنا، وثراء تراثنا، ودور سلفنا، وقد آن الأوان أن نعرفهم بحقيقتنا ومكتسباتنا، لا الاكتفاء فقط بتاريخ حضارتنا!!.

* ما صحة ما يردد بأن جميع مكتسبات الغرب الراهنة، نشأت كظاهرة غير عضوية ولا ذاتية الحركة، وإنما كتتويج لعملية الإلهام الحضاري العربي الإسلامي؟.
- جاءت مكتسبات الغرب والشرق في أصولها مستلهمة للحضارات القديمة، ومنها الحضارة الإسلامية الرائدة التي استوعبت الحضارات السابقة لها، وصقلتها وأضافت إليها، وصنعت منها حضارة عالمية هي الحضارة الإسلامية.

 غير أن من الإنصاف أن الغرب ‏المستلهم للماضي، ‏والمعتمد على الحضارة الإسلامية في نهضته، صنع حاضراً متطوراً، وحضارة مزدهرة  نقلت الحياة البشرية المدنية إلى قمة التقدم الذي يشهده العالم في عصرنا الحديث، بما ليس له مثيل من قبل. ومن المسلمات ‏أن الحضارات الإنسانية تراكمية، وأن  النمو إذا استمر أحدث التقدم والازدهار عبر حقب زمانية، وتلك الأيام ‏نداولها بين الناس.

* باعتبارك مثقفاً ومفكراً.. كيف تقرأ التراث، بشكل يتماشى مع لغة العصر، لا التضاد معه؟.
- التراث ينبغي أن لا يموت، كما ينبغي ألا نكفن في جلبابه ونحن أحياء، فالموروث هوية وطن، وهوية أمة ‏تستلهم من التراث كينونتها وثوابتها وهويتها، مع الانفتاح على الغير، فتأخذ منه وتعطيه، وتنتفع بما عنده وتتقوى به، بناء لحاضرها، واستشرافاً لمستقبلها.

 ومن المعلوم، أن الدول المعاصرة التي ليس لها تاريخ قديم ولا تراث عريق، تصنع لنفسها تاريخاً، وتحفظ تراثها لحفظ هويتها وتعميق انتماء مواطنيها لوطنهم.
ولذا فإن رؤية ٢٠٣٠م التي صنع استراتيجيتها سمو ولي العهد، جعلت ‏من ركائزها العمق الروحي والتاريخي والثقافي للوطن، وما يكتنزه من الآثار والتراث، والعمل على إبرازه من خلال المهرجانات والمعارض والمتاحف ‏والفعاليات الثقافية.

* هل من الممكن اليوم فهم الإنسان جيداً، ومعرفة عواطفه ودوافعه وتفسير نواياه ومحفّزاته.. وفقاً للفلسفة التحليلية لطبيعة البشر وسلوك الأفراد والجماعات والدول؟.
- نعم إلى حد كبير، فالتطور العلمي والتقني المتحقق في الدراسات النفسية والاجتماعية وغيرها، واستخدام وسائل التقنية التحققية، والوسائل الراصدة لتعاطيه وتوجهات تواصله، يمكن أن تساعد على فهمه بشكل أكبر مما كان. كما أن معرفة الرجال بالرجال، تظل من علامات القدرة على التمييز بينهم، قال عمر رضي الله عنه: «رحم الله أبا بكر، فقد كان أعلم مني بالرجال».

* ‏ثمة أخلاقيات مفطورة داخل الإنسان، تدفعه لطلب البقاء، وتغريه لممارسة الهيمنة.. كيف لنا أن نؤصل فيها أخلاق البقاء، ونجنبها غوغائية الهيمنة؟.
- ليس كل من تخلق بخلق البقاء كان غوغائياً، أو مهيمناً، ففي زمن الفتن كما في كثير من بلاد الإسلام اليوم، تكون أخلاقيات البقاء للبقاء ذاته، وإن كان بالجلاء من دائرة الصراع والهيمنة. بينما نجد أخلاقيات ‏الفناء والتدمير والموت يحملها أهل الهيمنة، الساعين لبقاء الهيمنة لا بقاء الحياة.

