الرحلة الحجازية هي الأهم في حياة طه حسين

في عدد يناير/ فبراير 2019م، طالعت إهداء عميد الأدب العربي طه حسين إلى أهالي المنطقة الشرقية الذي خص به القافلة ونشرته في عددها السادس (أبريل 1955م).

والحقيقـة أن طه حسين قام برحـلات عديدة وزيارات خارجية كثيرة. وكانت رحلته الأهم والأشهر وذات التأثير العميق في تطوره الفكري إلى الحجاز عام 1955م.

ففي جمادى الأولى 1374هـ يناير1955م قام طه حسين برحلته الحجازية، حيث كان يهفو إلى زيارة الأراضي المقدسة. وقد جاءته الفرصة حينما صار رئيساً للجنة الثقافية في جامعة الدول العربية، بل إنه لم يكن ليقبل اختياره لهذا المنصب لولا أنه علم أن دورة هذه اللجنة ستعقد في المملكة العربية السعودية. وقد عبَّر عن ذلك في حفل افتتاح دورة اللجنة الثقافية التاسعة التي عقدت في جدة. وحينما تهيأ طه حسين للقيام بالعمرة، عُهد إلى الشيخ عبدالله المنيعي مدير إدارة الثقافة بوزارة المعارف السعودية ليرافقه في رحلته الروحية لأداء العمرة.

كانت الرحلة الحجازية لطه حسين على النحو التالي:
• وصل طه حسين إلى جدة وألقى بها خطابه التاريخي في الدورة التاسعة للمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية.
• وفي جدة احتفل الأساتذة المصريون العاملون في المملكة بطه حسين، وتباروا في الترحيب به -شعراً ونثراً- وكان الشيخ محمد متولي الشعراوي أحد الذين حيّوا طه حسين بقصيدة عصماء.
• أحرم طه حسين في جدة وركب السيارة قاصداً مكة لأداء العمرة. ودخل الحرم من باب السلام. وتوجَّه إلى الكعبة، فتسلَّم الحجر وقبَّله، واستمر يطوف في خشوع ضارع وبكاء خفي حتى أتم عمرته، وقد أخذ منه الإرهاق النفسي أكثر من البدني كل مأخذ.
• وبعد أداء العمرة طلب طه حسين ترتيب السفر إلى المدينة. ولكن الطريق البري كان مغلقاً بسبب السيول التي حدثت في ذلك العام، وطه حسين لا يركب الطائرات أبداً! لكنه صمم على السفر إلى المدينة وإن بالطائرة. ووصل إلى المدينة على متن طائرة خاصة مع الوفد المرافق له يوم الأربعاء 2 جمادى الآخرة 1374هـ 26 يناير 1955م.

بعد العودة من الرحلة الحجازية، أجرى الشاعر والكاتب كامل الشناوي مع طه حسين حديثاً نشرته مجلة آخر ساعة في 16 فبراير سنة 1955م. وسأله كامل الشناوي: علمت أنكم سافرتم إلى المدينة المنورة في طائرة صغيرة خطرة، مع أنكم لا تركبون الطائرات أبداً، وسبق أن رفضتم دعوات مهمة جداً لأمريكا وروسيا والهند لأن تلبيتها كانت تستلزم ركوب الطائرة، ولم تلبُّوا حتى دعوات ابنتكم وصهركم لزيارتهما وهما في أي منصب في السلك الدبلوماسي في أي بلد لهذا السبب؟
فقال الدكتور طه حسين: لم يكن من الممكن أن أتخلَّف عن هذه الزيارة، ولم تكن هناك طريقة أخرى غير الطائرة، كنت أحس أنه لا بد لي من زيارتها، لولا خوف الغرور لقلت إنها كانت دعوة من خارج نفسي. دعوة آمرة.
ويستفهم كامل الشناوي: دعوة آمرة؟
ويقول طه حسين: دعوة آمرة لا بد أن تلبّى. لقد قال لي الأستاذ أمين الخولى: “إن الطريق البرِّي إلى المدينة مقطوع بسبب السيول الغزيرة التي هطلت هذا العام. ألا تؤجل زيارة المدينة هذه المرَّة؟ فقلت له: “لن أغفر لنفسي أبداً. شوقي إلى هذه الزيارة يتزايد منذ أكثر من سنتين”.
وتحدِّثنا سوزان زوجة طه حسين في كتابها (معك) عن أثر هذه الرحلة على طه حسين، فتقول: “وما كان يواسيه شيء لو لم يتمكَّن من رؤية المدينة المنورة، وأعرف كم كان متأثراً عندما يقول لي: حقاً إن الإسلام دين الصفاء والتسامح”.


المصدر : مجلة قافلة الزيت | مارس - أبريل | 2019  | صلاح الشهاوي