"مجر الكبش"...حيث جاء العفو الإلهي

لما هاجر أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- مبتعداُ عن أبيه وقومه بعد إصرارهم على الشرك؛ أحس بالوحدة، وسأل الله -عز وجل- أن يعوضه بالذرية الصالحة “إني ذاهب إلى ربي سيهدين، ربي هب لي من الصالحين”، واستجاب الله دعاءه فوهبه إسماعيل، رغم كبره سنه.

نشأ سيدنا إسماعيل عليه السلام وترعرع في مكة المكرمة شبه يتيم تحت جناح أمه هاجر عليها السلام، بعيدا عن كنف أبيه؛ بعد أن أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم بأن ينقله عندما كان رضيعا بصحبة أمه إلى الديار المقدسة، وكانت مكة المكرمة وقتها أرضا جرداء خالية من أي أثر للحياة، ودعا سيدنا إبراهيم ربه سبحانه أن يميل إليهم أفئدة من الناس ليكونوا لهم عونا على شظف العيش، واستجاب الله تعالى له؛ فكانت قصة بئر زمزم وسكنى قبيلة جرهم بقربه ضيوفا ثم أعوانا وأنصارا للسيدة هاجر وابنها عليهما السلام.

وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام يزور ابنه وزوجه بين الحين والآخر ليطمئن على أحوالهما، إلاّ أن إحدى الزيارات لم تكن عادية، حيث جاء الامتحان الإلهي لأبو الأنبياء على هيئة رؤيا تأمره بذبح ابنه الذي انتظره طويلاً، وتكررت عليه الرؤيا، فأخبر ابنه برؤياه يسأله “يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى”، فأجابه سيدنا إسماعيل عليه السلام بقلب المؤمن المطمئن: “يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين”، ليستلقى سيدنا إسماعيل على جنبه، ولما ابتدأ سيدنا إبراهيم بحز عنق ابنه، جاءه النداء الإلهي: “يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم”.

في كل موسم حج يستحضر المؤمنون قصة “الفداء العظيم”، مستذكرين المشهد، متخيلين هبوط الكبش من جبل “ثبير”، كما روى عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “الصخرة التي بمنى بأصل ثبير، هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه”.

وذكرت بعض المصادر التاريخية أن لبابة بنت علي بن عبدالله بن عباس قد بنت مسجداً في موقع القصة عرف بـ”مسجد الكبش” أو “مسجد النحر”، إلاّ أنّه لا أثر له الآن، فيما بقي الموضع بين الجمرتين الأولى والوسطى معروفاً بـ”مجر الكبش”.

وحول تلك القصة تحدث مدير مركز تاريخ مكة المكرمة التابع لدارة الملك عبد العزيز، الدكتور فواز الدهاس بقوله: لم يكن هناك مسجد بموقع مجر الكبش، بل كان مصلى قبل فترة قديمة جداً، ويقع مجر الكبش أثناء توجهك إلى عرفات قبل مسجد البيعة على الجهة اليسرى في جبل "ثبير"، مبيناً أن هناك مصلى يقال بنته امرأة تدعى " لبابة بنت علي "، ولكن هذا الموضوع اندثر منذ زمن بعيد جداً.