* هل تعتقد أن هذا الصراع البشري، هو نتيجة لهذه الطبيعة الأنانية العاطفية الفاقدة للحس الأخلاقي بدءًا؟.
- من نافلة القول، إن الصراع البشري له مسبباته المتعددة والمتباينة حسب أحوال الناس، وطبيعة الاختلاف بينهم، ولكن تبقى القيم والمصالح هي المؤثر الأكبر في طبيعة ذلك الصراع، وتعاطي المتصارعين معه بسمو وإنسانية للروحانيين، أو غوغائية وحيوانية للماديين.

* على المستوى الثقافي، ما موقفك من المثقف وأدواره ووظائفه والنقودات التي نالها طوال السنين الماضية؟، وكيف تقدم نفسَك كمثقف سعودي؟.
- كطالب علم، أرى أن المثقفين ‏تمايزت ‏أدوارهم حسب تكوينهم الثقافي وتوجهاتهم الفكرية ومواقفهم من المستجدات، غير أنهم أجمع، ‏قد أسهموا في توعية وتثقيف المجتمع، إما بأصول ثقافته ومبادئ وقيم دينه، وإما بالمعارف العالمية والثقافات الأممية، وقد نال كل طرف نقودات الآخر، وأعتقد أن المثقف الحق، من ثقف المجتمع في توازن يحفظ ثقافته العربية الإسلامية، ويغذيها بنواتج ‏الثقافة الأممية النافعة، وتحصين المواطن فكرياً في زمن العولمة الذي لا فكاك منه، وليس أمامنا إلا التعامل معه ونحن نعلم من نكون، وكيف نكون، ومع من نتعامل في هذا الكون.

* ‏طرحك الفلسفي والإستراتيجي، هل بإمكانك أن توصله لأكبرعدد من جمهورك وطلابك؟، وما سبيل إيصاله لغيرك من المفكرين ومراكز العلاقات الدولية؟.
- كأكاديمي وكاتب مُقل لا فلسفياً ولا استراتيجياً، أوصل علمي لطلابي تحت قبة التعليم في جامعتي، وأسهم ثقافياً في خدمة المجتمع كمواطن عبر وسائل الإعلام والمنتديات الثقافية. وقد تعددت وتقدمت وسائل الاتصال وتبادل المعلومات، وهي كفيلة بإيصال ‏المحتويات الفكرية إلى الآخر أفراداً أو جماعات.

* ‏هل تعتقد أن هذه الأفكار الفلسفية التي تطرحها قابلة للصمود مستقبلًا في وجه التطور المعرفي الهائل، والترابط المفرط للسرعة بين الشعوب والدول؟.
- الأفكار الفلسفية ‏وطروحات المثقفين قابلة للتغير بتغير الأحوال ومعطيات العصور، وتعاقب الدهور، وتلاقح الثقافات بين الشعوب؛ لاعتبار ‏الفكر مادة قابلة للتأثير والتأثر حال الاحتكاك بين الحضارات، فلا ثابت إلا الثوابت.

* ‏يبقى العالم محكوماً بثنائية الغالب والمغلوب، فما الدور المطلوب من المثقف العربي في هذا العالم المتناحر الذي تحكمه مصالح الأوطان المتغيرة في كل الظروف؟.
- المأمول أن يكون دور المثقف العربي مساهماً في تثقيف المجتمع بما يساعد على حفظ هويته، وتلاحم نسيجه الاجتماعي، والتفافه ‏حول قيادته وولاة أمره، والإعانة على خلق المواطن الصالح القادر على الإسهام في سلامة وطنه وتنميته، والحفاظ على مكتسباته وأمنه‏. ومن واجباته العمل على نشر ثقافة السلام والتعايش وقبول الآخر، فما أحوج المجتمعات إلى الإيمان بالقيم الإنسانية في علاقاتهم.

