حارة الشامية

المصدر : جريدة الشرق الاوسط | الخميـس 23 جمـادى الاولـى 1429 هـ
 

مكة تودع حي الشامية في أضخم توسعة عرفتها المدينة المقدسة

أيام قلائل تفصل على أسدال الستار على حي الشامية أحد أعرق الأحياء المكية العتيقة المطلة على الحرم المكي، التي شكلت مفرقاً في تاريخ مكة المكرمة، ضمن أكبر توسعة في التاريخ الإسلامي في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، لينتهي الفصل الأخير لهذا الحي الذي كان وما زال مركز ثقل اقتصادي وعمراني في مكة المكرمة.

عند مدخل حي الشامية من «باب الزيادة» ينعطف بنا الطريق نحو «باب المحكمة» و«زاوية السمان» فرباط «محمد باشا» إلى مدخل «سويقة»، حيث  يفترق الطريق يميناً إلى (باب الدريبة) فالمسعى، أو ينحني شمالاً لندلف من سقيفة قهوة (القبو) إلى (القرارة) فتنبسط باحة (برحة المنكابو) مهفهفة تشرف عليها رواشين بيوتات الحي المتعانقة في الهواء، وفي أقصى اليسار النافذ إلى القرارة رباط الخالدي وفي الزقاق المجاور على يساره تطالعنا مدرسة (إندونيسيا المكية) ـ أول مدرسة أهلية في العهد السعودي (1346هـ) يتصدرها مؤسسها العلامة جنان محمد طيب وفي آخر المنحنى النافذ ترتقي دار (دوسل) كربوة تحتضن فناءً رحبًا تعقد فيه (مدرسة الفتاة الأهلية) احتفالها الختامي السنوي الحافل في بكور التعليم المدرسي للبنات.

بهذه الكلمات وصف فاروق بنجر عضو نادي مكة الأدبي في حديث لـ «الشرق الأوسط» تجليات ذلك المكان مؤكداً ان ذلك الحي يضم مبنى مدرسة الشامية (العزيزية الابتدائية) منذ ان افتتحت عــام 1916م وانبتت زهورها فتخرج فيها علماء وأدباء ووزراء وسفراء وأطباء ومهندسون وقيادات تربوية واجتماعية وسياسية وعسكرية وثقافية متحركة. وفي ظهر البازان مكتب ومطبعة جريدة (البلاد السعودية) وبجواره يقف (بيت الجيلاني) العتيق الشهير ويلصق جناحه الأيمن (رباط حسين بي بي) أحد أكثر من اثني عشر رباطاً في الشامية آوت الأسر والأفراد من الفقراء والمنقطعين من أهل البلد والمجاورين وكم شهدت مجالس بعضها دروس وحلقات القرآن والعلم والتعليم وفي زوايا متفرقة قامت أكثر (كتاتيب) الأحياء المكية؛ فأيقظت عقول ووجدان الصغار والصغيرات.

ويضيف فاروق بنجر ان من يدخل الشامية تنفرج أسارير الحياة له، تتسع مرائي الأشياء، تتماوج وتبزغ الوجوه والأصوات، هذه الحارة النابضة بالتاريخ والجغرافيا والتراث إحدى اثنتي عشرة محلة من الأحياء المكية العريقة، ظلت تطوف حول البيت العتيق، وتلتف بأغصان المدينة المقدسة إلى منتصف القرن الهجري الرابع عشر. وتستلقي الشامية على سفح (قعيقعان) تفترش ناحية من الرحاب الطاهرة تصحو في الصباح وتتثاءب فتغفو في الغسق لا يخترق هدوء سحرهـا المسكـون بالأحـلام والرؤى الخضــراء إلا صافرات العســة (أبي طربوش) أو أهازيج المزمار وحفلات الأعراس وضجيج المواسم.

 ويشير فاروق بنجر الى أنه حين نتوقف في قلب الحي نستمع الى نبض الأيام وإيقاع الأوقات، وتلوح مطلات الحارة ومشارفها الدور المتعانقة السامقة منافذها إلى الفلق (فلق ابن الزبير)، وجبل تركي، وجبل هندي، وجبل قرن، وتنفرج المنافذ اتساعاً في برحة القطان، وبرحة مرداد، وبرحة إلياس، وبرحة بنجر، وبرحة البناني، وبرحة عرب، وتضيق ممتدة إلى زقاق العجيمي، وزقاق الغريب، وزقاق البدوي، وزقاق الكدوة، وزقاق الدعوجي وتنفسح متوهجة المرأى إلى سويقة، وقاعة الشفا.

ويضيف فاروق بنجر «هذه هي (الشامية) خرجت كوكبة من وزراء البلاد ورجالاتها واحتضنت أعرق الأسر العلمية وهـنا ولــدت أولى مـدارس الـبــنات النـظامـيـة: (مدرسة البنات الأهلية 1362هـ)، و(مدرسة الفتاة الأهلية 1367هـ )، و(كتّاب ثم مدرسة المعجونية 1364هـ) وفي قلعة جبل هندي استقر المعهدان العتيدان: المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثــات (1358- 1368هـ) وبجوار القلعة كان مقر وستوديو (الإذاعـة السعودية 1371هـ) ثم (إذاعــة نداء الإسلام) وها هنا نبت واخضر العود وتنامت عناقيد الفتوة في ريق الشباب وانغرست بذور التربية والتعليم في حقولنا.

من جانبه يصف الباحث في التاريخ الإسلامي المعاصر سعد شاكر الجودي أن حارة الشامية تقع شمال المسجد الحرام ويحتضنها جبل قيقعان، حيث تمتد من ناحية الشبيكة ومن محلة حارة الباب ومن جرول وحدودها من الشبيكة زقاق القلعة الذي يفصل بينهما وبين الشارع الموصل الى السوق الصغير ومن حارة الباب زقاق بيت القامة المؤدي إلى زقاق شقراء الزقاق الموصل إلى بيت أحمد غزواي ومن جرول من ناحية دحلة الموارعة ودحلة حرب ومن الناحية الشرقية القرارة من مسجد الحريري والخرزة ومن الشمال يحدها النقا والسليمانية الى جبل عبادي.