حادثة الحرم الشهيرة وصور نادرة لم تنشر.. تفاصيل واقعة فجر الثلاثاء
في يوم الثلاثاء الموافق 15 من شهر محرم لعام 1400 هـ أعلن الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وزير الداخلية آنذاك ، أنه قد تم بعون الله وتوفيقه في الساعة السابعة والنصف صباحاً تطهير قبو المسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة على الدين الإسلامي ، وقد أسر وقتل جميع من فيه .
ويروي الباحث في تاريخ السعودية عبدالله العمراني في الحلقة الثانية من زاوية ذاكرة السعودية لــ "سبق " حادثة الحرم بصور نادرة وحصرية لم تنشر وتفاصيل رواها إمام الحرم في تلك الفترة الشيخ محمد عبدالله السبيل – رحمه الله - والمؤذنون في ذلك الوقت رحمهم الله جميعاً عن أحداث فجر الثلاثاء 1/1/1400هـ .
رواية الشيخ محمد عبدالله السبيل – رحمه الله :
قال رحمه الله : ( دخل علينا أناس معهم أسلحة من رشاشات وبنادق ومسدسات , وبعد أن صليت صلاة الفجر إماما وقفوا على سجادة الإمام وكانت هناك جنازة طفل للصلاة عليه , فجاء أحدهم يريد أن يأخذ الميكروفون فأخذته منه فما كان منه إلا أن أشهر البندقية في وجهي , وقلت له ( اتق الله أريد الصلاة على الجنازة ) فترك الميكروفون.
وتابع العمراني وهو يروي ما ذكره الشيخ السبيل رحمه الله : بعد انقضاء الصلاة لم يشعر المسئولون عن مكبرات الصوت بوصول الجنازة فتم قفل الأجهزة , فقمت وصليت مع اثنين أو ثلاثة على الجنازة والباقون اندهشوا بالحالة الحاضرة ، وبعد ذلك سلمت الميكروفون للمختص كالعادة , وكان هؤلاء بعد انتهاء الصلاة يقومون بالدوران ويخترقون الناس بعجلة ، وإذا رأوا شخصا وتبين لهم أنه مواطن قالوا له اذهب وبايع المهدي ، وقد تسلل نفر منهم إلى غرفة مكبرات الصوت وقاموا باستعمالها في مبايعة من أسموه بالمهدي بعد اقتحام (المكبرية ) ، وقاموا بتشغيل الأجهزة القديمة ولم يستطيعوا السيطرة على الشبكة الجديدة لأنها كانت بعيدة عن متناول أيديهم ، ولم يتمكنوا من تشغيلها .
وتابع الشيخ في روايته " تركت مكان الإمام وخرجت وبقيت في الحرم حتى الساعة التاسعة والنصف أراقب الحرم , ثم خرجت مع مجموعة من الحجاج بعد أن تركت ( مشلحي ) وأقبلت على الباب وإذا بي أقف أمام ستة من المسلحين , وخرجت من وسط الناس دون أن يلاحظوا من أنا , وإلا كان الأمر غير ذلك".
وبين الشيخ رحمه الله : أن عدد المصلين الموجودين في الحرم أثناء وقوع الحادث لا يقل عن مائة ألف شخص كانوا يؤدون صلاة الفجر ، وقد خرجت مجموعات كبيرة منهم خلال الربع ساعة الأولى بعد أن فتحت الأبواب ولكن المصلين لم يتمكنوا بعد ذلك من مغادرة المسجد الحرام إلا متسللين من الأماكن المفتوحة كالنوافذ الصغيرة ، وفي الوقت الذي كان المسلحون يطلقون الرصاص في الهواء ويتحدثون بالميكروفون ويشيرون إلى من ادعوا أنه رئيسهم ويقولون انطلقوا نحوه فإنه معنا الآن ولقد شعرت قبل خروجي بقتلهم اثنين من الجنود السعوديين وجرحوا اثنين آخرين .
دهنوا وجوههم فاسودت أعمالهم :
يقول العمراني : دهن أفراد الطغمة المارقة عن الدين الإسلامي وجوههم بنوع من الطلاء يحول دون رؤيتهم في الظلام مما ساعد على اختفائهم أثناء تحركاتهم في قبو المسجد الحرام خلال مطاردة قوات الأمن لهم. ويقول أحد الضباط من سلاح المدرعات بالحرس الوطني: وصلنا في اليوم التالي من الحادثة وأخذنا مواقعنا ، وكانت معنا الصواريخ والمدافع ، وكانت الرماية والقذائف توجه إلينا من المنارات ، ولاحظنا أنها تركز على الرماة وأجرينا عملية تعبئة لهم خلف المطافي المعدة في الأماكن أمام الحرم للتمويه عليهم وقد وفقنا الله لتحقيق النتائج الإيجابية لقد أجبرناهم على النزول من المنارات ، وقد شاهدنا أنه في أول ضربة سقط أربعة أشخاص على الفور ، وقد استخدم المتمردون المنارات كمراكز للتموين .