* هل تتفق مع ما ذهب إليه د. محمد الرميحي، بأن الشعوب تدار بـ«السوسيولوجيا» وليس بـ«الآيديولوجيا»، بداعي أن الأفكار الجاهزة لا يمكن أن تطعم خبزاً؟.
- قول الدكتور الرميحي قاسمه الصواب في جانب، وجانبه في الآخر. نعم بالسوسيولوجيا ‏ودراساتها الميدانية الاجتماعية للأفراد والجماعات وتفاعلاتها الاجتماعية تدار المجتمعات، ولكنها تدار أيضاً بالايدولوجيات، ‏فلو لم تدار بالايدلوجيات لما تمترست شعوب وطوائف وهم فقراء للقمة خبز في خنادق الأيديولوجيات المذهبية أو العرقية، وأُستنزفوا في حروبها المذهبية والطائفية.

* ‏أصبحت «الهوية العربية» في الآونة الأخيرة نسبية، تتفاوت بين عربي وآخر.. فهل المسؤول هنا وزارات التربية والتعليم في مختلف الدول العربية، باعتبارها المسئولة عن تنمية الأطفال منذ التحاقهم بالمدارس؟.
- كلنا مسؤولون عن الهوية الوطنية والعربية والإسلامية، الأسرة التي نشأ فيها النشء، والمجتمع ومؤسساته الاجتماعية، والمدارس التي ترعاها ‏وزارات التربية والتعليم بما تقدمه من قيم المواطنة ومعززاتها في المقررات الدراسية والنشاطات الثقافية أللا صفية، وكذلك بما تكفله الدول لمواطنيها من عوامل الاعتزاز والافتخار والانتماء الوطني.

ولا شك أن ما تقدمه دولتنا السعودية المباركة لمواطنيها، وما يزخر به وطنهم العظيم ‏الذي ليس كمثله وطن في الكون لا شرق ولا غرب، من المكتسبات الحضارية، وما يتمتع به ‏المواطنون من الرخاء والأمن والعدل والكرامة، هي من مسببات صادق الانتماء للوطن.

 وستبقى الهوية العربية نسبية نتيجة تعدد مكوناتها العرقية والدينية، واضطراب علاقاتها البينية، ولسوء الأوضاع الداخلية لبعضها، وما تعانيه تلك المجتمعات من ‏الأزمات الاقتصادية والثورات، الأمر الذي أسهم في عدم قدرة بعض الدول على تحقيق أسباب الحياة السوية لمواطنيها، فأثر كل ذلك في نظرة البعض منهم للعروبة والهوية العربية.

* ‏تختلف الأمم بأيديولوجياتها المتنوعة في قراءة تراثها، وكل منها يدعي امتلاك الحقيقة الكاملة.. فكيف نقرأ نحن العرب والمسلمين تراثنا؟.
- أعتقد أن المسلمين قادرين على تحقيق مكانتهم العالمية من خلال النظر إلى رسالتهم العالمية، ودعوتهم الإنسانية، ودينهم القائم على المبادئ السامية، والتعاليم السمحة، والخلق القويم، والرحمة والوسطية والاعتدال، وتسخير تراثهم ‏المتوافق مع حقيقة دينهم الحق في هداية العالم، ونشر السلام، والتعايش بين الشعوب.

* ‏باعتقادكِ.. هل قرئ التراث قراءة صحيحة ناضجة راشدة، أم أن قراءته جاءت متناقضة في العديد من الحقول والجوانب؟.
- لا يخفى على ذي لب، أن قراءتنا لتراثنا جاءت عند جمهور الأمة قراءة سوية راشدة، ووظفت في إطارها الصحيح. بينما جاءت قراءته من أهل الأهواء والفرق والفكر الشاذ والمغالي متناقضة وانتقائية ومخالفة لحقيقته القيمة والمستقيمة، ووظف من قبلهم فيما يضر بالأمة والدين وصورة المسلمين. ولتصحيح هذه الصورة المغالطة، أتمنى القيام بدراسات عميقة في التراث الإسلامي تبرز ركائزه وجمالياته، ‏وتبين للناس القراءات الخاطئة لمدلولاته.

نقلا عن مجلة اليمامة | حوار : سامي التتر