ميادين العاصمة المقدسة.. غابات الأسمنت قتلت الهوية والجمال

تعكس المجسمات الجمالیة في المیادین خاصة للمدن العریقة تراث وھویة تلك المدینة والتطور والحضارة في الفكر والتصمیم، ولكن من میادین العاصمة المقدسة قلما تشاھد ً مجسما یعكس حضارة و ثقافة المكان فقد حاصرت غابات الأسمنت كل جمیل، ویرى الكثیر من الخبراء أن إلقاء نظرة على میادین العاصمة المقدسة یكتشف ما تعانیھ من إھمال وقد غابت عنھا المجسمات الجمالیة التي كانت تتزین بھا قبل أربعین ً عاما.. في ھذا التحقیق سنتعرف على ضرورة الاھتمام بالمیادین العامة كجزء من الھویة والتاریخ والمشروع المرتقب لتأھیل المجسمات والمیادین؟!

فى البدایة یرى المستشار الھندسي طلال بن عبدالله سمرقندي الرئیس التنفیذي لمكتب الخطوط المعماریة للاستشارات الھندسیة أن ً كثیرا من المسؤولین بالبلدیات والأمانات یغفلون أھمیة الاھتمام ببعض عناصر المدینة الرئیسة الخمسة حسب رؤیة المختصین في التخطیط والتصمیم الحضري ومنھم المخطط كیفن لینش والمتمثلة في:
1 .المسارات، في الشوارع والأرصفة والممرات، وغیرھا من القنوات التي تسمح للناس بالتنقل
2 .أطراف وحدود الفراغات مثل الجدران والمباني والشواطئ والجبال.. إلخ
3 .الأحیاء التي تتمیز بھویة خاصة بھا
4 .نقاط الالتقاء والمیادین ونقاط الاتصال على مفارق الطرق
5 .المعالم والأشیاء التي یسھل تحدیدھا كنقاط مرجعیة
ویؤكد المھندس سمرقندي أن سبب الإھمال یعود إلى عدم وجود مخططین متخصصین في إدارات التخطیط في ھذه الأمانات، ولو قارنا مدینة مكة المكرمة بمدینة جدة مثلاً لوجدنا فرقا شاسعا في ھذا المجال ففي الوقت الذي تنتشر مئات المجسمات والأعمال الفنیة بجدة ویتم الاھتمام بالمیادین بشكل خاص نجد أن مدینة مكة المكرمة لا یوجد فیھا من ھذه الأعمال ما یوازي أھمیتھا ومكانتھا.


سببان مھمان للمشكلة

ویضیف المھندس سمرقندي سببین مھمین قائلاً: من وجھة نظري أن عملیة متابعة تنفیذ المخططات الھیكلیة یعتبر ضعیفًا أیضا لعدم مشاركة المخططین الموجودین في الأمانة في عملیة التخطیط وبالتالي یصعب على غیر المختص متابعة التنفیذ، والسبب الثانى في وجھة نظري ً أیضا یكمن في عدم استیعاب المسؤولین في الأمانة لأھمیة تحسین وتجمیل المدینة بالشكل المطلوب، وعلى الرغم من أن ھناك محاولات محدودة في السنتین الماضیتین لعمل بعض الأعمال الجمالیة إلا أنھا لم تتوافق مع مكانة مكة المكرمة لا في العدد ولا في المستوى أیضا مستثنیًا المجھودات المبذولة من إدارة الإنارة والتي تقوم بتطویر أدائھا سنة بعد سنة.

وأخیرا یقترح سمرقندي على المسؤولین في الأمانة قائلاً: «أنا متأكد من أنھم حریصون على التطویر وأن یتم طرح مشاریع متخصصة في تحسین المیادین وتنفیذ المجسمات العامة بشكل ممنھج وعلمي ومشاركة المختصین في ھذا المجال من الفنانین والمھندسین بمختلف تخصصاتھم».


ساعاتي: مجسمات جمالیة مستوحاة من ھویة المدینة
یقول الدكتور فوزي محمد ساعاتي أستاذ التاریخ الإسلامي والمكي بجامعة أم القرى: كانت المجسمات الجمالیة لمیادین العاصمة المقدسة مستوحاة مما حبا الله بھ مكة المكرمة من خصوصیات ومكانة فكانت آیات القرآن ولفظ الجلالة یشیر إلى الوحي، ودوارق زمزم تذكر بقصة السیدة ھاجر وولدھا إسماعیل علیھما السلام، وتدفق الماء المبارك ً مشیرا إلى أن كافة المیادین كانت تكتسي بالإبداع والجمال»، ویستدرك قائلاً: لكن فوجئنا بإزالة ھذه الجمالیات دونما أي مبرر وتركت المیادین مع ذكریات الزمن الجمیل؟!