رواية رئيس المؤذنين في الحرم المكي في ذلك الوقت الشيخ عبدالملك ملا :
ويقول العمراني : في لقاء نادر مع الشيخ عبدالملك ملا ــ رحمه الله ــ وهو أحد الذين كانوا داخل الحرم فجر الثلاثاء يقول الشيخ ملا : خرجت يوم الثلاثاء وقمت بالأذان الأول ، وأذن الشيخ عبدالحفيظ خوج الأذان الثاني ، وبعد انتهاء الصلاة شعرنا بحركة غير عادية في حين كان باب (المكبرية) يطرق علينا طرقا شديدا ، فخرج المهندسون المكلفون بمكبرات الصوت ، وفتحوا الباب ، وإذا بمسلحين يدخلون علينا مرددين ( الله أكبر ، أظهروا ! المهدي أتاكم !!)، وخرجنا تحت السلاح لا ندري ما يقع ، لأننا عشنا في أمان وتربينا في أمان .
رواية الشيخ عبدالحفيظ خوج مؤذن الحرم في ذلك اليوم :
ويواصل العمراني عن رواية الشيخ خوج ــ رحمه الله ــ : كان الشيخ خوج حينها يبلغ من العمر 69 عاما ويقول عن تلك الحادثة : ( اعتدت على الصلاة في الحرم في الأوقات الخمسة ، وكان فجر الثلاثاء هو ترتيبي في جدول المؤذنين ، وقبل هذا أدينا صلاة المغرب والعشاء مساء الإثنين ولله الحمد كالعادة في يسر واطمئنان ، ولكن ذلك اليوم خرجت مع الأذان الأول ، وذهبت للمكبرية، وعندما قرب الوقت قمت بالأذان ،وبعد هذا خرج الإمام ، وأقيمت الصلاة .
وتابع " طوال الصلاة ونحن في خشوع ، وبعد أن أتممت التسليمتين سمعت ضجة شديدة قرب المكبرية ، فالتفت للشيخ عبدالملك ملا رئيس المؤذنين وسألته وكان مثلي لا يعلم ، فقمت وإذا بي بهجوم من ستة أو سبعة أشخاص وهم يشهرون السلاح ، وكانوا يقولون ( الله أكبر -محمد المهدي .. اخرجوا من هنا ) ، وبعد هذا سلمنا أمرنا لله ، وقاموا بتكسير الزجاج ، وكان الشيخ عبدالملك معي ، وخرجنا ونحن نشاهد هذا ، وبعد ذلك سمعنا ضجة بالحرم وسرنا عند المكان الذي يدرس فيه السيد محمد علوي مالكي ووجدنا بعض من نعرفهم وسألونا عن غايتنا ، فأجبنا أننا ذاهبون لمنازلنا ، فقالوا : ( أي منازل؟ وأبواب الحرم مقفلة ) وبقينا على هذا الحال حتى الساعة 9 والنصف صباحا ثم حضر إلينا أحد الإخوة اليمنيين وقال هناك مكان للخروج من ( البدروم) ، وذهبنا معه على أمل الخروج واثقين أن الموت واحد وخرجنا ومعنا بعض المواطنين والحجاج وكانت هناك جماعة مسلحة ، وخرجنا سالمين .
حكمة القيادة السعودية :
وأضاف العمراني : كان في استطاعة قوات الأمن في بلادنا القضاء التام على الإعتداء الآثم الذي تعرض له المسجد الحرام منذ اللحظات الأولى ولكن كانت هناك عدة اعتبارات جعلت حكومة بلادنا تلتزم ضبط النفس في مواجهة الحادث حتى تحقق أكثر من هدف واحد بنجاح تام , واستطاعت حكومتنا بحكمتها البالغة أن تحقق كل هذه الأهداف حمت رواد بيت الله الحرام ، وحافظت على قدسية البيت العتيق ، وقضت على المعتدين الخارجين على الإسلام .
واليوم وبعد مرور 40 عاما ما زلنا نفخر بثلاثة مواقف أدت إلى تحقيق كل هذه الإنتصارات :
الموقف الأول : يتمثل في الالتحام الكامل بين المواطنين في كل من مواقع السلطة ومواقع المواطنة بحيث أدى هذا التلاحم لتحويل الكل إلى صف واحد تمثل في الوقوف ضد العدوان الآثم على مقدساتنا .
الموقف الثاني يتمثل في دور قوات الأمن بمختلف فئاتها وتنظيماتها التي استبسلت في دفع الضر والأذى عن بيت الله الحرام ، لدرجة أن الجرحى منهم كانوا يرفضون البقاء للعلاج ويطالبون بالعودة إلى المواقع لمواصلة قتال أعداء الله وأعداء الدين .
الموقف الثالث : الدعم العربي والإسلامي الشامل لموقف المملكة العربية السعودية في مواجهة الحادث والتصدي له من مواقع الرؤيا والتصرف اللذين اتسما بالروية والتعقل .
0 تعليقات