متحدث الأمانة: سنطرح مشروعا لتأھیل المجسمات والمیادین
أكد رائد سمرقندي المتحدث الرسمي باسم أمانة العاصمة المقدسة أن الامانة بإدارة التجمیل والأنسنة تعمل على طرح مشروع تأھیل المجسمات والمیادین والذي سوف یتم من خلالھ تأھیل وإنشاء میادین ومجسمات جدیدة بمواقع متفرقة میادين العاصمة المقدسة..

وقال: «إنھ ونتیجة للتوسع الكبیر الذي تشھده العاصمة المقدسة والمشاریع التطویریة المتمیزة في المنطقة المركزیة حدثت تغیرات كبیرة في النمط العمراني والمیادین والتقاطعات والشوارع مع وجود عدد من المجسمات مازالت في مواقعھا مثل مجسم میدان زمزم ومجسمات حدیقة الرحمة وحدیقة الحجون وظھور جداریات متمیزة في طریق المسجد الحرام وطریق الملك خالد وجداریة محبس الجن.


شقدار: 6 معاییر للعناصر الجمالیة في مكة المكرمة
یرى المھندس جمال بن یوسف شقدارالمختص في التخطیط العمراني أن یتم وضع مخطط عام للعناصر الجمالیة على مستوى مدینة مكة المكرمة تُراعى فیھ المعاییر الفنیة الستة التالیة:
١ -التصمیم والتنفیذ والإشراف باحترافیة من خلال فریق فني متفرغ تشارك فیھ القطاعات الحكومیة ذات العلاقة بالخدمات البلدیة، وممثلون عن
المؤسسات المجتمعیة الناشطة في المجال مثل «مبادرة معاد» و»مشروع تعظیم البلد الحرام» وغیرھا.
٢ -مراعاة الطابع والمفردات العمرانیة المكیة وكذلك الخطوط العربیة الإسلامیة.
٣ -مراعاة ارتباط التصمیم بالبعد التاریخي فكل موقع في مكة المكرمة لھ تاریخ تمتد جذوره لآلاف السنین.
٤ -مراعاة التوزیع الجغرافي للعناصر الجمالیة على كل أحیاء وطرق مكة المكرمة الدائریة والإشعاعیة وكذلك الحدائق والمیادین.
٥ -ضرورة مشاركة القطاع الخاص والاستفادة منھ في التصمیم والتنفیذ والصیانة والتشغیل.
٦ -وضع ضوابط مشددة للعنایة بالعناصر الجمالیة واستدامتھا وحفظھا من العبث المقصود وغیر المقصود.

ویتساءل شقدار قائلاً: من ُ المحیّر اختفاء وتناقص وتآكل كثیر من المجسمات الجمالیة الصغیرة والكبیرة التي ازدانت بھا طرق ومیادین مكة المكرمة من أربعین عاما، والتي شارك في تصمیمھا وتنفیذھا عدد من الفنانین والمھندسین المكیین وكلفت الدولة والمجتمع تكالیف مالیة وجھودا بشریة.


شافعي: تجمیل المیادین لیس فقط للزینة ؟!
یقول الدكتور حسین عبدالعزیز شافعي -أستاذ الحضارة والعمارة الإسلامیة بقسم التاریخ بجامعة أم القرى-: حظیت مكة المشرفة بقدسیة انفردت بھا عن سائر مدن العالم، وھنا لابد من تفعیل ما یمكن من وسائل تدلل على القدسیة من خلال المجسمات والآیات القرآنیة والأحادیث النبویة الشریفة والأشعار ورسومات تدلل على مواقع الآثار كمسجد البیعة ونحوه، وھذه الوسائل تربط القدیم بالحدیث، ویساعد أبناءنا على معرفة تراثھم الوطني والحضاري، مشیرا إلى أن إحیاء المجسمات لھ فوائد عدیدة لابرازالقیمة الحضاریة للموقع.

نقلا عن صحيفة المدينة |
طالب الذبياني